الجمعة أكتوبر 18, 2024

قصة رضاعة موسى عليه السلام

عاش المولود الصغير في دار فرعون عند زوجته ءاسية التي أحبته حبًا شديدًا وأخذت تعطف عليه مع فرعون لما شاهدا فيه من جمال وهيبة، وأخذت تبحث له عن مرضع ترضعه وتربيه، وكانت كلما أحضرت مرضعة لترضعه وتغذيه من لبنها يمتنع عن قبول ذديها، وحاروا في أمره حتى اشتد به الجوع وكثر منه البكاء وخشيت عليه من الهلاك، فأخذت تبحث بنفسها عن مرضع له عسى أن تجد مرضعًا يقبل ثديها ويتغذى بلبنها، وفي هذه الأثناء كان حنين أم موسى عليه السلام يشتد نحو موسى الذي صار في قصر فرعون، وكانت الأشواق تتأجج داخلها شوقًا إلى طفلها الصغير موسى عليه السلام حتى طلبت من أخته أن تتبعه وتقص ءاثاره عسى أن تأتيها بأخبار موسى عليه السلام في قصر فرعون فيشفى غليلها، وكانت قد سمعت أن فرعون قد أصاب صبيًا في تابوت ووضعه في قصره.

واستجابت أخت موسى لطلب أمها وصارت تتقصى وتتبع أخبار أخيها موسى عليه السلام في قصر ودار فرعون حتى أبصرته داخل القصر على بعد منها عنه لئلا يفطن فرعون لها، ولما تتبعت أخباره وأحواله علمت أنه ممتنع عن قبول ثدي أي مرضعة تأتي لترضعه وأنه كثير البكاء من الجوع، فقد قيل إنه بقي عليه السلام ثمانية أيام ولياليهن كلما أتي بمرضع لم يقبل ثديها حتى أهمهم ذلك واشتد عليهم.

عند ذلك دخلت أخت موسى القصر وتقدمت من ءاسية زوجة فرعون تعرض عليها أن تأتي لها بامرأة مرضعة أمينة تكفل وتتعهد هذا الرضيع الصغير في مقابل أجر لها فوافقت ءاسية على طلبها، وانطلقت أخت موسى بفرح وسرور إلى أمها تخبرها الخبر، وما إن سمعت هذا الخبر حتى عمّها الفرح والسرور وانطلقت إلى قصر فرعون، فلما دخلت ووضعت وليدها الصغير موسى في حجرها التقط موسى عليه السلام ثديها وأخذ يرضع منه حتى ارتوى، ففرحت ءاسية بذلك فرحًا عظيمًا وطلبت منها أن تمكث في القصر لترضع هذا الغلام، ووعدتها بأن تعطيها أنواع الهدايا وتكرمها بأنواع الإكرام، لكن أم موسى طلبت من ءاسية أن تسمح بها بأخذ الغلام إلى بيتها لتتعهده هناك بالعناية والرعاية لأنها لا تستطيع أن تترك بيتها وأولادها، وأمام هذا الأمر الواقع رضيت ءاسية بذلك على أن تأتي به إليها في القصر كل فترة لتراه ثم تعيده لها، وهكذا أعطى الله تبارك وتعالى أم موسى ما وعدها به وردّ لها ولدها موسى وكان وعد الله تعالى حقًا، يقول الله تبارك وتعالى: {وأصبحَ فُؤادُ أمِّ موسى فارِغًا إنْ كادتْ لَتُبدي بهِ لولا أنْ ربَطنا على قلبِها لتكونَ مِنَ المؤمنين* وقالت لأختِهِ قُصِّيهِ فبصُرت بهِ عن جُنُبٍ وهُم لا يشعرون* وحرَّمنا عليهِ المراضِعَ مِن قَبْلُ فقالتْ هل أدُلُّكُم على أهلِ بيتٍ يكفلونهُ لكُم وهُم لهُ ناصحون* فردَدناهُ إلى أمِّهِ كي تَقَرَّ عينُها ولا تحزنَ ولِتَعلمَ أنَّ وعدَ اللهِ حقٌّ ولكنَّ أكثرهم لا يعلمون}[سورة القصص/١٠-١٣] وقال تعالى: {ولقد منَنَّا عليكَ مرَّةً أخرى* إذْ أوحينا إلى أمِّكَ ما يُوحى* أنِ اقذِفيهِ في التَّابوتِ فاقذفيهِ في اليمِّ فَلْيُلقِهِ اليمُّ بالسَّاحلِ يأخذهُ عدوٌّ لي وعدوٌّ لهُ وألقيتُ عليكَ محبَّةً منِّي ولتُصنعَ على عيني* إذْ تمشي أختُكَ فتقولُ هل أدلُّكم على مَن يكفلهُ فرَجَعناكَ إلى أمِّكَ كي تقرَّ عينُها ولا تحزنَ}[سورة طه/٣٧-٤٠]

فائدة: في قوله تعالى: {وحرَّمنا عليهِ المراضعَ من قبلُ} [سورة القصص] قال المفسرون: هذا تحريم منع وليس تحريم شرع، فقد ألهم الله سبحانه موسى عليه السلام وهو طفل في المهد أن لا يرضع من المراضع التي كان يؤتى بهن إلى قصر فرعون ليرضعنه حتى جاءت أمه عليه السلام وأرضعته.