الجمعة أكتوبر 18, 2024

حَنِينُ جِذْعِ النَّخلِ إليهِ

400-        

وَحَـنَّ جِـذْعُ النَّخْـلِ لَمَّا فَارَقَهْ


 

لِـمِنْبَرٍ إِلَـيْـهِ حَتَّى اعْـتَـنَـقَـهْ





(وَ)قَد (حَنَّ) إليهِ ﷺ (جِذْعُ النَّخْلِ) وأَنَّ أنِينًا ظاهِرًا (لَمَّا فَارَقَهْ) أي ترَكَه النّبِيُّ ﷺ (لِـ)ـاتّخاذِ (مِنْبَرٍ) صُنِعَ له بإذنِه ﷺ في السّنةِ الثّامِنةِ للهِجرةِ، وبقيَ الجِذعُ يَحِنُّ (إِلَيْهِ) ويُصوِّتُ (حَتَّى) قامَ إليهِ ﷺ و(اعْتَنَقَهُ) فسَكَتَ. وقد سبَق ذِكرُ قِصّة اتِّخاذِه ﷺ المِنبرَ في فصلِ «أحداثِ السَّنةِ الثّامِنةِ» مِن الكِتابِ.

نَبْعُ الماءِ مِن بَينِ أصابعِ يَدِه الشّريفةِ

401-        

وَنَـبَـعَ الْمَـاءُ فَـجَـاشَ كَـثْـرَةْ


 

مِـنْ بَيْنِ إِصْـبِعَـيْـهِ غَيْرَ مَـرَّةْ


 





(وَ)لَمّا عَطِشَ أصحابُه ﷺ يومَ الحُديبِيةِ أُتِيَ ﷺ برَكوةٍ مِن ماءٍ، فجَهِشَ النّاسُ نَحوَه([1])،

فقال جابِرٌ للنَّبِيّ ﷺ: ما معَ النّاسِ ماءٌ إلّا ما بَينَ يدَيكَ يا رسولَ اللهِ، فلَمّا وضَعَ ﷺ يدَهُ الشَّريفةَ في الرَّكوةِ (نَبَعَ الْمَاءُ) فوَرانًا فيها (فَجَاشَ) أي فاضَ ودَفِقَ (كَثْرَةً) أي بسببِ كَثرتِه ووَفرَتِه (مِنْ بَيْنِ إِصْبِعَيْهِ) أي كُلِّ إصبعَينِ مِن أصابِع يَدِه اليُمنَى الشّريفةِ كأنَّه ماءُ العُيونُ، فأصابَ النّاسُ مِن الماءِ حاجتَهُم. قِيل لِجابِرٍ: كَم كُنتُم؟ قال: لو كُنّا مائةَ ألْفٍ لَكَفَانا، كُنّا خَمْسَ عَشْرةَ مائةً([2]).

وحصَلَ له ذلكَ ﷺ (غَيْرَ مَرَّهْ) فِمن ذلك ما رواهُ الشَّيخانِ عن أنسٍ رضي الله عنه قالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَحانَتْ صَلاَةُ العَصْرِ فالْتَمَسَ النّاسُ الوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي ذَلِكَ الإِناءِ يَدَهُ وَأَمَرَ النّاسَ أَنْ يَتَوَضَّؤوا مِنْهُ، فَرَأَيْتُ الماءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّؤُوا مِنْ عِنْدِ ءاخِرِهِمْ».

وروَى البُخاريُّ وابنُ حِبّانَ في «الصَّحِيحَين» عن ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه قالَ: كُنّا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الماءُ فَقالَ: «اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ ماءٍ» فَجاؤُوا بِإِناءٍ فِيهِ ماءٌ قَلِيلٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِناءِ ثُمَّ قالَ: «حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ المُبارَكِ، والبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ»، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الماءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصابِعِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَلَقَدْ كُنّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ.

وروَى مُسلِمٌ في «صحِيحِه» وبعضُ أصحابِ السُّنَنِ أنّ بعضَ صحابَةِ رسولِ الله ﷺ كانوا معَهُ في سَفَرٍ فجَعَلُوا يقولونَ: يا رَسُولَ اللهِ هَلَكْنا، عَطِشْنا، فَقالَ: «لا هُلْكَ عَلَيْكُمْ([3])»، ثُمَّ قالَ: «أَطْلِقُوا لِي غُمَرِي([4])»، وَدَعا بِالْمِيضَأَةِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَصُبُّ وَأَبُو قَتادَةَ يَسْقِيهِمْ، فَلَمْ يَعْدُ أَنْ رَأَى النّاسُ ماءً فِي الْمِيضَأَةِ تَكابُّوا([5]) عَلَيْها، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَحْسِنُوا الْمَلَأَ([6]) كُلُّكُمْ سَيَرْوَى([7])»، فَفَعَلُوا. قال أبو قَتادةَ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَصُبُّ وَأَسْقِيهِمْ حَتَّى ما بَقِيَ غَيْرِي وَغَيْرُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، ثُمَّ صَبَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقالَ لِي: «اشْرَبْ»، فَقُلْتُ: لا أَشْرَبُ حَتَّى تَشْرَبَ يا رَسُولَ اللهِ، قالَ: «إِنَّ ساقِيَ الْقَوْمِ ءاخِرُهُمْ شُرْبًا»([8])، قالَ: فَشَرِبْتُ وَشَرِبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَأَتَى النّاسُ الماءَ جامِّينَ رِواءً([9]).



([1])  أي أسرَعوا إلى الماء متُهيِّئِينَ لأَخْذِه.

([2])  أي ألْفًا وخمسَمائةٍ.

([3])  أي أسرَعوا إلى الماء متُهيِّئِينَ لأَخْذِه.

([4])  أي ائتُونِي بالقدَحِ الصَّغيرِ.

([5])  أي ازدَحَمُوا.

([6])  أي أحسِنُوا الخُلُقَ والعِشرةَ، يُقَال: مَا أحسَنَ مَلأَ فُلانٍ أي خُلُقَه وعِشرَتَهُ.

([7])  بفَتح الياءِ.

([8])  أي ذلكَ مِن ءادابِ السَّقيِ.

([9])  أي نشِيطِين مُسترِيحِينَ أو مُمتَلئِينَ ماءً.