الأحد ديسمبر 7, 2025

#9

   قال المؤلف رحمه الله: أو نفي مشروعية مجمع عليه كذلك.

   الشرح أن من الكفر الاعتقادي النفي بالقلب مشروعية أمر مجمع عليه مما عرف المسلمون أنه مشروع (وهو ما حث الشرع على فعله) في الدين بالضرورة (أي بدون تأمل واستدلال) أي معرفة ظاهرة يشترك فيها العالم والجاهل كرواتب الفرائض الخمس والوتر.

   فائدة الإجماع إنما ينعقد باتفاق المجتهدين فقط فلا يشترط فيه اتفاق العامة ولا العلماء الذين ليسوا مجتهدين. (والإجماع إنما ينعقد باتفاق المجتهدين فقط، لا يشترط فيه العامة والعلماء الذين هم دون المجتهدين. الإجماع هو اتفاق مجتهدي أمة محمد ﷺ على حكم مسألة في عصر من العصور، والإجماع حجة في دين الله، إذا قام الإجماع على مسألة في أي عصر من العصور صار حجة على كل من بعدهم، فلا يجوز لهم أن يخالفوا، وهناك إجماع قولي كأن يقولوا كلهم بجواز شيء، وهناك إجماع فعلي كأن يفعلوا كلهم شيئا فيدل فعلهم له على جوازه، لأن الأمة معصومة عن أن تجتمع على ضلالة، وقد اجتمعوا كلهم على فعل هذا الأمر فلا يكون ضلالة، وينعقد الإجماع أيضا بقول بعضهم وبفعل بعضهم الآخر لأنهم أجمعوا عليه قولا وفعلا، ومن أنواع الإجماع انتشار ذلك القول أو الفعل وسكوت الباقين عليه، كأن يقول مجتهد أو أكثر قولا فينتشر هذا القول ويبلغ الباقين ولا يعترضون، ويسمى ذلك بالإجماع السكوتي، لكن هذا مختلف في اعتباره إجماعا، وحكم من يعاند الإجماع التكفير)

 

   قال المؤلف رحمه الله: أو عزم على الكفر في المستقبل (بأن عزم على أن يكفر غدا مثلا أو بعد شهر أو سنة أو أكثر فهذا كفر في الحال لأن قلبه الآن ليس معقودا على الإيـمان الصحيح) أو (عزم) على فعل شىء مما ذكر (من المكفرات) أو تردد فيه (بأن قال في قلبه أفعل أو لا أفعل فإنه يكفر في الحال).

   الشرح أن من عزم في قلبه على أن يكفر في المستقبل أو على فعل شىء من الأمور الكفرية التي مر ذكرها فإنه يكفر في الحال كذلك من تردد هل يفعل ذلك أو لا فإنه يكفر في الحال. (وكأن يقول “إن فعلت كذا فأنا بريء من الإسلام” بقصد التعليق فإنه يكفر في الحال، لا إذا قصد أنه بعيد من ذلك الشىء فإنه لا يكفر ولكنه لا يسلم من المعصية التي هي من الكبائر، كالذي يقول “إن فعلت كذا فأنا يهودي” ومراده أنه بعيد من أن يفعل ذلك الشىء فلا يكفر لكنه تجب عليه التوبة من هذه المعصية الكبيرة)

 

   قال المؤلف رحمه الله: لا خطوره في البال بدون إرادة

   الشرح أن من خطر له شىء من ذلك في باله أي قلبه خطورا أي بلا إرادة فإنه لا يكفر ولو تكرر هذا الخاطر لأن هذا ليس مما يستطيع الإنسان منعه والله لا يكلف العبد إلا ما هو في وسعه وهذا عام في كل شىء فمن خطر له خاطر مما ينافي إثبات وجود الله أو الجنة أو النار وهو معتقد الحق اعتقادا جازما فلا تأثير لهذا الخطور في صحة إيمانه بل يزداد ثوابا بكراهيته لهذا الذي يخطر له فالمراد بالخاطر غير الشك والاعتقاد (إذا خطر له خاطر خبيث خطورا من غير اعتقاد فكرهه وطرده فله ثواب بهذا ولا يكفر. الذي يكفر هو الذي يتبع ذلك الخاطر، الذي يأخذ بالخاطر الكفري. بعض الصحابة قالوا يا رسول الله، إن أحدنا ليجد في نفسه ما يتعاظم أن ينطق به، يعني يقول أعوذ بالله، أنا لا أنطق بهذا، لا أقول هذا. فقال «أوقد وجدتموه؟» أي حصل هذا في قلوبكم؟ قالوا نعم. قال «فذاك صريح الإيمان» أي كراهيتكم لهذا الخاطر تدل على أنكم مؤمنون) (وليعلم أنه يتميز الشك عن الخاطر أن الخاطر يكون بلا إرادة فلا ينافي الجزم بالقلب أما الشك فينافيه لأن معناه التردد في القلب).

 

   قال المؤلف رحمه الله: أو أنكر صحبة سيدنا أبي بكر رضي الله عنه (لتكذيبه القرءان لأن الله نص على صحبته في القرءان).

   الشرح أن من أنكر صحبة سيدنا أبي بكر بالقلب أي اعتقد أن أبا بكر ليس صاحبا لرسول الله ﷺ فقد كفر وذلك لأن الله نص على صحبته في القرءان فقال تعالى ﴿إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا﴾. وقد أجمع المسلمون على أن المراد بالصاحب هنا هو أبو بكر فمن شك في ذلك وفسر هذا الصاحب بغيره من الصحابة فقد كفر لأن ذلك يتضمن تخوين أمة محمد ﷺ وتضليلهم وفي ذلك هدم للدين.

 

   قال المؤلف رحمه الله: أو (أنكر) رسالة واحد من الرسل المجمع على رسالته (عند المسلمين كآدم وموسى وعيسى ومحمد صلوات ربي وسلامه عليهم)

   الشرح أن من أنكر رسالة واحد من الرسل الذين اتفق المسلمون على أنه من رسل الله فهو مرتد كافر والمراد بالرسالة هنا ما يعم النبوة (معناه المراد بالرسالة هنا إرسال الله لمن أرسله بما يشمل النبي الرسول والنبي غير الرسول) فمن أنكر نبوة واحد من الأنبياء الذين أجمع المسلمون على أنه من الأنبياء فقد ارتد وكفر إلا أن كان لا يعلم ذلك لأنه لم يشتهر عنده فلا نكفره بل نعلمه لأن هذا لا يتوصل إليه عن طريق العقل إنما يعرف عن طريق النقل وكذلك لو قرأ شخص في القرءان أن هارون وإلياس واليسع أنبياء ثم نسي لطول عهده بالقراءة للقرءان فقال عن واحد منهم إنه ليس بنبي فلا يكفر. وأما من اختلف فيه هل هو نبي رسول أو هو نبي فقط أو هو ولي فقط كالخضر عليه السلام فمن قال بواحد من ذلك فلا حرج عليه لكن القول الراجح في الخضر عليه السلام إنه نبي (وهذا قول الجمهور، أما من قال “ولي غير نبي” قلة، شاذ هذا القول، ليس هو القول المعتمد، لا عبرة به).

 

   قال المؤلف رحمه الله: أو جحد حرفا مجمعا عليه (أي على ثبوت أنه) من القرءان (فأنكره مع علمه بأنه منه) أو زاد حرفا فيه (أي في القرءان) مجمعا على نفيه (أي أجمع المسلمون على أنه ليس منه) معتقدا أنه منه عنادا.

   الشرح أن من أنكر حرفا اتفق المسلمون على أنه من القرءان فقد ارتد إلا أن يكون إنكاره جهلا منه لا على وجه العناد. وكذلك من زاد فيه حرفا أجمع المسلمون على أنه ليس من القرءان وكانت زيادته لذلك الحرف عنادا لا ظنا منه أنه من القرءان فهذا أيضا يحكم عليه بالردة أما من زاد حرفا في القراءة جهلا منه أو من أجل الصوت من غير أن يعتقد أنه قرءان فإنه لا يكفر. (أي أن زيادة حرف في القرءان بلا اعتقاد أنه منه بل من أجل تحسين الصوت أو مع اعتقاد أنه منه جهلا فليس ذلك بردة)

 

   قال المؤلف رحمه الله: أو كذب رسولا أو نقصه (بأن نسب إليه ما لا يليق به. نقصه بدون تشديد يعني نسب إليه نقصا ويقال نقصه أيضا وهي صيغة مبالغة) أو صغر اسمه (كأن قال عن نبي الله موسى مويسى) بقصد تحقيره (أي إهانته).

   الشرح أن من كذب نبيا من أنبياء الله فقد ارتد وكذلك الذي نقصه أي نسب إليه نقصا أو صغر اسمه بقصد التحقير وذلك كأن يسمي عيسى عييسى أو يقول عن موسى مويسى على وجه التحقير أما من قال ذلك على وجه إظهار المحبة له فلا نكفره لكن يقال له حرام أن تصغر اسم نبي من أنبياء الله تعالى.

 

   قال المؤلف رحمه الله: أو جوز نبوة أحد بعد نبينا محمد ﷺ.

   الشرح أن من اعتقد أنه يجوز أن يأتي نبي بعد محمد ﷺ أي أن ينزل وحي بالنبوة على شخص لم ينبأ قبل محمد كفر وكذا لو شك بأن قال يجوز أن يكون فلان نزلت عليه النبوة (أي بعد محمد). وقد ظهر جماعة يقال لها الأحمدية والقاديانية ءامنوا برجل اسمه (ميرزا) غلام أحمد كان في الهند توفي منذ نحو قرن ونصف (هذا الرجل تعاون مع الإنكليز لنشر دعوته عندما كان الإنكليز يحتلون الهند من نحو مائة وخمسين سنة وأكثر، قال “حرام علينا وعلى كل مسلم قتال الدولة البريطانية”، قال على زعمه “فإنهم أحسنوا إلينا بأنواع الإحسان، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟” هذا كفر وهذا ذكره في كتاب هم جماعته طبعوه وطبعوا عليه صورته، وصورته قبيحة جدا) يعتقدون أنه نبي مجدد وأحيانا يقولون نبوته نبوة ظلية أي تحت ظل محمد ﷺ أي ليس مستقلا إنما هو منتسب إلى سيدنا محمد ﷺ (يعني على زعمه هو من الأمة المحمدية، لكن نبي، ثم بعده ولده ادعى النبوة، ثم ولد ولده ادعى النبوة) وكل هذا كفر فإنه لا يجوز أن ينبأ شخص بعد محمد ﷺ لا استقلالا ولا تجديدا لنبوته (ويموهون على الناس لترويج دعوتهم هذه بقولهم إن معنى ﴿وخاتم النبيين﴾ زينة النبيين، وينكرون أن معناه ءاخر الأنبياء، وتفسيرهم هذا فاسد لأن قولهم إن محمدا زينة النبيين كما أن الخاتم زينة ليد صاحبه ليس فيه مدح لسيدنا محمد، وهذا الوصف أنزله الله في القرءان تعظيما لسيدنا محمد ليس لخلاف ذلك. ﴿وخاتم النبيين﴾ هذا لتعظيم محمد، لمدح محمد ﷺ، ثم إن الحديث النبوي الصحيح الذي رواه مسلم وغيره يبطل هذا التفسير ويهدمه) فإنه ﷺ قال (وختم بي النبيون) (وهذا يزيد معنى ﴿وخاتم النبيين﴾ وضوحا أنه بمعنى ءاخرهم أي بمعنى الآخر الذي لا نبي بعده. ثم إن جمهور القراء قرءوا وخاتم بكسر التاء، وقراءة عاصم وخاتم. والقراءة المشهورة في هذه البلاد، أي لبنان، قراءة عاصم. والخاتم بكسر التاء لا يكون معناه إلا الآخر، ولا يكون معناه هذا الذي يوضع باليد. وهذا أيضا دليل على فساد كلام القاديانية) وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه البخاري (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء (أي تحكمهم) كلما هلك (أي مات) نبي خلفه نبي وإني خاتم النبيين فلا نبي بعدي). (وقوله ﷺ ذهبت النبوة (أي ختمت بي) وبقيت المبشرات. قيل وما المبشرات يا رسول الله؟ قال الرؤيا الصالحة. رواه البخاري في صحيحه. والرؤيا المنامية ثلاثة أقسام رؤيا بشرى من الله ورؤيا تحزين من الشيطان ورؤيا أضغاث أحلام لا هي بشرى ولا هي تحزين. ولا يكون المعبر للرؤيا المنامية إلا وليا وذلك بالإجماع كابن سيرين وقليلين غيره. ولم يشجع رسول الله ﷺ أفضل الأولياء في أمته أبا بكر على تعبير المنام بل قال له لما فعل ذلك أصبت بعضا وأخطأت بعضا. كما روى ذلك البخاري في صحيحه. وقال بعض هؤلاء أي القاديانية إن معنى قول النبي (لا نبي بعدي) أي لا نبي معي فلا ينفي نبوة من يأتي بعده أي بعد محمد ﷺ، كغلام أحمد، وهذا يرد بما مضى من الأدلة وبقوله ﷺ (لو كان بعدي نبي لكان عمر) رواه الترمذي في سننه أي ليس بعدي نبي ولم ينبأ عمر بعد الرسول، يعني لولا أني خاتم النبيين لجاز أن ينبأ عمر، لكان عمر. فغلام أحمد أحد الدجالين الكذابين. وبالحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه الذي فيه إخبار النبي أنه سيأتي بعده كذابون كل منهم يزعم أنه رسول الله، فغلام أحمد داخل في هؤلاء لأن الرسول ذكر أنه يكون ثلاثون منهم من غير أن يفيد ذلك انحصارهم في ثلاثين فقط. ولم يدع في حياة رسول الله النبوة إلا الأسود العنسي (كان في اليمن) ومسيلمة الكذاب (كان في نجد) وكلاهما ادعى النبوة في آخر حياة النبي ﷺ) 

 

   قال المؤلف رحمه الله: والقسم الثاني (من أقسام الردة) الأفعال كسجود لصنم أو شمس إن قصد عبادتهما أو لم يقصد (فهذا كفر وردة. من سجد لشمس أو لصنم أو سجد لشيطان أو لنار هذا فعل فعلا أجمع المسلمون على أنه لا يصدر إلا من كافر فيكفر، القاعدة من فعل فعلا اتفق المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر فقد كفر. نقل النووي عن القاضي عياض قوله وكذا [أي يكفر] من فعل فعلا أجمع المسلمون على أنه لا يصدر إلا من كافر وإن كان صاحبه مصرحا بالإسلام مع فعله كالسجود للصليب والنار والمشي إلى الكنائس مع أهلها بزيهم من الزنانير وغيرها اﻫ) والسجود لإنسان إن كان على وجه العبادة له كسجود بعض الجهلة لبعض المشايخ المتصوفين (أي إذا كان سجودهم) على وجه العبادة لهم فإنه يكون عندئذ كفرا وإن لم يكن على وجه العبادة لهم (كأن سجدوا لهم للتحية فقط فإنه) لا يكون كفرا لكنه حرام (في شرع سيدنا محمد ﷺ وكان جائزا في الشرائع السابقة).

   الشرح أن القسم الثاني من الردة الردة الفعلية وذلك كسجود لصنم وهو ما اتخذ ليعبد من دون الله إن كان من حديد أو جوهر أو خشب أو حجر أو غير ذلك فمن سجد لصنم اعتقادا أو بغير اعتقاد فقد كفر. كذلك الذي يسجد للشمس ونحوها فإنه يكفر ولو قال إنه لم يقصد عبادتها أو يسجد لأي مخلوق ءاخر لعبادته أما من يسجد لملك أو نحوه على وجه التحية لا على وجه العبادة له فلا يكفر لكن ذلك حرام في شرع نبينا محمد ﷺ على الإطلاق (أي لا يجوز إن كان المراد به التحية فهو حرام، وإن كان المراد به العبادة فهو كفر، وإن كان المسجود له تقيا فهو حرام، وإن كان المسجود له غير تقي فهو حرام، وإن كان مؤمنا فهو حرام، وإن كان كافرا فهو حرام. على الإطلاق، إن قال قصدت العبادة، وإن قال قصدت غير العبادة. على الإطلاق إلا إن كان مكرها) وكان جائزا في شرائع من قبله من الأنبياء السجود للإنسان على وجه التحية والتعظيم. (فقد قال كثير من المفسرين إن سجود إخوة يوسف وأبويه ليوسف كان سجودا بوضع الجبهة على الأرض لأن ذلك كان جائزا في شرع يعقوب، وكذلك سجود الملائكة لآدم على أحد التفسيرين كان هذا السجود المعهود وعلى التفسير الآخر كان انحناء ليس فيه وضع الجبهة على الأرض. ودليل تحريمه في شرع محمد ﷺ أن معاذ بن جبل رضي الله عنه حين قدم من الشام سجد لرسول الله ﷺ فقال له ما هذا ؟ قال يا رسول الله رأيت أهل الشام يسجدون لبطارقتهم (وهم القواد في ذلك الزمن) وأساقفتهم (والأسقف من النصارى رئيس منهم والجمع أساقفة) وأنت أولى بذلك قال رسول الله لا تفعل، لو كنت ءامر أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. هذا الحديث يدل على تحريم هذا الفعل في شريعتنا. هذا الحديث رواه ابن حبان في صحيحه وابن ماجه في سننه وغيرهما وهو صحيح. وهذا التفصيل في السجود لغير الله هو في سجود إنسان لإنسان أما في سجود الشخص للصنم فإنه لا تفصيل فيه فمن رأيناه يسجد لصنم كفرناه ولا نسأله هل نويت به عبادته أم نويت غير ذلك. والعبادة نهاية التذلل أي أقصى غاية التعظيم. وهذا هو المراد في نحو قول الله تعالى ﴿إياك نعبد﴾ وكذلك هو المراد في قول المشركين الذين حكى الله قولهم ﴿ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾ لأن هؤلاء كانوا يتذللون غاية التذلل لأوثانهم وهذه هي العبادة التي هي شرك. (الوهابية تتمسك بهذه الآية لتكفير المتوسلين بالرسول وبالأولياء والعياذ بالله. هؤلاء الوهابية يرد عليهم من طريقين. الطريق الأول الذي هو واضح شديد الوضوح أن أولئك عبدوا غير الله مع الله فوقعوا في الشرك، أما الذي يزور قبر ولي رجاء البركة أو يتوسل بولي أو بنبي فلم يعبده، فكيف يقاس على المشرك الذي عبد غير الله ؟! يقال للوهابي أولئك تذللوا غاية التذلل لغير الله، أما هؤلاء فلم يتذللوا غاية التذلل لغير الله! فكيف تقيس هذا على هذا ؟!

ثم شيء آخر، الوهابي يقول لماذا اتخاذ الواسطة؟ لماذا لا يدعو الشخص ربه من غير واسطة؟ يقال له فلم أقر النبي التوسل في حياته إذا لو كان كما تقول؟ ولم توسل الصحابة بالعباس عند القحط؟ فإذا ليس أمر التوسل مبنيا على ما تقول. لو كان مبنيا على ما تقول، لما أقر النبي ﷺ التوسل به. أليس هم يوافقوننا بأن التوسل بالنبي ﷺ في حضرته جائز؟ في حياته؟ إذا ليس الأمر كما يقولون. فإذا التوسل ما فيه مشابهة لهؤلاء الكفار. الذي يتوسل بالنبي ﷺ دعا الله، فيقال للوهابي أولئك عبدوا الأصنام، أما المسلمون ما عبدوا الرسول ﷺ. الله أخبرنا في القرءان أن المشركين قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، أما المسلمون لا يقولون ذلك، بل إنهم لا يدعونهم في التوسل، وإنما يدعون الله.

لو كان التوسل فيه عبادة غير الله مع الله، لحرم التوسل بالنبي ﷺ في حضرته في حياته، ولما توسل الصحابة بالعباس. وقد تطلق العبادة بمعنى القربة من القرب. ما يتقرب به إلى الله يسمى عبادة أيضا، كالصلاة والذكر وذلك كحديث الدعاء مخ العبادة. المعنى أن الدعاء أي الرغبة إلى الله في طلب حاجة أو دفع شر من أعظم ما يقرب إلى الله. هذا معنى العبادة هنا، ما يتقرب به إلى الله. ليس كما فسره أولئك الذين يقولون أنت تقول يا محمد فأنت تدعو محمدا، إذا أنت كفرت لأنه جاء في الحديث الدعاء مخ العبادة. تقول له يعني إذا قلت يا زيد ساعدني أكون كفرت؟! يقول هذا حي وذاك ميت. تقول له أنت استندت إلى الحديث وهكذا فسرته، ولو كان تفسير الحديث كما تقول لكان هذا ردة وشركا، وهذا ليس شركا بالإجماع، فإذا تفسيرك باطل. العبادة هنا ما يتقرب به إلى الله) وليس معنى هذا الحديث ما تدعيه الوهابية من أن التوسل بالرسول والولي من عبادة غير الله التي هي شرك. هم يحتجون بهذا الحديث الدعاء مخ العبادة لتحريم قول المسلم يا رسول الله أغثني أو اللهم أسألك بجاه رسول الله كذا وكذا، يقولون هذا كقول المشركين ﴿ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾ وكذبوا فإن أولئك كانوا يتذللون للأوثان غاية التذلل ويقولون نحن نعبد هؤلاء أي نخضع لهم ونتذلل غاية التذلل ليقربونا إلى الله وفرق كبير بينهم وبين المسلم الذي لا يتذلل غاية التذلل إلا لله ويستغيث بالأنبياء والأولياء ليقضي الله حاجاته أو يدفع عنه الكرب، لأن هؤلاء ما تذللوا غاية التذلل للأنبياء والأولياء إنما يتشفعون بهم إلى الله. ولو عرفت الوهابية معنى العبادة في لغة العرب لما قالوا ذلك لكنهم جاهلون، لأن زعيمهم محمد بن عبد الوهاب لم يكن عالما فقيها ولا محدثا ولا مفسرا بل كان أبوه غاضبا عليه لأنه لم يشتغل بالعلم كعادة أسلافه، لأن أباه وجده كانا عالمين بالمذهب الحنبلي ولا يشهد له أحد من علماء الحنابلة في عصره بالعلم ولا أدخله أحد في طبقات فقهاء الحنابلة؛ وقد ألف العالم الجليل الحنبلي محمد بن حميد مفتي الحنابلة بمكة المكرمة كتابا في طبقات الحنابلة من رجال ونساء جمع ثمانمائة عالم وعالمة في كتاب سماه (السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة) وذكر فيه أباه عبد الوهاب وأخاه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب. وكانت وفاة الشيخ محمد بن حميد بعد ابن عبد الوهاب بنحو ثمانين سنة، وأما وصف بعض أتباعه له بالعالمية فلا اعتداد به.

   قال شيخنا الهرري رحمه الله هذا وإني لأعجب من هؤلاء الذين يكفرون المسلمين لمجرد التمسح بقبر ولي أو قولهم يا رسول الله المدد، فإذا كان الرسول لم يكفر معاذا حين سجد له والسجود من أعظم مظاهر التعظيم فكيف يكون ذلك كفرا عندهم، سبحانك هذا بهتان عظيم)

   ومن الكفر الفعلي إلقاء المصحف (في القاذورات فمن فعل هذا كفر بفعله لو لم يكن معه اعتقاد. قال ابن عابدين ولو لم يقصد الاستخفاف لأن فعله يدل على الاستخفاف. هكذا يقول ابن عابدين في كتابه في باب بيان المرتد يقول مثل رمي المصحف في القاذورة هذا كفر لو لم يقصد أن يهين المصحف لكن فعله استخفاف. قاعدة: (كل فعل لا يصدر إلا من كافر فهو كفر) مثال على ذلك رمي المصحف في القاذورة والسجود للصنم، فالذي يسجد للصنم ويعلم أنه صنم يكفر مطلقا إلا أن يكون مكرها عليه. ومن الكفر الفعلي إلقاء المصحف) أو نحوه مما فيه شىء من القرءان أو رمي اسم معظم أي كاسم محمد مرادا به الرسول ﷺ واسم عيسى مرادا به المسيح ابن مريم عليه السلام أو ما فيه شىء من الحديث أو من علم شرعي بقاذورة (أو أي ورقة عليها اسم من أسماء الله تعالى مع العلم بوجود الاسم فيها. قال بعض العلماء إذا رمى اسم الله في القاذورات على وجه الإستخفاف كفر أما إذا لم يكن على وجه الاستخفاف فلا يكون ردة وهذا في غير المصحف فإن رميه في القاذورات كفر لأنه يدل على الاستخفاف كما قال ابن عابدين الحنفي. وقال المالكية في كتبهم ترك ورقة في القاذورات مكتوب فيها قرءان استخفافا ردة وكفر أما الذي يتركها ليس للإستخفاف بها بل يعتقد أن لها حرمة لكن تركها تكاسلا فإنه لا يكفر ولكنه أثم إثما كبيرا. وهذا الذي قاله المالكية يوافق عليه سائر أهل المذاهب الأخرى لكن المالكية نصوا عليه أما الآخرون فلم ينصوا عليه فيما أعلم لكن قواعدهم توافق على ذلك) أو قذر طاهر كمخاط أو بزاق لأن فيه استخفافا بالدين ومماسته بشىء من ذلك كفر أيضا وليس الحكم كذلك إذا كان هذا الاسم من نحو محمد مرادا به غير اسم النبي فإنه لا يكون إلقاؤه في القاذورة كفرا ولا حراما إلا أنه مكروه لأن فيه امتهانا لحروف اللغة العربية. (يجوز رمي كلمة العربية في القاذورات مع الكراهة. حديث أحبوا العربية لثلاث رواه الحاكم في المستدرك وقد قال ﷺ في بيان فضل اللغة العربية ورفعتها وأهميتها أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرءان عربي وكلام أهل الجنة عربي. رواه السيوطي والحاكم في المستدرك وصححه وأورده بلفظ ولسان أهل الجنة عربي. أهل الجنة يتكلمون العربية أما أهل النار فبلغتهم، أما (تعلموا العربية وعلموها الناس) فليس حديثا. كذلك من الكفر الفعلي كتابة القرءان بالبول كما يفعل بعض السحرة والعياذ بالله تعالى حتى يخدمهم الجن، أو الدوس على المصحف. وأما إلقاء موسى عليه السلام لألواح التوراة فإنه كان ناسيا حين ألقاها أنها في يده، وهو لم يلقها على وجه الاستهزاء بها ولم يلقها على مستقذر. وأما ما يفعله بعض الناس عند قلب أوراق المصحف من بل الإصبع بريق خفيف وقلب أوراق المصحف فإن كان مجرد أثر بلل يساعد على قلب الورقة من غير أن يلصق بأوراق المصحف شىء من جرم الريق فليس حراما، أما إن كان يلصق بأوراق المصحف شىء فحرام)

 

   قال المؤلف رحمه الله: والقسم الثالث (من أقسام الردة) الأقوال وهي كثيرة جدا لا تنحصر منها أن يقول (شخص) لمسلم يا كافر أو يا يهودي أو يا نصراني أو يا عديم الدين مريدا بذلك (القول) أن الذي عليه المخاطب من الدين كفر أو يهودية أو نصرانية أو ليس بدين (فهذا ردة وكفر) لا على قصد التشبيه (أي لا يكفر إذا كان متأولا بقوله هذه العبارة كأن قال له يا كافر على قصد التشبيه ومراده أنك تشبه الكفار في خساسة أفعالك أو أنك تعامل المسلمين معاملة الكفار لهم، فلا يكفر لكن هذا حرام يفسق قائله).

   الشرح أن الألفاظ التي يكفر من قالها ولو لم يكن معتقدا معاني تلك الألفاظ كثيرة كقول الشخص لمسلم يعرفه مسلما يا كافر أو يا نصراني أو يا يهودي أو يا عديم الدين مريدا بذلك أنه ليس على دين الإسلام فذلك ردة تخرج قائلها من الدين (لقد حذرنا رسول الله ﷺ من أن نقول لمسلم كافر، وبين لنا أن من قال ذلك لمسلم يعود عليه وبال هذه الكلمة، يعني من قال لمسلم يا كافر بلا سبب شرعي بغير تأويل هذا خرج من دين الله والعياذ بالله تعالى لأنه سمى الإسلام الذي عليه ذاك المسلم كفرا. روى مسلم أن رسول الله ﷺ قال إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه. أي وإلا يصير كافرا، أما من قال لمسلم يا كافر لسبب شرعي فلا بأس عليه كأن رءاه يدوس المصحف قال له يا كافر لا بأس عليه. أما من رأى شخصا لا يعرفه في بلد يغلب الكفر على سكانها فظن فيه أنه كافر فلا حرج عليه. قاله شيخنا رحمه الله تعالى) وأما من قال هذه الكلمات الأربع متأولا (كمن أراد التشبيه فلا يكفر) أي (إن كان قصده) أنك تشبه الكافر في خساسة أعمالك أو أنك تشبه اليهود أو النصارى لسوء عملك أو أنك تعامل المسلمين كأنك كافر أو أنك كمن لا دين له أي أنك لست عاملا بالدين كما ينبغي لأن المسلم الكامل هو الذي سلم المسلمون من لسانه ويده فلا يكفر لكن هذا حرام يفسق قائله (معناه يقع في معصية كبيرة).

(مسألة مهمة: من قال (أنا كافر) كفر ولا تأويل له، ولو قال أردت التشبيه أي بالكافر، لأن هذا استخفاف بالإسلام. وقال النووي الشافعي في (روضة الطالبين) ج١٠/ص٦٤ لو ضرب إنسان ابنه أو غلامه ضربا شديدا، فقال له رجل ألست بمسلم؟ فقال لا، متعمدا، كفر)

 

   قال المؤلف رحمه الله: وكالسخرية باسم من أسمائه تعالى أو وعده (بالجنة وما أعده الله فيها من النعيم) أو وعيده (بالنار والعذاب) ممن (أي من إنسان) لا يخفى عليه نسبة ذلك (أي إضافة ذلك الاسم أو الوعد أو الوعيد الذي سخر به) إليه سبحانه.

   الشرح أن من سخر باسم من أسماء الله أي استهزأ (كأن قال عن اسم من أسماء الله هذا ليس حلوا يكفر) أو سخر بوعد الله تعالى للمؤمنين في الآخرة بالجنة وما أعد فيها مثلا أو سخر بوعيد الله للكافرين والعصاة بعذاب الآخرة وكان ذلك الوعد أو الوعيد الذي سخر به شيئا ليس خافيا عليه بل هو عالم بوروده في دين الإسلام فقد كفر (أي كان ذلك الرجل الذي سخر باسم من أسماء الله أو بوعده أو وعيده يعلم أن هذا في دين الله، كفر. أما إن كان لم يسمع أن الله وعد المؤمنين جنات تجري فيها الأنهار أو أنه توعد من كفر به بالنزول في جهنم إلى قعر سبعين سنة، ما كان علم هذا فلا نكفره، إنما هذا يقال له ورد في دين الله كذا ثم بعد ما يعلم إن سخر يكفر) وذلك كقول بعض السفهاء عند ذكر جهنم نتدفأ بها في الآخرة لأن هذا يتضمن تكذيب الله تعالى فيما أخبر به من شدة نار جهنم (هذه سخرية بوعيد الله. انتبهوا، ليس ذم جهنم كفرا، إنما السخرية بوعيد الله هو الكفر، لأن كلامه يتضمن تكذيب الله. إذا قال نتدفأ في جهنم، معناه لا نتعذب فيها، وهذا ضد ما جاء في القرءان، من هنا يكون كفرا. ليس ذم جهنم كفرا، الله ذمها، هي مذمومة). وأما من أنكر أو سخر بنوع من الوعيد يجهل وروده في الشرع مما هو غير ظاهر بحيث يشترك في معرفته العالم والجاهل فلا نكفره كأن أنكر وجود عقارب في جهنم. وكذلك لا يكفر من كان قريب عهد بإسلام فأنكر جهنم أي ما كان يسمع بأن المسلمين يعتقدون بوجود جهنم دينا لهم (لا سبيل لمعرفة أن جهنم موجودة وأن وجودها من الدين إلا بأن يسمع من غيره، وهو ما سمع فلا يكفر. مثل الذي ينكر حرمة الزنا لأنه ما سمع) أما الذي كان يسمع بأن المسلمين يعتقدون بوجود جهنم ومع ذلك أنكرها فهذا يكفر.

   تنبيه: ليس من الاستخفاف بوعيد الله سب جهنم لأن جهنم ليست معظمة إنما هي شىء شديد ولو كانت معظمة ما كنا نقول اللهم أجرنا من النار فيجوز أن يقال عن جهنم إنها خبيثة (بل هذا قال الحق) إنما الكفر أن يقال عنها ليست بشىء أو هي شىء خفيف. جهنم يستعاذ بالله منها فإن من جملة ما علمه الرسول ﷺ لأمته أن يقولوه في الصلاة اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب جهنم. (فمن ذم جهنم لا يكفر وليس عليه معصية) والله عز وجل ذم جهنم بقوله ﴿وبئس القرار﴾ وبقوله ﴿وساءت مصيرا﴾. فلا يجوز أن يقال مثلا وحق جهنم (لأن هذا يشعر بتعظيمها) لأنها ليس لها شرف وكلمة (وحق كذا) تشعر بشرف الشىء المذكور.

 

   قال المؤلف رحمه الله: وكأن يقول (الشخص مستخفا بأمر الله) لو أمرني الله بكذا لم أفعله أو (قال مستخفا بالقبلة) لو صارت القبلة في جهة كذا ما صليت إليها أو (قال) لو أعطاني الله الجنة ما دخلتها مستخفا (لأن الاستخفاف بالجنة كفر كما تقدم) أو مظهرا للعناد في الكل (أي مظهرا لمعاندة الشريعة والعناد هو عدم الاستسلام للشريعة ورد الحق مع العلم بأنه حق. وأما إن لم يكن على وجه الاستخفاف والعناد وتكذيب الشرع فليس كفرا).

   الشرح أن قائل هذه الألفاظ يكفر إن قالها على وجه الاستخفاف بأمر الله الذي أمر به عباده أو على وجه الاستخفاف بالقبلة أو على وجه الاستخفاف بالجنة أو على وجه العناد (للشرع) أي عدم الاستسلام لله. وفي الغالب هذه العبارات تستعمل للاستخفاف لكن قد يقولها بعضهم ولا يفهم منها الاستخفاف فإن من قال لو أعطاني الله الجنة ما دخلتها لا بقصد الاستخفاف ولا العناد إنما يريد مثلا لو أعطاني الله الجنة أكون راضيا عن الله تعالى (مسلما له) من غير أن أدخلها (ولو لم أدخلها) فإنه لا يكفر، وكذلك من قيل له “افعل كذا” فقال “أنا لا أفعل لأجل قول فلان لي افعله إذ لو كان هذا الأمر واجبا أمرني الله به أنا ما كنت أفعله” يريد من تقصيره من غير استخفاف ولا عناد مع اعتقاد أن أمر الله حق فإنه لا يكفر، وكذلك من أمره شخص بالصلاة فقال “لو كانت القبلة في جهة كذا ما صليت إليها” يريد بذلك أنه من شدة كسله لا يصلي مهما كان ذلك سهلا من غير قصد الاستخفاف ولا العناد ومع كونه يحب أمر الله فإنه لا يكفر، وأما الذي يقول أي لفظ من هذه الألفاظ الثلاثة استخفافا بأمر الله وشرعه أو عنادا فإنه يكفر بلا شك.

 

   قال المؤلف رحمه الله: وكأن يقول لو ءاخذني الله (أي لو عاقبني) بترك الصلاة (أي على تركها) مع ما أنا فيه من المرض ظلمني (فإنه يكفر لأنه نسب الظلم إلى الله تعالى والظلم وضع الشىء في غير محله والتصرف في ملك الغير بغير إذنه ومخالفة أمر ونهي من له الأمر والنهي. والظلم مستحيل على الله فهو صفة نقص في حق الله تعالى فلا يجوز وصفه تعالى بها وقد نزه الله نفسه عن الظلم فقال عز وجل ﴿وما ربك بظلام للعبيد﴾ وقال رسول الله ﷺ فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي أي نزهت نفسي عن الظلم وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا اهـ).

   الشرح لو أن شخصا مريضا ضجر من مرضه فقيل له صل لا تترك الصلاة فإنها فرض عليك فقال (لو ءاخذني الله على ترك الصلاة وأنا على هذه الحال لكان ظالما) كفر لأن في ذلك استخفافا بالله تعالى وتكذيبا لقول الله ﴿وما ربك بظلام للعبيد﴾. (الظلم هو مخالفة أمر ونهي من له الأمر والنهي، هذا هو الظلم. مخالفة أمر ونهي من يستحق أن يأمر وينهى، فمخالفة أمره ونهيه هو الظلم. الله ليس له آمر ولا ناه، فلا يتصور الظلم من الله. يفعل في ملكه ما يشاء لحكمة يعلمها هو، ثم نحن وما نملك ملك لله. إن أعطانا شيئا، فهذا الشيء ملك لله، ليس ملكا حقيقيا لنا، وإن نزع منا شيئا، يكون نزع منا ما هو ملك له. يفعل في ملكه ما يشاء. والظلم معناه التصرف في ملك الغير بما لا يرضى، والله يتصرف بملكه فنحن وما نملك ملك له. وقال رسول الله ﷺ لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم. حديث صحيح رواه ابن ماجه وأبو داود) فمن يقول الله يظلمك ويقف عندها يكفر ولا تأويل لكلامه، ومن يشك في ذلك يكفر ولو نوى أنه ينتقم منك. وأما من قال الله يظلمك كما ظلمتني إن فهم منه (ما قلنا قصد ولا قلنا نوى إنما قلنا إن فهم منه) الله ينتقم منك (لأنك ظلمتني) قال بعضهم لا يكفر. قال ابن حجر الهيتمي الشافعي في كتابه الإعلام بقواطع الإسلام بعد أن نقل قول القاضي عياض بتكفير ساب النبي ﷺ ما نصه إذ المدار في الحكم بالكفر على الظواهر ولا نظر إلى القصود والنيات ا.هــ.

تحذير: هناك عبارة خبيثة وردت في كتاب ابن حجر الهيتمي فتح المبين بشرح الأربعين وكتاب ابن رجب الحنبلي جامع العلوم والحكم ونص هذه العبارة الخبيثة الكفرية “إن الله تعالى قادر على الظلم لكن لا يفعل ذلك إفضالا منه” وهذا الكلام كما لا يخفى مخرج من الإسلام)

 

   قال المؤلف رحمه الله: أو قال لفعل حدث هذا (الشىء أي حصل) بغير تقدير الله (سواء كان ذلك الشىء خيرا أم شرا، وهذه عبارة النووي ذكرها في الروضة ويدل ذلك على أن ما ذكره في كتاب المجموع من أن الصلاة خلف المعتزلي تصح أراد به المعتزلي الذي لم يصل إلى حد الكفر ولم يرد به المعتزلي الذي يقول إن مشيئة العبد تغلب مشيئة الله وإن العبد يخلق أفعاله. لأنه هو الذي أورد هذه العبارة من قال لشىء حصل هذا بغير تقدير الله فهو كافر في كتاب الروضة كما مر) أو (قال) لو شهد عندي الأنبياء أو الملائكة أو جميع المسلمين بكذا ما قبلتهم (أي ما صدقتهم فيما يقولون فهو كافر لما فيه من تكذيب نصوص الدين المعروفة، قال القاضي عياض في الشفا وكذا نقطع بكل قول يتوصل به إلى تضليل الأمة أنه كفر اهـ) أو قال (بعد أن أمره شخص بفعل سنة من السنن كالاستياك) لا أفعل كذا وإن كان سنة (أي إذا قال ذلك) بقصد الاستهزاء (بسنة النبي ﷺ فإنه يكفر بخلاف من قال ذلك ولم يقصد الاستخفاف بالسنة فلا يكفر) أو (قال عن عدو له مثلا) لو كان فلان نبيا ما ءامنت به (فإنه يكفر لما في ذلك من الاستهزاء بمنصب النبوة، لأن معنى كلام هذا القائل أن منصب النبوة ليس له شأن عنده).

   الشرح أنه لو قيل لشخص (حدث هذا بتقدير الله كل شىء بتقدير الله) فقال (أنا فعلته بغير تقدير الله أنا فعلته ولم يقدره الله تعالى) فقد كفر، وهذا عام في الفعل الذي هو خير والذي هو شر لأن كل ما يعمله العبد بتقدير الله تعالى. وتقدير الله للشر ليس شرا إنما الشر هذا المقدر وهو فعل العبد لما نهاه الله عنه فالعبد يلام وأما الله تعالى فلا يلام لأن العبد فعل ما نهاه الله عنه وخالف أمره أما الله فلا ءامر له ولا ناهي. ولا يعترض على الله لتقديره لذلك الفعل فخلق الله للشر ليس شرا قبيحا من الله إنما فعل القبيح قبيح من العبد. خلق الله للشر كخلقه للخير إنما المقدور أي المخلوق الذي قدره الله وخلقه الذي هو شر أي معصية أو مكروه قبيح من العبد فعله. خلق المتقابلات دليل على كمال قدرة الله فخلقه للأدوية والسموم القتالة ليس قبيحا منه بل دليل على كمال قدرته (أي شمول قدرته للممكنات) فتقدير الله للشر ليس قبيحا بل حسن كما أن تقديره لعمل الخير حسن. (وعلى هذا يفسر حديث مسلم في صحيحه الإيـمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره. خيره وشره هنا وصف للمقدور ليس وصفا لقدر الله بمعنى تقديره لأن تقديره للخير والشر حسن ليس قبيحا منه إنما المقدور الذي هو شر قبيح من العبد فعله. وهكذا يقال في القضاء، قضاء الله حسن، ليس منه قبيحا، كذلك خلق الله للشر الكفر والمعصية والمكروه ليس قبيحا من الله إنما فعل المخلوق ما هو شر قبيح من العبد، أما من الله فليس قبيحا بل دليل على كمال قدرته حيث إنه خلق المتقابلات ولم يختص خلقه بنوع من المتقابلات دون مقابلها. كذلك جعل بعض خلقه كافرا وبعض مؤمنا. خلقه للكافر ليس قبيحا منه بل منه حسن كما أن خلقه للمؤمن حسن منه، فالمقدور والمقضي والمخلوق الذي هو شر هو القبيح، أما تقدير الله وقضاؤه وخلقه لذلك فليس قبيحا لأن ذلك فعل الله. هذا خلاف قول المجوس والثنوية فإنهم جعلوا مدبرين للعالم، مدبر الخير وهو الله ومدبر الشر وهو الشيطان على قول أحد الفريقين والظلمة على قول الفريق الآخر وكل هذا ضلال. الله أبطل هذا بقوله ﴿الله خالق كل شىء﴾ وقوله ﴿قل الله خالق كل شىء﴾)

   وكذلك (يكفر) من قال (لو شهد عندي الأنبياء أو الملائكة أو جميع المسلمين بكذا ما قبلتهم) هو كافر مرتد بلا تفصيل. (لأن كلامه فيه تحقير للأنبياء أو للملائكة أو فيه تضليل لجميع المسلمين، وذكرنا أن كل قول يتوصل به إلى تضليل أمة الإجابة فهو كفر)

   وكذلك يكفر من قال (لا أفعل كذا وإن كان سنة) بقصد الاستخفاف بسنة رسول الله ﷺ وأما من لم يقصد الاستخفاف بالسنة بل يقصد أنه لا يفعل لأجل قول شخص له (افعل كذا) أي أنه لا ينفذ أمر هذا الشخص فلا يكفر كما لو قيل لشخص لم تترك رواتب الفرائض ولا تصليها وتقتصر على الفرائض فقال لا أصليها وإن كانت سنة ولم يقصد بذلك الاستخفاف بها فلا يكفر كما تقدم ما يبين ذلك.

   ويكفر من قال (لو كان فلان نبيا ما ءامنت به) لأنه استخفاف بمنصب النبوة.

 

   قال المؤلف رحمه الله: أو أعطاه عالم فتوى فقال أيش (أي أي شىء) هذا الشرع مريدا (بهذا القول) الاستخفاف بحكم الشرع (الإسلامي والاعتراض عليه فهو كافر).

   الشرح أن من قال هذه الكلمة بقصد الاستخفاف بحكم الشرع (أي شرع الإسلام) كفر أما من لم يقصد الاستخفاف بحكم الشرع إنما قصد الإنكار على هذا المفتي الذي أفتى فتوى باطلة لأنه أراد أن ينسبه إلى أنه غير موافق لشرع الله في فتواه فقال هذه الكلمة بقصد الاستخفاف بكلام هذا المفتي كأنه يقول أيش هذا الذي تزعمه شرعا وليس بشرع فلا يكفر وباطن كلامه أن هذا ليس شرع الله إنما رأيك يا أيها المفتي. وكلمة أيش أصلها أي شىء.

 

   قال المؤلف رحمه الله: أو قال لعنة الله على كل عالم مريدا الاستغراق الشامل (أي تعميم اللعن لكل العلماء فهو كافر) أما من لم يرد الاستغراق الشامل لجميع العلماء بل أراد لعن علماء مخصوصين وكانت هناك قرينة تدل على ذلك (كأن كان ذكر علماء ناحية ما فاسدين فقال بعدها لعنة الله على كل عالم وهو يقصد هؤلاء وكان ذلك منه يعني كان صدور هذه العبارة منه بالنسبة لعلماء هذه الناحية) لما يظن بهم من فساد أحوالهم فإنه لا يكفر وإن كان كلامه لا يخلو من المعصية (أي وإن كان كلامه لا يخرج عن كونه حراما وأما من لم يكن في كلامه قرينة (والقرينة من حيث العموم معناها الدليل) فإذا من لم يكن في كلامه قرينة تدل على التخصيص فإنه يكفر ولو قال أنا قصدت علماء زماني).

   الشرح كلمة لعنة الله على كل عالم ردة لأن معناها الشمول والاستغراق لكل العلماء والاستغراق معناه التعميم أما من لم يرد الاستغراق الشامل لجميع العلماء بل أراد لعن علماء زمانه أو أهل ناحيته أو طائفة من (العلماء) المسلمين لأنه لا يعلم فيهم خيرا وكانت هناك قرينة تدل على ذلك فإنه لا يكفر كما لو قال (لعنة الله على كل عالم في هذا الزمن) لأنه يعتقدهم فاسدين وإن كان كلامه لا يخلو من المعصية فالذي يقول (لعنة الله على كل عالم) مع وجود قرينة تدل على أنه ما أراد الشمول كأن كان ذكر هو أو غيره علماء فاسدين فقال (لعنة الله على كل عالم) فيحمل كلامه على كل عالم يكون من هذا الصنف فلا يكفر (أما إذا كان ساكتا، لا يوجد حديث ولا قرينة، ثم قال ابتداء “لعنة الله على كل عالم” وسكت، لا يحمل كلامه إلا على الشمول، ما أتبعه بشيء يدل على التخصيص، ولا كان قبله كلام يدل على التخصيص، فهذا لا يحمل إلا على الشمول، معناه يكفر والعياذ بالله تعالى). وأما إذا قال هذه الكلمة من غير قرينة ما تدل على أنه ما أراد الاستغراق فإنه يكفر والقصد وحده عندئذ بلا قرينة لا يدفع عنه التكفير والذي لا يكفره في هذه الحال هو يكفر.

والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين

لمشاهدة الدرس: https://youtu.be/uRDeLeb3Htg

للاستماع إلى الدرس:  https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-9