الإثنين ديسمبر 23, 2024

#15 2-7 سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام

ذكرَ أهلُ التواريخ أنَّ إبراهيمَ انطلقَ بزوجتِه سارة وابنِ أخيه لوطٍ فخرَجَ بهم من أرضِ الكِلدانيين إلى أرضِ الكَنعانيين وهي بلادُ بيتِ المقدس، فنَزَلوا حرَّان وكان أهلُها يعبدونَ الكواكبَ السبعة، فقامَ الخليلُ إبراهيمُ عليه السلام يدعو قومَه إلى دينِ الله وتركِ عبادةِ الأصنام التي لا تَضُرُ ولا تَنفع، وكانَ أولُ دعوتِه لأبيه ءازر الذي كان مشركًا يصنَعُ الأصنامَ ويَعبُدُها ويَبيعُها للناسِ ليَعبُدوها فدعاهُ إلى عبادةِ الله وحدَهُ لا شريك له وإلى دينِ الحقِ الإسلام العظيم بألطفِ عبارةٍ وبأحسنِ بيان وبالحكمةِ والموعظةِ الحسنة، وبيَّنَ لهُ بُطلانَ ما هو عليه من عبادةِ الأوثانِ. ولكن لم يقبل ءازرُ نصيحةَ نبيِ الله إبراهيمَ ولم يستجب لدعوتِه بل استكبرَ وعانَد وتوعَد وهددَ ابنَه إبراهيمَ بالشرِ والرجمِ والقتلِ فعندها قال له إبراهيمُ ما حكاه الله عنه: {قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ} أي سلامٌ عليك لا يصِلُك مني مكروهٌ ولا ينالُك مني أذى، وزادَه بأن دعا له بالخير فقال: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} أي سأطلبُ من الله أن يغفِرَ لك كُفركَ بالدخولِ في الإسلام وليس معناه إني أطلبُ لك باللفظِ كما يستغفرُ المسلمُ للمسلمِ بقوله: الله يغفرُ لك أو أستغفرُ الله لك. ثم لما عَلِمَ إبراهيمُ أنَّ أباه لا يُسلم بل يموتُ على الكُفر تبرأَ منه. وهذه الغِلْظَةُ والاستِكبارُ مِن والِدِ إبراهيمَ عليه السلام لم تُقْعِدْهُ وتَمْنَعْهُ مِنْ مُتابَعَةِ دعوتِه إلى الله سبحانه وتعالى ولم تُثْنِه عدمُ استجابةِ أبيه لنُصحِه ودعوتِه إلى عبادةِ الله وحدَه عن متابعةِ دعوتهِ لقومهِ إلى هذا الدينِ الحقِ العظيم وتركِ عبادةِ الكواكبِ والأصنام. أرادَ إبراهيمُ عليه السلام أن يُبَيِّنَ لِقَوْمِهِ أنّ عبادَةَ الكواكبِ باطلةٌ وأنها لا تصلُح للعبادةِ أبدًا لأنها مَخلوقةٌ مُسَخَّرَةٌ مُتغيرة تطلُعُ تارةً وتَغيبُ تارةً أُخرى، وأنها تتغيرُ من حال إلى حال وما كان كذلك لا يكونُ إلهًا، لأنها بحاجة إلى من يغيرُها وهو الله تبارك وتعالى الدائمُ والباقي الذي لا يتغيرُ ولا يزولُ ولا يفنى ولا يَموت، لا إله الا هو ولا ربَّ سِواه، فبَيَّن إبراهيمُ عليه السلام لقومِه أولًا أنّ الكوكبَ لا يصلُح للعبادة فقال لهم هذا ربي؟!! أي على تقديرِ الاستفهامِ الإنكارِيّ فكأنَه قال: أهذا ربّي كما تزعُمون؟! هذا لا يستحق العبادة!!، لذلك لَمّا غابَ الكوكبُ قال: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} أي لا يَصْلُحُ أن يكونَ هذا الكوكبُ ربًا لأنه يأفُلُ ويَتَغَيرُ ومن كان كذلك لا يستحق العبادة، ولَمّا لم يفهموا مقصودَه وظلّوا على ما كانوا عليه، قال حينَ رأى القمرَ مِثلَ ذلك فلمّا لم يَجِد منهم بُغْيَتَهُ أظهرَ لهم أنه بريءٌ من عبادةِ القمر لأنّه لا يَصْلُحُ للعبادةِ ولا يصلُحُ للربوبية، ثم لما أشرقتِ الشمسُ وظهرَت قال لهم مثلَ ذلك، فلما لم ير منهم بُغيتَه أيضا وأنهم أصحابُ عقولٍ سقيمةٍ وقلوبٍ مُظلمةٍ مستكبرةٍ أيِسَ منهم وأظهرَ براءتَه من هذا الإشراكِ الذي وقعوا به وهو عِبادةُ غيرِ الله تعالى، وأما إبراهيمُ عليه السلام فهو رسولُ الله ونبيُه فقد كان مؤمنًا وعارِفا بربِه كجميعِ الأنبياءِ لا يَشُكُ بوجودِ الله طرفَةَ عين، وكان يعلمُ أنّ الربوبيةَ لا تكون إلا لله وأنه لا خالقَ إلا الله ولا معبودَ بحقٍ إلا الله. ولم يكن كما يَفتري عليه بعضُ أهلِ الجهلِ والضلالِ من قولِهم إنه مرَّ بفَتَراتٍ وأوقاتٍ شكَّ فيها بوجودِ الله، لأنّ الأنبياءَ والرُسُلَ جميعَهم يَستحيلُ عليهمُ الكفرُ والضلالُ قبلَ النبوةِ وبعدَها، لأنهم بُعثوا هداةً مُهتدين ليعلّموا الناس الخير وما أمرهم الله بتبليغه، فقد كان إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام قبلَ مناظرتِه لقومِه وإقامةِ الحجةِ عليهم وقبلَ دعوتِهم إلى الإسلام والإيمان يعلم علمًا يقينًا لا شك فيه أنّ له ربًا وهو الله تبارك وتعالى الذي لا يشبه شيئًا وخالقُ كل شيء، وأنّ الأولوهيةَ والربوبيةَ لا تكونُ الا لله الموجود بلا مكان خالقِ السمواتِ والأرضِ وما فيهِما وهو مالكُ كلِ شيء وقادرٌ على كل شيء ولا يشبه شيئًا وعالمٌ بكلِ شيء ونافِذُ المشيئةِ في كلّ شيء، والدليلُ على ذلكَ من القرءان قولُه تعالى: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ}، وقوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا ولا نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} واعلموا رحمكم الله أنه لا يجوز اعتقاد أنَّ إبراهيم عليه السلام شكّ في الله تعالى أو عبد غير الله، ومن اعتقد ذلك فقد وقع في الكفر والعياذ بالله تعالى ووجب عليه تصحيحُ عقيدته والنطقُ بالشهادتين للدخول في دين الإسلام. ونصيحتي لكم يا أحبابنا أن تتعلموا علم الدين لا سيما علم العقيدة بالسند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن طريق الثقات حتى تحفظوا دينكم وتميزوا بين الحلال والحرام والكفر والإيمان. قواكم الله وأعانكم على هذا الخير العظيم. نقف هنا ثم نتابع قصةَ تكسيرِ إبراهيمَ للأصنام في الحلقة القادمة إن شاء الله.