الجمعة أكتوبر 18, 2024

بابٌ فِيه (ذِكرُ) صِفةِ (فِراشِه) الّذي كانَ يَنامُ علَيهِ (ﷺ)

400-        

فِـرَاشُــهُ مِـنْ أَدَمٍ وَحَـشْــوُهُ


 

لِـيْـفٌ فَلَا يُلْهِيْ بِعُجْـبٍ زَهْـوُهُ


401-        

وَرُبَّـمـا نَـامَ عَـلَـى العَـبَـاءةِ


 

بِثَـنْـيَـتَـيْـنِ عِنْدَ بَعْضِ النِّسْوةِ


402-        

وَرُبَّـمـا نَـامَ عَـلَـى الحَصِـيـرِ


 

مَـا تَحْتَهُ شَىءٌ سِـوَى السَّـرِيـرِ


 

 















وكانَ (فِرَاشُهُ) ﷺ أي ضِجاعُه([1]) مُتَّخَذًا (مِنْ أَدَمٍ) أي جِلدٍ مدبوغٍ أو هو مخصوصٌ بالأحمرِ منهُ (وَحَشْوُهُ) أي مَحشُوُّه (لِيْفٌ) مِن لِيفِ النَّخلِ وهو المعروفُ عِندَهم في الصَّدرِ الأوَّلِ، وهذا الفِراشُ هو الّذي ذُكِرَ في خَبرِ عائشةَ رضي الله عنها عند الشَّيخَين. وجاء في روايةٍ تسميةُ الفِراشِ وِسادةً، فرَوَى أبو داودَ في «السُّنَن» عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: «كانَ([2]) وِسادَةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ الَّتِي يَنامُ عَلَيْها بِاللَّيْلِ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُها لِيفٌ».

وأمّا طُولُها وعرضُها فجاء فيهما أثَرٌ عند أبي الشيخِ في «أخلاقِ النَّبِيّ ﷺ» عن أُمِّ سلَمة

رضي الله عنها قالتْ: «كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللهِ ﷺ نَحْوَ مَا يُوضَعُ الإِنْسَانُ فِي قَبْرِهِ».

(فَـ)ـمَن رأَى فِراشَ النَّبِيّ ﷺ (لَا يُلْهِيـ)ـهِ ذلكَ (بِعُجْبٍ) أي لا يَجُرُّ النّاظِرَ إليهِ إلى العُجبِ والكِبرِ (زَهْوُهُ) أي حُسنُ مَنظرِ الفِراشِ، بل يَدفَعُ النّظرُ إلى ذلكَ الفِراشِ إلى التّواضُعِ ومُحاسَبةِ النَّفْسِ.

(وَرُبَّما) أي وقَد (نَامَ) النّبِيُّ ﷺ (عَلَى العَبَاءةِ) الواحدِةِ المَثنِيّةِ (بِثَنْيَتَيْنِ) أي طَبقتَينِ لاصِقتَينِ حِينَ كانَ (عِنْدَ بَعْضِ النِّسْوةِ) وهي عائشةُ رضي الله عنها، فقد رَوَى البيهقيّ في «الدّلائل» مِن حديثِها قالتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصارِ فَرَأَتْ فِراشَ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فانْطَلَقَتْ فَبَعَثَتْ إِلَيَّ بِفَراشٍ حَشْوُهُ الصُّوفُ. فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقالَ: «ما هَذا يا عائِشَةُ؟» قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، فُلانَةُ الأَنْصارِيَّةُ دَخَلَتْ عَلَيَّ فَرَأَتْ فِراشَكَ، فَذَهَبَتْ فَبَعَثَتْ إِلَيَّ بِهَذا، فَقالَ: «رُدِّيهِ»، قالَتْ: فَلِمَ أَرُدُّهُ([3]) وَأَعْجَبَنِي أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِي حَتَّى قالَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرّاتٍ فَقالَ: «رُدِّيهِ يا عائِشَةُ، فَوَاللَّهِ لَوْ شِئْتُ لَأَجْرَى اللهُ تَعالَى مَعِي جِبالَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ».

ورَوَى ابنُ حِبّانَ عن عائشةَ أيضًا قالتْ: كانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَرِيرٌ مُشَبَّكٌ بِالبَرْدِيِّ عَلَيهِ كِساءٌ أَسْوَدُ قَدْ حَشَوْناهُ بِالبَرْدِيِّ([4])، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَيهِ فَإِذا النَّبِيُّ ﷺ نائِمٌ عَلَيهِ، فَلَمّا رَءَاهُما اسْتَوَى جالِسًا، فَنَظَرا فَإِذا أَثَرُ السَّرِيرِ فِي جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فقالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَبَكَيا: يا رَسُولَ اللهِ، ما يُؤْذِيكَ خُشُونَةُ ما نَرَى مِنْ سَرِيرِكَ وَفِراشِكَ وَهَذا كِسْرَى وَقَيصَرُ عَلَى فُرُشِ الحَرِيرِ والدِّيباجِ، فقالَ ﷺ: «لا تَقُولَا هَذا

فَإِنَّ فِراشَ كِسْرَى وَقَيصَرَ فِي النّارِ وَإِنَّ فِراشِي وَسَرِيرِي هَذا عاقِبَتُهُ إِلَى الجَنَّةِ».

وأخرَج التّرمذيُّ في «الشَّمائلِ» عن حَفْصةَ رضي الله عنها أنّها سُئِلَتْ ما كانَ فِراشُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي بَيْتِكِ؟ قالَتْ: مِسْحًا([5]) نَثْنِيهِ ثَنْيَتَيْنِ فَيَنامُ عَلَيْهِ، فَلَمّا كانَ ذاتَ لَيْلَةٍ قُلْتُ: لَوْ ثَنَيْتُهُ أَرْبَعَ ثَنْياتٍ لَكانَ أَوْطَأَ([6]) لَهُ فَثَنَيْناهُ لَهُ بِأَرْبَعِ ثَنْياتٍ، فَلَمّا أَصْبَحَ قالَ: «ما فَرَشْتُمْ لِيَ اللَّيْلَةَ؟» قالَتْ: قُلْنا: هُوَ فِراشُكَ إِلّا أَنّا ثَنَيْناهُ بِأَرْبَعِ ثَنْياتٍ، قُلْنا: هُوَ أَوْطَأُ لَكَ قالَ: «رُدُّوهُ لِحالَتِهِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ مَنَعَتْنِي وَطاءَتُهُ([7]) صَلاتِيَ اللَّيْلَةَ([8])».

(وَرُبَّما) أي وقَد (نَامَ) ﷺ في بعضِ الأحيانِ (عَلَى الحَصِيرِ) المُباشِرِ للتُّرابِ و(مَا) (تَحْتَهُ) أي النَّبِيّ ﷺ (شَىءٌ) مِن قُطنٍ أو صوفٍ أو غيرِ ذلكَ (سِوَى) هذا (السَّرِيرِ) الّذي اتَّخذَهُ لهُ مِن حَصِيرٍ.

رَوَى الشَّيخان عن ابن عبّاس رضي الله عنهُما أنَّ عمرَ رضي الله عنه قال في حديثِ الإيلاءِ الطّويلِ: «فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ، مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ» الحديثَ.

وفي روايةٍ أُخرَى في «الصّحيحَين» قال عُمَر رضي الله عنه: وَإِنَّهُ لَعَلَى حَصِيرٍ ما بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شَىءٌ، وَتَحْتَ رَأْسِهِ وِسادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُها لِيفٌ، وَإِنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا([9]) مَصْبُوبًا([10]) وَعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ([11])، فَرَأَيْتُ أَثَرَ الحَصِيرِ فِي جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ فَقالَ: «ما يُبْكِيكَ؟» فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيما هُما فِيهِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ، فَقالَ: «أَما تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيا وَلَنا الآخِرَةُ».

وفي «مُسلِمٍ» و«ابنِ حِبّانَ» وغيرِهما عن أبي موسَى الأشعريّ رضي الله عنه قال: «رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي بَيْتٍ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ([12]) وَعَلَيْهِ فِراشٌ وَقَدْ أَثَّرَ رِمالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَجَنْبَيْهِ».



([1])  أي ما يَضطجِعُ عليهِ.

([2])  الرّوايةُ بإهمالِ التّاءِ.

([3])  ولَم تَفهَم مِنهُ الأمرَ بتحتُّم الرّدِّ.

([4])  شىءٌ يَنُبُت في البُرَك تُصنَعُ منه الحُصُر الغِلاظُ. يُنظرَ: الإملاء المختصَر، ابن أبي الرّكب، (ص/318).

([5])  بكَسرِ الميمِ وهو فِراشٌ خَشِنٌ مِن صُوفٍ.

([6])  أي ألْيَنَ.

([7])  بفَتح الواوِ أي لِينُه بسبَبِ كَثرةِ طاقاتِه.

([8])  أي التَّهجُّد.

([9])  هو وَرقُ السَّلَم يَنبُت باليمَن، وقيل: قِشرُ البَلُّوطِ.

([10])  أي مسكُوبًا. وفي روايةٍ لأبي ذَرٍّ: «مَصْبُورًا» أي مجمُوعًا.

([11])  أي جُلودٌ غيرُ مدبوغةٍ معلَّقةٌ.

([12])  بضمّ الميم الأُولى وفَتح الثّانية وسكونِ الرّاءِ بلا تشديدٍ، وهو ما يُنسَجُ في وَجهِه بالسَّعْفِ ونحوِه ويُشَدُّ بشَرِيطٍ.