الأحد ديسمبر 22, 2024

#9 الملائكة والأنبياء

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الطيّب الطاهر الأمين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين. أما بعد أحبابنا الكرام يَجِبُ الإِيمَانُ بِالْمَلائِكةِ، أَىْ أَنَّهُمْ مَوْجُودُونَ. خَلَقَهُمُ الله مِنْ نُورٍ وهم سكّان السماوات، وَلَيْسُوا ذُكُورًا وَلا إِنَاثًا، ولا يَأْكُلُونَ ولا يَشْرَبُونَ، ولا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤمَرونَ. دينُهم الإسلام وكلُهم أولياء ولا يعلمُ عددَهم إلا الله سبحانه وتعالى. و يَجِبُ الإِيمَانُ كذلك بِكُلِّ أَنْبِيَاءِ الله عَزَّ وَجَلَّ. وَقَدْ أَرْسَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ أَنْبِيَاءَ كَثِيرِينَ، أَوَّلُهُمْ سَيّـِدُنَا ءَادَمُ، وَكَانَ نَبِيًا رَسُولًا، وَءَاخِرُهُمْ سَيّـِدُنَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ . مِنْهُمْ مَنْ كَانَ نَبِيًا رَسُولًا وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ نَبِيًا غَيْرَ رَسُولٍ. فَالنَّبِىُّ الرَّسُولُ هُوَ مَنْ أَوْحَى الله تبارك وتعالى إِلَيْهِ بِشَرْعٍ جَدِيدٍ فِيهِ اخْتِلافٌ عَنْ شَرْعِ الرَّسُولِ الَّذِى قَبْلَهُ، وَأَمَّا النَّبِىُّ غَيْرُ الرَّسُولِ فَإِنَّهُ أُوْحِىَ إِلَيْهِ لَكِنْ بِاتّـِبَاعِ شَرْعِ الرَّسُولِ الَّذِى قَبْلَهُ، وَكُلٌّ أُمِرَ بِالتَّبْلِيغِ. ويَجِبُ الإِيمَانُ بِكُلِّ كُتُبِ الله الْمُنَزَّلَةِ، وَهِىَ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةُ، أَشْهَرُهَا التَّوْرَاةُ وَالزَّبُورُ وَالإِنْجِيلُ وَالْقُرْءَانُ. وَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ كُلَّ نَبِىٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ الله يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِالصّـِدْقِ وَالأَمَانَةِ وَالْفَطَانَةِ، يعني أَنَّ كُلَّ نَبِىٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ الله صَادِقٌ لا يَكْذِبُ وَلَو كَذْبَةً وَاحِدَةً لا قَبْلَ النُّبُوَّةِ ولا بَعْدَهَا. وَكُلٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ الله أَمِينٌ لا يَخُونُ، لا قَبْلَ النُّبُوَّةِ ولا بَعْدَهَا. وَكُلٌّ مِنْهُمْ ذَكِىٌّ، قَادِرٌ عَلَى إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى الْكُفَّارِ، بَلْ هُمْ أَذْكَى خَلْقِ اللهِ قَاطِبَةً. ولا يَأْتِى أحدٌ من الأنبياءِ الأَفْعَالَ الرَّذِيلَةَ كَتَتَبُّعِ النّـِسَاءِ فِى الطُّرُقَاتِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، ولا يَصْدُرُ مِنْهُ سَفَاهَةٌ، وَ هِىَ ضِدُّ الْحِكْمَةِ مِثْلُ أَنْ يَسُبَّ الشَّخْصُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فهَذَا يُقَالُ عَنْهُ سَفِيهٌ. وَيَسْتَحِيلُ عَلَى أَنْبِيَاءِ اللهِ بَلادَةُ الذِّهْنِ أَىِ الْغَبَاءُ، كَمَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمْ أَيـَّةُ صِفَةٍ مُنَفّـِرَةٍ، إِنْ كَانَ فِى الْخِلْقَةِ-كَالأَمْرَاضِ الْمُنَفّـِرَةِ-أَو فِى الأخلاق . وَكَذَلِكَ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمُ الْجُبْنُ، وَعَدَمُ التَّبْلِيغُ. و النبىُّ من الأنبياء لا يصدر منه كفر لا قبل النبوة ولا بعدها. لذلك ما يقولُه بعض الناس عن إبراهيم عليه السلام أنه مرّت عليه مدةٌ عبدَ فيها النجمَ ثم القمرَ ثم الشمسَ كَذِبٌ على إبراهيم وافتراء. والآيةُ التى يستندون إليها ليقولوا ذلك ليس معناها كما يَزْعُمُون، إنما قولُ إبراهيم عليه السلام: {هذا رَبّى} هو على وجه الإنكارِ على قَومِهِ وليس موافَقَةً لهم على ذلك، أَىْ كَأَنَّهُ يَقُولُ “أَهَذَا رَبّـِى كَمَا تَزْعُمُونَ؟! هَذَا لا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ إَلَهًا.” هذا فى لغة العرب يقال له استفهامٌ إنكارِىٌّ.

كذلك يستحيلُ على الأنبياء الكبائرُ قبل النبوة وبعدَهَا، لذلك فإِنَّ قَتْلَ موسَى لذلك الشخص الذى قَتَلَهُ ما كان ذنبًا كبيرًا. ذلك الشخصُ ما كان مسلمًا، وموسى ما قَصَدَ قتلَهُ، إنما وَكَزَه أى ضَرَبهُ بقبضة يده وهو يظنُ أنَّه لا يموت من ذلك لكنه مات، فنَدِم موسى عليه السلام لأنه قاتل قبل أن يُؤْمَرَ بالقتال.

كذلك لا يجوزُ على الأنبياء صغائرُ الخِسَّة، مثلُ سَرِقَةِ لُقْمَةٍ أو حَبَّةِ عِنَب، فهذه معصية صغيرة لكن تَدُل على خِسَّةٍ أى دناءةٍ فى نفس فاعلها، فالأنبياءُ معصومونَ من ذلك قبلَ النبوةِ وبعدَها. فَيُعْلَمْ مِمَّا تَقَدَّمَ أن معصيةَ سيدِنا ءادم لم تكن كبيرةً من الكبائر، إنما كانت معصيةً صغيرةً ليس فيها خسةٌ ولا دناءةٌ، كما قال الإمامُ الأشعرىُّ وغيرُه.

والنبىَّ من الأنبياء إذا صدر منه معصيةٌ صغيرةٌ ليس فيها خسة يتوبُ منها فورًا قبل أن يقتدِىَ به الناسُ فى ذلك. فما يقولُه بعضُ الناس من أن سيدَنا يُوسفَ أراد أَن يَزْنِىَ بامرأةِ العزيز هو كلامٌ فاسدٌ، لأن هذا فعلٌ خَسِيسٌ لا يليقُ بنبِىٍّ من أنبياء الله تعالى، والآيةُ التِى يُسِىءُ بعضُ الناس تَفسيرَهَا لينسبوا إرادةَ الزنا إلى سيدنا يوسف معناها غيرُ ما يَزْعُمُون. قال الله تعالى: {ولقد هَمَّت به وهَمَّ بها لولا أن رأى برهانَ ربّـِه} فمعنى {ولقد هَمَّتْ به} أرادت الزنا، {وَهَمَّ بها لولا أن رأى برهانَ ربّـِه} أى لولا أن اللهَ تعالى عَصَمَهُ لكان هَمَّ بها، لكنَّ اللهَ عصمَه فلم يَهِمَّ أصلًا، أى لم يقعِ الهَمُّ أصلًا من سيدنا يوسف عليه السلام. ثم إذا كان الأنبياء معصومون من مجرد النظرِ بِشهْوَةٍ إلى الأجنبية فكيف إرادةُ الزنا والعزمُ عليه؟!!. مستحيل.

وفي الختام نسأل الله تعالى أن يُكرمنا بما يُكرم به عباده الصالحين وأن يجعلنا هداة مُهتدين آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر ثابتين في الدين والحمد لله رب العالمين.