الجمعة أكتوبر 18, 2024

بابٌ فِيه (ذِكرُ) بعضِ (مُعجِزاتِه ﷺ)

المعجِزةُ أمرٌ خارِقٌ للعادةِ يَظهرُ على يَدي مَنِ ادَّعى النُّبُوّة مقرونٌ بالتّحَدِّي سالِمٌ عن المعارَضة، وهي إمّا حسِّيّةٌ أو عَقلِيّةٌ، وأكثَرُ المُعجِزاتِ الّتي ظَهَرَتْ في بني إسرائيلَ على أيدِي أنبيائِهم كانتْ حِسِّيّةً لكثرةِ البلادةِ وقِلّةِ البصيرةِ فِي بَنِي إسرائيلَ، وأمّا أكثر معجزات سيّدنا محمَّدٍ ﷺ فعقلِيّة لِفَرطِ ذكاءِ أهل هذه الأُمّةِ في الإجمالِ، وقال بعضُهم: سببُ ذلكَ أنّه لَمّا كانتْ هذه الشّرِيعةُ باقيةً على مَرِّ الدُّهورِ إلى يومِ القِيامةِ خُصَّت هذه الأُمّةُ بالمُعجِزاتِ العَقلِيّةِ الباقِية ليراها ذَوُو البصائِر والأفهامِ([1]).

ورَوَى الشَّيخانِ وغيرُهما عن أبي هريرةَ قالَ: قالَ رسولُ الله ﷺ: «ما مِنَ الأنْبِياءِ نَبِيٌّ إِلّا أُعْطِيَ ما مِثْلُهُ ءامَنَ عَلَيهِ البَشَرُ، وَإِنَّما كانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أوْحاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأرْجُو أنْ أكُونَ أكْثَرَهُمْ تابِعًا يَوْمَ القِيامَةِ» وقد فسَّره بعضُهم بأنّ مُعجِزاتِ الأنبياء عليهِمُ السَّلامُ انقَرَضَتْ بانقِراضِ أعصارِهم فلَم يُشاهِدْها إلّا مَن حضَرَها، وأمّا مُعجِزةُ القُرءانِ فمُستمِرّةٌ إلى يوم القيامة، وخَرقُه العادةَ في أُسلوبِه وبلاغَتِه وإخبارُه بالمُغيَّبات مُشاهَدٌ، فلا يَمُرُّ عصرٌ من الأعصارِ إلّا ويَظهَرُ فيه شىءٌ مِمّا أخبَرَ به أنّه سيكونُ يَدُلُّ على صِحّةِ دَعواه، وقيل: معنَى الحديثِ أنّ المُعجِزات الواضِحةَ الماضِيةَ كانَتْ حِسِّيّةً تُشاهَد بالأبصارِ كناقةِ صالِحٍ وعَصا موسَى، وأمّا مُعجزةُ القُرءانِ فتُشاهَد بالبَصِيرةِ فيكونُ مَن يَتبعُه لأجلِها أكثرَ لأنّ الذي يشاهَد بعينِ الرّأسِ يَنقرِضُ بانقِراضِ مُشاهَدِه، وأمّا ما يُشاهَدُ بِعَينِ البصِيرةِ فباقٍ يُشاهِدُه كلُّ مَن يأتِي بعدَ الأَوّلِ مُستمِرًّا.

مُعجِزةُ القُرءانِ العَظِيم

400-        

أَعْـظَـمُـهَـا مُـعْـجِـزَةُ القُرْءَانِ


 

تَـبْـقَى عَـلَـى تَعَاقُـبِ الأزْمَانِ


 



وأمّا مُعجِزاتُه ﷺ فـ(أَعْظَمُهَا) شأنًا وأبهَرُها هي (مُعْجِزَةُ القُرْءَانِ) الكريمِ، فهو المُعجزةُ العُظمَى الّتي (تَبْقَى) في الأنامِ مُشاهَدةً مستمِرًّا وجودُها (عَلَى) مَدَى (تَعَاقُبِ) أي تَوالِي (الأزْمَانِ) أي علَى مَرِّ الأيّام واللَّيالِي إلى أنْ يأتي الوقتُ الّذي يُرفَعُ فيهِ مِن الأرضِ.



([1])  الإتقان في علوم القرءان، جلال الدّين السُّيوطيّ، (4/3).