درس ألقاه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد العبدريّ رحمه الله تعالى فِي الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة عشرين وأربعمائة وألف من الهجرة الشريفة الموافق للثالث من شهر تشرين الأول سنة تسع وتسعين وتسعمائة وألف رومية فِي بيته فِي بيروت وهو فِي بيان أن من كذب بشرع سيدنا محمد فهو كافر. قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمدُ لله ربّ العالمينَ لهُ النّعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثّناءُ الحسنُ وصلواتُ الله البَرّ الرّحيم والملائكة المقرّبينَ على سيّد المرسلين وعلى ءاله الطّيّبينَ الطّاهرينَ.
أمَّا بعدُ: فالإنسان الكافر والجنيُّ الكافر أَخَسُّ خلق الله. ثم فِي القرءان الكريم فِي سورة البيّنة: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [سورة البينة: 6] الكفارُ إن كانوا من أهل الكتاب الكفار أو من الوثنيين من عبدة الشمس أو من عبدة النجم، أخسُّ خلق الله، أي: شر المخلوقين.
بعض الجاهلين يقولون: أهل الكتاب ليسوا كفارًا. على زعم بعض الناس {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}، معناه: بعض أهل الكتاب وبعضٌ ليسوا كفارًا. هذا جهل بالشرع واللغة. مِنْ هذه بيانيةٌ ليست بَعْضِيَّةً. اليهودُ والنصارى قيل لهم: أهل الكتاب؛ لأنّهم ينتسبون إلى التوراة والإنجيل انتسابًا فقط وهم لا يَتْبَعُونَهُمَا. النصارى لا يتبعون الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى واليهود لا يتبعون التوراة التي أُنزلت على موسى إنما أخذوا الاسم فقط ما تركوا الاسم لذلك يُسَمَّوْن أهلَ الكتاب وهم تركوا حكم التوراة والإنجيل من زمان. لَمَّا كذّبوا سيدَنا محمدًا انخلعوا من التوراة والإنجيل الأصليَّيْن. فِي بَدْء الأمر صاروا يحرفون المعنى. لفظ التوراة ولفظ الإنجيل تركوهما كما هما لكن حرفوا المعنى ثم حرفوا اللفظ والمعنى. الآن لا يوجد توراة حقيقية بين البشر ولا إنجيل حقيقيٌّ بل لفَّقوا كلماتٍ خبيثةً فيها نسبةُ الحقارة إلى الأنبياء.
هذا الإنجيلُ الموجودُ اليومَ فِي أيدِي النصارى يوجد فيه كلمة فيها طعنٌ بسيدنا عيسى فإنَّ فيه ملعونٌ مَنْ عُلّقَ على خشبة وهم يزعمون أن سيدنا عيسى عُلّقَ على خشبة كيف هذا. حكموا على سيدنا عيسى بأنه ملعون. هذا لا العقل يقبله ولا الناس فِي عادتهم؛ لأن الذي يعلق على خشبة إما أن يكون مظلومًا أو مستحِقًّا فكيف يقال كل من عُلّق على خشبة ملعون. مَنْ يستحي مِن الكذب لا يقول هذا. لو سُئِلَ هؤلاء ألا يُعَلَّقُ إنسانٌ مظلومٌ لقالوا بلى. مع هذا بعضُ الناس ممن أفسدَ اللهُ قلوبَهم يُنْكِرُ ضلالَهم. فِي البقاع مرة كنا فِي بيت فِي بعلبك فجرى ذكر النصارى فقال قاضٍ بلفةٍ وجُبَّة كان حاضرًا: الروم ليسوا كافرين. النصارى يعبدون عيسى ويعبدون مريم والخوارنة، الروم وغير الروم منهم هكذا. هذا الذي يقال له: البابا عندهم وكيل الرب. الخوارنة أحَلُّوا لهم ما حرَّمَه المسيحُ وحرَّفوا دين عيسى u. الربا كان حرامًا فِي التوراة والإنجيل ولحمُ الخنزير كان حرامًا فِي التوراة والإنجيل ثم علماء النصارى أَحَلَّتْ لهم أما اليهود فبحسب الظاهر لا يُحَللُونَ. وكان فِي شريعتِهم الوضوءُ والصلاةُ بركوعٍ وسجود، وكان الصيامُ فلا يُؤكل فِي وقته شيء ولا يُشرب شيء ثم غيَّروا لهم فأطاعوهم. هذه الكنائس يجتمعون فيها فِي الأسبوع يوم. وسيدنا عيسى ما كان يُدَفّعُ مالًا كلَّ سنة على العمال وغير العمال باسم الكنيسة. هم باسم دينهم يعيشون كالملوك مِنْ دون أن يتعبُوا يأكلون ويلبسون اللباس الفاخر بدون تعب. باسم الكنيسة يأكلون من الأغنياء ويوزعون للفقراء شيئًا قليلًا.
الحاصلُ: أنَّ مَنْ لم يعتقد بلزوم اتّباع الشريعة المحمدية فهو كافرٌ ومن شك فِي كفره فهو كافر. لو طلع واحد فقال: أنا أعبد الله أقول لا إلـٰه إلى الله لكن ليس عليَّ أن ألتزم بشرع سيدنا محمد فهذا كافر. كلّ رسولٍ مَنْ أنكر شريعتَهُ فِي زمانه فهو كافر. لما كان سيدنا موسى على ظهر الأرض الذي قال: أنا لا يجبُ عليَّ أن ألتزم بشريعتك لكن لا أعبد غير الله فهو كافر. كذلك فِي أيام عيسى. كذلك فِي أيام سيدنا إبراهيم. كذلك فيما قبل.
في هذه الأمة يوجدُ أناسٌ انحرفوا عن دين الله عن عقيدة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وهم يَدَّعُونَ الإسلامَ؛ بل يدعون أنهم أولياءُ وهم حرَّفوا شريعةَ الله كهؤلاء اليَشْرُطِيَّة الذين يقولون: اللهُ داخلٌ فينا يقولون: هذا معنى الحيُّ القيوم. القيوم يقولون الداخل فينا. هؤلاء لا ينفعُهم صلاةٌ ولا صيامٌ ولا حجٌّ ولا زكاةٌ؛ لأنهم خالفوا الأساسَ أساسَ الإسلام، خرجوا من توحيد الله فماذا ينفعهم انتسابهم إلى الإسلام وإلى شريعة الله. الذي لا يعرفهم يظنُّهم صوفيةً من طبقةٍ عالية، الصوفية فِي الأصل مَنْ صَفَتْ قلوبُهم وزَكَتْ أعمالُهم ويترفَّعون عن الشهوات يقلّلُون من الأكل والشرب ويتبعون الشريعةَ فِي الظاهر والباطن ويزيدون على الفرائض أنهم قصدًا يتركون الكثيرَ من الحلال. هؤلاء الصوفيةُ كالخلفاء الأربعة كأبِي بكر وعمر عثمان وعليّ، وبعدَهم كان صوفيةٌ من التابعين ومَنْ بعدَهم وإلى يومنا يوجد صوفيةٌ حقيقيةٌ لكن المنحرفون كثُروا، تعلقوا بالاسم وتركوا الحقيقة كما أن النصارى تمسكت باسم الإنجيل وعَطَّلُوهُ فاحذروا هؤلاء اليشرطية وأمثالَهم. انتَهَى.
والله تعالى أعلم.