#20 7-7 سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام
حلقةُ اليوم عن مولدِ إسحاق وعن موتِ إبراهيمَ عليه السلام. قال الله تعالى في حقِ إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}. كان إبراهيمُ عليه السلام يذهبُ بعد كلِ مدةٍ إلى مكةَ المكرمة يتفقدُ ولدَه إسماعيل وأمَّه هاجرَ عليهمُ السلام وقد صارَ إسماعيلُ عليه السلام بعدما تزوَجَ هناك نبيًا. وبعدَ أن بلغَت زوجتُهُ سارةُ سِنَ اليأس وهو السِنُ الذي لا تلِدُ المرأةُ فيه عادةً وكانت امرأةً عقيمًا وكان عُمرُها تِسعينَ سنة رزَقَها الله ورَزَقَ زوجَها إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام ابنًا نجيبًا عليمًا وهو إسحاقُ عليه السلام الذي صارَ بعد ذلك نبيًا كأخيه إسماعيل عليهما السلام. أما كيفَ جاءَ إبراهيمَ وزوجتَه سارةَ البِشارَةُ بهذا الولدِ الطيّب، فقد ذكرَ الله تبارك وتعالى أنَّ ثلاثةً من الملائكةِ الْمُكرّمينَ عندَه قيل هم: جبريل وميكائيل وإسرافيل لما وَفدوا على نبيِ الله إبراهيمَ الخليل حَسِبَهم أولًا ضُيوفًا ولم يكن يعلم أنهم ملائكة، فعامَلَهُم مُعامَلَةَ الضيوف وشوى لهم عِجلًا سمينًا من خِيارِ بقرِه، فلما قرَّبَهُ إليهم وعرضَ عليهم لم يرَ لهم هِمَّةً إلى الأكلِ لأن ملائكةَ الله الكرام لا يأكلون ولا يشربون ولا يتعبون ولا يتوالدون وليسَ فيهم حاجةٌ إلى الطعام، ثم لَمّا علم إبراهيمُ عليه السلام أنهم ملائكة وأنهم في طريقهم إلى مدائنِ قومِ لوطٍ الكافرين ليُدمِروهم ويُنزلوا بهمُ العذابَ لكفرهم وفُجورِهم، إستبشرت سارةُ غضبًا لله عليهم، وكانت قائمةً على رءوسِ الضيوفِ كما جرت بهِ عادةُ الناسِ من العربِ وغيرِهم، وضَحِكَت استبشارًا بذلك ثم بشرَتها الملائكةُ بإسحاق، عند ذلك أقبلَت سارةُ في صَرخَةٍ وصَكَّت وجهَها كما يفعل النساءُ عند التَعجُب وقالت: كيف يَلِدُ مثلي وأنا امرأةٌ كبيرةٌ وعقيمٌ وزوجي شيخٌ كبيرٌ، وكذلك تعجبَ إبراهيمُ استبشارًا بهذه البِشارةِ فرحًا بها. فأكدوا لإبراهيم هذه البِشارة وبشروه وزوجتَه سارة بغلامٍ عليمٍ وهو إسحاق أخو إسماعيل عليهما السلام. قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}. وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}، فقيل: كلُّ كتاب أُنزِلَ من السماءِ على نبيٍ من الأنبياءِ بعد إبراهيمَ الخليلَ فعلى ذريتِه وهذه منزلةٌ عاليةٌ ومرتبةٌ عليّة، وذلك أنه وُلِدَ لإبراهيمَ الخليل لصُلبِه ولدانِ ذكرانِ عظيمان صارا نبيينِ ورسولين وهما: إسماعيل من هاجر، ثم إسحاقُ من سارة، ووُلِد لإسحاقَ يعقوب وهو إسرائيل الذي كثُرت جدًا في ذريتِه النبوة بحيثُ لا يعلمُ عددَهم إلا الله تبارك وتعالى الذي بعثَهم، حتى خُتِموا بعيسى ابنِ مريم من بني إسرائيل. وأما إسماعيلُ عليه السلام الذي نشأ في قبيلةِ جُرهُمٍ العربية وتعلمَ منهمُ اللغةَ العربية وتزوَجَ منهم، فلم يوجد من سُلالَتِهِ من الأنبياء سِوى خاتَمِ الأنبياء على الإطلاق وسيدِهم وسيدِ الأولين والآخرين وهو سيدُنا محمدُ بنُ عبدِ الله بنِ عبدِ المطلب بنِ هاشمٍ القرشيُ الذي وُلدَ بمكة وهاجرَ إلى المدينة. وقد مدحَ سيدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم إبراهيمَ عليه الصلاةُ والسلام عدّةَ مرات ومنها قولُه صلى الله عليه وسلم: “إنَّ الكريمَ ابنَ الكريمِ ابنِ الكريمِ ابنِ الكريمِ يوسفُ بنُ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ خليلِ الله”. وقد تُوُفِيَ سيدُنا إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام ولهُ من العُمُرِ مِائتا سنةٍ كما يُفهَمُ ذلك من حديثِ ابنِ حبان، وقيل: عاش سيدُنا ابراهيم مائةً وخمسًا وسبعينَ سنة. وقد عاشَ عليه الصلاة السلام بعدَ هجرته من العراق في فلسطين وقد استقر بها، وكان يترددُ إلى مكةَ المكرمة من حين لآخر ليتفقَدَ ولدَه إسماعيلَ وأمَه هاجر عليهما السلام. وقد دفنه ابناهُ إسماعيل واسحاقُ عليهما السلام في المغارةِ التي كان قد دَفَنَ فيها إبراهيمُ الخليلُ زوجتَه سارة بقريةِ حَبرون وهو البلدُ المعروفُ اليوم بالخليل، وهذا مُتَلَقَّى بالتَواتُر أمةً بعد أمةٍ وجيلًا بعد جيل من زمنِ بني إسرائيلَ إلى زماننا هذا. والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم. نتوقف هنا واعدينَكم أن نُحدثَكم في الحلقة المقبلة بإذن الله تعالى عن سيدِنا إسماعيلَ عليه السلام.