قال الله تعالى: (…كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ *) [سورة الرحمـن]
الرسول صلى الله عليه وسلم فسَّر هذه الآية بقوله: «يغفرُ ذنبًا ويكشفُ كربًا ويرفع قومًا ويضع ءاخرين» رواه الحافظ ابن حبان في صحيحه وابن ماجه. ويوافق هذا قول الناس «سبحان الذي يُغيّر ولا يتغير» وهو كلام حسن جميل إذ التغيّر في المخلوقات وليس في ذات الله وصفاته.
أما المجسمة الوهابية فيزعمون أن معنى الآية أن الله يتغيّر كل يوم، والعياذ بالله تعالى.
قال أبو بكر الباقلاني (403هـ) في «الإنصاف» ما نصه[(637)]: «ويجب أن يعلم: أن كل ما يدل على الحدوث أو على سمة النقص فالرب تعالى يتقدس عنه. فمن ذلك: أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات، والاتصاف بصفات المحدثات، وكذلك لا يوصف بالتحول، والانتقال، ولا القيام، ولا القعود، لقوله تعالى: {…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، وقوله {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ *} ، ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى يتقدس عن ذلك» اهـ.
فتبين أن الله يغيّر أحوال العباد من مرض إلى صحّة ومن فساد إلى صلاح ومن فقر إلى غنى ومن غنى إلى فقر على حسب المشيئة الربانية الأزلية فالتغير يطرأ على أحوال المخلوقات وليس على مشيئة الله وعلمه فإذا دعا العبد ربه أن يشفيَه فاستجاب له يصحّ أن يقال إن دعاءه وافق مشيئة الله. وإذا لم يستجب له يصح أن يقال إن الله لم يشأ له الشفاءَ وعلى كِلا الحالين يستفيد المؤمن بدعائه لربه سواء مع النفع الحاصل بالشفاء أو لم يحصل النفع بالشفاء لأن الثواب كُتب له.
تنبيه وتحذير: جرت العادة في بعض البلدان أن يجتمع بعض الناس في ليلة النصف من شعبان في المساجد أو البيوت لقراءة دعاءٍ فيه لفظ فاسد ينسبونه للنبي صلى الله عليه وسلم ولبعض الصحابة وهو كذب على رسول الله لم يثبت عنه ولا عن واحد من الصحابة. وهو قولهم: «اللهمّ إن كنتَ كتبتني عندكَ في أمّ الكتاب شقيًّا أو محرومًا أو مطرودًا أو مقتّرًا عليّ في الرزق فامح اللهمَّ شقاوتي وحرماني وطردي وإقتار رزقي واكتبني عندك من السعداء». فهذا الكلام لم يثبت عن سيدنا عمر ولا عن ابن عباس ولا عن مجاهد ولا عن أيّ واحد من السلف ومعناه مخالف للعقيدة الصحيحة وهي أن الشقيّ شقيّ في بطن أمّه فلا يتبدل سعيدًا لأنّه صحّ الحديث الشريف بذلك، واعتقاد تبدل المشيئة أو العلم أو أي صفة من صفات الله تعالى كفر كما قال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه وغيره من العلماء الأفاضل.
وهذا دأب كثير ممن يقرأون هذا الدعاء الفاسد يعتقدون أن الله يغيّر مشيئته في تلك الليلة فينقلب العاصي إلى طائع والمسيء إلى محسن والشقيّ إلى سعيد والمحروم إلى ميسور فمن اعتقد ذلك فسدت عقيدتُه وعليه أن يعتقد الحق ويرجع إليه ويتشهد أي يقول الشهادتين للخلاص من كفر، نسأل الله السلامةَ.
وأخيرًا ينبغي للإنسان أن يسارع إلى الخيرات بجدّ ونشاط ويستقبل الليالي المباركة ومنها ليلة النصف من شعبان بتوبة صادقة ليفوز يوم القيامة.
وأما قول الله تعالى في سورة الرعد {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ *} فقد قال البيهقي: وحدّثنا ابو عبد الله الحافظ حدّثنا أبو العبّاس محمد بن يعقوب حدّثنا محمد بن إسحاق الصاغاني حدّثنا رَوح بن عبادة حدّثنا حماد بن سلمة عن سليمان التيمي عن عكرمة عن ابن عباس ما نصه: «يمحو الله ما يشاء من أحد الكتابين، هما كتابان يمحو الله ما يشاء من أحدهما ويثبت {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ *}»
معناه اللوح المحفوظ يشتمل على الممحو والمثبت وإما في غير اللوح المحفوظ مما يستنسخه الملائكة أو يكتبه الملك في أمر خاص هذا فيه ذكر أحد الوجهين، أي أنهم كتبوا في صحفهم مثلا فلان ان وصل رحمه يعيش إلى المائة وإن لم يصل رحمه يعيش إلى الستين وهذا معنى القضاء المعلق وليس المبرم، أي الأمرين سيقع أخيرا، هم لا يعرفون في الابتداء، ليس موكولا إلى الملائكة علم المستقبل إنما هم يكتبون ما أمروا به وهذا بالنسبة لمن لم يطلعه الله منهم على الأمرين. فأحد الكتابين هو اللوح المحفوظ والآخر هو الذي في أيدي الملائكة الذين أمروا بالاستنساخ من اللوح.
قال البيهقي: والمعنى في هذا أن الله جلّ ثناؤه قد كتب ما يصيب عبدا من عباده من البلاء والحرمان والموت وغير ذلك وأنه إن دعا الله تعالى أو أطاعه في صلة الرحم وغيرها لم يصبه ذلك البلاء ورزقه كثيرا وعمّره طويلا وكتب في أمّ الكتاب ما هو كائن من الأمرين، فالمحو والإثبات يرجع إلى أحد الكتابين كما أشار إليه ابن عباس. والله أعلم.
و قيل يمحو الله ما يشاء ويثبت اي من الناسخ والمنسوخ وليس في الآية ان مشيئة الله تتغير لان الله قال: ما يبدل القول لدي وما انا بظلام للعبيد. وورد في الحديث (عند مسلم) انه صلى الله عليه وسلم قال عن الله: وقال لي يا محمد اني إذا قضيت قضاء فانه لا يرد.
ـ[637] تأويلات أهل السنة (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1426هـ المجلد التاسع ص473).