الخميس نوفمبر 21, 2024

4 4-5 سيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام

أمرَ الله سيدَنا ءادم وزوجتَه حواء أن يسكُنا الجنة، وهي جنةُ الخلدِ التي سيدخلُها المؤمنونَ يومَ القيامة. وقد أباحَ الله لآدم وحواء سُكنى الجنةِ والأكلَ من ثمارِها والشربَ من مياهها والتنعمَ بنعيمها من غيرِ مشقةٍ ولا تعبٍ يلحَقُهما في الحصولِ على ما يُريدان من طعامٍ وشراب، إلا شجرةً واحدة حرّمها عليهما ونهاهما عن الأكلِ منها، وحذّرَهما من عداوةِ إبليسَ وإغوائِه لهما، ولم يَرِد في القرءانِ الكريم ولا في الحديثِ الثابتِ الصحيحِ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ما هي هذه الشجرة، لذلك اختلفَ العلماءُ في تعيينها فقيلَ هي التفاح، وقيل هي النخلة، وقيل التين، وقيلَ غيرُ ذلك، فقد تكونُ والله أعلم واحدةً من هذه وقد تكونُ مِن غيرِها، وقال بعضُهم: هذا الخلافُ لا طائلَ تحتَه لأنه لا يتعلق بتعيينها حكمٌ شرعي ولا فائدةٌ تاريخية وإلا لَعَيَّنَها لنا القرءان. وسكنَ ءادم وحواءُ الجنة وصارا يتنعمانِ بما فيها من نعيم وما فيها من كل ما تشتهي الأنفسُ وتَلَذُ الأعين، فكان يتنقلُ بين أشجارِها ويقطِفُ من ثمارِها ويتنعمُ بفاكهتها ويشربُ من عَذْبِ أنهارِها ومياهِها. والسببُ في خروجِ ءادمَ من الجنةِ أن ءادم خالفَ النهيَ الذي نهاه الله لأنه أعلمَه بالمنعِ من أكلِ شجرةٍ واحدةٍ من أشجارِ الجنة وأباح له ما سواها فوسوس الشيطانُ له ولحواء أن يأكلا منها، فأكلا منها فأخرجهما الله تعالى من الجنة، وكان ذلك قبلَ أن تنزِلَ عليه النبوةُ والرسالةُ لأنّه إنما نُبئ بعد أن خرجَ من الجنة ثم تابا من تلك المعصية، ولا تُعدُ تلك المعصيةُ معصيةً كبيرةً كما يقول بعض الكفار. ثم بعدَ خروجِهما من الجنةِ تناسلا فعلّمَ ءادمُ أولادَه أمورَ الإسلام فكلُ ذريتِه كانوا على الإسلام، ثم نُبئَ بعدَ ءادمَ ابنُهُ شيث، ثم بعدَ وفاةِ شيثٍ نُبئ إدريسُ ثم كفرَ بعضُ البشرِ بعبادةِ الأصنامِ فبعثَ الله الأنبياءَ بالتبشيرِ لمن أطاعَهم بالجنةِ والإنذارِ بالنارِ لمن خالفهم بعبادةِ غيرِه وتكذيبهم. ثم بعد أن نزلا إلى الأرض علمَه الله تعالى أسبابَ المعيشة وعلّمَه كيف يَبْذُرُ وكيفَ يحصُدُ وكيفَ يعمَلُ للأكل. فآدمُ عليه السلامُ له فضلٌ كبيرٌ على البشرِ لما له عليهم من حقِ الأبوّةِ وتعليمِ أصولِ المعيشةِ فلا يجوزُ تنقيصُه، فمن نقصَّه فهو كافر. وهنا فائدةٌ مهمة: قال الله تعالى: {فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، ورُويَ عن مجاهدٍ قال: “الكلماتُ: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، ربِّ إني ظلمتُ نفسي فاغفر لي إنك خيرُ الراحمين، لا إله إلا أنتَ سبحانك وبحمدِك، ربِّ إني ظلمتُ نفسي فتُب عليَّ إنك أنت التوابُ الرحيم”، وروى البيهقيُ بإسناده عن عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “لما اقترفَ ءادمُ الخطيئةَ قال: “يا ربّ أسألك بحقِ محمدٍ إلا ما غفرتَ لي، فقالَ الله: كيف عرفت محمدًا ولم أخلقْه بعد؟ فقال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك (أي بعنايتك) ونفخت فيَّ من روحِك (أي الروحِ المشرفةِ عندك)، رفعتُ رأسي فرأيتُ على قوائِمِ العرش مكتوبًا لا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله، فعلمتُ أنك لم تُضِف إلى اسمِك إلا أحبَّ الخلقِ إليك”. واعلموا رحمكم الله أنه لا يقالُ طردَ اللهُ ءادمَ من الجنةِ لأنَّ هذا اللفظَ فيهِ تحقيرٌ لسيدِنا ءادم بل يقالُ أُهبِطَ من الجنة كما يُفيد نصُ القرءان. وهَكذا نصلُ إلى نهايةِ حلْقتنا على أَمَلِ أن نحدثَكم في الحلقة القادمة عن مدة إقامة ءادم عليه السلام في الجنة واليومِ الذي خرجَ فيه منها وقصة قابيل وهابيل.