الجمعة أكتوبر 18, 2024

إخبارُه عَن قَومٍ يَغزُونَ في البَحرِ

452-        

وَقَـالَ عَـنْ قَـوْمٍ سَـيَـرْكَبُونَـا


 

ثَـبَـجَ هَذَا البَحْـرِ أَيْ يَـغْـزُونَا


453-        

وَمِـنْـهُـمُ أُمُّ حَـرَامٍ رَكِـبَـتْ


 

البَحْـرَ ثُمَّ فِي رُجُوعِهِمْ قَضَـتْ


 







(وَ)مِن مُعجِزاتِه ﷺ أنّه (قَالَ) أي أخبَرَ (عَنْ قَوْمٍ) مِن أصاحبِه (سَيَرْكَبُونَا) مَركبًا تَسِيرُ بِهم (ثَبَجَ) أي في وسَطِ (هَذَا البَحْرِ) غُزاةً (أَيْ يَغْزُونَا) في سبيلِ اللهِ (وَمِنْهُمُ) أي هؤلاءِ المُخبَرِ عنهُم (أُمُّ حَرَامٍ) بِنتُ مِلْحانَ خالةُ النّبيّ ﷺ مِن الرَّضاعِ وهي الّتي بشَّرَها رسولُ اللهِ ﷺ بأنّها تكونُ مع الغُزاةِ، والألِفُ في “يَغْزُونا” و”يَركَبُونا” للإطلاقِ. وكانَ كما قالَ ﷺ فـ(ـرَكِبَتْ) أُمُّ حَرامٍ (البَحْرَ) بمَركِبٍ مع الغُزاةِ مِن المُسلمِينَ الّذي غَزَوا قُبْرُسَ سنةَ سبعٍ وعِشرينَ مِن الهِجرةِ في خلافةِ عُثمانَ رضي الله عنهُ، وقد نالتْ أُمُّ حَرامٍ رضي الله عنها الشَّهادةَ وذلكَ أنّها سَلِمَتْ في ذَهابِها معَ زَوجِها في الغُزاةِ (ثُمَّ) وهي راكبةٌ دابَّتَها على ساحِلِ قُبرُسَ (فِي) أثناءِ خرُوجِ الغُزاةِ مِن السّاحلِ لـ(ـرُجُوعِهِمْ)

بالمَراكِب صُرِعَتْ عَن دابَّتِها و(قَضَتْ) أي تُوفِّيَتْ بسببِ ذلكَ([1]).

رَوَى الطَّبرانيُّ في «المُعجَم الكبير» عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهُما أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ يَوْمًا لِأَصْحابِهِ: «ما تَعُدُّونَ الشُّهَداءَ فِيكُم؟» قالوا: مَن يُقتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ صابِرًا مُحتَسِبًا مُقْبِلًا غَيرَ مُدبِرٍ شَهِيدٌ، قالَ: «إِنَّ شُهَداءَ أُمَّتِي إِذَن لَقَلِيلٌ، المَقتولُ فِي سَبِيلِ اللهِ شَهِيدٌ، والمَرءُ يَموتُ عَلَى فِراشِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ شَهِيدٌ، والمَبطونُ شَهِيدٌ، واللَّدِيغُ شَهِيدٌ، والغَرِيقُ شَهِيدٌ، والشَّرِيقُ شَهِيدٌ، والَّذِي يَفتَرِسُهُ السَّبُعُ شَهِيدٌ، والخارُّ عَن دابَّتِهِ شَهِيدٌ، وَصاحِبُ الهَدْمِ شَهِيدٌ، وَصاحِبُ ذاتِ الجَنْبِ شَهِيدٌ، والنُّفَساءُ يَقتُلُها وَلَدُها يَجُرُّها بِسَرَرِهِ([2]) إِلَى الجَنَّةِ».

فائدة: اتّفَق العُلَماء على أنّ أُمَّ حَرامٍ كانت مَحْرَمًا للنّبِيّ ﷺ واختَلَفُوا في كيفية ذلك، كذا قال النوويّ، فقيل: كانت خالتَه ﷺ مِن الرَّضاع، وقيل: خالةً لِأبِيه أو لِجَدِّه لأنّ عبد المطَّلب كانت أُمُّه مِن بَنِي النّجّار، فلِأَجْل ذلك جازَ له الدُّخول عليها وَحدَه ﷺ وليس مَعها أو معهُ أحَدٌ، هذا ناهِيكَ عن القولِ بخُصوصِ خَلوةِ النَّبِيّ ﷺ بالأجنَبِيّة لأنّه ﷺ مأمونُ العاقبة يَملِكُ إِرْبَه كما ذَكَرَه السُّيوطي في «الخَصائِص الكُبرى»، ومعَ ذلك فلَم يثبُتْ عنه ﷺ أنّه كان يَختَلِي بالأجنبيّة، بل ذَهَب الشّهابُ الكَورانيُّ مِن الحنفيّة إلى رَدِّ القَول بأنّ ذلك مِن خُصوصِيّاتِه ﷺ وقال: “وهذا ليسَ بشىءٍ، إذْ لَم يَرِد نَصٌّ يَدُلُّ على جواز خَلوَتِه بالأجنبِيّاتِ وإنْ كان معصومًا، وعلى تقدِيرِ الجَواز كان يَتَّقِي مواضِعَ التُّهَمِ، ألا ترَى أنَّ صَفِيَّة لَمَّا زارَتْه وهو مُعْتَكِفٌ في المَسجِد وقد جاءَ رَجُلانِ مِن الأنصارِ فقال: «عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّها صَفِيَّةُ» وذلِك لئلّا يكونَ للشَّيطانِ مَدخَلٌ على أحَدِ الرَّجُلَين في خواطِرَ خبيثةٍ قد يُلقِيها لهما وإلا فلَيس واحِدٌ مِن المسلمِين مُتَّهِمًا للنَّبِيّ ﷺ في شىءٍ يَطعنُ فيه ويَقدَح في عِصمَتِه ﷺ وإلّا كان المتَّهِمُ له في ذلك كافِرًا.



([1]أخبرَني بعضُ أهل بَيرُوت مِمّن شَهِدَ ذلكَ أنّ أُمَّ حَرامٍ رضي الله عنها نُقِلَت إلى بَيروتَ فَدُفِنَت في جبّانة الباشورةِ، وإنْ كان الذي ثَبَت في كتُبِ التّاريخ أنّها دُفِنَت قبل ذلك في قُبْرُسَ، ومِن هؤلاء الّذين أخبرُوني رَجُلٌ مِن ءال فتّاحٍ وءاخَرُ مِن ءال فَخرُو وحَفَّار جبّانة الباشورة في ذلك الوقتِ مِن ءالِ العُبَيدي الّذي أخبَر صدِيقَنا الحاجَّ فُؤاد القادرِيّ قال له: “أنا حَفَرتُ لها القبرَ وكُنتُ حاضِرًا مع النّاس“.

([2]السَّرَرُ ما تَقطَعُه القابِلةُ وهو السُّرُّ، وما بقي بعدَ القَطْعِ فهو السُّرَّةِ.