9 2-2 سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد سيد المرسلين أما بعد نكمل ما قد قدّمناه وبدأنا به عن الطوفان في زمن نوحٍ عليه السلام. قالَ جماعةٌ من المفسرين: أرسلَ الله المطرَ أربعين يومًا، ويقال إنهم ركبوا فيها لعشرِ ليالٍ مَضَيْنَ من رجب وخرجوا منها يومَ عاشوراء منَ المحرم، وكان الماءُ نِصفينِ نصفًا من السماءِ ونِصفًا من الأرضِ وقد ارتفعَ الماءُ على أعلى جبلٍ في الأرضِ قيل خمسةَ عشرَ ذراعًا، وقيلَ ثمانينَ والله أعلم، وقد عمّ جميع الأرض سهلِها وحَزْنِها وجبالِها وقِفارِها، فلم يبق على وجه الأرض أحدٌ ممن عبد غير الله عزّ وجلّ، وطافتِ السفينةُ بالأرض كلِّها لا تستقرُ حتى أتت الحرمَ فدارت حولَه أسبوعًا، ثم ذهبت في الأرض تسيرُ بها حتى انتهت إلى جبلِ الجودي وهو بأرضِ الموصل في العراق فاستقرت عليه. ثُمَّ بَلَعَتِ الأَرْضُ مَاءَهَا وَالسَّمَاءُ أَمْسَكَتْ عَنِ الْمَطَرِ، فَنَشَفَتِ الأَرْضُ بَعْدَ مُدَّةٍ مِثْلَمَا كَانَتْ قَبْلَ الطُّوفَانِ وَنَزَلَ مِنْهَا نُوحٌ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى وَجْهِ الأَرْضِ. يقال: ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب فساروا مائةً وخمسين يومًا واستقرت بهم على الجوديِّ شهرًا، وكان خروجُهم من السفينة في يوم عاشوراء من المحرم، وأنهم صاموا يومَهم ذلك. ثم إنّ نسلَ أهلِ السفينة انقرضوا غيرَ نسلِ ولدِ نوح عليه السلام فالناسُ كلُهم من ولد نوح، ولم يُجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسلٌ ولا عقِبٌ سوى نوحٍ عليه السلام، فكلُ من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني ءادم يُنسبون إلى أولاد نوحٍ الثلاثة وقيل بُعِثَ سيدنا نوح وله أربعُمائة وثمانون سنة وإنه عاش بعد الطوفان ثلاثمائةٍ وخمسين سنة فيكون قد عاش على هذا ألف وسبعَمائة وثمانين سنة والله تعالى أعلم. ويروى أنّ نوحًا عليه السلام لما حضرته الوفاة قيل له: كيف رأيت الدنيا؟ قال: “كبيت له بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر”. وأما قبرُه عليه السلام فقيل إنه بالمسجد الحرام وهو الأقوى، وقيل إنه ببلدةٍ في البقاع تُعرف اليوم “بكَرَكِ نوح” وهناك جامع قد بُني بسبب ذلك فيما ذُكر، وقيل إنه بالموصل والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم. والحمد لله ربِّ العالمين وبهذا نكون انتهينا من الكلام عن نبي الله نوح وسيكون كلامنا في الحلقة القادمة عن نبي الله هود.