الجمعة أكتوبر 18, 2024

بابٌ فِيه (ذكرُ وفاةِ عمِّه) أي عَمِّ رسولِ الله ﷺ ووالِدِ عَلِيٍّ (أبي طالبٍ و)ووَفاةِ (زَوجتِه) ﷺ أُمِّ المُؤمنِينَ (خَدِيجةَ) الكُبرَى (بنتِ خُوَيْلِدٍ رضيَ اللهُ عَنها)

203-        

بَـعْـدَ خُرُوجِـهِـمْ بِثُـلْـثَـيْ عَامِ

 

وَثُـلُـثَـيْ شَـهْـرٍ وَيوْمٍ طَـامِـي

204-        

سِــيْـقَ أَبُـو طَالِـبَ لِلْحِـمَـامِ

 

ثُـمَّ يَـلِـيْ ثَـلَاثَـةَ الأَيَّـامِ

205-        

مَـوْتُ خَـدِيجةِ الرِّضَـا فَلَمْ يَهُنْ

 

عَلَى الرَّسُـولِ فَقْدُ ذَيْـنِ وَحَـزِنْ

 










(بَعْدَ خُرُوجِهِم) أي خُروجِ الْمُحْصَرِين مِن الشِّعْب (بِـ)ـفَتْرَةِ (ثُلْثَيْ عَامٍ) وهي ثَمانِيةُ أشهُرٍ (وَثُلُثَيْ شَهْرٍ وَيوْمٍ طَامِي) أي زائدٍ وهو واحدٌ وعِشرونَ يَومًا على ما ذكرَه النّاظم، والمشهور في كُتُب السِّيَر أنّه أحَدَ عشَرَ يَومًا، كما قال النُّور الأُجْهُورِيّ وعَقَّب على قولِ المصنِّف بقَولِه: “فلَو قال: «وَثُلْثُ شَهْرٍ مَعَ يَوْمٍ طَامِيْ» لَوافَق هذا، لكن رأيتُ لِبَعضِ تَلامِذة المصَنِّف أنّ ما ذَكَرهُ المصنِّف هو الصَّحِيحُ فإنّه قال: “الثّالث” أي مِن الأقوال “أنّه” أي أبا طالِبٍ “تُوُفِّي بَعد تِسعِ سِنِينَ وثَمانِيةِ أشهُرٍ وأحَدَ عَشَرَ يَومًا”، حكاه أبو الفَرَج بنُ الجَوزِيِّ وغيرُه. الرّابِعُ: في واحِدٍ وعِشرينَ يَومًا، وهو الصَّحِيحُ الذي اختارَهُ الشَّيخُ وذَكَرَه” انتَهى” اهـ  (سِيقَ أَبُو طَالِبَ) بمَنعِ الصّرف للضّرُورة (لِلْحِمَامِ) أي ماتَ، فالحِمامُ بكسر الحاء الْمَوتُ وقد جاء في الحديث الصَّحِيح الذي رواهُ البُخاريُّ وغيرُه: “فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ الله بْنُ أَبِى أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ تَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟! فَلَمْ يَزَالا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ ءَاخِرَ شَىءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ” الحديثَ.

ومِمّا يؤيِّد روايةَ مَوتِه على الكُفر ما جاء في روايةٍ عند أبي شَيبة:  “لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ جَاءَ عَلِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الْكَافِرَ” الحديثَ، وفي رواية عِند أحمَد في «المسنَد» والنّسائيّ في «السُّنَن»: عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا مَاتَ أَبُو طَالِبٍ أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ، قَالَ: «اذْهَبْ فَوَارِهِ»، قُلْتُ: إِنَّهُ مَاتَ مُشْرِكًا، قَالَ: “اذْهَبْ فَوَارِهِ وَلَا تُحْدِثْ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي» الحديثَ.

(ثُمَّ يَلِيْ ثَلَاثَةَ الأَيَّامِ) أي وكانَ بعدَ ثَلاثةِ أيّامٍ مِن مَوْتِ أبي طالِبٍ (مَوْتُ خَدِيجةَ) الكُبرَى أُمِّ المؤمِنِينَ زَوجِ رسولِ الله ﷺ وهي المرأةُ الصَّالِحةُ (الرِّضَا) أي الْمَرضِيّةُ عند النبيّ ﷺ، وقيل: ماتَتْ بعد أبي طالِبٍ بخَمسةِ أيّام، وقيل: قَبْلَه بخمسةٍ وثلاثينَ يومًا، وقيل غير ذلك (فَلَمْ يَهُنْ عَلَى الرَّسُولِ فَقْدُ) هَـٰ(ـذَيْنِ) أي معَ غاية الرِّضا والتَّسليمِ منه ﷺ، فقد لَحِقهُ الأذَى مِن قُريشٍ أشَدَّ مِمّا كان بعدَ أن فَقَد عَمَّه أبا طالِبٍ الذي كان يُحامِي عَنْهُ (وَحَزِنْ) قلبُه الشَّرِيفُ ﷺ لِفَقْدِه خدِيجةَ الكُبرَى أُمَّ المؤمِنِين وكان يُحِبُّ الإيمان لأبي طالِبٍ لكنّ الله لم يشأ له الإيمان، ولَم يَصِحَّ تَسمِيةُ هذا العامِ بعامِ الحُزنِ كما هو شائِع في بَعضِ كُتُبِ السِّيرةِ للمتأخِّرِينَ.

تنبيه: مَجموعُ الرِّواياتِ فيما رُوِي ءانِفًا يَقطَعُ الطّرِيقَ علَى كُلِّ مُتقَوِّلٍ ومُتأوِّلٍ يّدعِي أَنّ أبا طالبٍ قَد ءامَن وكانَ مُسلِمًا، ولَن يكون هؤلاء المُدَّعُونَ ذلكَ أرحمَ بِأبي طالِبٍ مِن النّبيّ ﷺ أو مِن ابنِه عليّ رضي الله عنه. ويَكفِي في رَدِّ قول أولئك ما جاءَ في قولِ الله عزَّ وجلّ: ﱡﭐﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ أي أحبَبْتَ له الهدايةَ ﱡﭐ  ﲄ  ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ أي لا تَهدِي مَن أحبَبتَ له الاهتِداءَ، ولم يَكُن النّبِيّ ﷺ يُحِبّ ذاتَ أبي طالِبٍ لأنَّ الله تعالى قال: ﱡﭐ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ  ﱹ فإنْ كانَ اللهُ عزّ وجلّ لا يُحِبُّهم فكيفَ يُحِبُّهم الرّسولُ ﷺ وهو أسرَعُ خَلْقِ اللهِ إلى مَرضاةِ اللهِ تعالَى.