الجمعة أكتوبر 18, 2024

بابٌ فيه (ذِكرُ السّابقِينَ للإسلامِ) الأوَّلِينَ دُخولًا فيهِ

لَيس ترتيبُ أسماءِ السّابِقِين الأوَّلِين الوارِد في النّظم موافِقًا لترتيب الأسبَق فالأسبَق مِنهُم في الواقع، لكن أكثرُ ما في النّظم جاء على التّرتيبِ، وإلّا فأبو ذَرٍّ الغِفاريّ رضِيَ الله عنه المذكُور في النّظم مِن بَين أواخِر السّابقِين الأوَّلِين هُو رابِعُ أربعةٍ مِمّن أسلَموا وعلَيه جَرَى النّاظمُ أيضًا.

فصلٌ في أوَّلِ مَن أسلَم مِن الرِّجالِ

79-             

مِـنَ الـرِّجــالِ ابْـنُ أَبِي قُـحَافَـةِ

 

قَـالَ بِـهِ حَسَّـانُ فِي القَصِـيدَةِ

80-             

وَعِـدَّةٌ مِـنَ الصَّـحَـابَـةِ الأُلَى

 

وَفَّـوْا وَتَـابِـعُـوهُـمُ مِمَّـنْ تَـلَا

 











اعلم أنّه قد اختُلِف في أوَّل مَن أسْلَمَ بعد البِعثةِ، وأقرَبُ ما قِيلَ فِيهِ إنَّ الأوَّلَ (مِنَ الرِّجالِ) البالِغينَ الأَحرارِ أبو بكرٍ هو عبدُ اللهِ (بْنُ أَبِي قُحَافَة) بنِ عامرٍ الصِّدِّيقُ وكان يُلقَّبُ عتِيقًا لجَماله لعِتْقِه مِنَ النار أو لغيرِ ذلك([1])، وقَد (قَالَ بِهِ) أي بأوّلِيّةِ إسلامِ أبي بكرٍ شاعرُ رسولِ الله ﷺ الصّحابيُّ الجليلُ (حَسَّانُ) بنُ ثابتٍ الأنصاريُّ (فِي القَصِيدَة) الَّتِي مَطْلَعُها: [البسِيط]


إذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوًا([2]) مِنْ أَخِيْ ثِقَةٍ

¯¯

فَاذْكُرْ أَخَاكَ أَبَا بَكْرٍ بِمَا فَعَلَا

خَـيْـرَ الـبَـرِيَّـةِ أَتْقَاهَا وَأَعْدَلَهَا

¯¯

بَعْدَ النَّبِيِّ([3]) وَأَوْفَاهَا بِمَا حَـمَلَا

قال السُّهيليُّ([4]): “وفي مَدْحِ حسّانَ أبا بكرٍ بما ذكر وسَمِعَه النّبِيُّ ﷺ ولم يُنكِرْهُ دليلٌ على أنه أوّلُ مَن أسلَمَ مِن الرِّجال”.

(وَ)تَتَابع الناسُ في الدُّخولِ في الإسلام أَرْسالًا([5])،  فأَسْلَم بَعدَ أبِي بَكْرٍ رضِيَ الله عَنهُ

(عِدَّةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ) الأكَابِرِ، وهُمُ (الأُلَى) أيِ الَّذِينَ (وَفَّوْا) أي عَمِلوا بما دَعاهُم إليه أبو بَكرٍ مِن الإيمان باللهِ ورَسُولِه (وَ)أَسْلَمَ بإِسلامِهم (تَابِعُوهُمُ) أي أَتباعُهم (مِمَّنْ تَلَا) أي تَبِع أبا بَكرٍ في الإِسلامِ، لكنّ إسلامَ أبي بَكرٍ رضِيَ الله عَنهُ كانَ أَعظَمَهم غَناءً ونَفْعًا للإِسلامِ، فإنّه كان صَدْرًا رئيسًا في قُريشٍ ذا مالٍ سَخِيًّا يَبْذُله في نُصرة الدِّين داعيًا إليه مَن قَدَرَ علَيه، فجَزاه الله عَنِ المسلِمِين خَيرًا كَثِيرًا.

ترَجمةٌ مُختصَرةٌ لسيّدنا أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه

هو عبد الله بنُ أبي قُحافةَ عثمانَ بنِ عامرٍ التَّيمِيُّ القُرَشيُّ، ويلتقي نسبُهُ معَ رسولِ الله ﷺ في مُرَّة بنِ كعبٍ، وأمُّهُ أُمُّ الخَير سَلْمَى بنتُ صَخر بنِ عامرٍ التَّيمِيَّةُ القُرَشيَّةُ.

قال الحافظُ النوويُّ([6]): “لا يُعرَفُ أربعةٌ مُتناسِلُون بعضُهم مِن بَعضٍ صَحِبوا رسولَ الله ﷺ إلا ءالُ أبي بكر الصدِّيق وهم عبدُ الله بنُ أسماء بنتِ أبي بكرِ بن أبي قحافة، فهؤلاء الأربعة صحابةٌ مُتناسِلُون، وأيضًا أبو عَتِيقٍ محمدُ بنُ عبد الرحمن بنِ أبي بكر ابن أبي قُحافةَ رضي الله عنهم، وهذا الذي ذكرناه من أنَّ اسمَ أبي بكر عبد الله هو الصحيح والمشهور، وقيل: اسمُه عَتِيقٌ، والصّوابُ الذي عليه العلماءُ كافّةً أنّ عَتِيقًا لَقَبٌ له لا اسمٌ” اهـ.

كان له رضي الله عنه سِتّةٌ مِن الأولادِ، ثلاثةٌ مِنَ الذُّكور: عبدُ الله أسلَمَ قديمًا وله صحبةٌ، وعبدُ الرحمنِ شَهِدَ بدرًا مع المشركينَ وأسلمَ بعدَ ذلك، ومحمّد وُلِد عامَ حَجّة الوداع وقتَ الإحرامِ وكانَ في جَيشِ عَلِيٍّ رضي الله عنه في صِفِّينَ والجمَلِ، ومِن الإناثِ ثلاثةٌ هُنَّ: أسماءُ ذاتُ النِّطَاقَين وهيَ زوجة الزُّبَير بنِ العَوَّام، هاجرَتْ إلى المدينة وهيَ حاملٌ بعبد الله بن الزُّبَير فكان أولَ مولودٍ وُلِدَ في الإسلامِ بعد الهِجرة، وعائشةُ الصِّدِّيقةُ رضي الله عنها، وأُمُّ كُلثومٍ ولدت بعد وفاة النَّبِيّ محمَّد ﷺ.

وكان أبو بكرٍ قد تزوَّج في الجاهليّة ثِنْتَين: قُتيلةَ بِنتَ عبدِ العُزَّى العامِريّةَ فولَدَتْ له أسماءَ وعبدَ اللهِ وطلَّقَها في الجاهليّة، وأُمَّ رُومانَ دَعْدًا بِنتَ عامِرٍ الكِنانِيّةَ فولَدَتْ له عائشةَ وعبدَ الرَّحمنِ وتوفِّيَتْ سنةَ أربَعٍ أو سِتٍّ([7])، وتزوَّجَ في الإسلام ثِنْتَينِ أيضًا: أسماءَ بِنتَ عُمَيسٍ – وكانتْ قَبلَه عِندَ جَعفرِ بنِ أبي طالِبٍ – فولَدَتْ له محمَّدًا، وحَبِيبةَ بِنتَ خارِجةَ بنِ زَيدٍ الأنصارِيّةَ فولَدَتْ له بعد وفاتِه أُمَّ كُلثومٍ([8]).

وكانَ رضي الله عنه أوَّلَ خليفةٍ للمُسلمِينَ بعدَ رسولِ اللهِ ﷺ وهو أفضَلُ النّاسِ بعدَ الأنبياءِ، وبذلكَ قالَ جَمعٌ مِن الفقهاءِ كأبي حنيفةَ وابنِ أبي داودَ السِّجِستانيِّ([9]) وأبي إسحاق الشِّيرازيّ([10]) وأبي القاسِم بن عساكِرَ([11]) والسُّيوطيّ([12]) وغيرِهم.

فصلٌ في أوَّلِ مَن أسلَم مِن النِّساءِ والصِّبْيانِ

فصلٌ في أوَّلِ مَن أسلَم مِن النِّساءِ والصِّبْيانِ

81-             

خَدِيـجَـةَ اذْكُـرْ أَوَّلَ النِّسْـوَانِ

 

عَـلِـيًّا اعْـدُدْ أَوَّلَ الصِّـبْـيَانِ

82-             

وَعُـمْـرُهُ ثَـمَـانٌنَ اوْ مُـعَـشَّــرُ  

 

أَوْ سِـتٌّنَ اوْ خَمْسٌ وَقِيلَ أَكْـبَـرُ

و









(خَدِيجَةَ) بِنتَ خُوَيلِدٍ زَوجةَ النّبِيّ ﷺ (اذْكُرْ)هَا عادًّا إيّاهَا (أَوَّلَ النِّسْوَانِ) اللّائِي أسلَمْنَ، وَ(عَلِيًّا) ابنَ أبي طَالِبٍ ابنَ عَمِّ الرَّسُولِ ﷺ (اعْدُدْ)هُ (أَوَّلَ) مَن أسلَم مِن (الصِّبْيَانِ وَعُمْرُهُ) إذْ ذاكَ (ثَمَانٌ) مِن السِّنِينَ على قولٍ (أَوْ) أنَّ عُمرَهُ (مُعَشَّرٌ) أي عَشْرُ سِنِينَ (أَوْ) هو (سِتٌّ) أَو سَبعٌ([13]) (أَوْ خَمْسٌ وَقِيلَ أَكْبَرُ) مِن ذَلِك فَقِيل: إحدَى عشْرةَ سنةً([14]) أو ثِنتَا عشْرة([15])، وقيل([16]): ثلاثَ أو أربعَ أو خمسَ أو سِتَّ عَشْرَة سنَةً.

مسألةٌ استِطراديّة: القَولُ في إسلامِ الصَّبِيّ

لا يُراد مِن قول بعض العُلَماء: “إسلام الصبيّ لا يَصِحّ” في مُقابلِ القائلين: “يصِحُّ إسلام الصَّبِيّ” أنّ الصبيّ لا يَصِحّ رُجوعُه عن الكُفر وتصدِيقُه بالقَلْب بمعنَى الشهادتَين وبعقائِد الإسلام وأنّه لا يُقبَل مِنه ذلك، بل مُرادُهم مِن هذَا إجراءُ أحكامِ المسلِمِين على الصبيّ الذي وُلِدَ مِن كافِرٍ أصليّ ثمّ نَطَق بالشّهادَتين بعد الرُّجوع عن الكُفر أو عدمُ إجرائِها، ففِي عَدَمِ إجراء أحكامِ المسلِمِين عليه مسائِلُ كثيرةٌ ككَونِه لا يَرِث قَريبَه المسلِم مثلًا.

وفي ذلك قال القَليُوبِيّ في حاشيته على «شرح المنهاج» عند كلام النوويّ على إسلام الصبيّ الذي وُلِدَ لأبوَين كافِرَين أصلِيّيَن ما نصُّه([17]): “قوله: “ولا يَصِحُّ إِسلامُ صَبِيٍّ” أي

بالنِّسبة لأحكام الدُّنيا، أمّا في الآخرة فهو مِن الفائزِين اتِّفاقًا” اهـ.

والقول بعدمِ مُعاملتِه في الدنيا معاملَةَ أولاد المسلمِين هو القول المشهور عند الشافعية والذي صَحَّحه كثيرٌ منهم وإليه ذهَبَ زُفَرُ مِن الحَنَفِيّة، وحُجَّتُهم في ذلك نَصِّيّة وقياسيّة، وأكثَرُ ما عَلَّلوا بِه قولُهم: نُطقُه بالشهادَتين إما خَبَرٌ وإما إنشاءٌ، فإن كان خَبَرًا فخَبَرُه غيرُ مَقبُول، وإن كان إنشاءً فهُوَ كعُقُودِه وهي باطِلة.

ويُقابِلُ ذَلِك قولٌ ءاخَر عند الشافعيّة أيضًا، وهو أنّه يَصِحّ إسلامُه حتى إنّه يَرِثُ مِن قَرِيبه المسلِم تمسُّكًا بأنّه ﷺ دعَا عَلِيًّا رضي الله تعالى عنه إلى الإسلام قبلَ بُلُوغ عَلِيٍّ فأجَابَهُ عَلِيٌّ وأسلَمَ، وقد نقل الخطيبُ([18]) عن الفقِيهِ المرعَشِيّ قولَه: “وهو الذي أَعرِفُه في

مَذْهَب الشَّافِعِيّ”([19]) اهـ.

وبهذا الأخِيرِ قال أبو حَنِيفةَ وصاحباه وأحمَدُ بن حَنبلٍ وسائِرُ أصحابِه وإسحاقُ وابنُ أبي شَيْبة وأبو أَيُّوبَ، وذلك لِعُمومِ قَولِه ﷺ: «مَن قال لا إله إلا الله دَخَل الجَنَّة»، وقَولِه: «أُمِرتُ أن أُقَاتِلَ النّاسَ حتَى يَقُولوا لَا إله إلا اللهُ، فَإِذا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُم وأَموَالَهُم إِلّا بِحَقِّها، وَحِسَابُهم علَى الله»، وقولِه ﷺ: «كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ فَأَبَواهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو يُنَصِّرَانِهِ حَتَّى يُعرِبَ عَنهُ لِسَانُهُ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا»، ويَدخُل في عُمومِ هذِه الأخبار الصَبِيُّ. ثُمّ إنّ الإسلام عِبادةٌ مَحْضةٌ فصَحَّت مِن الصَّبِيّ العَاقِل كالصَّلاة والحَجّ، ولأنّ الله تعالى دَعا عِبادَه إلى دار السَّلام وجَعَل طَرِيقَها الإسلامَ وجَعَل مَن لم يُجِب دَعوَتَهُ مِن الْمُكَلَّفِين في الجَحِيم والعَذَاب الأليم، ولأنَّ عَلِيًّا أَسلَم صَبِيًّا وقال: «سَبَقتُكُم إِلَى الإِسلَام طُرًّا صَبِيًّا مَا بَلَغتُ أَوَانَ حُلُمِي»، كذا قال النَّووِيّ في «المجموع». وقال الحافظ السُّيوطي في «الأشباه والنّظائر» ما نصُّه: “الثاني عَشَر: في صِحّة إسلام الصبي الممَيِّز استِقلالًا وجهانِ: المرَجَّحُ مِنهُما: البُطلَانُ، والمختار عِندَ البُلقِينيّ الصِحَّةُ، وهو الذي أَعتَقِدُه” اهـ.

فإن قيل: كيف هو التَّوفِيقُ عِندَ الشافعيّة القائلِين بعَدَمِ إجراء أحكامِ المسِلمِين على الصبيّ الذي وُلِدَ لِكَافِريَن أصلِيّين وقد أسلَم وقَد ثبَتَ أنّ عَلِيَّ بن أبي طالِبٍ رضي لله عنه قَدْ أسلَم صَبِيًّا وجَرَت عليه أحكامُ المسلِمِين؟

قلتُ: قال البَيهقِيُّ في «السُّنَن الصغرَى»: “وعلَى أنَّ الأحكام إنما تَعَلَّقَت بالبُلُوغ بَعدَ الهِجرة، وقبلَ الهِجرة وإِلى عامِ الخَندق كانت تَتَعَلَّق بالتَّميِيز” اهـ . وعَلِيّ رضي الله عنه كان مِمَّن دَخَل في الإسلام قبلَ الخَندَق لا شَكّ([20]).

ترَجمةٌ مُختصَرةٌ لسيّدِنا عليّ بن أبي طالِب رضي الله عنه

هو أبو الحسَن علي بن أبي طالب بنِ عبد المطَّلب القُرَشيُّ الهاشميُّ، ابنُ عَمِّ رسولِ الله ﷺ. أمُّهُ فاطمةُ بنتُ أسدِ بنِ هاشِمِ بن عبد منافٍ، وهيَ أولُ هاشميةٍ وَلَدتْ هاشمِيًّا([21]). أسلمتْ وهاجرتْ إلى المدينة وماتتْ في حياةِ النبيِّ ﷺ.

تزوج عليّ فاطمةَ بنتَ رسولِ الله ﷺ فوَلَدتْ له الحسنَ والحُسَين وَمُحْسِنًا إلّا أنّه ماتَ

صغيرًا، وزينبَ وأُمَّ كلثومٍ. ووُلِدَ له أيضًا محمَّدُ بن الحنفيَّة مِن خَولةَ بنتِ جعفرٍ سُرِّيَّتِه مِن سَبْيِ بَنِي حنيفةَ، وعمرُ بنُ عليِّ وأختُهُ رُقَيّةُ الكبرَى مِن أُمِّ حَبيبٍ التَّغلِبِيّة، وغيرُهم. واختُلِف في عددِ أولادِه رضي الله عنه فقيل([22]): ستّة عشَر ذكَرًا وستّ عشْرةَ أُنثى، وقيل([23]): اثنا عشَر ذكَرًا وسبعَ عشْرةَ أُنثَى، وقيل([24]): أربعةَ عشرَ ذكرًا وثماني عَشْرةَ أنثَى، وقيل غيرُ ذلك.

كانتْ خلافتُهُ رضي الله عنه أربعَ سنينَ وسبعةَ أشهرٍ وأيّامًا على اختلافٍ في قدرِ تلكَ الأيّام، ثُمّ توُفّي شهيدًا مقتولًا على يد عبدِ الرحمن بن مُلْجِم المُراديّ ليلة السّابِع والعشرين مِن رمضان سنة أربعين مِن الهجرة وله ثلاثٌ وسِتُّونَ سنةً، وقيل غيرُ ذلك.

وحكَى ابنُ حِبّان([25]) في مَقتَلِه رضي الله عنه أنّ عبد الرحمن بن ملجم المرادي أبصَر امرأةً مِن بني تَيْمِ الرَّباب يقال لها قَطامِ وكانت مِن أجمل أهل زَمانها، وكانت ترَى رأْيَ الخوارِج([26])، فوَلِع بها فقالت: لا أتزوَّجُ بك إلا على ثلاثة ءالافٍ وقَتْلِ عليّ بنِ أبي طالب، فقال لها: لكِ ذلكِ، فتزَوَّجها وبَنَى بها فقالت له: يا هذا قد عرَفْتَ الشَّرْطَ، فخرَج ابنُ مُلْجِم ومعه سيفٌ مسلولٌ حتى أتى مسجدَ الكُوفةِ، فخَرَج عليٌّ مِن دارِه وأتَى المسجدَ وهو يقول: أيُّها الناسُ الصَّلاةَ الصَّلاةَ، فصادَفَه ابنُ مُلْجِم مِن خَلْفِه ثمّ ضَرَبَه بالسَّيْفِ ضَرْبةً مِن قَرْنِه إلى جَبْهَتِه ثمّ ألقَى السَّيف مِن يَدِه فأقبَلَ النّاسُ عليه فجعَلَ ابنُ مُلْجِم يقولُ: إيّاكُم والسَّيفَ فإنّه مَسمُومٌ، فحُمِلَ عليٌّ رضي الله عنه إلى دارِه حتّى ماتَ غداةَ يومِ الجمعةِ، فأُخِذ ابنُ مُلْجِم فاقتُصَّ مِنهُ بالقَتلِ.

بَيانُ طَعنِ ابنِ تيميةَ المجسِّم في سيّدنا عليّ رضي الله عنه

الكَشفُ عَن طَعنِ ابنِ تيميةَ المجسِّم في سيّدنا عليّ رضي الله عنه

لقَد أظهَر ابنُ تيمية شيخُ المجسّمة المشَبِّهةِ كَراهيتَهُ للإمام عَلِيّ رضي الله عنهُ فِي مقالاتٍ عَديدةٍ مِن كُتبِه، مِنها مَا أورَدهُ في كتابه المسمَّى «مِنهاج السُّنّة النبويّة» – وهو مِن نَهْجِ النّبِيّ بَعِيدٌ – فقد زَعَم فيه أنّ إسلام عليّ لم يصِحّ ونَصُّ قَولِه([27]): “فقيل: أبو بكر أَوَّلُ مَن أَسْلَم فهو أسبَقُ إِسلامًا مِن عَلِيّ، وقيل: إنّ عَلِيًّا أسلَم قَبْلَه، لَكِن عَلِيٌّ كان صَغِيرًا، وإسلام الصَّبِيّ فيه نِزاعٌ بين العُلماء” اهـ، وقال في نفس الكتاب أيضًا: “وأمّا إسلامُ عَلِيّ فهل يَكون مُخرِجًا له مِن الكفر، علَى قولَين مَشهُورَين: ومذهبُ الشافِعِيّ أنّ إسلام الصَّبِيّ غيرُ مُخرِج له مِن الكُفر” اهـ.

فعَلَى زَعمِ ابنِ تيميةِ نكاحُ فاطمةَ مِن عَلِيٍّ بالنّسبة إلينا باطلٌ لأنّه لم يُنقَل أنّه تشهَّد للدخول في الإسلام قبل نكاحِه، ومعلوم أنّ النبيّ ﷺ هو الّذي زَوَّج عليًّا مِن فاطمة وأجمعت الأُمّة على صِحَّتِه وعلى صحَّةِ نِسبة الحسَنَينِ إليهِ، فنَفيُ ابنِ تَيمِيةَ الإسلامَ عن عَلِيٍّ في صِباه لَا يَدُلّ إلا على جَهْل ابن تَيمِيةَ بِشَيئَين: بتاريخ الإسلام، وبمعنَى اختلافِ العُلماءِ في إسلامِ الصبيّ، ويَدُلُّ مِن جهةٍ أخرى على ضَغينةٍ لعليّ رضي الله عنه.

ويكفي ابنَ تيميةَ خِزْيًا تصريحُه بكلّ وقاحة ونِفاق وجَهالة أنّه لم يَصِحَّ في فضل عليّ رضي الله عنه حديثٌ أصلًا، وأنّ ما ورد منها في الصحيحَين فلا يُثبِتُ له فضلًا ولا مزِيّةً على غيرِه([28])، مع أنّ الإمام  أحمدَ رضي الله عنه قال: «ما جاء([29]) لأحَدٍ مِن أصحابِ رسولِ الله ﷺ من الفضائلِ ما جاءَ لِعَلِيّ بنِ أبي طالِبٍ رضي الله عنه» رواه الحاكم في «المُستدرَك»، وعند الحافظ ابن حجَر العسقلانيّ([30]): “قال أحمد وإسماعيل القاضي والنسائي وأبو عليٍّ النيسابوريُّ: لم يَرِدْ في حَقِّ أحَدٍ مِن الصحابة بالأسانيدِ الجِياد أكثرُ ممّا جاء في عَلِيّ” اهـ

ولقد بَيَّن الحافظ العسقلانيُّ بعضَ ما رُمِيَ به ابنُ تيميةَ مِن النِّفاقِ في العقيدةِ وغيرِها فقال([31]): “وافترَقَ الناسُ فيه شِيَعًا، فمنهم مَن نَسَبه إلى التّجسِيم لِمَا ذَكَر في العقيدةِ الحَمْوِية والواسطِيّة وغيرِهما مِن ذلك كقوله: إنّ اليَدَ والقَدَم والسّاقَ والوجهَ صفاتٌ حقيقيّةٌ لله وأنّه مُسْتَوٍ على العرش بذاتِه، فقيل له: يَلزَم مِن ذلك التحيُّز والانقسامُ، فقال: أنا لا أُسَلِّم أنّ التحيُّزَ والانقسامَ مِن خواصِّ الأجسام، فأُلزِمَ بأنه يقول بتحيُّزٍ في ذات اللهِ. ومنهم من يَنسُبُه إلى الزَّنْدَقة لقوله: إنّ النَّبِيّ ﷺ لا يُسْتغاثُ به، وإنّ في ذلك تنقيصًا ومَنْعًا مِن تعظيمِ النَّبِيّ ﷺ. وكان أشدَّ الناس عليه في ذلك النُّورُ البَكرِيُّ، فإنه لَمَّا عُقِدَ له المجلِسُ بسبَبِ ذلك قال بعض الحاضرِين: يُعَزَّرُ، فقال البكري: لا مَعنَى لهذا القولِ فإنه إنْ كان تنقيصًا يُقْتَلُ وإن لم يكن تَنقِيصًا لا يُعَزَّرُ. ومنهم من يَنْسُبُه إلى النِّفاق لقولِه في عَلِيٍّ ما تقَدَّم، ولقوله: إنه كان مخذولًا حيثُما تَوَجَّه، وإنّه حاوَل الخلافةَ مِرارًا فلَمْ ينَلَهْا وإنّما قاتلَ للرِّئاسة لا للدِّيانة، ولقوله: إنّه كان يُحِبُّ الرئاسةَ، وإنّ عُثمانَ كان يُحِبُّ المالَ، ولقوله: أبو بكر أسلَمَ شيخًا لا يدرِي ما يقولُ، وعليٌّ أسلَمَ صَبِيًّا والصَّبِيُّ لا يَصِحُّ إسلامُه على قولٍ، وبكلامه في قِصّةِ خِطْبة بِنتِ أبي جَهلٍ” إلى أنْ قالَ: “فأَلْزَمُوه بالنِّفاقِ لِقَولِه ﷺ: «وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ»([32]) ” اهـ.

 

فصلٌ في أوَّلِ مَن أسلَمَ مِن المَوَالِي

83-             

مِـنَ الْمَـوَالِيْ زَيْـدٌ ابْـنُ حَـارِثَةْ

 

كَـانَ مُـجَالِسًـا لَـهُ مُـحَادِثَـهْ

 




وأَوَّل مَن أَسْلَم (مِنَ الْمَوَالِي) أي العَبِيد المملوكِينَ (زَيْدٌ) وهو (ابْنُ حَارِثَة) بنِ شُراحِيلَ أو شُرَحْبِيلَ([33]) بنِ كَعبٍ، كان قَد سُبِيَ في الجاهِلِيّة فاشتَراهُ حَكِيمُ بنُ حِزامٍ ووَهَبَهُ لِعَمَّتِه خديجةَ بنتِ خُوَيلِدٍ، فوَهَبَتْهُ لِرَسُول الله ﷺ حين تزوَّجَ بها فأَسْلَمَ و(كَانَ) صَحِابيًّا جَلِيلًا (مُجَالِسًا لَهُ) أي للنَّبِيّ ﷺ و(مُحَادِثَه) بِحَدِيثٍ.

فصلٌ في إِسلامِ عُثمانَ وبعضِ السّابقِينَ رضيَ الله عنهُم

فصلٌ في إِسلامِ عُثمانَ وبعضِ السّابقِينَ رضيَ الله عنهُم

84-             

عُثْمَـانُ وَالـزُّبَـيْـرُ وَابْـنُ عَوْفِ

 

طَلـْحَةُ سَـعْدٌ أَمِنُوا مِـنْ خَـوْفِ

85-             

إِذْ ءَامَـنُـوا بِـدَعْـوَةِ الصِّـدِّيـقِ

 

كَـذَا ابْنُ مَظْـعُونٍ بِذَا الطَّـرِيقِ

86-             

ثُــمَّ أَبُــو عُـبَـيْـدَةٍ وَالأَرْقَــمُ

 

كَـذَا أَبُـو سَــلَـمَـةَ الْمُـكَـرَّمُ

87-             

وَابْـنُ سَـعِيدٍ خَـالِـدٌ قَدْ أَسْلَمَا

 

وَقِـيـلَ بَـلْ قَـبْـلَـهُمُ تَقَـدَّمَـا

88-             

كَـذَا ابْنُ زَيْدٍ أَيْ سَـعِيدٌ لَا مِرَا

 

وَزَوْجُـهُ فَاطِـمَةُ ٱخْـتُ عُمَـرَا

 

 

















ثُمّ أسلَم مِن الرِّجالِ الأَحرارِ (عُثْمَانُ) بنُ عَفَّانَ أميرُ المؤمنين بعدَ أبي بكرٍ رضي الله عنهُما، وكانَ إسلامُه بسببِ دَعوةِ أبِي بكرٍ إيّاهُ إلى الإسلامِ فأسلَمَ وهاجَرَ الهِجرَتَين وتَزَوَّجَ ابْنَتَيْ رَسولِ اللهِ ﷺ رُقَيَّة ثُمّ بَعدَها أُمَّ كُلثُومٍ فلُقِّبَ بذِي النُّورَين.

(وَ)أَسلَم (الزُّبَيْرُ) بنُ العَوَّام القُرَشِيُّ الأَسدِيُّ رضِيَ الله عَنهُ، حَوَارِيُّ رسولِ الله([34]) وابنُ عَمَّتِه([35])، وكانَ عُمُره حِين أسلَم خمسَ عَشْرَة، وقيل: اثنتَا عَشْرَة أو ثَمانٍ أو سِتٌّ. هاجَر رضِيَ الله عَنهُ الهِجرَتَين، وهو أوَّل مَن شَهَر سَيْفًا في سَبيلِ الله([36]). شَهِد الْمَشاهِدَ([37]) كُلَّها وثَبَت معّ النّبِيّ في أُحُدٍ وهو أحَدُ المبَشَّرِينَ بالجَنّةِ. عَذَّبَهُ عَمُّه بالدُّخانِ خَنْقًا لِيَترُك الإسلامِ فأبَى أنْ يَترُكَهُ وثَبَت رضِيَ الله عَنهُ.

(وَ)مِن السَّابقِين الأَوَّلِين إلى الإسلامِ عبدُ الرحمن (بْنُ عَوْف) القُرَشيُّ مِن بَنِي زُهْرة

ويَلْتَقِي نَسبُه معَ رسولِ الله ﷺ في كِلابِ بنِ مُرَّةَ. وهُو رضيَ اللهُ عَنهُ أحَدُ العَشَرة المبَشَّرةِ وأحَدُ السِّتَّةِ أصحابِ الشُّورَى، وقَد شَهِدَ المشاهِدَ كُلَّها.

ومِمّن أسلَم قدِيمًا (طَلْحَةُ) بنُ عُبَيدِ الله بنِ عثمانَ التَّيمِيُّ القُرَشيُّ رضيَ الله عَنُه، يَجتمع نَسَبُه معَ رسولِ الله ﷺ في مُرَّةَ بنِ كَعبٍ، وهو أحَدُ العشَرَةِ المبَشَّرة والسِّتَّة أصحابِ الشُّورى. تُوفِّي رَسُولُ الله ﷺ وهو عنه راضٍ وسَمَّاه يوم أحُدٍ طَلْحةَ الخَيْر وفي غَزوةِ العُشَيرةِ طَلحةَ الفَيَّاضِ ويومَ حُنَينٍ طَلحةَ الجُود لكَثرةِ جُودِه([38])، وهو مِن الأعلام الشامِخين والشُّجْعانِ المشهُورين، فقَد أَبْلَى يومِ أُحُدٍ بَلاءً عظيمًا، وكان الصِّدِّيقُ إذا ذَكَرَ أُحُدًا قال: «ذَلِكَ اليَومُ كُلُّه كان لِطَلْحَة»([39]). وقد وَقَى طَلْحَةُ رسولَ الله ﷺ بِمُهْجَتِه في أُحُدٍ وشُلَّتْ يَدُه بِسَبَبِه، ونِعمَ ما فَعَل.

قُتِلَ رضيَ الله عَنُه يومَ الجَمَل سنةَ سِتٍّ وثلاثينَ وهو ابنُ أربعٍ وسَبعِينَ سنةً وكان قَد خرَجَ مع الجَمْعِ الَّذِين خَرَجُوا بعدَ أن تَحَمَّسُوا للمطالَبِة بِدَمِ عُثمان رضي الله عنه، ورَوى الحاكِمُ في «المستدرَك» مِن حَدِيث إياسِ الضَّبِيّ عن أَبِيه قال: كُنَّا مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ، فَبَعَثَ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ الله أَنِ الْقَنِي، فَأَتَاهُ طَلْحَةُ فَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللهَ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَلَاهُ، وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَلِمَ تُقَاتِلُنِي؟ قَالَ: لَمْ أَذَكُرْ، قَالَ: فَانْصَرَفَ طَلْحَةُ، فلَمَّا رءَاهُ مَروانُ بنُ الحَكَمِ – وهُوَ في حِزب مُعاوِيةَ – هامًّا بالانْصِرافِ عن القِتالِ تائبًا مِن خُروجِهِ على عَلِيٍّ،  وكان قد نَسِيَ الحديثَ حتَّى ذَكَّرَهُ عَلِيٌّ، رماهُ مروانُ بِسَهمٍ قَطَع رِجلَه

فنَزَفَ حتَّى ماتَ مِنهُ رضي الله عَنُه.

ومِمّن أسلَمَ في السَّابِقِين بعدَ أربَعةٍ أو سِتَّةٍ (سَعْدٌ) أي ابنُ أبي وَقّاصٍ مالِكِ بنِ أُهَيبٍ الزُّهريُّ رضيَ الله عَنُه، يَلتَقِي نَسبُه معَ رسولِ الله ﷺ في كِلابٍ. أسلَم سَعْدٌ وهو ابنُ تِسعَ عَشْرةَ سَنةً، وهو أحَدُ العَشَرةِ الْمُبَشَّرة والسِتَّةِ أَصحابِ الشُّورَى، وهو أَوَّل مَن رَمَى بِسَهمٍ في سَبِيل الله. هاجَرَ رضيَ الله عَنُه إلى المدينة قَبل النَّبِيّ ﷺ، وشَهِد المشاهِد كُلَّها، وكان مُجابَ الدَّعْوة. قال له النَّبِيُّ ﷺ يومَ أُحُدٍ: «ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وأُمِّي»([40]). مات رضيَ الله عَنُه بالعَقِيق فحُمِل إلى المدينة ودُفِن بالبَقِيع سنةَ خمسٍ وخمسين على الأشهر([41]) وذلك عن بِضْعٍ وسَبعِين سنةً رضيَ الله عَنُه، وهو ءاخِرُ العَشَرة المبَشَّرِينَ مَوْتًا([42])، فهُوَ والَّذِينَ سَبَق ذِكرهُم مِن السَّباِقِين الأَوَّلِين إلى الدُّخول في الإسلامِ قَد (أَمِنُوا مِنْ خَوْفِ) العذَابِ في الآخِرة (إِذْ ءَامَنُوا) باللهِ تعالَى ورسولِه ﷺ (بِـ)ـسَبَبِ (دَعْوَةِ) أبي بَكرٍ (الصِّدِّيقِ) لَهُم إلى الإسلامِ وقد كان قَومُه يأْلَفُونه ويأْتُونه لِمَا لَهُ مِن وَجاهةٍ فِيهم، فَلَمَّا دَعاهُم إلى الإسلام أجابُوه.

(كَذَا) مِن السَّابِقينَ الأَوَّلِينَ عُثمانُ (بْنُ مَظْعُونٍ) بنِ حبيبٍ الجُمَحِيُّ الكِنانِيُّ المَكِّيّ رضيَ الله عَنُه، يَجتمع نَسبُه معَ رسولِ اللهِ ﷺ في كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ. أسلَمَ رضيَ الله عَنُه بعدَ ثلاثةَ عشَرَ فَردًا وهاجَرَ الهِجرَتَين، وكانَ إسلامُه رضي الله عَنهُ معَ السابقِين الأَوَّلِينَ (بِذَا الطَّرِيقِ) أي بِدُعاءِ أبي بَكرٍ الصِّدِّيق لَهُ إلى الإسلامِ أيضًا.

وقد قَبَّلَهُ النَّبِيُّ ﷺ بعدَ مَوتِه ودُموعُه تَجرِي على خَدِّهِ، وقَال ﷺ يومَ ماتَتِ ابنَتُه رُقَيَّة: «الْحَقِيْ بِسَلَفِنَا الصَّالِحِ عُثْمَانَ بنِ مَظْعُونٍ»، وروَى ابنُ شَبَّةَ في «تاريخِ المدِينة» بسنَدِه إلى أبي سلَمةَ عن أبيهِ قالَ: لَمَّا تُوُفِّي إبراهيمُ ابنُ رسولِ الله ﷺ أمرَ أن يُدْفَنَ عندَ عُثمانَ بنِ مَظعونٍ، فرَغِبَ النّاسُ في البَقِيعِ وقطَعُوا الشَّجَرَ واختارَتْ كُلُّ قبيلةٍ ناحِيةً، فمِن هُناكَ عَرَفَتْ كلُّ قَبِيلةٍ مَقابِرَها. وكانَ ابنُ خَدِيجةَ في حِجْر رسولِ الله ﷺ بَعدَ أُمِّه، فلَمَّا تُوُفِّي حُفِرَ له على قارِعةِ الطَّرِيق الّتِي بينَ زُقاقِ عبدِ الدّارِ الّتي بابُ دارِهم فِيها، وبينَ بَقِيعِ الغَرْقَد الّذِي يَتدافَنُ فيه بَنُو هاشِم اليَومَ، وكَفَّنَه رَسولُ الله ﷺ ونَزَلَ في قَبْرِه ولم يَنْزِل في قَبْرِ أحَدٍ قَطُّ إلا في خَمسةِ قُبورٍ، مِنها قُبورُ ثَلاثِ نِسْوةٍ وَقَبْرا رَجُلَينِ، مِنها قَبرٌ بِمَكّةَ وأربَعةٌ بالمَدِينةِ: قبرُ خديجةَ زَوجتِه، وقَبرُ عبدِ الله المُزَنِيّ الّذي يقال له عبدُ الله ذو البِجادَين([43])، وقبرُ أُمِّ رُومانَ أُمِّ عائِشةَ بنتِ أبي بَكرٍ، وقبرُ فاطمةَ بنتِ أسَدِ بنِ هاشِمٍ أُمِّ عَلِيٍّ».

وروَى أبو داودَ في سُنَنِه والبيهقيُّ في «السُّنَن» والبغويُّ في «شرحِ السُّنّة» عن المُطَّلِب ابنِ أبي وَدَاعةَ أو ابنِ عبدِ اللهِ بنِ حَنْطَبٍ قالَ: لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أُخْرِجَ بِجِنَازَتِهِ فَدُفِنَ، أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ، فَقَامَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ وَحَسَرَ عَنْ ذِراعَيْهِ وقال: «لِيُعْلَمَ بِهَا قَبْرُ أَخِي أَوْ أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي». وفي هذَين الأثرَين دليلٌ على أهمّيّة الاعتِناءِ بمعرفةِ قبورِ الصّالحِينَ لزِيارَتِهم والتبرُّك عِندَهُم.

(ثُمَّ) أسلَم فِي الأَوَّلِينَ (أَبُو عُبَيْدَة) عامِرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الجَرَّاحِ بنِ هِلالٍ الفِهْرِيُّ القُرَشِيُّ رضيَ الله عَنُه، يَلْتَقِي نَسبُه معَ رسولِ الله ﷺ في فِهْرٍ. وهُوَ أَمِينُ هذِه الأُمَّة([44]) إذْ أَثْنَى عليه النَّبِيُّ ﷺ بالأَمانَةِ فِي غَيرِ مَا حَدِيثٍ وهُوَ أحَدُ العَشَرة المبَشَّرِين أيضًا. شَهِدَ رضيَ الله عَنُه بَدْرًا وما بَعْدَها وثَبَت مع النَّبِيِّ في أُحُدٍ، وكان رضِيَ الله عَنهُ شَدِيدًا في الإسلام بِحَيثُ قَتَل أبَاهُ يومَ بَدْرٍ كافرًا([45]) غَضَبًا للهِ ورَسُولهِ. مات رضيَ الله عَنهُ وهُو أَمِيرٌ علَى الشَّام مِن قِبلَ عُمَر بنِ الخَطّابِ رضِيَ الله عَنهُ سَنَة ثمانِي عَشْرةَ في طَاعُون

عَمَواسَ([46]) أوَّلِ طاعُونٍ بَعد البِعثةِ الشَّرِيفة حِينَ مات بِه سبعُونَ ألْفًا في ثَلاثةِ أيّامٍ([47]).

(وَ)أسلَمَ سابِعَ سَبعةٍ أو بعدَ عَشَرةٍ الصّحابيُّ الجليلُ (الأَرْقَمُ) بنُ أَبِي الأَرْقَم عبدِ مَنافٍ المخزُومِيُّ رضيَ الله عَنُه. اتَّخَذَ النَّبِيُّ ﷺ دارَه لِلصَّحْب لِيَتَجَمَّعُوا فِيها خُفيَةً عن قَومِهم الكافِرِين في بادئ الأمرِ واستَمَرُّوا على ذلك حتى تَكامَلُوا أربعينَ نَفْسًا ءاخِرُهُم عُمَر ابنُ الخطّابِ رضيَ الله عَنهُ، ومَضَت علَيهم الحالُ وهم بها ثلاثَ سِنِينَ، وسيأتي الكلامُ على ذلكَ.

و(كَذَا) مِن أَوَّلِ مَن أسلَمَ الصّحابيُّ الجليلُ (أَبُو سَلَمَةَ) عبدُ الله بنُ عبدِ الأسَد المخزومِيُّ رضيَ الله عَنُه، أَخُو النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الرَّضَاعِ مِن ثُوَيبةَ. رُوِيَ أنّه أسلَمَ بَعد عَشَرةٍ وكانَ أوَّلَ مَن هاجَرَ إلى الحَبَشةِ الهِجرة الأُولى، وهُو (الْمُكَرَّمُ) عِندَ النبيِّ ﷺ لِمَنْزِلَتِه الرَّفِيعةِ.

(وَ)مِن أَوَّلِ مَن أسلَمَ الصَّحابِيُّ الجَلِيلُ (ابْنُ سَعِيدٍ خَالِدٌ) فأَبُوه سَعِيدُ بنِ العاصِ بنِ أُمَيَّة الأُمَوِيّ و(قَدْ أَسْلَمَا) أي أسلَمَ هوَ رضيَ الله عنهُ بعدَ الَّذِين تَقَدَّم ذِكرُهم مِن السَّابِقِين الأوَّلِين، والألِف في “أسلَمَا” للإطلاق لا للتّثنِيةِ، (وَقِيلَ بَلْ) إسلامُه (قَبْلَهُمُ) أي قَبلَ بعضِهم (تَقَدَّمَا) وقيل: أسلَم ثالِثًا، وقيل: رابِعًا، وقيل: خامِسًا([48]). هاجَر إلى الحبشة ثُمّ قَدِم على النَّبيِّ ﷺ في يَومِ غَزْوةِ حُنَينٍ فبَعَثَه النبيِّ بَعدَ ذلِكَ علَى صَدَقاتِ اليَمَنِ.

(كَذَا) أسلَم في السَّابِقِينَ (ابْنُ زَيْدٍ أَيْ سَعِيدٌ) رضي الله عنه، وزَيدٌ أبوُه هُو ابنُ عَمرِو ابنِ نُفَيلٍ العَدَوِيُّ ابنُ عَمِّ عُمَر بنِ الخَطَّاب رضي الله عنه، وكان إسلامُ سَعِيدٍ قبلَ إسلامِ عُمَر رضِيَ الله عنهُما. شَهِد سَعِيدٌ المشاهدَ كُلَّها إلا بدرًا، وكانت أختُه عاتِكةُ تَحتَ عُمَر (وَزَوْجُهُ) أي زَوجةُ سَعِيدٍ هِيَ (فَاطِمَةُ) بِنتُ الخَطَّاب (ٱخْتُ عُمَرَا) رضيَ الله عَنهُما، وقَد أسلَمَت فاطِمةُ مع زَوجِها سَعِيد بنِ زَيدٍ قُبَيلَه أو بُعَيدَه. وكان سَعِيدُ بن زَيدٍ رضي الله عَنهُ مجابَ الدَّعوة. مات بالمدينة سنَةَ إحدَى وخَمسِينَ، وقيل: بالعَقِيق، عن بِضعٍ وسَبعِين سنَةً.

ثُمّ إسلامُ كُلِّ مَن تَقَدَّم مِن الرِّجالِ والنِّساء والصِّبْيانِ (لَا مِرَا) أي لا شَكَّ فيه بل ثَبَت مِن طُرُق صَحِيحةٍ.

ترَجمةٌ مُختصرةٌ لسيّدِنا عُثمان بنِ عَفّانَ رضي الله عنه

ترَجمةٌ مُختصرةٌ لسيّدِنا عُثمان بنِ عَفّانَ رضي الله عنه

هو أبو عمرٍو أو أبو عبدِ اللهِ أو أبو ليلَى([49]) عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ بنِ أبي العاصِ بنِ أُمَيَّة بنِ عبدِ شمسٍ بنِ عبدِ مَنافٍ القُرشِيُّ الأُمَوِيُّ، فيلتقي نسَبُه مع نسبِ النّبِيّ ﷺ في عَبدِ منافٍ، وأُمُّه أروَى بنتُ كُرَيزٍ بنِ ربيعةَ بن حبيبِ بنِ عبد شمسٍ وجدَّتُه لأُمِّه أمُّ حَكيمٍ البيضاءُ بِنتُ عَبدِ المُطَّلِب عَمّةُ رسولِ الله ﷺ.

تزوَّج قبلَ إسلامِه رضي الله عنه ثِنْتَين: أُمَّ عمرٍو بِنتَ جُنْدَبٍ الدَّوسِيّةَ فولَدَتْ له عَمْرًا

وخالدًا وأَبانَ وعُمرَ ومريمَ، وفاطمةَ بِنتَ الوليدِ المخزوميّةَ القُرشِيّةَ فولَدَتْ له الولِيدَ وسعِيدًا وأُمَّ سَعِيدٍ، ثُمّ تزوَّج بعدَ إسلامِه سِتّةً([50]): أُولاهُنَّ رُقَيّةُ بنتُ رسولِ اللهِ ﷺ وَولَدَتْ له عبدَ الله الأكبرَ، ثُمّ بعدَ وفاةِ رُقَيّةَ تزوَّجَ أُمَّ كُلثومٍ بنتَ رسولِ اللهِ ﷺ لكنّها لم تَلِدْ لهُ، ثمّ تزوَّجَ بعدَ وفاةِ أُمِّ كُلثومٍ فاختةَ بنتَ غَزْوانَ المازِنيّةَ، فولَدَتْ له عبدَ الله الأصغرَ، وتزوَّجَ بعدَ وفاةِ أُمِّ كُلثومٍ أيضًا أُمَّ البَنِينَ بنتَ عُيَينةَ بنِ حِصْنٍ الفَزاريّةَ الغَطَفانيّةَ فولَدَتْ له عبدَ المَلِك، وخامسُهُنّ رَمْلةُ بِنتُ شَيبةَ بنِ رَبِيعةَ العَبْشَمِيّةُ([51]) القُرَشِيّةُ فولَدَتْ له عائشةَ وأُمَّ أبانَ وأُمَّ عَمرٍو، والسّادسةُ نائِلةُ بنتُ الفُرافِصةَ بنِ الأَحْوَصِ الكَلبِيّةُ فولَدَتْ له مَريمَ([52]).

وقد قُتِل رَضِي الله عنهُ شَهِيدًا بِدَارِه يومَ الجُمعة سنةَ خَمسٍ وثلاثِينَ عن نَيِّفٍ وثَمانينَ سَنةً على يدِ جَماعةٍ مِن الخارجِين عليه ظُلْمًا.

وفي خبَر مَقتَلِهِ أنّ جَمْعًا قَدِمَ مِن مِصرَ نحوَ ألفٍ وجمعًا ءاخَرَ مِن الكُوفة وثالِثٌ مِن البَصرةِ فحاصَروا عثمانَ في دارِه عشرينَ يومًا، ثمّ تَسَوَّرَ جماعةٌ مِنهُم دارَه فقتلُوه وسال دَمُه على المُصحَفِ. ويقال: إنّ كِنانةَ بنَ بِشْرٍ التُّجِيبِيَّ هو مَن تَولَّى قَتْلَه، ثمّ طَعَنَه عَمرُو ابنُ الحَمِق طعَناتٍ ثُمّ وثَبَ عليهِ عُمَيرُ بنُ ضابِئٍ البرجمِيُّ حتّى كسَرَ ضِلَعًا مِن أضلاعِه([53]).

فصلٌ في إسلامِ عبدِ اللهِ وقُدامةَ ابْنَيْ مَظعونٍ رضي الله عنهُما

فصلٌ في إسلامِ عبدِ اللهِ وقُدامةَ ابْنَيْ مَظعونٍ رضي الله عنهُما

89-             

كَذَاكَ عَبْدُ اللهِ مَعْ قُدَامَهْ

 

هُمَا لِمَظْـعُـونٍ سَـعِيدَا الْهَامَهْ

 

 



(كَذَاكَ) عُدَّ في أوَّل مَن أسلَمَ أبو محمَّدٍ (عَبْدُ اللهِ مَعْ) أخِيهِ (قُدَامَةَ) الجُمَحِيَّينِ و(هُمَا) ابْنانِ (لِمَظْعُونٍ) الجُمَحِيِّ الْمَكِّيِّ أخَوَا الصّحابيّ الجَلِيل عُثمانَ بنِ مَظعُونٍ رضي الله عنه، وعبدُ اللهِ وقُدامةُ هُما رَجُلانِ (سَعِيدَا الْهَامَة) أي القامةِ، يشِير النّاظِمُ بذلِكَ إلى شَجاعَتِهما.

وقد هاجَرا إلى أرض الحبَشة الهِجرةَ الثانيةَ، وشهدا رضي الله عنهما المشاهِدَ كُلَّها معَ رسولِ اللهِ ﷺ، وءاخَى رَسولُ الله ﷺ بينَ عبدِ اللهِ وَسهلِ بنِ عُبَيدِ اللهِ بنِ المُعَلَّى الأنصارِيّ، ومات عبدُ اللهِ سنة ثلاثينَ في خلافة عثمانَ رضي الله عنه وهو ابنُ سِتِّينَ سنةً([54])، أمّا قُدامةُ فكان تحتَه صَفِيّةُ أختُ عُمرَ رضي الله عنهم، وقد استَعمَله عمرُ على البحرَين([55]) ثم عزَله([56]).

استِطرادٌ: قِصّةُ حَدِّ عُمرَ قُدامةَ رضي الله عنهُما

استِطرادٌ: قِصّةُ حَدِّ عُمرَ بنَ الخَطّابِ لقُدامةَ رضي الله عنهُما

وروَى الإمامُ الشّافعيُّ رضي الله عنه في «المُسنَد» وعبد الرَّزّاق في «المصنَّف» والبيهقيُّ في «السُنَنِ الكبرى» وغيرُهم عَن مَعمَرٍ عن الزُّهري قال: أخبرني عبدُ الله بن عامرِ بن ربيعةَ، وكان أبوه شَهِدَ بدرًا، أنّ عمرَ بن الخطّاب استَعملَ قُدامةَ بنَ مَظعونٍ على البحرَينِ وهو خالُ حَفْصةَ وعبدِ الله بنِ عُمرَ، فقَدِمَ الجارودُ سيّدُ عَبدِ القَيسِ على عُمرَ مِن البحرَينِ فقال: يا أميرَ المؤمنِينَ، إنَّ قُدامةَ شَرِبَ فسَكِرَ، ولقدُ رأيتُ حَدًّا مِن حُدودِ اللهِ حَقًّا عَلَيَّ أنْ أرفعَهُ إليكَ، فقال عمرُ: «مَن يَشهَدُ معكَ؟» قال: أبو هُريرةَ، فدعا أبا هريرةَ فقال: بِمَ أشهَدُ؟ قال: لَم أرَهُ يَشرَبُ ولكِنِّي رأيتُهُ سَكْرانَ([57])، فقال عُمرُ: «لقد تنَطَّعْتَ في الشَّهادة»([58])، قال: ثُمّ كَتب إلى قُدامةَ أن يَقْدَمَ إليه مِن البحرَين، فقال الجارود لعُمرَ: أَقِمْ على هذا كتابَ اللهِ عزَّ وجلَّ، فقال عمرُ: «أَخَصْمٌ أَنْتَ أَمْ شَهِيدٌ؟» قال: بل شَهِيدٌ، قال: «فقَدْ أديَّتَ شَهادتَكَ»، فصمَتَ الجارودُ حتى غَدا على عُمرَ فقال: أَقِمْ على هذا حَدَّ اللهِ، فقال عمرُ: «ما أراكَ إلا خَصْمًا وما شَهِدَ معكَ إلا رَجلٌ»، فقال الجارودُ: إِنّي أَنشُدُكَ اللهَ([59])، فقال عمرُ: «لَتُمْسِكَنَّ لِسانَك أو لأَسُوءَنَكَّ([60])»، فقال الجارودُ: أَمَا واللهِ ما ذاكَ بالحَقِّ أنْ شَرِبَ ابنُ عَمِّكَ وتَسُوءني، فقال أبو هريرةَ: إنْ كُنتَ تَشُكُّ في شَهادَتِنا([61]) فأَرْسِلْ إلى ابنةِ الوليدِ فسَلْها وهي امرأةُ قُدامةَ، فأرسلَ عُمرُ إلى هِندٍ ابنةِ الوليدِ يَنْشُدُها فأقامتِ الشهادةَ على زَوجِها([62]) فقال عُمرُ لقُدامةَ: «إِنِّي حادُّك»، فقال: لو شَرِبتُ كما يَقولونَ ما كان لكُم أنْ تَجْلِدُونِي، فقال عُمرُ: «لِمَ؟» قال قُدامةُ: قال اللهُ تعالى: ﱡﭐ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ   ﱫ  ﱬ  ﱭ  ﱮ  ﱯ  ﱰ  ﱱ  ﱲ  [المائدة: 93] الآيةَ، فقال عُمرُ: «أخطَأْتَ التّأويلَ، إنّكَ إذَا اتَّقَيتَ اجتَنَبْتَ ما حَرَّمَ اللهُ علَيكَ»([63]).

ثُمّ أقبَلَ عُمرُ على النّاسِ فقال: «ماذا تَرَوْنَ في جَلدِ قُدامةَ؟»، قالوا: لا نَرَى أنْ تَجْلِدَه ما كانَ مَرِيضًا، فسكَتَ عن ذلك أيّامًا وأصبَحَ يومًا وقد عَزَم على جَلْدِه([64]) فقالَ لأصحابه: «ماذا تَرَونَ في جَلْدِ قُدامةَ؟»، قالوا: لا نَرَى أنْ تَجْلِدَه ما كان ضَعِيفًا، فقال عُمرُ: «لَأَنْ يَلْقَى اللهَ([65]) تَحتَ السِّياطِ أحَبُّ إِلَيَّ مِن أنْ يَلْقاهُ وهو في عُنُقِي([66])، ائْتُونِي بِسَوطٍ تَامٍّ»، فأمَرَ بقُدامةَ فجُلِدَ، فغاضَبَ عُمرُ قُدامةَ وهَجَرَه([67]) فحَجَّ وقُدامةُ معه مغاضِبًا له، فلَمَّا قَفَلا([68]) مِن حَجِّهِما ونزَلَ عُمرُ بالسُّقْيا نامَ، ثُمّ استَيقَظَ مِن نَومِه قال: «عَجِّلُوا عَلَيَّ بِقُدامةَ فائْتُونِي بِه، فوَاللَّهِ إِنِّي لأرَى ءاتٍ أَتانِي فقال: سالِمْ قُدامةَ([69]) فإنه أخوكَ([70])، فعَجِّلُوا إِلَيَّ به»، فلَمَّا أتَوهُ أبَى أنْ يأتِي، فأمَرَ به عُمرُ إنْ أبَى أنْ يَجُرُّوه إليهِ([71])، فكَلَّمَهُ عُمرُ واستَغفَرَ له فكان ذلك أوَّلَ صُلْحِهما.

فصلٌ في إسلامِ حاطِبٍ وحَطّابٍ ابْنَيِ الحارِثِ رضي الله عنهُما

فصلٌ في إسلامِ حاطِبٍ وحَطّابٍ ابْنَيِ الحارِثِ رضي الله عنهُما

90-             

وَحَاطِـبٌ حَطَّـابٌنِ ابْنَا الحَارِثِ

 

……………………………………….

 




(وَ)مِن السَّابِقِينَ الأوَّلِين في الإسلامِ الأَخَوَانِ (حَاطِبٌ) و(حَطَّابٌ) بالحاء المهمَلة أو خَطّابٌ بالخاء الْمُعجَمة، قال ابنُ الأثِير: وهو الأشبَهُ بالصَّواب([72])، وقد ضُبِطَتْ في نُسخةِ العراقيّ النّاظِم بالوجهَين، وهُما (ابْنَا الحَارِثِ) الجُمَحِيِّ الْمَكِّيِّ، وقد هاجرَ حاطِبٌ وحَطَّابٌ معَ زوجتَيهِما رضيَ اللهُ عَنهُم إلَى الحبَشة الهِجرةَ الثانية، وقد ذكرَ الطبّرانيُّ أنّ حاطِبًا وحطَّابًا تُوُفِّيا هناك([73])، وقال غيرُه([74]): ماتَ حَطّابٌ في الطريقِ إلَى الحبَشةِ فلم يَصِل إليها، وقيل([75]): ماتَ مُنْصَرِفًا مِن الحبَشة في الطريق.

فصلٌ في إسلامِ أسماءَ وعائشةَ بِنتا أبي بكرٍ رضي الله عنهُم

فصلٌ في إسلامِ أسماءَ وعائشةَ بِنتا أبي بكرٍ رضي الله عنهُم

109-        

……………………………………….

 

أَسْـمَاءُ عَائِـشْ وَهْيَ غَيْرُ طَامِثِ 

110-        

كَـذَا ابْنُ إِسْـحَاقَ بِـذَاكَ انْفَرَدَا

 

وَلَمْ تَكُـنْ عَائِـشُ مِمَّنْ وُلِـدَا

 









وأسلَمَ مِن السَّابقاتِ بمكّة أيضًا (أَسْمَاءُ) بِنتُ أبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهما، وهي زَوجةُ الزُّبيرِ وأُختُ عائشةَ وأُمُّ عَبدِ اللهِ ولَدِ الزُّبَيرِ رضيَ اللهُ عنهُم، قيل: أسلمَت بعدَ سبعةَ عشَرَ مِن السّابقِين([76]).

وقد سُمِّيَتْ رضي الله عنها ذاتَ النِّطاقَين لأنّها شَقَّت نِطاقَها ورَبطت بِه زادًا للنّبيّ ﷺ ولأبي بكٍر حين خَرَجا مُهاجِرَين إلى المدِينةِ، وقيل: كان لها نِطاقان تَلْبَس أحدَهما وتَحمِل في الآخَر الزّادَ إلى النّبيّ ﷺ وأبي بكرٍ رَضِيَ الله عنه وَهُما في الغارِ.

تَزَوَّجها الزُّبير بنُ العَوّامِ ثم طَلَّقَها، فبَقِيَتْ عند ابنِها إلى أنْ قُتِل بأمرِ عبدِ الملِك بن

مَروان على يَدِ جيشِ الحَجّاج وحُزَّ رأسُه فأُرسِلَ إلى ابن مَروان ثُمَّ صَلَب الحَجّاج بَدَنَه مَنكُوسًا، فمَرَّ ببَدَنِه عبدُ الله بن عُمَر رضي الله عنهُما وقال: “رحمةُ اللهِ علَيكَ يا أبا خُبَيبٍ، أمَا واللهِ لقَد كُنْتَ صَوَّامًا قَوَّامًا وَصولًا للرَّحِم”. عاشَت أسماءُ بعدَ ابنِها لَياليَ قليلةً ثم ماتَت عن مائة سَنةٍ ولم يَسقُط لها سِنٌّ ولم يُنكَر لها عَقلٌ، وقد كانت رضي الله عنها مِن أَعْبَرِ النَّاس للرُّؤيَا، وكانت تَمرَضُ المرضة فتُعتِق كلَّ مملوكٍ لها، وهي ءاخِرُ المهاجِراتِ وَفاةً([77]).

ومِمّن أسلَم في السّابِقات (عَائِشـ)ـةُ بنتُ أبي بَكرٍ رضي الله عنهُما وهي أُمُّ المؤمنِين زَوجةُ رسولِ اللهِ ﷺ، ومناقِبُها كثيرةٌ لا يَسعُ هذا الْمَقامَ ذِكرُها إلّا باختِصار. فهي رضي الله عنها ابنةُ أبي بَكرٍ مِن أُمِّ رُوْمَان بنتِ عامِرٍ، تزوَّجَها النَّبِيّ ﷺ بعدَ الهِجرة، وقيل: بل في شَوّالِ سَنةِ عَشْرٍ من النُّبُوّة قبل مُهَاجَرِه إلى المدينة بِسَنَة ونِصفٍ أو نحوِها([78]) وهي ابنة سِتٍّ، وقيل: سَبع سِنين، وهو الّذي رواهُ البيهقيُّ في «الدَّلائل»([79]).

وبنَى بها ﷺ وهي ابنة تِسع سِنينَ، فقد روى مُسلِمٌ في «صحيحِه» عن هشامٍ عن أبيه عن عائشةَ رضي الله عنها قالتْ: «تزَّوَجَنِي رسولُ الله ﷺ لسِتِّ سنِينَ، وبَنَى بي وأنا بِنتُ تِسعِ سِنِينَ»، قالت: فقَدِمْنا المدينةَ، فوُعِكْتُ([80]) شَهرًا فوَفَى شَعرِي جُمَيْمةً([81])، فأتَتْني أمُّ رُومانَ وأنا على أُرجوحةٍ ومعِي صَواحِبي، فصَرَخَتْ بي فأتَيْتُها وما أدرِي ما تُرِيدُ بي، فأخَذَتْ بِيَدِي فأَوْقَفَتْنِي على البابِ فقُلتُ: هَهْ هَهْ، حتّى ذَهَب نَفَسِي، فأدْخَلَتْنِي بيتًا فإذا نِسْوةٌ مِن الأنصارِ فقُلْنَ: على الخيرِ والبرَكةِ وعلى خَيرِ طائِرٍ([82])، فأَسْلَمَتْنِي إلَيهِنَّ فغَسَلْنَ رأْسِي وأَصْلَحْنَنِي، فلَم يَرُعْنِي([83]) إلّا ورَسولُ اللهِ ﷺ ضُحًى فأَسْلَمْنَنِي إليهِ»، وفي روايةٍ: «ضَحَا» أي ظهَر.

وقد تُوُفِيّ عنها ﷺ وهي ابنة ثَماني عَشْرَة، وكانت رضي الله عنها بِكْرًا ولم يَنْكِح بِكْرًا غيرَها، ولم تَلِد له ولا غيرُها من نسائه الحَرائر سوى خديجة بنت خُوَيلد. تُوُفِّيت رضي الله عنها في رمضان ليلة الثلاثاء لسبعَ عشرةَ ليلةً مَضَت منه سنة ثمان وخمسين من الهِجرة، وقد صلَّى عليها أبو هريرة رضي الله عنهما وكان في ذلك الوقت نائبًا لِوالِي المدينة مَروانَ بن الحَكَم، ودُفِنَت بالبقيع رضي الله عنها.

وكان إسلامُ عائِشةَ على قولِ بعضِ المؤرِّخينِ (وَهْيَ) صَغِيرةٌ (غَيْرُ طَامِثِ) أي لم تَحِض بعدُ، يُرِيد أنّها لم تَبْلُغ سِنَّ الحيضِ (كَذَا) ذَكَرَه (ابْنُ إِسْحَاقَ) ولكنّ القَول (بِذَاكَ) هو بِه (انْفَرَدَا) فأبْطَلَهُ النّاظِمُ تبَعًا لِمَا جرَى عليه مُغْلَطاي([84]) (وَ)قال هو وَهَمٌ إذْ (لَمْ تَكُنْ عَائِشـ)ـةُ (مِمَّنْ وُلِدَا) وقْتَها بل وُلِدَتْ بعد البِعْثة بأربعةِ أو خَمسةِ أَعوامٍ([85])، ويَشهدُ لذلك ما رواهُ البُخاريّ في «صَحِيحِه» عَن عُروةَ بنِ الزُّبَير أنّ عائشةَ رضي الله

عنها قالتْ: «لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ» أي يَدِينانِ بدِينِ الإسلامِ([86]).

قِصّةُ أسماءَ معَ ولدِها عبدِ اللهِ حِينَ قتلَه الحَجّاجُ

استِطرادٌ: قِصّةُ أسماءَ معَ ولدِها عبدِ اللهِ حِينَ قتلَه الحَجّاجُ

لَمّا مات معاويةُ بنُ يزيدَ بنِ معاويةَ الحفيدُ بايعَ أهلُ الحجازِ واليمَن والعِراقِ وخُراسانَ عَبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيرِ على الخلافةِ سنة أربعٍ وستِّين من الهِجرة، وحجَّ بالنّاس ثمانيَ سنِينَ، فخرَج عليه بعد ذلكَ مَروانُ بن الحكَم وغلَب على الشّام ثمّ مِصرَ واستَمَرَّ إلى أنْ ماتَ

سنة خمسٍ وستِّينَ وعَهِد إلى ابنِه عبدِ المَلِك([87]).

وبعثَ عبدُ الملِك مِن الشّام إلى المدينة جُندًا فاستولَى على المدينةِ المنوّرةِ لكن استَمَرّ ابنُ الزُّبَير بمكّةَ خَلِيفةً إلى أنْ أمرَ عبدُ المَلِك الحَجّاجَ بنَ يُوسُفَ أن يخرُج لقِتالِه، فخرَج الحَجّاج في أربعينَ ألفًا، ونصَب الحَجّاجُ المَنْجَنِيقَ على جبل أبي قُبَيسٍ بالحِجارة والنِّيران فاشتَعَلَتْ أستارُ الكَعبة بالنّار فجاءتْ سَحابةٌ مِن نَحوِ جُدّة يُسمَعُ فيها الرَّعدُ ويُرَى البَرقُ، فجاوَزَ المطَرُ الكعبةَ والمَطافَ فأُطفِئَتِ النّار، وجاءتْ صاعِقةٌ فأحرَقَتْ المَنْجَنِيقَ وأربعينَ مِن الجُند([88]). ودام القِتالُ أشهُرًا، وتفرَّق عن عبدِ الله أصحابُه، فدخلَ على أُمِّه أسماءَ قبل عشَرة أيّامٍ مِن مَقتَلِه وهي شاكيةٌ وجَعًا فقال لها: كيف تَجِدِينَكِ يا أُمّاه؟ قالت: ما أَجِدُني إلا شاكيةً، فقال لها: إنَّ هَمَّ الموت راحةٌ، فقالت: لعلَّك تَمَنَّيْتَهُ لي، ما أُحِبُّ أنْ أموتَ حتّى تأتِيَ على أحَدِ طرَفَيكَ إمّا قُتِلتَ فأَحتَسِبُكَ وإمّا ظَفَرْتَ بِعَدُوِّك فقَرَّتْ عَينِي.

فلَمّا كان في اليومِ الّذِي قُتِل فيه دخَلَ عليها في المسجِد فقالت: يا بُنَيَّ لا تَقْبَل مِنهم خُطّةً تخافُ منها على نَفْسِكَ الذُّلَّ مَخافةَ القَتْل، فواللَّهِ لَضَرْبةُ سَيفٍ في عِزٍّ خَيرٌ مِن ضَربةِ سَوْطٍ في مَذَلّةٍ، فأتاه رجُلٌ مِن قُرَيش فقال: ألا نَفْتَحُ لكَ الكعبةَ فتَدُخُلَها؟ فقال
عبد الله: مِن كُلِّ شىءٍ تَحفَظُ أخاك إلّا مِن حَتْفِه، واللهِ لو وَجَدُوكُم تحتَ أستارِ الكَعبةِ لقَتَلُوكم، وهل حُرْمةُ المسجد إلا كحُرْمةِ البَيتِ، ثُمّ شَدّ عليه أصحابُ الحَجّاج فاجتَمعوا عليه فلَم يَزالوا يَضرِبُونه حتّى قَتَلوه ومَوالِيَه جميعًا.

قال يَعلَى بنُ حَرْمَلةَ([89]): دَخلتُ مكّةَ بعدَما قُتِلَ عبدُ الله بن الزُّبَير بثلاثةِ أيّامٍ فإذا هو مَصلُوبٌ، فجاءتْ أُمُّه امرأةٌ عَجوزٌ كبيرةٌ طويلةٌ مكفوفةُ البصَر تُقادُ، فقالت للحَجّاج: أمَا ءَان لِهذا الراكِب أنْ يَنزِل؟ فقال لها الحَجّاج: المُنافِق؟ قالت: واللهِ ما كان منافِقًا ولكنّه كان صَوَّامًا قَوَّامًا، فقال: انصَرِفي، فإنكِ عَجوزٌ قد خَرِفْتِ، قالت: لا واللهِ ما خَرِفتُ، ولقد سَمِعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ» أَمّا الكَذّابُ فقَد رأيناهُ، وأمّا المُبِيرُ فأنت المُبِيرُ([90])، أي المُهْلِك للنّاسِ.

ورُوي أنّ عبدَ الله بنَ عُمَر دخَلَ المسجدَ بعد قَتل ابن الزُّبَيرِ وصَلْبِه فقيل له: هذه أسماءُ

 بِنتُ أبي بَكرٍ في المسجدِ، فمال إليها وقال: اصْبِري، فقالت: وما يَمنَعُنِي مِن الصَّبْر وقد أُهدِيَ رأسُ يَحيَى بنِ زكريّا إلى بَغِيٍّ مِن بَغايا بَنِي إسرائيلَ([91]).

ولَمّا أُنزِلَ ابنُ الزُّبَير رحمهُ الله دعَت أسماءُ بِمَن يُغَسِّلُه، فكانوا لا يَتناولُون منه عُضوًا إلا وجَدُوه طَرِيًّا، وقيل: هي غَّسَلْتهُ وكفَّنَتْه وحَنَّطَتْه ثُمّ قامَتْ فصَلَّتْ علَيه، وعاشتْ بعدَ ذلكَ ثلاثةَ أيّامٍ رضي الله عنها([92]).

 

فصلٌ في إسلامِ زَوجتَيْ حاطِبٍ وحَطّابٍ ابنَيِ الحارِثِ

فصلٌ في إسلامِ زَوجتَيْ حاطِبٍ وحَطّابٍ ابنَيِ الحارِث رضي الله عنهُم

111-        

فَاطِـمَـةٌ فُـكَـيْـهَـةُ الـزَّوْجَـانِ

 

تِـلْـكَ لِـذَاكَ هَـذِهِ لِلـثَّـانِي

 





ومِمّن أسلَم قَدِيمًا أُمُّ جَمِيلٍ (فَاطِمَةُ) بِنتُ الْمُجَلَّلِ القُرَشِيَّةُ العامرِيّةُ، هاجرَتْ مع زوجِها حاطِبِ بنِ الحارِث فتُوُفِّي هناكَ، فقدِمَتِ المدينةَ هي وابناها معَ أهلِ السَّفِينَتَينِ([93]).

وأسلَمَتْ أيضًا (فُكَيْهَةُ) بِنتُ يَسارٍ مَع السَّابقِينَ وبايَعَتْ النَّبِيَّ ﷺ وهاجَرَتْ مع زَوجِها حَطّابٍ إلى الحبَشة، وسبقَ الخلافُ في اسمِ حَطَّابٍ بالحاءِ المُهمَلة أو المُعجَمة في خبرِ إسلامِه، ومات رضيَ الله عنه في الحبَشة أيضًا فعادَتْ مع فاطمةَ بنتِ المُجلَّل وأهلِ السَّفِينتَينِ إلى المدينةِ([94]).

وفاطِمةُ وفُكَيهةُ هُما (الزَّوْجَانِ) لحاطِبٍ وحَطّابٍ، ففاطِمةُ (تِلْكَ) زَوجةٌ (لَذَاكَ) الأَوَّلِ ذِكرًا في النَّظمِ وهو حاطِبٌ، وأمّا فُكَيهةُ (هَذِهِ) الثّانِيةُ في ذِكرِ النَّظمِ فَهِي زَوجةٌ (لِلثَّانِي) مِن ابْنَيِ الحارِثِ ترتيبًا في النَّظمِ وهُوَ حَطَّابٌ، فالأربعةُ مِن السّابقِينَ الأوَلِينَ رضي الله عنهم([95]).

فصلٌ في إسلامِ عُبيَدةَ بنِ الحارِث وخَبّابٌ رضي الله عنهُما

فصلٌ في إسلامِ عُبيَدةَ بنِ الحارِث وخَبّابٌ رضي الله عنهُما

112-        

عُـبَـيْـدَةُ بْـنُ حَـارِثٍ خَـبَّـابُ

 

ابْـنُ الأَرَتِّ كُـلُّـهُـمْ أَجَـابُـوا

 




ومِمّن أسلَم قَدِيمًا أيضًا (عُبَيْدَةُ بْنُالـ(ـحَارِثِ) بنِ المطَّلِب بنِ عَبدِ مَنافٍ، وهُوَ مِن جُملَةِ الَّذِينَ دَخَلُوا دارَ الأرقَم بنِ أبي الأرقَم. هاجرَ رضي الله عنه مع أخوَيهِ الطُّفَيلِ والحُصَينِ ومعهُم مِسْطَحُ بنُ أُثاثةَ إلى المدينةِ، وقد ءاخَى النَّبِيُّ ﷺ بينَ عُبيدةَ وبلالٍ الحبشيّ رضي الله عنهُما([96])، وهو أوَّل مَن عقَد له رسولُ الله ﷺ لواءً وبعَثَه في ستِّينَ راكِبًا مِن المهاجرِين في شوّالِ السّنةِ الأُولى مِن الهجرةِ([97])، وهو أحدُ الثّلاثةِ الّذِين بارَزوا المُشركِينَ يومَ بَدرٍ، وفِيهم حينَ برَزوا للكُفّارِ يُقاتِلونَهُم نَزَلتْ: ﱡﭐ  ﲒ  ﲓ ﲔ  [الحَجّ: 19] أي فريقانِ فريقٌ ءامَنوا باللهِ وفريقٌ كفَروا به، كذلك هو «صحيح البُخاريّ».

وروَى أبو داود في «السُّنَن» وأحمد في «مُسنَدِه» وغيرُهما عَن علِيٍّ رضي الله عنه قال:

«تقدَّمَ عُتبةَ بنَ ربِيعةَ وتَبِعه ابنُه وأخوه فنادَى: مَن يُبارِزُ؟ فانتَدَب له شَبابٌ مِن الأنصار فقال: مَن أنتُم؟ فأخبَرُوه فقال: لا حاجةَ لنا فِيكُم إنَّما أرَدْنا بَنِي عَمِّنا، فقال رسولُ الله ﷺ: «قُمْ يَا حَمْزَةُ، قُمْ يَا عَلِيُّ، قُمْ يَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ»، فأَقبَلَ حمزةُ إلى عُتبةَ وأقبَلَتُ إلى شَيبةَ، واختَلَف بينَ عُبَيدةَ والوليدِ ضَرْبتانِ فأَثْخَنَ كلُّ واحِدٍ مِنهُما صاحِبَه، ثُمّ مِلْنا على الوليدِ فقَتَلْناه واحتَمَلْنا عُبَيدةَ».

أُصِيبَ عُبيدةُ رضي الله عنه بِبَدرٍ برَمَيةٍ مِن شَيبةَ أو عُتبةَ بنَ رَبيعةَ قُطِعتْ بها رِجلَه.

ورَوى الحاكِمُ في «المستدرَك» أنّه جِيءَ بعُبَيدةَ وهو على تِلكَ الحالِ إلى النّبيّ ﷺ فقال: ألستُ شهيدًا يا رسولَ اللهِ؟ فقال ﷺ: «بَلَى»، فقالَ عُبيدةُ: أما واللهِ لو أدرَكَ أبو طالِبٍ

هذا اليومَ لعَلِمَ أَنِّي أحَقُّ منه بما قال حينَ يقولُ: [الطَّويل]

كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ([98]) يُبْزَى مُحَمَّدٌ([99])

¯¯

وَلَمَّا نُطَاعِـنُ دُونَـهُ وَنُنَاضِـلْ

وَنُسْـلِمُهُ حَتَّى نُـصَـرَّعَ حَـوْلَـهُ

¯¯

وَنَذْهَـلُ عَـنْ أَبْنَائِنَا وَالحَلَائِـلِ


ورُوِي أنّه قالَ رضي الله عنه عَقِبَ ذلكَ: [الطَّويل]

فَإِنْ يَقْطَعُوا رِجْلِي فَإِنِّي مُسَلِّمٌ

¯¯

أُرَجَّى بِهِ عَيْشًا مِنَ اللهِ عَالِيَا([100])

وَأَلْبَسَنِي الرَّحمَنُ مِنْ فَضْلٍ مِنْهُ

¯¯

لِبَاسًا مِنَ الإِسْلَامِ غَطَّى المَسَاوِيَا

ثمّ ماتَ رضي الله عنهُ لَمّا رجَعوا بالصَّفْراءِ([101]) مِن أثرِ ما أصابَهُ وهو ابنُ ثلاثٍ وستِّين سنةً ودَفَنَه النّبيُّ ﷺ، وقيل: عاش أيّامًا ثُمّ ماتَ بالرَّوحاء([102])، وعليه فقد رُوِي([103]) أنّه لَمّا نَزَل النَّبِيّ ﷺ بالرَّوحاءِ مع بعضِ أصحابِه قالوا: إنّا نَجِدُ رِيحَ مِسْكٍ، فقالَ: «وَمَا يَمْنَعُكُم وهَهُنا قَبْرُ أَبِي مُعَاوِيَةَ».

ومِن السَّابِقينَ الأَوَّلِينَ أيضًا الصّحابيُّ البَدرِيُّ أبو عبدِ اللهِ (خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ) بنِ جَنْدَلةَ القُرشِيُّ، يلتقي نَسَبهُ مع النّبيّ ﷺ في إلياسَ بنِ مُضَرَ.

سُبِيَ خَبّابٌ في الجاهِلِيّة فاشتَرتْهُ أُمُّ أنمارٍ الخُزاعيّةُ فأَعْتَقَتهُ([104])، وهو سادِسُ الّذين أسلَموا([105]) وأحَدُ الّذين عُذِّبُوا في اللهِ، حتّى إنّ الشَّعبِيَّ قال فيهِ([106]): “صَبَر ولم يُعْطِ الكُفّار ما سألوا، فجعَلوا يُلْزِقُون ظَهْرَه بالرَّضْف، حتى ذَهَب لَحمُ مَتْنِه([107])“.

شَهِدَ مع رسولِ الله ﷺ المشاهِدَ كُلَّها، وهاجَر إلى المدينةِ فآخَى رسولُ الله ﷺ بينَه وبينَ تَمِيمٍ مولَى خِراشِ بنِ الصِّمّةِ، وقيل: ءاخَى بينَه وبينَ جَبْر([108]) بنِ عَتِيكٍ.

نَزلَ خَبّابٌ رَضِيَ الله عنهُ الكوفةَ وماتَ بها سَنةَ سَبْعٍ وثَلاثِينَ مِن الهِجْرة وهو أوّلُ مَن دُفِن بظَهر الكُوفة مِن الصّحابة([109])، وقد صلَّى عليه عليٌّ رضي الله عنه وقالَ([110]): «رَحِمَ اللهُ خَبّابًا، لقَد أسلَمَ راغِبًا، وهاجَرَ طائِعًا، وعاشَ مُجاهِدًا، وابتُلِيَ في جِسْمِه أحوالًا، ولَنْ يُضِيعَ اللهُ أجرَ مَن أحسَنَ عمَلًا»، ثمّ دَنا عليّ مِن القُبور فقالَ: «السَّلامُ علَيكُم يا أهلَ الدِّيارِ مِن المؤمنِينَ والمُسلمِينَ، أنتُم لَنا سَلَفٌ فارِطٌ([111])، ونحنُ لَكُم تَبَعٌ عَمّا قَلِيلٌ لاحِقٌ، اللهم اغْفِرْ لَنا ولَهُم وتَجاوَزْ بِعَفْوِكَ عنّا وعَنهُم، طُوبَى لِمَنْ ذَكَر المَعادَ، وعَمِلَ للحِسابِ، وقَنَعَ([112]) بالكَفافِ([113])، ورَضِيَ عن اللهِ عَزَّ وجَلّ».

فـ(كُلُّ) الّذِينَ سبقَ ذِكرُ(هُمْ) مِمّن أسلَموا (أَجَابُوا) دَعوةَ أبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِي الله عنهُ لهُم إلى الإسلامِ.

فصلٌ في إسلامِ خَبَّابٍ وسَلِيطِ بنِ عَمروٍ وخُنَيسِ بنِ حُذافةَ

فصلٌ في إسلامِ سَلِيطِ بنِ عَمروٍ وخُنَيسِ بنِ حُذافةَ

113-        

كَـذَا سَـلِيْطٌ وَهُوَ ابْـنُ عَمْرِو

 

وَابْـنُ حُـذَافَـةَ خُنَيْـسٌ بَـدْرِيْ

 




و(كَذَا) مِمّن أسلَمَ قَدِيمًا أبو سَلِيطٍ (سَلِيْطٌ وَهُوَ ابْنُ عَمْرِو) بنِ عبدِ شَمْسٍ القُرَشِيُّ العامِريُّ، أخُو السَّكْرانِ وسُهَيلٍ. كان رضي الله عنه مِن المُهاجرِينَ الأوَّلِين، فهاجَرَ الهِجْرَتَين مع زوجتِه قِهْطَمُ بنتُ عَلْقمة وشَهِدَ جميعَ المشاهِدِ([114])، وبَعثَه رسولُ الله ﷺ إلى هَوْذةَ صاحبِ اليَمامةِ وإلى ثُمامةَ بنِ أُثالٍ كما سيأتِي في البُعوث.

شارك سَلِيطٌ في قِتالِ المُرتَدِّينَ وقُتل رضي الله عنه معركة اليَمامة في خلافةِ أبي بكرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه([115])، وقيل: كانتْ وفاتُه في السّنةِ الرابعة عشر([116]).

(وَ)كذلِكَ مِن السَّابِقِينَ إلى الإسلامِ خُنيسٌ وهو (ابْنُ حُذَافَةَ) بنِ قَيسِ بنِ عَدِيٍّ، فهو (خُنَيْسٌ) القُرَشِيُّ العَدوِيُّ السَّهْمِيُّ أخو عبدِ اللهِ بنِ حُذافةَ رضي الله عنهما.

هاجرَ إلى أرضِ الحبَشةِ وعادَ إلى المدينةِ فشَهِدَ بدرًا وأُحُدًا فهو (بَدْرِيّ)، وقد أُصِيبَ في أُحُدٍ بجِراحةٍ فمات منها رضي الله عنه. وكان خُنَيسٌ قد تزَوَّج حَفصةَ بِنتَ عُمَر بنَ الخَطّابِ رضِيَ الله عَنهُ قبلَ النَّبِيّ ﷺ، فلَمّا ماتَ تزوَّجها النّبيُّ في السّنةِ الثالثةِ مِن الهجرة([117]).

فصلٌ في إسلامِ مُسعودِ بن رَبيعةِ ومَعْمَرِ بنِ الحارِث

فصلٌ في إسلامِ مُسعودِ بنِ رَبيعةَ ومَعْمَرِ بنِ الحارِث

114-        

وَابْـنُ رَبِيعَةَ اسْـمُـهُ مَسْـعُـودُ

 

وَمَـعْـمَـرُ بْـنُ حَـارِثٍ مَـعْـدُودُ  

 




(وَ)مِمّن أسلَمَ قَدِيمًا (ابْنُ رَبِيعَةَ) أو الرَّبِيعِ بنِ عمرو بنِ عبدِ العُزَّى وَ(اسْمُهُ مَسْعُودٌ) القاريّ، إذْ يُقالُ لآلِ مَسعودٍ بَنُو القارِيّ وهُم حُلفاءُ بَنِي زُهْرةَ بالمدينةِ. وكان إِسلامُه قَبل دُخولِهِ دارَ الأرقَم، وهاجَرَ وشَهِدَ المشاهِدَ كُلَّها، وقد ءاخَى رسولُ الله ﷺ بينَه وبينَ عُبَيدِ ابنِ التَّيِّهانِ، ومات رضي الله عنه سنة ثلاثين للهِجرة([118]).

(وَ)كذَلِكَ (مَعْمَرُ بْنُ حَارِثٍ) الجُمَحِيُّ القُرَشِيُّ أَخُو حاطِبٍ وحَطَّابٍ، شَهِد المشاهِدَ كُلَّها مع رسولِ اللهِ ﷺ، وهُوَ (مَعْدُودٌ) في السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ إذْ أسلَمَ قبلَ دُخولِ رسولِ الله ﷺ دارَ الأرقمِ، وقد ءاخَى النَّبِيُّ بينَه وبينَ مُعاذِ بنِ عَفراءَ رضي الله عنهُما، وتوفّي في خلافةِ عمرَ ابنِ الخطّابِ رضي الله عنه([119]).

فصلٌ في إسلامِ عبدِ الله وأبِي أحمدَ ولدَيْ رِئابِ بنِ جَحْشٍ

فصلٌ في إسلامِ عبدِ الله وأبِي أحمدَ ولدَيْ رِئابِ بنِ جَحْشٍ

115-        

وَوَلَـدَا جَـحْـشٍ هُمَا عَبْدُ اللهْ

 

كَـذَا أَبُــو أَحْـمَـدَ عَـبْـدٌ أَوَّاهْ

 




(وَ)مِمّن أسلَم قَدِيمًا أيضًا (وَلَدَا جَحْشِ) بنِ رِئابٍ الأسَدِيّ و(هُمَا عَبْدُ اللهِ كَذَا أَبُو أَحْمَدَ) وهو مِمّن عُرِف بكُنيَتِه واسمُهُ (عَبْدٌ) مقطوعًا عن الإضافةِ لفظًا.

وأُمُّ عبدِ الله وأبِي أحمدَ رضي الله عنهما هي أُمَيمةُ بنتُ عبدِ المطَّلِب عَمّةُ النَّبِيّ ﷺ، وقد كان أبوهُما جَحْشُ بنُ رِئابٍ حليفًا لحَربِ بنِ أُمَيّةَ.

أسلَم عبدُ اللهِ معَ أخَوَيه عُبَيد اللهِ وأبي أحمَدَ قبل دخولِ رسول الله ﷺ دارَ الأرقمِ، وهاجر عبدُ الله وعُبَيدُ الله الهِجرةَ الثانيةَ إلى الحبَشةِ، وكان مع عبيدِ الله زوجَتُه أمُّ حَبِيبةَ بِنتُ أبي سُفيانَ لكنّ عُبيدَ اللهِ تنصَّرَ هُناكَ ومات بالحبَشة، فرَجع عبدُ اللهِ إلى مكّةَ، وءاخَى رسولُ اللهِ ﷺ بينَه وبينَ عاصمِ بنِ ثابتٍ([120])، وسيأتي في السّرايا خبرُ إرسالِ النّبيّ ﷺ له إلى نَخلةَ.

وقد دَعا عبدُ اللهِ قبلَ غَزوةِ أحُدٍ أنْ يَنالَ الشّهادةَ، فقُتل في اليومِ التّالي، قتلَه أبو الحكَمِ ابنُ الأَخْنَسِ بنِ شَرِيقٍ ومثَّلَ الكُفّارُ بِجُثَّتِه، وقد دُفِن رضي الله عنه قُرَب خالِه حمزةَ بنِ عبد المُطَّلِب رض الله عنه وعُمره بضع وأربعون سنةً([121]).

وأمّا أبو أحمدَ فاختُلِف في هِجرَتِه إلى الحبَشة([122])، وكان رضي الله عنه شاعِرًا ضَرِيرًا صابِرًا يَطوفُ بمَكّةَ أعلاها وأسفَلَها بِغَيرِ قائِد وهو رَجلٌ (أَوَّاه) أي رَحِيمٌ، وكانَ تحتَهُ الفارِعةُ بنتُ أبي سُفيانَ. وقد شَهِد رضي الله عنه المشاهِدَ كُلَّها وكان أوَّلَ مَن خرَجَ مِن مكّةِ إلى المدينةَ مُهاجِرًا([123]). توُفّي رضي الله عنه قبلَ أُختِه زَينبَ زَوجِ النَّبِيّ ﷺ.

فصلٌ في إسلامِ جَعفرِ بن أبي طالِبٍ وأسماءَ بنتِ عُمَيسٍ

فصلٌ في إسلامِ جَعفرِ بن أبي طالِبٍ وَزَوجِه وعامِرِ بنِ رَبِيعةَ

فصلٌ في إسلامِ جَعفرِ بن أبي طالِبٍ وَزَوجِه وعامِرِ بنِ رَبِيعةَ

116-        

كَذَا شَـبِيْهُ الْمُصْطَفَى أَيْ جَعْفَرُ

 

أَسْـمَـاءُ زَوْجُـهُ الحَلِيفُ عَامِـرُ






(كَذَا) أسلَمَ معَ السّابقِينَ الأوَّلِينَ جَعْفَرُ بنُ أبي طاِلبٍ بعدَ خمسةٍ وعِشرينَ أو واحدٍ وثلاثين([124])، وكان أسَنَّ مِن عليّ بعَشرِ سِنِينَ، وعقِيلٌ رضي الله عنه أسَنُّ مِن جَعفرٍ بعَشرِ

سنِينَ([125]).

 وهو رضي الله عنه ابنُ عَمِّ النّبِيّ ﷺ (شَبِيْهُ الْمُصْطَفَى) رسولِ الله محمَّدٍ ﷺ (أَيْ جَعْفَرٌ) شبيهُه في الخَلْق والخُلُق، وذَلِكَ بِشهادِة النّبِيّ ﷺ لهُ: «أَشْبَهْتَ خَلْقِيْ وَخُلُقِي»، وِمن مُشابهَتِه له في الخُلُق شِدّةُ عَطفِه على المساكينِ وإغداقُ إحسانِه إلَيهِم حتّى قال أبو هريرةَ رضي الله عنه: «كَانَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ وَيَجْلِسُ إِلَيْهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ وَيُحَدِّثُونَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَكْنِيهِ أَبَا الْمَسَاكِينِ» رواهُ التّرمذيُّ وغيرُه.

هاجرَ رضي الله عنه إلى الحبَشَة وقَدِمَ في فَتْح خَيْبَرَ فَلاقَاه النَّبِيُّ ﷺ وقام إِلَيه واعتَنَقَهُ وقَبَّل ما بَين عَيْنَيه ثُم قالَ له: «وَاللهِ مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَنَا أَفْرَحُ، بِفَتْحِ خَيْبَرَ أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ». ولَمَّا قَدِمَ المدينةَ ءاخَى النَّبِيُّ ﷺ بينَه وبينَ مُعاذِ رضي الله عنهما.

استُشهِدَ رضِيَ الله عنهُ في غَزْوةِ مُؤْتةَ وكانَتِ الرّايةُ بِيَدِه اليُمنَى فقُطِعَت فحَمَلها بشِمالِه فقُطِعَت أيضًا، فاحْتَضَن الرّاية بِعضُدَيه رضي الله عنه حتّى قُتِل فعَوَّضَه الله بهما جَناحَين يَطِيرُ بِهِما في الجنّة وذَلِكَ بِشهادة الصَّادِقِ المصدُوقِ ﷺ حِينَ قالَ: «رَأَيْتُ جَعْفَرَ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي الْجَنَّةِ ذَا جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ حَيْثُ شَاءَ». وقد وُجِدَ في جَسَدِه بعدَما قتِلَ بِضعٌ وسَبعونَ جِراحةً ما بَين ضَربةٍ بِسَيفٍ وطَعْنةٍ بِرُمْحٍ كَلُّها فيما أقبَلَ مِن بَدَنِه([126]).

ومِن السّابِقِينَ الأَوَّلِين إسلامًا (أَسْمَاءُ) بِنتُ عُمَيسٍ الخَثْعَمِيَّةُ، وأُمُّها هِندٌ بنتُ عَوفٍ، وأخواتُها لأُمِّها أمُّ المؤمنِينَ مَيمونةُ بنتُ الحارِث وأُمُّ المؤمنينَ زينبُ بنتُ خُزَيمةَ ولُبابةُ الصُّغرى ولُبابةُ الكبرى زوجةُ العَبّاسِ رضي الله عنهم.

وهي رضي الله عنها (زَوْجُهُ) أيْ زَوجةُ جَعْفَرٍ رضي الله عنه وعنها. أسلَمَتْ رَضِيَ الله عَنها قبل دخولِ النّبيّ ﷺ دارَ الأرقمِ، وهاجَرَت مع زَوجِها إلى الحبَشةِ ووَلَدَتْ له بِهَا
عبدَ اللهِ ومُحَمَّدًا وعَونًا([127])، ثمّ رجعَتْ معهُ وأولادِهما إلى المدينةِ في السّنة السابعةِ بعدَ فَتحِ خَيبرَ([128]) فعُرفَتْ بصاحِبةِ الهِجرتَينِ.

ولَمّا استُشهِدَ زوجُها جَعفرٌ تزوَجَّها بَعدَه أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بعدَ وفاة أُمِّ رُومانَ فولَدَتْ له محمَّدًا عامَ حَجّة الوداعِ، ثمّ تُوفِّي عنها وغسَّلَتْهُ بعدَ وفاتِه، ثُمّ تَزوَّجها عليُّ بن أبي طالب بعدَ فاطمةَ فوَلَدتْ له يحيَى وعَونًا، قيل: إنه ماتَ قبلَ أبيهِ عَلِيّ([129]). تُوفِّيت رضي الله عنها في السّنة الثامنة والثلاثين للهِجرة بعدَ مَقتلِ ابنِها محمّدِ بنِ أبي بكرٍ الصِدِّيق رضي الله عنهم.

وَمِمّن أسلَم قَدِيمًا قبلَ دخولِ النّبيّ ﷺ دارَ الأرقَمِ (الحَلِيفُ) لآلِ الخَطّابِ بنِ نُفَيلٍ أبو عبدِ اللهِ (عَامِرُ) بنُ رَبِيعةَ العَنْزِيُّ رضي الله عنه.

شَهِدَ رضي الله عنه بَدْرًا وغيرَها مِن الْمَشاهِد، وهاجرَ الهِجرتَين إلى الحبَشة ومعه امرأتُه ليلَى بنتُ أبي حَثْمةَ العدَويّةُ، ثُمّ هاجرَ إلى المدينةِ فآخَى النّبيّ ﷺ بينَه وبينَ يزيدَ ابنِ المُنذِر.

وقد تُوفّي رضي الله عنه سَنةَ خَمسٍ وثلاثينَ مِن الهِجرة بعد مَقتَلِ عُثمانَ بنِ عَفّان رضي الله عنه بأيّامٍ، وكان قد لَزِمَ بَيتَه فلَم يَشعُرِ النّاسُ إلا بجَنازتِه قد أُخرِجَتْ([130]).

فصلٌ في إسلامِ عيّاشِ بنِ أبي رَبِيعةَ وزوجَتِه ونُعَيمٍ النَّحّامِ

فصلٌ في إسلامِ عيّاشِ بنِ أبي رَبِيعةَ وزوجَتِه ونُعَيمٍ النَّحّامِ

117-        

عَيَّاشٌنَ اعْنِـيْ ابْنَ أَبِي رَبِيعَـةِ

 

وَزَوْجُـهُ أَسْــمَاْ إِلَى سَـلَامَـةِ

ومِنَ السّابِقِينَ إلى الإسلامِ 



أيضًا أبو عبدِ اللهِ (عَيَّاشٌ ٱعْنِي ابْنَ أَبِي رَبِيعةَ) بنِ المُغِيرةِ المخزُومِيُّ الملقَّبُ بذِي الرُّمْحَينِ، يَلتقِي نسَبُه مع النّبيّ ﷺ في مُرَّةَ بنِ كَعبٍ، وهو أخو أبي جَهلٍ لأمِّه وأحَدُ المُستَضعَفِين بمكّة الّذي كانَ الكُفّار يُؤْذونَهُ بسببِ إسلامِه ومُناصرَتِه للنّبيّ ﷺ.

(وَ) قد أسلَمَت (زَوْجُهُ) أي زوجةُ عَيّاشٍ (أَسْمَا)ءُ الدّارِمِيّةُ التَّمِيمِيَّةُ المنسوبةُ (إِلَى) والِدِهَا (سَلَامَةِ) أو سَلَمةَ بنِ مُخَرِّبةَ وهو خالُ عيّاشٍ، واسمُ أُمِّ عيّاشٍ أسماءُ بنتُ مُخرِّبةَ([131]) وهي المعروفةُ بأُمِّ الجُلاسِ([132]) والأثبَتُ أنّها أسلمَتْ وأدرَكَتْ خِلافةَ عُمَرَ رضي الله عنه، كما قال الحافظ العسقلانيّ([133]). ورَوَى السُّيوطيّ في «الجامِع الكبير» أنَّ النّبيّ ﷺ قال لَها حِينَ اسْتَوْصْتهُ: «يَا أُمَّ الجُلَاسِ ائْتِي إِلَى أُخْتِكِ مَا تُحِبِّينَ أَنْ تَأْتِيَ إِلَيْكِ، وَأَحِبِّي لِأُخْتِكِ مَا تُحِبِّينَ لَكِ».

وقد هاجَرَ عَيّاشٌ معَ زوجتِه أسماءَ إلى الحبَشَة ثُمّ هاجَرَ معَ عُمرَ بن الخطّاب رضي الله عنه إلى المدينةِ في عشرينَ راكِبًا فنَزلُوا بها في العَوالِي، فطلَب أبو جَهلٍ والحارِثُ بنُ هِشامٍ والعاصِ بنُ هِشامٍ عَيّاشًا – وهو أخوهُم لِأُمِّهم  فقَدِمُوا المدينةَ وذكَرُوا له حُزْنَ أُمِّه وقالوا له: إنّها حَلَفَتْ لا يُظِلُّها سَقْفُ بَيتٍ ولا يَمَسُّ رأْسَها دُهنٌ حتّى تَراكَ، ولولا ذلك لَم نَطْلُبْكَ، فنُذَكِّرُكَ اللهَ في أُمِّك، وكان بها رَحِيمًا ويَعلَم مِن حُبِّها إيّاه ورَأْفَتِها بِه ما يَعلَمُ، فصَدَّقَ قولَهم ورَقَّ لَها لكنّه أبَى أنْ يَتْبَعَهُما حتّى عَقَد له الحارِثُ بنُ هِشامٍ عَقْدًا، فلَمَّا خرَجا به أوْثَقاه فلَم يَزل محبوسًا بمكّة حتّى خرَجَ معَ مَن خَرَج مِنها قَبلَ الفَتحِ وكانَ رَسولُ الله ﷺ يَدعُو له بالخَلاصِ في القُنوتِ كما ثَبَت ذلكَ في الصَّحِيحَين عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه([134]). تُوفِّي عيّاشٌ يومَ اليَرموكِ بالشّامِ في خلافةِ عُمرَ سنة خمسَ عشرةَ، وقيل: بمكّة([135]).

وَمِمّن أسلَم قَدِيمًا الصّحابِيُّ الجَلِيلُ (نُعَيْمٌ) وهُوَ ابنُ عَبدِ اللهِ القُرَشِيُّ العَدَوِيُّ (النَّحَّامُ أيضًا) قبل دخولِ النّبيّ ﷺ دارَ الأرقَم، وقد عُرِفَ بالنَّحّام لِقَولِ النَّبِيّ ﷺ: «دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَسَمِعْتُ نَحْمَةً لِنُعَيمٍ فِيهَا» والنَّحْمة الصَّوتُ أو النَّحْنَحة، فنالَ بذلكَ البشارةَ بالجنّةِ مِن سيّد الخَلْقِ ﷺ.

وكان إسلامُه بعدَ عشَرةِ أنفُسٍ أو ثَمانيةٍ وثلاثينَ، وقيل: أسَلَم قبلَ عُمَر ولكنّه كَتَم إسلامَه([136]). وقَد مَنَعَهُ قَومُه مِن الهِجرة لِشَرَفِه فِيهِم وَلِكَونِه يَمُونُ أرامِلَ بَنِي عَدِيٍّ وأَيتامَهُم وقالُوا لَهُ: “أَقِمْ عَلَى أَيِّ دِينٍ شِئْتَ فَوَاللَّهِ لا يَتَعَرَّضُ إليكَ أحَدٌ إلا ذَهَبَتْ أنفُسُنا جَمِيعًا دُونَكَ”، فبقي بمكّة إلى أنْ هاجَر رضي الله عنه أيّامَ الحُدَيبِيَةِ سنةَ ستٍّ مِن الهجرة ومعه أربعونَ مِن أهلِه فلَمّا وصلَ اعتنَقَهُ النّبيُّ ﷺ وقبَّلَهُ([137]).

وقد شَهِدَ نُعَيمٌ معَ النَّبِيّ ﷺ ما بَعد ذلك مِن المشاهِد، وقُتِلَ يومَ اليَرموكِ شهيدًا سنةَ خمسَ عشرةَ في خِلافة عُمرَ، وقيل: استُشهِدَ بأَجْنادِينَ سنةَ ثلاثَ عَشْرةَ في خلافةِ أبي بَكرٍ رضي الله عنهما.

فصلٌ في تتِمّة الصّحابةِ المعدُودِينَ في السّابقِينَ الأوّلِينَ

فصلٌ في تتِمّة الصّحابةِ المعدُودِينَ في السّابقِينَ الأوّلِينَ

118-        

نُـعَـيْـمٌ النَّحَّـامُ أَيْضًـا حَاطِـبُ

 

وَهْوَ ابْنُ عَمْروٍ وَكَذَاكَ السَّـائِبُ

119-        

أَيِ ابْنُ عَثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ ذُكِرْ

 

أَبُـوهُ مَـعْ مُطَّـلِـبِ ابْـنِ أَزْهَـرْ

120-        

وَزَوْجُـهُ رَمْـلَـةُ مَـعْ أُمَـيْـنَـةْ

 

بِـنْـتُ خَـلَـفْ لِـخَالِـدٍ قَـرِينَةْ

121-        

مَضَى اسْـمُهُ ………………………

 

……………………………………….

 
















وَمِمّن أسلَم قَدِيمًا (أَيْضًا حَاطِبٌ) أخُو سُهَيلٍ والسَّكْرانِ (وَهوَ ابْنُ عَمْرو) بنِ عَبدِ شَمْسِ بنِ عَبْدِ وُدٍّ القُرَشِيُّ العامِرِيُّ، وهو غيرُ حاطِبِ بنِ عمرِو بنِ عَتِيكٍ. وقد جزَم الزُّهريّ بأنّ حاطِبَ بنَ عمرٍو أوّلُ مُهاجِرٍ إلى الحبَشة، وقيل: ءاخِرُ مَن خرَج إلى الحبَشة معَ جَعفرِ بنِ أبي طالِبٍ([138]). ثمّ عادَ حاطِبٌ إلى مكّةَ وهاجرَ منها إلى المدينةِ فنزَل على رِفاعةَ بنِ عبدِ المُنذِر، وقد شَهِدَ بَدرًا وما بَعدَها.

(وَكَذَاكَ) عُدَّ فِي السّابِقِينَ إلى الإسلامِ (السَّائِبُ أَيِ ابْنُ عَثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ) رَضِيَ الله عنهُما، هاجَر إلى الحبَشة وشَهِدَ المشاهِدَ كُلَّها وقد استعمَلَه النَّبِيُّ ﷺ على المدينةِ في غَزوةِ بُواطٍ. قُتِلَ رضي الله عنه باليَمامةِ مِن سَهمٍ أصابَهُ وهو ابنُ بِضعٍ وثلاثينَ سنةً،

وقَد (ذُكِر أَبُوهُ) عُثمانُ بنُ مَظْعونٍ ءانِفًا([139]).

وقَد ثَبَت عِند أهلِ السِّيَر والرِّجالِ إسلامُ كُلِّ مَن سبَق ذِكرُه في السّابِقينَ (مَعْ) إسلامِ الـ(ـمُطَّلِبِ بْنِ أَزْهَر) بنِ عَوفٍ القُّرَشِيِّ الزُّهرِيِّ، وقَد أسلَمَ المطَّلِبُ قَدِيمًا قبل دخول النّبيّ ﷺ دارَ الأرقَمِ (وَ)أسلَمَت مَعَهُ (زَوْجُهُ رَمْلَةُ) بِنتُ أبي عَوْفٍ وبايعتْ وهاجَرَت معَه إلى الحبَشة الهِجرةَ الثانيةَ فوَلَدَتْ له بها عبدَ اللهِ، وماتَ المُطَّلِب هناك معَ ولَدِه وبِها دُفِنَ([140]). وقيل: إنّ عبدَ اللهِ أوَّلُ مَن وَرِثَ أباه في الإسلام([141]).

وأسلَم كذلكَ (مَعْ) السّابِقِينَ الأوَّلِينَ (أُمَيْنَة) أو أُمَيمَةُ أو هُمَينةُ (بِنْتُ خَلَف) بنِ أَسْعَدَ الخُزاعِيَّةُ عَمّةُ طَلْحةِ الطَّلَحات الجوادِ المَشهُور([142])، وهي (لِخَالِدٍ) ابنِ سَعِيدٍ (قَرِينَة) أي زَوجةٌ، وقَد (مَضَى اسْمُهُ) ونَسَبُه وذِكرُ إسلامِه ءانِفًا. وقد هاجرَتْ معَ زوَجِها خالدٍ إلى الحبَشةِ فوَلَدَتْ له ءَامِنةَ واشتَهرَتْ بأُمِّ خالِدٍ بنتِ خالِدٍ.

121-        

………………… عَمَّارٌ ابْنُ يَاسِـرِ

 

وَابْنُ فُـهَـيْـرةَ اسْــمِـهِ بِعَامِـرِ

122-        

أَبُو حُذَيْـفَـةَ صُـهَيْبٌ جُـنْـدُبُ

 

وَهْـوَ أَبُـو ذَرٍّ صَـدُوقٌ طَـيِّـبُ

123-        

وَقَــالَ إِنِّــي رَابِـــعٌ لِأَرْبـعَـةْ

 

مِـنْ تَابِـعِـيْ النَّبِيِّ أَسْـلَمُوا مَعَهْ

 















ومِن أَجَلِّ السَّابِقِينَ الأَوَّلِين الطَّيِّبُ الْمُطَيَّبُ أبو اليَقْظانِ (عَمَّارٌ) وهُوَ (ابْنُ يَاسِر) العَنْسِيُّ الْمَذْحِجِيُّ مَولَى بَنِي مَخْزُومٍ. هاجَرَ رضِيَ الله عنهُ الهِجرَتَين وَصَلَّى إلى القِبلَتَين

وشَهِدَ كُلَّ مَشْهَدٍ، وهُوَ أوَّلُ مَن بَنَى مَسْجِدًا في هذه الأُمّة.

أرسلَه عُمرُ رضي الله أميرًا على الكوفة وكتبَ إلى أهلِها: «أمّا بعدُ، فإِنِّي قد بَعَثتُ إليكُم عَمّارًا أمِيرًا، وعبدَ اللهِ بنَ مَسعُودٍ وَزِيرًا ومُعَلِّمًا، وهُما مِن نُجَباءِ أصحابِ محمَّد، فاقتَدُوا بهِما»([143]).

ثمّ لَمّا عزَلَهُ عُمَرُ لِمَصلحةٍ رءَاها صَحِبَ عَلِيًّا وشَهِد معه الجمَلَ وصِفِّينَ فأبلَى فيهِما ما قال أبو عبد الرَّحمنِ السُّلَمِيُّ: شَهِدْنا صِفِّينَ معَ عَلِيٍّ، فرأيتُ عمّارَ بنَ ياسِرٍ لا يأخُذُ في ناحِيةٍ ولا وادٍ مِن أودِيَةِ صِفِّينَ إلا رأيتُ أصحابَ النَّبِيّ ﷺ يَتبَعُونَه كأنّه عَلَمٌ لَهُم، وقالَ لهاشِمِ بنِ عُتْبةَ بنِ أبي وَقّاصٍ: «يا هاشِمُ، تَفِرُّ مِن الجَنّة؟! الجَنّةُ تحتَ البارِقةِ، اليومَ ألقَى الأَحِبّةَ، مُحَمَّدًا وحِزْبَه، واللهِ لو ضَرَبُونا حتَّى يَبلُغُوا بِنا سَعَفاتِ هجَرَ لعَلِمتُ أنَّا على حَقٍّ وأنّهم على الباطِل»([144]).

قُتِلَ رضِيَ الله عنهُ في وَقْعةِ صِفِّينَ مُقاتِلًا في صَفِّ عَلِيّ بن أبي طالِبٍ مِن أجلِ إحقاقِ الحَقِّ وهو ابنُ ثَلاثٍ أو أربَعٍ وتِسْعِينَ سَنةً، وقَد أخبَرَ ﷺ عَن قَتْل عَمّارٍ على يَدِ الفِئة الخارِجة على الإمام ظُلمًا وعُدوانًا فقال: «وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ».

(وَ)مِن السَّابِقِينَ الأوَّلِين أيضًا (ابْنُ فُهَيْرةَ اسْمِهِ) أي سَمِّهِ (بِعَامِرٍ) وكُنيَتُه أبو عمرٍو وهُوَ عَبْدٌ أَسْوَدُ مَولًى لأبي بَكْر الصِّديِق رضي الله عنهُ، اشتَراه أبو بَكرٍ مِن الطُّفَيلِ ابن عبدِ اللهِ بنِ سَخْبَرةَ فأَسلَم عامِرٌ فأَعْتَقَه أبو بَكرٍ.

وكان عامِرٌ رَفِيقَ النَّبِيّ ﷺ وأبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه في الهِجرة إلى المدِينة، وسيأتي تفصيلُ ذلك، وقد شَهِدَ رضي الله عنه بَدرًا وقُتِلَ في بِئرِ مَعُونة وهو ابنُ أربعينَ

سنةً([145]).

ومِمّن أسلَمَ قديمًا أيضًا (أَبُو حُذَيْفَةَ) هُشَيمُ أو مِهْشَمُ أو هِشامُ بنُ عُتْبةَ بنِ رَبِيعةَ القُرَشِيُّ، يلتقي نسَبُه مع نسبِ النّبيّ ﷺ في عبدِ مَنافٍ، وهو خالُ مُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ إذْ أختُه هِندٌ بنتُ عُتْبةَ. وهو مولَى سالِمٍ الّذي أرضَعَتْهُ زَوجةُ أبي حُذيفةَ سَهْلةُ بنتُ سُهيلِ ابنِ عَمرٍو كَبِيرًا([146]).

هاجرَ معَ امرأَتِه سَهْلةَ إلى الحبَشةِ ووَلَدتْ له هُناكَ محمَّدًا، ثُمّ قَدِمَ على رَسولِ الله ﷺ وهو بمكّة فأقامَ بها حتى هاجرَ إلى المدينةِ. وقد شَهِدَ المشاهِدَ كُلَّها وقُتِلَ يومَ اليَمامةِ وهو ابنُ ثلاثٍ أو أربعٍ وخَمسِينَ سنةً([147]).

ومِن أجَلِّ الصَّحابة السَّابِقِين الأوَّلِينَ أبو يحَيَى (صُهَيْبٌ) ابنُ سِنانٍ الكَعْبِيّ المعروفُ
بالرُّوميِّ لأنه أخَذَ لِسانَ الرُّومِ حِينَ سَبَوْهُ وهو طِفلٌ. قيل: كان اسمُه عُمَيرةَ فسَمّاه الرُّوم صُهَيبًا، وقيل: هو عبدُ المَلِك([148])، ويُقالُ: إنّ أباه وعَمَّه كانا على الأُبُلّة مِن جِهةِ كِسرَى، وكانت مَنازِلهُم على دِجْلةَ مِن جِهةِ المَوصِل، فنَشَأ صُهَيبٌ بالرُّومِ فصارَ أَلْكَنَ، ثُمّ اشتَراهُ رَجُلٌ مِن كَلْبٍ فباعَهُ بمكّة فاشتَراهُ عبدُ اللهِ بنُ جُدْعانَ التَّمِيميُّ فأعتَقَه. ويقال: بل هَرَب مِن الرُّومِ فقَدِمَ مَكّةَ فحالَفَ ابنَ جُدْعانَ([149]).

أسلَم هُوَ وعَمَّارُ بنُ ياسِرٍ في يومٍ واحِدٍ بعدَ نحوِ أَربعِينَ رَجُلًا مِمّن أسلَمُوا وكان مِنَ المُستضعَفِينَ بمكّة. هاجرَ رضي الله عنه إلى المدِينةِ معَ عليّ بنِ أبي طالِبٍ بعد هِجرةِ الرَّسولِ ﷺ بثلاثةِ أيّامٍ وشهد بدرًا والمشاهِدَ بعدَها.

مَناقِبُهُ رضي الله عنهُ كثيرةٌ جِدًّا، فقَد روَى الطّبرانيُّ والحاكِمُ وغيرُهما أنَّ صُهَيبًا لَمّا أرادَ الهِجرةَ إلى المدِينةِ قال له مُشرِكُو مَكّةَ: أتَيْتَنا هَهُنا صُعْلُوكًا حَقِيرًا فكَثُرَ مَالُكَ عِندَنا وبَلَغْتَ ما بَلَغْتَ ثُمّ تَنطَلِقُ بِنَفْسِكَ ومَالِكَ، واللهِ لا يَكُونُ ذَلِكَ، فقال: أرأيتُم إنْ تَرَكتُ مالِي تُخَلُّونَ سَبِيلِي؟ قالوا: نعَم، فجَعَل لَهُم مالَهُ أجْمَعَ.

فلَمَّا أطافُوا برَسولِ اللهِ ﷺ فأقبَلُوا على الغارِ وأَدْبَرُوا قال: وا صُهَيْباهُ وَلا صُهَيبَ لِي، فلَمَّا أرادَ رَسولُ اللهِ ﷺ الخُروجَ بَعَثَ أبا بَكرٍ رضي الله عنه مرَّتَينِ أو ثَلاثًا إلى صُهَيبٍ فوَجدَهُ يُصَلِّي، فقال أبو بَكرٍ رضي الله عنه للنَّبِيّ ﷺ: وَجَدتُه يُصَلِّي فكَرِهتُ أنْ أقطَعَ علَيهِ صلاتَه، قال ﷺ: «أَصَبْتَ»، وخَرَجا مِن لَيْلَتِهما، فَلَمَّا أصبَحَ خرَجَ حتَّى أتَى أُمَّ رُومانَ زَوجةَ أبي بَكرٍ رضي الله عنه فقالتْ: ألَا أراكَ هَهُنا وقد خَرَجَ أخوَاك ووَضَعا لكَ شَيئًا مِن زادِهِما، قال صُهَيبٌ: فخَرَجتُ حتَّى دَخَلتُ على زوجَتِي أُمِّ عُمَرَ فأخَذْتُ سَيْفِي وجَعْبَتِي وقَوْسِي حتَّى أقدَمَ علَى رَسولِ الله ﷺ المدِينةَ فأَجِدَه وأبا بَكرٍ رضي الله عنه جالِسِينَ، فلَمَّا رَءانِي أبو بَكرٍ قامَ إلَيَّ فبَشَّرَنِي بالآيةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِيَّ وأخَذَ بِيَدِي فلُمْتُه بعضَ اللَّائِمةِ فاعْتذَرَ. ورَبَّحَنِي رسولُ اللهِ ﷺ فقال: «رَبِحَ البَيْعُ أَبَا يَحْيَى» وتَلا الآيةَ: ﱡﭐ  ﲐ  ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ([150]) [البقَرة: 207].

وقد أقامَ صُهيبٌ رضي الله عنه بالمدينةِ المنوَّرةِ بعدَ وفاةِ النّبيّ ﷺ إلى أن تُوفِّي رضي الله

عنه في السّنةِ الثامنةِ أو التّاسعةِ والثّلاثِينَ للهِجرة([151]) وهو ابنُ سبعينَ أو ثلاثٍ وسَبعِينَ سنةً ودُفِنَ رضي الله عنه بالبَقِيع.

ومِن السّابِقِين الأوَّلِين الصّحابِيُّ الجَلِيل الزّاهِدُ العابِدُ (جُنْدُبُ)([152]) بفتح الدّال وضَمِّها وهو ابنُ جُنادةَ (وَهوَ أَبُو ذَرٍّ) الغِفاريُّ رضي الله عنه، يلتَقِي نسَبُه مع النّبيّ ﷺ في مُضَرَ، وهو رضي الله عنه معرُوفٌ بالزُّهد (صَدُوقٌ) لِسانُه (طَيِّبُ) السِّيرَة والسَّرِيرةِ. أسلَم والنَّبِيُّ ﷺ بمكّة أوَّلَ الإسلامِ (وَ)قَد (قَالَ) عن نَفْسِه (إِنِّي رَابِعٌ لِأَرْبعَة) أي إسلامًا (مِنْ) بَينِ (تَابِعِيْ) دَعوةِ (النَّبِيِّ) ﷺ إلَى الإسلامِ، يعَنِي أنّه ءاخِرُ أربعةٍ (أَسْلَمُوا مَعَه) أي قُبَيلَه لا بِوَقتٍ طِويلٍ، وقيل: هو خامِسُ خَمسةٍ([153]). وكانَ أبو ذَرٍّ قدِ اعتزَلَ عِبادةَ الأوثانِ قبلَ إسلامِه بفَترةٍ([154]).

وقد كانَ رضي الله عنهُ رأسًا في العِلم وأحَدَ كِبارِ المجتَهِدِين في الصّحابة رضي الله عنهم، وهو أوَّلُ مَن حَيَّا رَسولَ اللهِ ﷺ بتَحِيّة الإسلامِ وبايعَ النَّبِيَّ ﷺ على أنْ لا تأخُذَه في اللهِ لَومةُ لائِمٍ([155]). وقد انصَرَف رضي الله عنه إلى بِلادِ قَومِه فأقامَ بها حتَّى قَدِمَ رسولُ الله ﷺ المدِينةَ ومَضَتْ بَدرٌ وأحُدٌ ولَم تَتَهيَّأْ له الهِجرةُ إلّا بَعدَ ذلِكَ([156]).

ورَوَى الحافظ المُنذِرِيُّ في «التَّرغيب والتَّرهيب» عَن إِبْرَاهِيم يَعْنِي ابْن الأشتَر أَنَّ أَبَا ذَرٍّ

حَضَره الْمَوْت وَهُوَ بالرَّبَذةِ([157]) فَبَكَتْ امْرَأَته فَقَالَ: مَا يُبكِيكِ؟ فَقَالَت: أبْكِي فَإِنَّهُ لَا يَدَ لي بِنَفْسِكَ وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوبٌ يَسَعُ لَكَ كفَنًا، قَالَ: لا تَبْكِي، فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ الله ﷺ يَقُولُ: «لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُم بِفَلَاةٍ مِنَ الأَرْضِ يَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ([158]) مِنَ الْمُؤمنِينَ»، قَالَ: فَكُلُّ مَن كَانَ مَعِي فِي ذَلِك المجْلِس مَاتَ فِي جمَاعَةٍ وقَريةٍ فَلَم يَبْقَ مِنْهُم غَيْرِي وَقد أَصبَحتُ بالفَلاةِ أَمُوتُ فَراقِبِي الطَّرِيق فَإنَّكِ سَوفَ تَرَيْنَ مَا أَقُولُ، فَإِنِّي وَاللهِ مَا كذَبتُ وَلا كُذِّبتُ، قَالَت: وأَنَّى ذَلِك وَقدِ انْقَطَعَ الْحَاجُّ([159])؟ قَالَ: راقِبي الطَّرِيقَ، قَالَ: فَبَيْنا هِيَ كَذَلِك إِذا هِيَ بالقَومِ تَخُبُّ([160]) بِهِم رَواحِلُهم كَأَنَّهُمْ الرَّخَمُ([161])، فَأقبل الْقَوْم حَتَّى وقفُوا عَلَيْهَا فَقَالُوا: مَا لَكِ؟ فَقَالَت: امْرُؤٌ مِن الْمُسلمِينَ تُكَفِّنُوهَ وَتُؤْجَرُوا فِيهِ، قَالُوا: وَمن هُوَ؟ قَالَت: أبو ذَرٍّ، ففَدَوهُ بآبائِهم وأُمَّهاتِهم وَوَضَعُوا سِياطَهُم فِي نُحورِها([162]) يَبْتَدِرُونَه، فَقَالَ: أَبْشِرُوا فَإِنَّكُمُ النَّفَرُ الَّذين قَالَ رَسُول الله ﷺ فِيكُم مَا قَالَ، ثمَّ أَصبَحتُ الْيَوْم حَيْثُ ترَوْنَ، وَلَو أَنَّ لي ثَوْبًا مِن ثِيَابِي يَسَعُ كفَنِي لَم أُكَفَّنْ إِلَّا فِيهِ، فأنْشُدُكم([163]) بِالله لَا يَكُفِّنُنِي رجُلٌ مِنْكُم كَانَ عَرِيفًا أو أمِيرًا أو بَرِيدًا([164]) فَكُلُّ القَومِ قد نَالَ من ذَلِك شَيئًا إِلَّا فَتًى مِن الأنْصارِ وَكانَ معَ القَومِ قالَ: أنا صاحِبُكَ ثَوبانُ في عَيْبَتِي([165]) مِن غَزْلِ أُمِّي وَأحَدُ ثَوبَيَّ هذَين اللَّذَين عَلَيَّ، قَالَ: أَنْت صَاحِبي.

وروَى الحاكمُ في «المُستدرَك» أنّه لَمّا سارَ رسولُ اللهِ ﷺ إلى تبوكَ مع أصحابِه تأخَّرَ أبو ذَرٍّ بسببِ بعِيرِه الّذي أَبطأَ عليه، فخَرَج أبو ذَرٍّ يَتبَعُ رسولَ اللهِ ﷺ ماشِيًا، فنَظَر ناظِرٌ مِن المُسلمِينَ وقال: يا رسولَ اللهِ، هذا رَجُلٌ يَمشِي على الطَّرِيقِ، فقال ﷺ: «كُنْ أَبَا ذَرٍّ»، فلَمَّا تأَمَّلَهُ القَومُ قالوا: يا رسولَ اللهِ هوَ واللهِ أبو ذَرٍّ، فقالَ رَسولُ الله ﷺ: «رَحِمَ اللهُ أَبَا ذَرٍّ يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ».

فكانَ مِن ءاخِرِ أمرِ أبي ذَرٍّ أنْ سارَ إلى الرَّبَذةِ وعاشَ بَعِيدًا، فلَمَّا حضَرَه الموتُ أوصَى امرأتَه وغُلامَه إذا مِتُّ فاغْسِلانِي وكَفِّنانِي ثُمّ احمِلانِي فضَعانِي علَى قارِعةِ الطَّرِيق، فأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّونَ بِكُم فقُولوا: هذا أبو ذَرٍّ، فلَمَّا ماتَ فَعَلُوا به كذلكَ فاطَّلَع رَكْبٌ فما عَلِمُوا به حتَّى كادَتْ رَكائِبُهم تَطَأُ سَرِيرَهُ([166])، فإذا ابنُ مَسعُودٍ في رَهْطٍ مِن أهلِ الكُوفةِ فقالوا: ما هذا؟ فقِيلَ: جَنازةُ أَبِي ذَرٍّ، فاستَهَلَّ ابنُ مَسعودٍ رضي الله عنه يَبْكِي، فقال: صَدَقَ رسولُ اللهِ ﷺ «يَرْحَمُ اللهُ أَبَا ذَرٍّ يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ»، فنَزَل فوَلِيَهُ بِنَفْسِه حتى أجَنَّهُ([167]).

124-        

كَـذَا أُنَيْـسٌ أَخُـهُ قَـدْ أَسْـلَمَا

 

ثُمَّـتَ بَـعْـدُ أَسْـلَمَـتْ أُمُّـهُمَا

125-        

كَـذَا ابْـنُ عَبْدِ اللهِ وَهْـوَ وَاقِـدُ

 

كَـذَا إِيَاسٌ عَاقِـلٌ وَخَـالِـدُ

126-        

وَعَـامِـرٌ أَرْبَـعَـةٌ بَـنُـو البُكَيـرْ

 

وَابْـنُ أَبِي وَقَّـاصٍ اسْـمُهُ عُـمَيرْ

 


















(كَذَا) أسلَمَ في السّابِقِين الأوَّلِين (أُنَيْسٌ) ابنُ جُنادةَ الغِفَارِيُّ (أَخُهُ) أي أخُو أبِي ذَرٍّ إلّا أنّ أُنَيسًا (قَدْ أَسْلَمَا) بَعدَه، والألِف في “أَسْلَمَا” للإطلاقِ، وكان أُنَيسٌ أكبَرُ مِن أبي ذَرٍّ سِنًّا وكان شاعِرًا.

(ثُمَّتَ بَعْدُ) التّاءُ زائدةٌ في “ثُمَّتَ” أي ثُمَّ بَعدَ إسلامِ أبِي ذَرٍّ وأخِيهِ أُنَيسٍ (أَسْلَمَتْ أُمُّهُمَا) رَملةُ بنتُ الوَقِيعةِ الغِفاريّةُ رضي لله عنها.

(كَذَا) مِمّن أسلَم قَدِيمًا (ابْنُ عَبْدِ اللهِ) بنِ عبدِ مَنافٍ الحَنْظَلِيُّ اليَرْبُوعِيُّ (وَ)اسمُه (هوَ وَاقِد) وقيل: وافِد، حَلِيفُ الخَطَّاب بنِ نُفَيلٍ. هاجَر رضي الله عنه إلى المدِينةِ ونزَلَ على رِفاعةَ بنِ عَبدِ المُنذِر، فآخَى رسولُ الله ﷺ بينَه وبينَ بِشرِ بنِ البَراءِ. وقد شَهِدَ رضي الله عنه مع عبدِ الله بنِ جَحْشٍ سَرِيَّتَه إلى نَخلةَ في طَلَبِ عِيرِ قُريشٍ([168])، وشَهِدَ المشاهِدَ كُلَّها مَع رسولِ الله ﷺ، وتُوُفِّي في أوَّلِ خِلافةَ عُمَرَ رضي الله عنهُما. وكان لهُ عندَ عُمرَ رضي الله عنه مَنزِلةٌ حتّى رُوِي عن عُمرَ أنّه قال: سَمَّيتُ ابنِي سالِمًا بسالِمٍ مولَى أبِي حُذَيفةَ، وسَمَّيتُ ابنِي واقِدًا بواقِدِ بنِ عبدِ اللهِ اليَربُوعِيِّ([169]). وقد انتُقِدَ على ابن مَنْدَه في عَدِّه واقدَ ابنَ عبدِ الله اليَربُوعِيَّ رَجُلًا غيرَ واقدِ بنِ عبدِ الله الحَنْظَلِيِّ([170]).

(كَذَا) مِن السّابِقِين الأوَّلِين (إِيَاسٌ) بنُ البُكَيرِ بنِ عبدِ ياليلَ هاجرَ مع إخوتِه الآتِي ذِكرُهُم إلى المدينةِ، وقد ءَاخَى النَّبِيُّ ﷺ بينَه وبينَ الحارِث بنِ خَزْمةَ. وقد تزوَّجَ الرُّبَيِّعَ بِنتَ مُعَوِّذٍ فولَدَتْ له محمَّدًا([171]). شهِدَ رضي الله عنه المشاهِدَ كُلَّها مع النّبيّ ﷺ كما شهِدَ فتحَ مِصرَ، وتُوفّي رضي الله عنه سنة أربعٍ وثلاثِينَ مِن الهِجرة.

وأسلَم مع إياسٌ إخوَتُه (عَاقِلٌ وَخَالِدٌ وَعَامِرٌ) والـ(أَرْبَعَة) إخوةٌ أشِقّاءُ (بَنُو) أيْ أولادُ (البُكَيْر) أو أبِي البُكَيرِ بنِ عَبدِ يَالِيْلَ مِن بَنِي عَبدِ مَنافٍ. يلتقِي نسبُهم مع النّبيّ ﷺ في كِنانةَ. وقد شَهِدَ الثّلاثةُ كأخِيهم إياسٍ كُلَّ مَشْهَدٍ معَ رسولِ الله ﷺ، حتّى إنّه قيل:

ما يَشهَد بدرًا إخوةٌ أربعةٌ سِواهُم([172]).

أمّا عاقِلٌ فقد كانَ اسمُه غافِلًا فسمَّاه النّبيُّ ﷺ عاقِلًا بعد إسلامِه ومُبايَعتِه له ﷺ([173])، ويُقال: إنّه أوَّلُ مَن بايعَ النَّبِيَّ ﷺ في دارِ الأرقَمِ([174]). ءاخَى النَّبِيُّ ﷺ بينَه وبينَ المجَذَّر ابنِ زيادٍ، وقُتِل رضي الله عنه بِبَدرٍ وهو ابنُ أربعٍ وثلاثِينَ سنةً.

وأمّا خالِدٌ فقَد ءَاخَى النَّبِيُّ ﷺ بينَه وبينَ زَيدِ بنِ الدَّثِنةِ، وبعَثَهُ ﷺ معَ عبدِ الله بنِ جَحْشٍ سَرِيَّتَه إلى نَخلةَ في طَلَبِ عِيرِ قُريشٍ([175]). قُتِل رضي الله عنه يومَ الرَّجِيعِ في سَرِيّة مَرثَدِ بنِ أبي مَرثَدٍ الغَنَوِيّ في السّنةِ الرّابعةِ مِن الهجرةِ وهو ابنُ أربعةٍ وثلاثِين عامًا.

وأمّا عامِرٌ فقد ءاخَى النَّبِيُّ ﷺ بينَه وبينَ ثابِتِ بنِ قَيسٍ، وقد قُتِل رضي الله عنه يومَ اليَمامةِ في خلافةِ أبي بكرٍ رضي الله عنه([176]).

(وَ)مِن الصَّحابة السَّابِقِين أيضًا (ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ) مالِكِ بنِ أُهَيبِ بنِ عَبدِ مَنافِ بنِ زُهْرةَ و(اسْمُهُ عُمَيْرٌ) وهو مِن الصّحابةِ الأجِلّاءِ أخو سعدِ بن أبي وقّاصٍ وأُمُّه حَمْنةُ بِنتُ سُفيانَ بنِ أُمَيّةَ. هاجرَ رضي الله عنه إلى المدينةِ فآخَى النَّبِيُّ ﷺ بينَه وبينَ عمرِو ابنِ مُعاذٍ. ولَمّا أراد عُمَيرٌ أن يذهَب لغَزوةِ بَدرٍ استَصْغَرَه النَّبِيُّ ﷺ فأرجَعَه، فلَمّا بَكَى عُمَيرٌ أجازَه ﷺ، فقُتِل عُمَيرٌ في الغزوةِ وهو ابنُ سِتَّ عَشْرةَ سنةً([177]).

127-        

كَـذَاكَ بِنْـتُ أَسَــدٍ فَـاطِـمَـةُ

 

كَذَاكَ بِـنْـتُ عَـامِـرٍ ضُـبَاعَـةُ

128-        

عَمْـرٌو أَبُـو نَجِيْحَ فِيهِمْ مَعْدُودْ

 

عُتْبَةُ عَبْدُ اللهِ نَـجْـلَاْ مَسْـعُودْ

 







(كَذَاكَ) مِمّن أسلَم قَدِيمًا (بِنْتُ أَسَدِ) بنِ هاشِم بنِ عَبدِ مَنافٍ، أُمُّ عَلِيِّ بنِ أَبِي طالِبٍ رضي الله عنها وعنه، واسمُها (فَاطِمَةُ) وهي أَوَّل هاشِمِيّةٍ وُلِدَت لِهَاشِمِيّ وأوَّلُ هاشمِيّةٍ ولَدَتْ خَلِيفةً([178]). كانتِ امرأةً صالِحةً وكانَ النَّبِيُّ ﷺ يَزُورُها ويَقِيلُ في بَيتِها([179]). هاجَرَت رضي الله عنها إلى المدِينةِ وبِها ماتَت في حياة النَّبيّ ﷺ.

ورَوَى الطّبرانيّ في الْمُعجَمَين الكبير والأوسَط مِن حَدِيث أنَسٍ رضي اللهُ عنه قال: لَمَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ أُمُّ عَلِيٍّ دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ الله ﷺ فَجَلَسَ عِنْدَ رَأْسِهَا فَقَالَ: «رَحِمَكِ الله يَا أُمِّي، كُنْتِ أُمِّي بَعْدَ أُمِّي، تَجُوعِينَ وتُشْبِعِينِي، وتَعْرَيْنَ وتَكْسُونَنِي([180])، وتَمْنَعِينَ نَفْسَكِ طَيِّبَ الطَّعَامِ وتُطْعِمِينِي، تُرِيدِينَ بِذَلِكَ وَجْهَ الله([181]) وَالدَّارَ الْآخِرَةَ»، ثُمَّ أَمَرَ أَن تُغَسَّلَ ثَلاثًا ثَلاثًا، فَلَمّا بَلَغَ الماءُ الَّذِي فِيهِ الكافُور سَكَبَهُ عَلَيها رَسُولُ الله ﷺ بِيَدِهِ مِن فَوقِ الحائِلِ مِن غَيرِ أن يَرَى عَورَتَها، ثُمَّ خَلَعَ ﷺ قَمِيصَهُ فأَلبَسَها إِيَّاهُ وكُفِّنَت فَوقَهُ، ثُمَّ دَعَا ﷺ أُسَامةَ بنَ زَيدٍ وأَبَا أَيُّوبَ الأَنصَارِيَّ وَعُمَرَ بنَ الخَطّابِ وَغُلامًا أَسوَدَ يَحفِرُوا، فَحَفَرُوا قَبرَهَا، فَلَمَّا بَلَغُوا اللَّحْدَ حَفَرَهُ رَسُولُ الله ﷺ بِيَدِهِ وَأَخرَجَ تُرابَهُ بِيَدِهِ، فَلَمّا فَرَغَ دَخَلَ رَسُولُ الله ﷺ فاضْطَجَعَ فِيهِ وَقَالَ: «اللهُ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، اغْفِرْ لِأُمِّي فَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ ولَقِّنْهَا حُجَّتَهَا وَوَسِّعْ عَلَيْهَا مُدْخَلَهَا بِحَقِّ نَبِيِّكَ وَالْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِي، فَإِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».

وفي هذا الحديث دليلٌ صريحٌ على جَواز التوَسُّل بالأنبياءِ والصّالِحِين بَعدَ وفاتِهم ودليلٌ على جواز التَّبَرُّك بآثارِهم.

(كَذَاكَ) مِمّن أسلَم بمكّةَ قَدِيمًا (بِنْتُ عَامِرِ) بنِ قُرْطٍ العامِرِيّةُ واسمُها (ضُبَاعَةُ) مِن بَنِي قُشَيرٍ. كانت ضُباعةُ شاعرةً ومِن أجمَلِ نِساءِ العَرَبِ وأحسَنِهِنَّ خُلُقًا، وكانتْ عِندَ هَوذةَ بنِ عَلِيٍّ مِن بَنِي حَنِيفةَ، فلَمَّا هَلَك وَرِثَتْ عنهُ مالًا كثيرًا فتَزَوَّجها عبدُ اللهِ بنُ جُدْعانَ التَّيمِيُّ وكان لا يُولَد لَهُ فسَأَلَتْهُ الطَّلاقَ فطَلَّقَها فتَزَوَّجها هِشامُ بنُ المُغِيرةِ فوَلَدَتْ له سَلَمةَ فكانَ مِن خِيارِ المُسلِمِينَ، وتُوُفِّي عَنها هِشامٌ بعدَ ذلكَ([182]).

وكان أبو جَهلٍ قَد حبَسَ ولَدَها سلَمةَ ثُمّ أفْلَتَ مِنه ولَحِق برسولِ الله ﷺ بعد الخَندَقِ فأنشأتْ ضُباعةُ تقول: [الرَّجَز]

لَاهُمَّ([183]) رَبَّ الْكَعْبَةِ الْمُسَلَّمَةْ

¯¯¯

أَظْهِرْ عَلَى كُلِّ عَدُوٍّ سَلَمَةْ

لَهُ يَـدَانِ فِي الأُمُـورِ الْمُبْهَمَةْ

¯¯¯

كَفٌّ بِهَا يُعْطَى وَكُفٌّ مَنَعِمَةْ

فلَم يَزَلْ معَهُ إلى أنْ قُبِضَ رَسولُ اللهِ ﷺ فخَرَجَ معَ المُسلمِينَ إلى الشَّامِ. وقد هاجرَتْ ضُباعةُ إلى المدينةِ المنوَّرة إلى أنْ تُوُفِّيَت بها في السّنة العاشرة تقريبًا.

وكذَلِك (عَمْرٌو) وهُوَ (أَبُو نَجِيْح) بنُ عَبَسةَ([184]) بنِ خالِدِ بنِ حُذَيفةَ السُّلَمِيُّ (فِيهِمْ) أي في السّابِقِين الأوَّلِين (مَعْدُود) وقيل: هو رابِعُ الأربَعةِ إِسلامًا([185]). أسلم قَدِيمًا بمكّةَ ثمّ رجَعَ إلى بلادِه فأقام بها إلى أنْ هاجَرَ بعدَ خَيبرَ أو الفَتْح فشَهِدَها([186]).

ورَوَى أحمدُ في «المُسنَد» عَن أبِي أُمامةَ قالَ: يا عَمرُو بنَ عَبَسةَ بِأَيِّ شَىءٍ تَدَّعِي أنَّكَ رابِعُ الإسلامِ؟ قال: إنِّي كُنتُ في الجاهلِيّة أرَى النّاسَ علَى ضَلالةٍ ولا أرَى الأوثانَ شيئًا، ثُمّ سَمِعتُ عَن رَجُلٍ يُخبِرُ أخبارَ مَكّةَ ويُحَدِّثُ أحادِيثَ، فرَكِبتُ راحِلَتِي حتَّى قَدِمتُ مَكّةَ، فإذا أنا بِرَسُولِ اللهِ ﷺ مُسْتَخْفٍ وإذا قَومُه علَيهِ جُرَءَاءُ، فتَلَطَّفتُ لَه فدَخَلتُ علَيه فقلتُ: ما أنت؟ قال: «أَنَا نَبِيُّ اللهِ»، فقُلتُ: وما نَبِيُّ اللهِ؟ قال:  «رَسولُ اللهِ»، قال: قلتُ: ءَاللهُ أَرسَلَكَ؟ قال: «نَعَمْ»، قُلتُ: بِأَيِّ شَىءٍ أَرسَلَكَ؟ قال: «بِأَنْ يُوَحَّدُ اللهُ وَلَا يُشْرَكَ بِهِ شىءٌ، وَكَسْرِ الأَوْثَانِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ»، فقُلتُ له: مَن مَعَك علَى هذا؟ قال: «حُرٌّ وَعَبْدٌ أو عَبْدٌ وَحُرٌّ» وإذا معَه أبو بَكرِ بنُ أبي قُحافةَ وَبِلالٌ مَولَى أبي بَكرٍ، قُلتُ: إنِّي مُتَّبِعُكَ، قال: «إِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذَا، وَلَكِنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ، فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَالْحَقْ بِي»([187])، الحديثَ.

وقد سكَنَ عَمروٌ الشَّامَ، ويقال: إنه ماتَ بحِمْصَ في أواخِر خِلافةِ عُثمانَ([188]).

ومِنّ أجَلِّ السّابِقِينَ إلى الإسلامِ أيضًا (عُتْبَةُ) وأخُوهُ (عَبْدُ اللهِ نَجْلَاْ) أَيْ وَلَدا (مَسْعُود) ابنِ غافِلٍ الزُّهرِيِّ، هاجرَا إلى الحبَشة الهِجرةَ الثانِيةَ ثُمّ قدِمَا المدِينةَ وشَهِدَا أُحُدًا وما بَعدَها مِن المَشاهِد كُلِّها معَ رَسولِ الله ﷺ.

قال الزُّهرِيُّ: ما كانَ عبدُ اللهِ بأَفْقَه عِندَنا مِن أَخِيه ولكنَّه ماتَ سَرِيعًا([189]). وقد تُوُفِّي عُتبةُ رضي الله عنه في خِلافة عُمَر وصلَّى عليهِ، ورُوِيَ أنّهُ توُفِّي سنةَ أربعٍ وأربَعِينَ، فعلَى هذا يكونُ مَوتُه بعدَ أخيهِ عبدِ اللهِ لا قَبلَه([190]).

أمّا عبدُ الله رضي الله عنه فمنَاقِبُه كثيرةٌ جِدًّا، فهو سادِسُ مَن أسلَم([191])، وأحَدُ فُقهاءِ الصّحابةِ الأكابِر وحَفظَةِ القُرءانِ الّذين أخذُوه مِنْ فِيْ النّبيّ ﷺ وأوَّلُ مَن جَهَر بالقُرءانِ بمكّةَ بعدَ رَسولِ الله ﷺ، وقد رَوَى البُخاريُّ في «صحِيحِه» عَن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ قال: «واللهِ لقَد أخَذتُ مِن فِيْ رَسُولِ الله ﷺ بِضْعًا وسَبعِينَ سُورةً، واللهِ لقَد عَلِمَ أصحابُ النَّبِيّ ﷺ أَنِّي مِن أعلَمِهِم بكِتابِ اللهِ وَما أنا بِخَيْرِهِم».

لازَم عبدُ اللهِ النَّبِيَّ ﷺ وكانَ صاحِبَ نَعلَيهِ وسِواكِه. وقد ءَاخَى النَّبِيُّ ﷺ بينَه وبينَ الزُّبَيرِ، وبعد الهِجرة بينَه وبينَ سَعدِ بنِ مُعاذٍ، وقال له ﷺ في أوَّلِ الإسلامِ: «إِنَّكَ لَغُلَامٌ مُعَلَّمٌ» وسيأتِي ذِكرُ القِصّةِ في الفَصلِ اللَّاحِق.

وقد ءاخَى رَسولُ اللهِ ﷺ بَينَ عبدِ اللهِ وبينَ الزُّبَيرِ بنِ العَوَّامِ حِينَ ءَاخَى ﷺ بينَ المهاجرِين بمَكّةَ، ثمّ ءَاخَى بينَه وبينَ أنسٍ بعدَ الهِجرة([192])، وقيل: بينَه وبينَ مُعاذٍ([193]). وشارَكَ في الفُتوح بعدَ وفاةِ النّبيّ ﷺ فشَهِدَ اليرموكَ وتولَّى قِسمةَ النَّفَلَ([194]) يومَها([195]).

اختُلِف في وفاةِ عبدِ الله رضي الله عنه، فقال البخاريّ: مات قَبل قَتلِ عُمرَ، وقال أبو نُعَيمٍ وغيرُه: مات بالمدينة سنة اثنتَينِ وثلاثِينَ، وقيل: سنة ثلاثٍ وثلاثينَ، وقيل: مات بالكوفة، والأوَّل أثبَتُ([196]).

رضي الله عنِ السّابقِينَ الأوَّلِينَ وكَفَى ما جاء مِن مَدحِهم وتَبشِيرِهم في الكتابِ العزيز مِن قولِ الله تعالَى: ﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ  ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ  ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ  ﱘ ﱙ ﱚ .



([1])  إمتاع الأسماع، تقي الدين المقريزي، (6/167).

([2])  أي حُزْنًا.

([3])  أي أفضَل البشَر بعد الأنبياء عليهم السّلامُ وأفضل هذه الأمّة بعد سيّدنا محمَّد ﷺ وليس هو أفضلَ مِن الأنبياء.

([4])  الرَّوض الأُنُف، أبو القاسم السُّهَيلي، (3/21).

([5])  أي جَماعاتٍ.

([6])  تهذيب الأسماء واللُّغات، محيي الدِّين النّوويّ، (2/181).

([7])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (6/331).

([8])  الكامل في التّاريخ، ابن الأثير الجزري، (2/263).

([9])  المَصاحِف، أبو بكر بن أبي داود السِّجِستانيّ، (ص/136).

([10])  الإشارة إلى مذهب أهل الحقّ، أبو إسحاق الشيرازي، (ص/394).

([11])  تَبيِين كذِب المفتَري، أبو القاسِم بن عساكِرَ، (ص/306).

([12])  إتمام الدِّراية لقُرّاء النُّقاية، جلال الدِّين السُّيوطي، (ص/117).

([13])  إمتاع الأسماع، تقي الدين المقريزي، (1/34).

([14])  المصدر السّابق، (1/34).

([15])  بهجة المحافل، يحيى العامري الحرَضي، (1/74).

([16])  ذخائر العُقبَى في مناقب ذوي القُربى، مُحِبّ الدِّين الطبَري، (ص/58).

([17])  حاشية القَلْيُوبي على كنز الراغبين، أحمد القَلْيُوبي، (3/129).

([18])  مُغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، محمد الخطيب الشّربيني، (3/609).

([19])  محمَّد بن الحسن المرعَشِيّ، منسوب إلى مَرْعَش بلدةٍ وراء الفرات، وهو مِن أعيان الشافعيّة في القرن السادِس الهِجريّ. صَنَّف مُختَصرًا في الفقه نَقَل عَنهُ مِنهُ ابنُ الرِّفعة والنوويّ وغيرُهما. يُنظر: طبقات الشافعية، ابن قاضي شُهبة، (1/309).

([20])  لوُقوعِ غزوةِ الخندَقِ في السّنة الرابعة أو الخامسة للهِجرة.

([21])  ذخائر العُقبَى في مناقب ذوي القُربى، مُحِبّ الدِّين الطبَري، (ص/55).

([22])  تاريخ الخَمِيس في أحوال النَّفِيس، حسَين بن محمد الدِّيار بَكْرِي، (2/31).

([23])  المصدر السّابِق، (2/31).

([24])  ذخائر العُقبَى في مناقب ذوي القُربى، مُحِبّ الدِّين الطبَري، (ص/116).

([25])  السيرة النبوية وأخبار الخلفاء، أبو حاتِم بنُ حِبّان، (2/551).

([26])  أي كانتْ على مذهبِهم مِن تكفيرِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وتكفيرِ مُرتكِب الكبيرةِ. وكانوا في أوّل أمرِهم يقاتلون مع سيدنا عليّ، ثُمّ لَمّا قَبِلَ عليٌّ بتحكيم أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قالوا له: كيف تُحَكِّمُ بشَرًا واللهُ يقولُ: ﱡﭐ فكَفَّروه. وكانوا وقتَها تسعةَ ءالافٍ، فذهب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وكلَّمهم فرجع أربعةُ ءالاف منهم وبقي خمسةُ ءالاف فقاتلهم سيّدنا عليٌّ وقال: “لا يَبقَى منهم عشَرة ولا يُقتَلُ مِنّا عشَرة”، فحصَل كما قال رضي الله عنهُ.

([27])  منهاج السنّة النبوية، ابن تيمية الحرّاني المجسِّم، (7/155).

([28])  عليّ بن أبي طالِب إمام العارِفين، أحمد بن محمد الغماري، (ص/53).

([29])  أي في الأحاديث الثابتةِ.

([30])  فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجَر العسقلاني، (7/71).

([31])  الدُّرَر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ابن حجر العسقلاني، (1/180-181).

([32])  رَوَى التّرمذيُّ والنَّسائيُّ مِن حديثِ زِرِّ بنِ حُبَيشٍ عن عَليّ رضي الله عنه قالَ: لَقَدْ عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ الأُمِّيُّ ﷺ أَنَّهُ: «لاَ يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَبْغَضُكَ إِلاَّ مُنَافِقٌ».

([33])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (2/129).

([34])  رَوَى الشَّيخانِ وابنُ حِبّان وغيرُهم أنّ النَّبِيّ ﷺ قال: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ» أي خاصَّتِي والْمُفَضَّل عِنْدِي وناصِرِي، قاله القاضِي عِياض.

([35])  ابنُ صَفِيّةَ بنِت عَبدِ المطَّلِب رضِي الله عَنها.

([36])  أي في هذه الأُمّة مِن الصّحابة.

([37])  أي الغَزَواتِ.

([38])  المُستدرَك على الصّحيحَين، أبو عبد الله الحاكمُ، الحديث (5605).

([39])  فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، (7/361).

([40])  ليسَ هذا القَولُ محمولًا على حقيقة الفِداء بل هو كلامٌ جَرَى عِند العرب على ألسِنَتِهم للتعظيم. قال النوويّ: “ليس فيه حقيقة فداءٍ، وإنما هو كلام وإلطافٌ وإعلام بمَحَبَّتهِ له ومَنْزِلَتِه” اهـ. أمّا في حَقِّه ﷺ مِن قِبَلِنَا فإنّه يُفدَى بالأنفُسِ والأهل والمال والوالِدِينَ والوُلْدِ، فهو أولَى بِنا مِن أنفُسِنا كما قال الله عزَّ وجلَّ ﱡﭐ ، وجاء في الحديث الذي رواه البُخاريّ: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﱡﭐ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضيَاعًا» بفتحِ الضّادِ أي عِيالًا أو بكسِرها أي جِياعًا «فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلاَهُ». ألا تَرَى أنَّ النبيَّ ﷺ قد أطَلّ يوم غزوة أحُدٍ يَنْظُر إلى القَومِ الكافِرين فقال له أبو طلحة: “يا نبيَّ الله بأبي أنتَ وأُمِّي، لا تُشْرِفْ يُصِبْكَ سَهمٌ مِن سِهام القَوْم، نَحرِي دُونَ نَحرِكَ” أي أنْ أقِفَ أنا بِحَيثُ يكون صَدْرِي كالتُّرسِ لِصَدرِكَ ويُصِيبَنِي مِن السّهامِ ما يُصِيبُنِي في حِمايَتِي لَك أحَبُّ إِلَيَّ مِن الشُّوكِة تُشاكُها، فَلم يُنْكِر علَيه رسولُ الله ﷺ ذلك.

([41])  السيرة النبوية وأخبار الخلفاء، أبو حاتِم بنُ حِبّان، (2/586).

([42])  تلقيح فُهوم أهل الأثر، أبو الفرَج بن الجوزي، (ص/324).

([43])  البِجادُ بالكَسرِ الكِساءُ المُخطَّطُ. قال الحافظ المرتضَى الزَّبيدي: “قال ابن سِيدَه: أُراهُ كان =
= يَلْبَسُ كِساءَين في سفَرِه مع رسولِ الله ﷺ، وقيل: سَمَّاه رسولُ الله ﷺ بذلك لأنّه حِينَ أرادَ المَصِيرَ إليه قَطَعَتْ أُمُّه بِجادًا لها قِطعتَينِ فارتَدَى بإحداهُما واتَّزَر بالأُخرَى، وهو دَلِيلُ النَّبِيّ ﷺ في بَعضِ الغَزَواتِ”. يُنظَر: تاج العروس، محمّد المرتضَى الزَّبيدي، (7/400).

([44])  أي المُتمَكِّنُ في صِفةِ الأمانةِ وليس أنّه لا يوجَد أمينٌ غيرُه فيها.

([45])  قال الحافظ السُّيوطيُّ: وأخرَج ابن أبي حاتم عن ابن شوذَبٍ قال: نزلت هذه الآية في أبي عُبَيدة بن الجراح حين قَتَل أباه يومَ بَدْرٍ: ﱡﭐ       ، وأخرجه الطّبرانيُّ والحاكِم في «المستدرَك» بلَفظ: جعَل والِدُ أبي عبيدةَ بنِ الجَرّاح يَتصدَّى لأبي عُبَيدة يومَ بَدرٍ وجعَلَ أبو عُبيدةَ يَحِيدُ عنه، فلَمَّا أكثَرَ قَصَدَه أبو عُبيدةَ فقَتَلَه فنزَلَتْ”.  يُنظر: لُباب النُّقول في أسباب النُّزول، جلال الدِّين السُّيوطيّ، (ص/919).

([46])  ضيعةٌ على سِتّة أميالٍ مِن الرَّمْلة على طريقِ بيتِ المَقدِس. يُنظر: المَسالِك والمَمالك، الحسن =
= ابن أحمد المُهَلَّبِيّ، (ص/101).

([47])  الأَرِيج في المواعِظ والتاريخ، أبو الفرَج بن الجوزي، (ص/107).

([48])  المصباح المضيء، جمال الدين بن حدِيدة، (1/90).

([49])  تهذيب الأسماء واللُّغات، محيي الدِّين النَّوويّ، (1/322).

([50])  ولَم يجمعَ أربعةً في وقتٍ واحِدٍ.

([51])  نِسبةً إلى عَبدِ شَمْسٍ.

([52])  الكامل في التّاريخ، ابن الأثير الجزري، (2/550).

([53])  شذَرات الذَّهَب في أخبار مَن ذَهَب، ابن العِماد الحَنبليّ، (1/201).

([54])  الطبقات الكبرى، أبو عبد الله بن سَعد، (3/400).

([55])  أي عَيَّنَهُ عامِلًا على البحرَين.

([56])  الكامل في التاريخ، ابن الأثير الجزري، (2/387).

([57])  أي أُعاقِبَنَّكَ.

([58])  قال ابنُ هُبيرةَ: “لَمَّا لَم يَشْهَدْ أبو هريرةَ بأنه رءاهُ قد شَرِبَ الخمرَ أخَّرَ العملَ بالشَّهادةِ، لأنّ الشَّهادةَ بالسُّكْر والقَيءِ لا تُوجِبُ الحَدَّ. ثُمّ قولُه: «لَقَد تنطَّعْتَ في الشَّهادةِ يا أبا هريرةَ» أي قد تَعَمَّقْتَ في ذلك توصُّلًا إلى أنْ يُشْهَدَ علَيه، ويدُلُّ على أنه إذا كان لم يُعايِنِ الشُّربَ كان مِن شأنِه أنْ لا يَشْهَدَ”.  يُنظر: الإفصاح في مَعاني الصّحاح، يحيى بن هُبيرةَ، (1/182).

([59])  أي أُقسِمُ عليكَ باللهِ أو أُذَكِرَك الخشيةَ مِن اللهِ.

([60])  أي أُعاقِبَنَّكَ.

([61])  فأبو هُريرةَ حضَّ عُمرَ على التّثبُّتِ لا أنّ أبا هريرةَ مردودُ الشّهادةِ عندَ عُمرَ وأنّه لا يأخذُ بشهادَتِه.

([62])  أي بأنّه شَرِبَ الخمرَ. وقال ابنُ هُبَيرةَ: لَمّا كانتْ شهادةُ أبي هريرةَ فيها بعضُ الإعوازِ استفادَ عُمرُ بقَولِ المرأةِ غلَبةَ الظَّنِّ على صِدْقِ ما أخبَرَ بِه لأنّها زَوجتُه”. يُنظر: الإفصاح في مَعاني الصّحاح، يحيى بن هُبيرةَ، (1/183).

([63])  فيهِ دليلٌ على أنَّ بعضَ التّأويل يَدفعُ عن صاحبِه التّكفير، أمّا التأوُّلُ في لَفظٍ صُراحٍ فليسَ ينفَعُ قائِلَه كقولِ بعضِ الكافرِين: “نحنُ أبناءُ اللهِ” فإنّ ذلكَ كُفرٌ صريحٌ ولا يَنفَعُ قائِلَهُ ادّعاءُ قَصدِ بُنُوّةِ الحُنُوِّ والرَّحمةِ لا الجُزئيّةِ والفَرعِيّةِ، وعليه نصَّ القاضي أبو محمَّد بنُ عَطِيّة الأندلسيُّ في تفسيرِه.

([64])  فيهِ أنّ عُمرَ رضي الله عنه انتظَرَ مُهْلةً يُرجَى أن يكونَ قَد بَرِئَ فيها قُدامةُ مِن مَرضِه، وفي المسألةِ خلافٌ عند الفقهاءِ، فجَلدُ مَن وجَبَ عليهِ الحَدُّ بذلكَ وهو مرِيضٌ هو مذهبُ أبي حنيفةَ وأحمدَ بنِ حَنبلٍ، القائلَين بأنه لا يُؤخَّر الحَدُّ عن المريضِ سواءٌ كان يُرجَى بُرْؤُه أو لا يُرجَى، أمّ إنْ كان مِمَّن يُخافُ عليه التَّلَفُ فإنّه يُقامُ عليه الحَدُّ بأطرافِ الثِّيابِ ونَحوِها عِندَهُما. وقال أكثرُ العُلماءِ: يُؤخَّر الحَدُّ عن المريضِ، إلّا أنَّ مالِكًا والشافعِيَّ ذهَبا إلى أنّه إذا كان مرَضُه لا يُرجَى بُرْؤُه أُقِيمَ عليه الحَدُّ في الحالِ، لكنّ الشافعِيَّ رأَى اللُّطْفَ في الضَّربِ على ما نَحوِ ما ذُكِرَ ءانِفًا، أمّا مالِكٌ فقالَ: يُضرَبُ الجلدَ التَّامَّ”. ينظر: كشف المُشكِل، أبو الفَرَج بن الجوزي، (1/120).

([65])  أي تأتِيهِ مَنِيَّتُه الّتي قدَّرَها اللهُ لهُ.

([66])  أي أنْ يكونَ الحَدُّ كفّارةً له وطُهْرةً أحبُّ إِلَيَّ مِن أنْ أُعطِّلَ إقامةَ الحَدِّ عليهِ.

([67])  وذلك لمصلَحةٍ رَءاها عُمرُ رضي الله عنه.

([68])  أي رَجَعَا.

([69])  أي صالِحْهُ رِفْقًا به.

([70])  أي في الإيمان، ولذلك أمَرَ عُمَر أنْ يُجَرَّ إليه جَرًّا إنْ أبَى.

([71])  هذا معلومٌ مِن الهَديِ النَّبَوِيّ الشّريفِ، فإنّه ﷺ قال: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا الْحُدُودَ» أي تجَافَوا واصفَحوا ولكنْ لا تُعطِّلوا إقامةَ الحُدودِ، والحديثُ رواهُ أبو داودَ وغيرُه.

([72])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (1/509).

([73])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (2/6).

([74])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (2/41).

([75])  الاستِيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البَرِّ المُجسِّم، (1/400).

([76])  المختار مِن مَناقِب الأخيار، ابن الأثير الجزري، (3/288).

([77])  تَذْهيب تَهذِيب الكمال في أسماء الرجال، أبو عبد الله الذَّهبيّ المُجسِّم، (11/109).

([78])  حدائق الأنوار ومَطالع الأسرار، محمد بَحْرَق الحضرمي، (ص/203).

([79])  دَلائل النُّبُوة، أبو بكر البيهقيّ، (2/409).

([80])  أي أصابَها ألمُ الحُمَّى.

([81])  أي بلغَ طُولِهِ إلى الأُذُنين بعد أنْ ذهَب بالمَرَض.

([82]) قال الحافظُ النوويُّ: “والمُرادُ هنا على أفضَلِ حَظٍّ وبرَكةٍ، وفيه استِحبابُ الدُّعاء بالخَيرِ والبرَكة لِكُلِّ واحِدٍ مِن الزَّوجَين”. يُنظر: المنهاج بشرح صحيح مسلم، النوويّ، (9/207).

([83])  أي لَم أشعُر.

([84])  الإشارة إلى سيرة المصطفَى، علاء الدِّين مُغْلَطاي، (ص/109).

([85])  تاريخ الخميس، حسين الدِّيار بكري، (1/288).

([86])  فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، (7/232).

([87])  قال الحافظ السّيوطيّ: “إنّ مَروانَ لا يُعَدُّ في أمراء المؤمنِين بل هو باغٍ خارِجٌ على ابنِ الزُّبَير ولا عَهْدُه إلى ابنِه بِصَحيحٍ، وإنَّما صَحَّتْ خِلافةُ عبدِ المَلِك مِن حِينِ قَتْلِ ابنِ الزُّبَير”. يُنظر: تاريخ الخُلفاء، جلال الدين السُّيوطي، (ص/160).

([88])  تاريخ مكة المشرَّفة والمسجد الحرام، ابن الضِّياء الصّاغانيّ، (ص/170).

([89])  الرياض النَّضِرة في مَناقِب العَشَرة، مُحِبّ الدِّين الطبَري، (4/295).

([90])  تعني به المُختارَ بن أبي عُبَيدٍ الثَّقَفِيَّ، كان شديدَ الكَذِب حتّى ادَّعَى أنَّ جِبريلَ عليه السّلامُ يأتيه بالوَحي. قال الحافظ النوويُّ: “واتَّفَق العُلماءُ على أنَّ المُرادَ بالكَذَّاب هنا المُختارُ بنُ أبي عُبَيدٍ وبالمُبِير الحَجّاجُ بنُ يوسُفَ”. يُنظر: المنهاج بشرح صحيح مسلم، النوويّ، (16/100).

([91])  المُنتظَم في تاريخ المُلوك والأُمَم، أبو الفرَج بن الجوزي، (6/140).

([92])  المصدر السّابِق، (6/139).

([93])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (8/277).

([94])  المصدر السّابِق، (8/282).

([95])  السيرة النبوية وأخبار الخلفاء، أبو حاتِم بنُ حِبّان، (1/68).

([96])  عُيون الأثَر، ابن سيّد النّاس، (1/230).

([97])  دَلائل النُّبُوة، أبو بكر البيهقيّ، (3/10).

([98])  يريدُ ببيتِ اللهِ الكعبةَ، فهي إضافةُ مِلكٍ وتشريفٍ للبيتِ أي البيتُ المشرَّفُ عِندَ اللهِ، أمّا واللهُ تعالَى موجودٌ أزلًا وأبدًا بلا مكانٍ ولا جهةٍ ولا كَيفٍ.

([99])  أي كذَبتُم في قولِكُم إنّهُ يُبزَى أي يُقهَرُ.

([100])  وفي روايةٍ: «حَظًّا مِن اللهِ باقِيَا».

([101])  هو وادِي الصَفْراء مِن ناحِية المدينة كثيرُ النَّخل والزَّرْع والخيرِ في طريقِ الحاجّ، بينَه وبين بَدْرٍ مَرحلةٌ، وقد سَلَكه رسولُ الله ﷺ غيرَ مَرّةٍ. يُنظر: مُعجَم البُلدان، ياقوت الحَمْوي، (3/412).

([102])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (3/450).

([103])  تهذيب الأسماء واللُّغات، محيي الدِّين النَّوويّ، (1/318).

([104])  معرفة الصّحابة، أبو نُعيم الأصبهانيّ، (2/906).

([105])  معرفة الصّحابة، ابن مَنْدَه، (ص/485).

([106])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (1/591).

([107])  أي ظَهْرِه.

([108])  وقيل: جابِر.

([109])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (1/593).

([110])  معرفة الصّحابة، أبو نُعيم الأصبهانيّ، (2/908).

([111])  أي سابِقٌ.

([112])  قنَع يَقنَع قُنوعًا مِن بابِ فَتَحَ إذا سَأَلَ وتَكفَّف، وقَنِعَ يَقنَع قَناعةً مِن بابِ عَلِمَ إذا رَضِيَ.

([113])  أي ما يَكفُّه عن سؤالِ النّاسِ.

([114])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (8/277).

([115])  الطبقات الكبرى، أبو عبد الله بن سَعد، (4/203).

([116])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (2/288).

([117])  المصدر السّابِق، (1/624).

([118])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (6/77).

([119])  الطبقات الكبرى، أبو عبد الله بن سَعد، (3/402).

([120])  المصدر السّابِق، (3/89).

([121])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (4/33).

([122])  المصدر السّابق، (7/6).

([123])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (6/215).

([124])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (1/592).

([125])  معرفة الصّحابة، أبو نُعيم الأصبهانيّ، (2/511).

([126])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (1/343).

([127])  عيون الأثَر، ابن سيّد النّاس، (1/136).

([128])  الطبقات الكبرى، أبو عبد الله بن سَعد، (4/34).

([129])  معرفة الصّحابة، أبو نُعيم الأصبهانيّ، (6/3256).

([130])  الطبقات الكبرى، أبو عبد الله بن سَعد، (3/387).

([131])  نَبَّه الحافظُ العسقلانيّ على مَن خَلَط بينَ أسماءَ بنتِ سَلامةَ بنِ مُخَرِّبةَ وبينَ عَمَّتِها أسماءَ بنتِ مُخَرِّبةَ.  يُنظر: الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (8/12).

([132])  بتخفيف اللّامِ.

([133])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (8/17).

([134])  دَلائل النُّبُوة، أبو بكر البيهقيّ، (2/459).

([135])  تهذيب الأسماء واللُّغات، محيي الدِّين النَّوويّ، (2/42).

([136])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (4/570).

([137])  معرفة الصّحابة، أبو نُعيم الأصبهانيّ، (5/2666).

([138])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (2/6).

([139])  المصدر السّابِق، (3/21).

([140])  المصدر السّابِق، (6/103).

([141])  المصدر السّابق، (8/143).

([142])  المصدر السّابق، (8/30).

([143])  فضائل الصّحابة، أحمد بن حنبل، (2/841).

([144])  أنساب الأشراف، يحيى البلاذُرِيّ، (2/841).

([145])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (3/33).

([146])  أي شَرِبَ مِن لبَنِها بِدُونِ مُباشرةٍ لَها ولا مُماسّةٍ ولا كَشفِ عَورةٍ ولا خَلوةٍ مُحرَّمةٍ. ففي الحديثِ الّذي رواهُ مُسلِمٌ وغيرُه عن عائِشةَ قالتْ: جاءَتْ سَهلةُ بِنتُ سُهَيلٍ إلى النَّبِيّ ﷺ فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي أرَى في وَجْهِ أبِي حُذَيفةَ الكَراهِيةَ مِن دُخولِ سَالِمٍ عَلَيَّ، فقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَرْضِعِيهِ». قال القاضي عِياضٌ: “وحمَلَهُ الجُمهورُ على أنَّ ذلك مِن خصائصِ سَهْلةَ، وقد ثَبَتَ أنَّ أُمَّ سَلَمةَ وسائِرَ أزواجِ النَّبِيّ ﷺ مَنَعْنَ أن يَدخُلَ علَيهِنَّ بتِلكَ الرَّضاعةِ أحَدٌ وقُلْنَ لِعائشةَ: إنّه خاصٌّ في رَضاعةِ سالِمٍ وَحْدَه”.  يُنظر: إكمال المُعْلِم بفوائِد مُسلِم، القاضي عِياض، (4/640).

وقَد شذَّ محمد ناصر الألبانيُّ شيخُّ الوهّابيّةِ المُتمَحْدِثُ حيثُ قالَ: “لا مانِعَ مِن أن يَكونَ الرَّضاعُ مُباشَرةً مِن الحَلَمةِ، فلِلْمَرأةِ الأجنَبِيّةِ أنْ تَكشِفَ للرَّجُلِ الحَلَمةَ فقَط، فالحَلَمةُ ليسَتْ مَوضِعَ شَهْوةٍ فَهِيَ سَوداءُ قاتِمةٌ”، والعياذُ باللهِ مِن هذه الفتوَى الباطِلةِ. وليسَ ذلكَ بغَرِيبٍ على الألبانيّ فإنّه ضالٌّ مُضِلٌّ مُجسِّمٌ يقولُ: إنّ كلامَ اللهِ حَرف وصوتٌ، ويقول: التأويلُ عَينُ التّعطيلِ، ويقول: إنّ الأشاعرةَ اليومَ كُفّارٌ والماتريديّةُ كذلك إنْ لَم يكن أغلبُهُم، وله ضلالاتٌ أُخرَى كثيرةٌ.

([147])  الطّبقات الكبرى، أبو عبد الله بن سَعد، (3/85).

([148])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (3/365).

([149])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (2/418).

([150])  أي يَبذُلُ نَفْسَه في طاعةِ اللهِ طلَبًا لابتِغاءِ مَرضاتِه عزَّ وجَلَّ.

([151])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (3/364).

([152])  بِضمّ الدّال وتُفتَح أيضًا.

([153])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (1/357).

([154])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (4/545).

([155])  تاريخ دمشق، أبو القاسم بن عساكرَ، (66/176).

([156])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (7/107).

([157])  بفَتح أوّلِه وثانِيه، قريةٌ مِن قرَى المدِينة على ثلاثةِ أيّام قرِيبةٌ مِن ذاتِ عِرْقٍ على طريقِ الحجازِ إذَا رحَلْتَ مِن فَيْدَ تُرِيدُ مكّةَ، وبهذا الموضِعِ قَبرُ أبِي ذَرٍّ الغِفاريّ، قاله في «مُعجَم البلدان» (3/24).

([158])  أي جَماعةٌ.

([159])  أي خَلَتِ الطّريقُ مِن زُوّارِ بيتِ اللهِ الحَرامِ الحاجِّينِ.

([160])  أي تُسْرِعُ.

([161])  جَمعُ رَخَمةٍ وهو طائِرٌ يأكُل العَذِرَةَ وهو مِن الخَبائِث.

([162])  أي أقبلُوا عليهِ مُسرعِينَ إلى رؤيَتِه.

([163])  أي أُقسِمُ علَيكُم.

([164])  أي حاكمًا أُسنِدَ إليهِ عَمَلٌ.

([165])  هي ما يَجعَلُ المُسافِرُ فِيها ثِيابَهُ.

([166])  أي نَعْشَهُ.

([167])  أي دَفَنَهُ.

([168])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (4/658).

([169])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (6/466).

([170])  المصدر السّابِق، (6/497).

([171])  الطبقات الكبرى، أبو عبد الله بن سَعد، (8/477).

([172])  سِيَر أعلام النُّبلاء، أبو عبد الله الذّهبي المُجسِّم، (3/120).

([173])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (3/12).

([174])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (3/466).

([175])  المصدر السّابِق، (1/568).

([176])  المصدر السّابِق، (1/310).

([177])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (3/796).

([178])  المصدر السّابِق، (6/217).

([179])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (8/269).

([180])  أي تستَغنِينَ عمّا لا حاجةَ إليه مِن الكِسوِة واللّباسِ.

([181])  أي التّقرُّبَ إلى اللهِ.

([182])  الطبقات الكبرى، أبو عبد الله بن سَعد، (8/153).

([183])  قال شيخُنا الإمامُ الهرريُّ رضي الله عنه: “في الشِّعرِ يَجوزُ أنْ يُقالَ: ” لَاهُمَّ” بدَلَ “اللهم”، أَمّا في غَيرِ الشِّعرِ فهوَ لحنٌ قَبِيحٌ”.

([184])  بِوَزن عَدَسةَ.

([185])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (4/546).

([186])  المصدر السّابِق، (4/545).

([187])  معناهُ كان دخلَ في الإسلام وتشهَّدَ متراجِعًا عن الكُفر، إنّما الكلامُ عن إعلانِه إسلامَه وتأييده النَّبِيَّ ﷺ ظاهِرًا وعلانيةً في التّصَدِّي للمُشركِينَ، ويَشهَدُ لذلك كلامُ النّوويّ ونصُّهُ: “مَعناهُ قُلتُ له: إنّي مُتَّبِعُكَ على إظهارِ الإسلامِ هُنا وإقامَتِي معَكَ، فقالَ: لا تَستَطِيعُ ذلكَ لِضَعفِ شَوكةِ المُسلمِينَ ونَخافُ عَليكَ مِن أذَىِ كُفّارِ قُرَيشٍ، ولكِنْ قَد حَصَلَ أَجْرُكَ فابْقَ علَى إِسْلَامِكَ وارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ واسْتَمِرَّ على الإسلامِ في مَوضِعِكَ حتَّى تَعْلَمَنِي ظَهَرتُ فأْتِنِي”. يُنظر: المنهاج بشرح صحيح مسلم، النوويّ، (6/116).

([188])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (4/547).

([189])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (3/796).

([190])  المصدر السّابِق، (3/466).

([191])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (4/200).

([192])  المصدر السّابِق، (4/199).

([193])  الطبقات الكبرى، أبو عبد الله بن سَعد، (3/584).

([194])  أي الغَنائِم.

([195])  أُسْد الغابة في معرِفة الصحابة، ابن الأثير الجزري، (3/284).

([196])  الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، (4/200).