#9
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ.
(الْبِدْعَةُ)
(الْبِدْعَةُ لُغَةً مَا أُحْدِثَ) أَىْ مَا عُمِلَ (عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ) أَىْ لَـمْ يَسْبِقْ إِلَـى ذَلِكَ أَحَدٌ (وَشَرْعًا) الشَّىْءُ (الْمُحْدَثُ) أَىِ الْمُسْتَحْدَثُ (الَّذِى لَـمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ وَلا الْـحَدِيثُ). (وَ)الْبِدْعَةُ (تَنْقَسِمُ إِلَـى قِسْمَيْـنِ) بِدْعَةٍ حَسَنَةٍ وَبِدْعَةٍ سَيِّئَةٍ (كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ) الْبُخَارِىِّ عَنْ (عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهَا) أَنَّـهَا (قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ مَنْ أَحْدَثَ فِـى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ أَىْ) مَنْ أَحْدَثَ شَيْئًا يُـخَالِفُ دِينَنَا فَهُوَ (مَرْدُودٌ) أَىْ غَيْـرُ مَقْبُولٍ أَمَّا مَنْ أَحْدَثَ مَا هُوَ مِنْهُ أَىْ مَا هُوَ مُوَافِقٌ لَهُ فَلَيْسَ مَرْدُودًا. وَ(الْقِسْمُ الأَوَّلُ) هُوَ (الْبِدْعَةُ الْـحَسَنَةُ وَتُسَمَّى السُّنَّةَ الْـحَسَنَةَ وَهِىَ الْمُحْدَثُ الَّذِى يُوَافِقُ الْقُرْءَانَ وَالسُّنَّةَ) أَىِ الْـحَدِيثَ كَإِحْدَاثِ الْمَآذِنِ وَالْمَحَارِيبِ الْمُجَوَّفَةِ فِـى الْمَسَاجِدِ وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهَا هُوَ الْـخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ عُمَرُ بنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَقَرَّهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ. وَ(الْقِسْمُ الثَّانِـى) هُوَ (الْبِدْعَةُ السَّيِّئَةُ وَتُسَمَّى السُّنَّةَ السَّيِّئَةَ وَهِىَ الْمُحْدَثُ الَّذِى يُـخَالِفُ الْقُرْءَانَ وَالْـحَدِيثَ) كَتَحْرِيـمِ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِـىِّ جَهْرًا بَعْدَ الأَذَانِ وَتَـحْرِيـمِ الِاحْتِفَالِ بِـمَوْلِدِ النَّبِـىِّ ﷺ (وَهَذَا التَّقْسِيمُ مَفْهُومٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ اللَّـهِ الْبَجَلِىِّ رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ) أَنَّهُ (قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ مَنْ سَنَّ فِـى الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِـهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْـرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِـى الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِـهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْـرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ). أَمَّا حَدِيثُ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ فَقَدْ قَالَ الْـحَافِظُ النَّوَوِىُّ فِـى شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ إِنَّهُ عَامٌّ مَـخْصُوصٌ وَالْمُرَادُ بِهِ غَالِبُ الْبِدَعِ، أَىْ أَنَّ لَفْظَهُ عَامٌّ لَكِنَّهُ مَـخْصُوصٌ بِالْبِدْعَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلشَّرِيعَةِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَـى عَنِ الرِّيحِ ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءٍ بِأَمْرِ رَبِـّهَا﴾ وَلَـمْ تُدَمِّرْ هَذِهِ الرِّيحُ السَّمَــٰـوَاتِ وَالأَرْضَ إِنَّـمَا دَمَّرَتْ كُلَّ شَىْءٍ مَرَّتْ عَلَيْهِ مِنْ رِجَالِ عَادٍ الْكَافِرِينَ وَأَمْوَالِـهمْ وَنَظِيـرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ وَكُلُّ عَيْـنٍ زَانِيَةٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِـهَذَا الْـحَدِيثِ أَنَّ جَـمِيعَ النَّاسِ بِلا اسْتِثْنَاءٍ حَتَّـى الأَنْبِيَاءَ وَالأَعْمَى يَقَعُونَ فِـى مَعْصِيَةِ زِنَـى الْعَيْـنِ وَهُوَ النَّظَرُ الْمُحَرَّمُ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ أَغْلَبَ النَّاسِ يَقَعُونَ فِـى هَذِهِ الْمَعْصِيَةِ.
(فَمِنَ الْقِسْمِ الأَوَّلِ) أَىِ الْبِدْعَةِ الْـحَسَنَةِ (الِاحْتِفَالُ بِـمَوْلِدِ النَّبِـىِّ ﷺ فِـى شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ مَلِكُ إِرْبِلَ) أَبُو سَعِيدٍ كُوكَبْـرِى (فِـى الْقَرْنِ السَّابِعِ الْـهِجْرِىِّ) وَكَانَ عَالِمًا تَـقِيًّا فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ فِـى مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِـهَا مِنْهُمُ الْـحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلانِـىُّ وَتِلْمِيذُهُ الْـحَافِظُ السَّخَاوِىُّ وَكَذَلِكَ الْـحَافِظُ السُّيُوطِىُّ وَلَهُ رِسَالَةٌ سَـمَّاهَا حُسْنَ الْمَقْصِدِ فِـى عَمَلِ الْمَوْلِدِ. (وَ)مِنَ الْبِدَعِ الْـحَسَنَةِ (تَنْقِيطُ التَّابِعِىِّ الْـجَلِيلِ يَـحْيَـى بنِ يَعْمَرَ الْمُصْحَفَ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالتَّقْوَى) تُوُفِّـىَ سَنَةَ مِائَةٍ وَتِسْعٍ وَعِشْرِينَ (وَأَقَرَّ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ مِنْ مُـحَدِّثِيـنَ وَغَيْـرِهِمْ وَاسْتَحْسَنُوهُ وَلَـمْ يَكُنِ) الْمُصْحَفُ (مُنَقَّطًا عِنْدَمَا أَمْلَى الرَّسُولُ عَلَى كَتَبَةِ الْوَحْىِ) بَلْ كَانُوا يَكْتُبُونَ الْبَاءَ وَالتَّاءَ وَنَـحْوَهُـمَا بِلا نَقْطٍ (وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ لَمَّا كَتَبَ الْمَصَاحِفَ الْـخَمْسَةَ أَوِ السِّتَّةَ) وَأَرْسَلَهَا إِلَى الأَمْصَارِ (لَـمْ تَكُنْ مُنَقَّطَةً. وَمُنْذُ ذَلِكَ التَّنْقِيطِ لَـمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ إِلَـى الْيَوْمِ فَهَلْ يُقَالُ فِـى هَذَا إِنَّهُ بِدْعَةُ ضَلالَةٍ) وَإِنَّ الْمُسْلِمِيـنَ جَـمِيعَهُمْ ضَلُّوا فِـى هَذَا الأَمْرِ (لِأَنَّ الرَّسُولَ لَـمْ يَفْعَلْهُ فَإِنْ كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ) عِنْدَ الْمُشَبِّهَةِ الْوَهَّابِيَّةِ (فَلْيَتْـرُكُوا هَذِهِ الْمَصَاحِفَ الْمُنَقَّطَةَ أَوْ لِيَكْشِطُوا هَذَا التَّنْقِيطَ مِنَ الْمَصَاحِفِ حَتَّـى تَعُودَ مُـجَرَّدَةً كَمَا) كَانَتْ (فِـى أَيَّامِ) سَيِّدِنَا (عُثْمَانَ) بنِ عَفَّانَ رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ. (قَالَ أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِـى دَاوُدَ صَاحِبُ السُّنَنِ فِـى كِتَابِهِ الْمَصَاحِف أَوَّلُ مَنْ نَقَطَ الْمَصَاحِفَ يَـحْيَـى بنُ يَعْمَرَ وَهُوَ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِيـنَ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّـهِ بنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ) فَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ خَالَفَ فِـى ذَلِكَ فَهُوَ شَاذٌّ مُكَابِرٌ لِأَنَّ مُؤَدَّى كَلامِهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ بَشَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّـهِ بِالْـجَنَّةِ كَعُمَرَ بنِ الْـخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ كَانُوا عَلَى ضَلالٍ فَعُمَرُ رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ جَـمَعَ النَّاسَ فِـى قِـيَامِ رَمَضَانَ عَلَى إِمَامٍ وَاحِدٍ وَقَالَ نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ.
(وَمِنْ) أَمْثِلَةِ (الْقِسْمِ الثَّانِـى) أَىِ الْبِدْعَةِ السَّيِّئَةِ (الْمُحْدَثَاتُ فِـى الِاعْتِقَادِ كَبِدْعَةِ الْمُعْتَزِلَةِ) الْقَائِلِيـنَ بِأَنَّ الْعَبْدَ يَـخْلُقُ أَفْعَالَهُ (وَالْـخَوَارِجِ) الْقَائِلِيـنَ بِكُفْرِ مَنْ سِوَاهُمْ وَالْوَهَّابِيَّةِ الْقَائِلِيـنَ بِأَنَّ اللَّـهَ جَالِسٌ عَلَى الْعَرْشِ (وَغَيْرِهِمْ مِنْ) نَـحْوِ هَذِهِ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ (الَّذِينَ خَرَجُوا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّـهِ عَلَيْهِمْ فِـى الْمُعْتَقَدِ وَ)أَمَّا الْبِدَعُ الْعَمَلِيَّةُ فَمِنْهَا (كِتَابَةُ ص أَوْ صَلْعَمْ بَعْدَ اسْمِ النَّبِـىِّ بَدَلَ ﷺ وَقَدْ نَصَّ الْمُحَدِّثُونَ) كَالْـحَافِظِ الْعِرَاقِىِّ وَالْـحَافِظِ السُّيُوطِىِّ (فِـى كُتُبِ مُصْطَلَحِ الْـحَدِيثِ عَلَى أَنَّ كِتَابَةَ الصَّادِ مُـجَرَّدَةً) بَعْدَ اسْمِ النَّبِـىِّ (مَكْرُوهٌ وَمَعَ هَذَا لَـمْ يُـحَرِّمُوهَا فَمِنْ أَيْنَ لِـهَؤُلاءِ) الْوَهَّابِيَّةِ (الْمُتَنَطِّعِيـنَ) أَىِ الْغُلاةِ (الْمُشَوِّشِيـنَ) عَلَى النَّاسِ (أَنْ يَقُولُوا عَنْ عَمَلِ الْمَوْلِدِ) أَىِ الِاحْتِفَالِ بِـمَوْلِدِ النَّبِـىِّ ﷺ إِنَّهُ (بِدْعَةٌ مُـحَرَّمَةٌ) مُدَّعِيـنَ أَنَّ هَذَا فِيهِ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ كَمَا فِـى كِتَابِـهِمُ الْمُسَمَّى التَّحْذِيرَ مِنَ الْبِدَعِ لِابْنِ بَازٍ مَعَ أَنَّ الْوَهَّابِيَّةَ يَـحْتَفِلُونَ بِـمَوْلِدِ شَيْخِهِمْ مُـحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ أُسْبُوعًا كَامِلًا (وَ)يَقُولُونَ (عَنِ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِـىِّ جَهْرًا عَقِبَ الأَذَانِ إِنَّهُ بِدْعَةٌ مُـحَرَّمَةٌ بِدَعْوَى أَنَّ الرَّسُولَ مَا فَعَلَهُ وَ)أَنَّ (الصَّحَابَةَ لَـمْ يَفْعَلُوهُ). وَتَـحْرِيـمُ الْوَهَّابِيَّةِ لِلصَّلاةِ عَلَى النَّبِـىِّ جَهْرًا عَقِبَ الأَذَانِ مِنْ جُـمْلَةِ بِدَعِهِمُ الَّتِى سَنَّهَا لَـهُمْ مُـحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ مَع أَنَّهُ ثَبَتَ حَدِيثَانِ فِـى مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِـىِّ ﷺ عَقِبَ الأَذَانِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ إِذَا سَـمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَمَا يَقُولُ ثُـمَّ صَلُّوا عَلَىَّ وَحَدِيثُ مَنْ ذَكَرَنِـى فَلْيُصَلِّ عَلَىَّ رَوَاهُ الْـحَافِظُ أَبُو يَعْلَى فِـى مُسْنَدِهِ وَالْـحَافِظُ السَّخَاوِىُّ فِـى كِتَابِهِ الْقَوْلُ الْبَدِيعُ فِـى الصَّلاةِ عَلَى النَّبِـىِّ الشَّفِيعِ وَقَالَ لا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ وَالْمُسْتَمِعَ كِلَيْهِمَا مَطْلُوبٌ مِنْهُ الصَّلاةُ عَلَى النَّبِـىِّ ﷺ وَهَذَا يَـحْصُلُ بِالسِّرِّ وَالْـجَهْرِ فَمَاذَا تَقُولُ الْوَهَّابِيَّةُ بَعْدَ هَذَا.
(وَمِنْهُ) أَىْ وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الثَّانِـى (تَـحْرِيفُ اسْمِ اللَّـهِ إِلَـى ءَاهٍ وَنَـحْوِهِ كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيـرٌ مِنَ الْمُنْتَسِبِيـنَ إِلَـى الطُّرُقِ) كَالشَّاذِلِـيَّةِ الْيَشْرُطِيَّةِ (فَإِنَّ هَذَا مِنَ الْبِدَعِ الْمُحَرَّمَةِ) وَءَاهٍ لَفْظٌ مِنْ أَلْفَاظِ الأَنِيـنِ وَلَيْسَ اسْـمًا مِنْ أَسْـمَاءِ اللَّـهِ (قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِىُّ رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ) فِـى تَقْسِيمِهِ لِلْبِدْعَةِ (الْمُحْدَثَاتُ مِنَ الأُمُورِ ضَرْبَانِ أَحَدُهُـمَا مَا أُحْدِثَ مِـمَّا يُـخَالِفُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إِجْـمَاعًا أَوْ أَثَرًا فَهَذِهِ الْبِدْعَةُ الضَّلالَةُ) وَالْكِتَابُ هُوَ الْقُرْءَانُ وَالسُّنَّةُ هُوَ الْـحَدِيثُ وَالإِجْـمَاعُ هُوَ اتِّـفَاقُ الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أُمَّةِ مُـحَمَّدٍ فِـى عَصْرٍ مِنَ الْعُصُورِ عَلَى أَمْرٍ دِينِـىٍّ أَمَّا الأَثَرُ فَهُوَ مَا ثَبَتَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَلَـمْ يُنْكَرْ عِنْدَهُمْ (وَالثَّانِيَةُ مَا أُحْدِثَ مِنَ الْـخَيْـرِ وَلا يُـخَالِفُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إِجْـمَاعًا وَهَذِهِ مُـحْدَثَةٌ) أَىْ بِدْعَةٌ (غَيْـرُ مَذْمُومَةٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ بِالإِسْنَادِ الصَّحِيحِ فِـى كِتَابِهِ مَنَاقِبُ الشَّافِعِىِّ).
(إِثْبَاتُ أَنَّ التَّوَسُّلَ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ جَائِزٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ شِرْكًا كَمَا تَقُولُ الْوَهَّابِيَّةُ)
(اعْلَمْ) أَنَّ التَّوَسُّلَ بِالذَّوَاتِ الْفَاضِلَةِ كَالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ جَائِزٌ وَلَيْسَ شِرْكًا يُوجِبُ الْـخُلُودَ الأَبَدِىَّ فِـى نَارِ جَهَنَّمَ كَمَا تَقُولُ الْوَهَّابِيَّةُ فَإِنَّـهُمْ يَـمْنَعُونَ التَّوَسُّلَ بِذَوَاتِـهِمْ فِـى حَالِ غَيْبَتِهِمْ وَبَعْدَ وَفَاتِـهِمْ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ (إِنَّهُ لا دَلِيلَ حَقِيقِىٌّ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ فِـى حَالِ الْغَيْبَةِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِـهِمْ) لِأَنَّ التَّوَسُّلَ مَعْنَاهُ طَلَبُ حُصُولِ مَنْفَعَةٍ أَوِ انْدِفَاعِ مَضَرَّةٍ مِنَ اللَّـهِ بِذِكْرِ اسْمِ نَبِـىٍّ أَوْ وَلِـىٍّ إِكْرَامًا لِلْمُتَوَسَّلِ بِهِ وَإِنَّـمَا حَرَّمَ الْوَهَّابِيَّةُ التَّوَسُّلَ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ (بِدَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ لِغَيْرِ اللَّـهِ) وَهِىَ دَعْوَى بَاطِلَةٌ (لِأَنَّهُ لَيْسَ عِبَادَةً لِغَيْرِ اللَّـهِ مُـجَرَّدُ النِّدَاءِ لِـحَىٍّ أَوْ مَيِّتٍ وَلا مُـجَرَّدُ التَّعْظِيمِ وَلا مُـجَرَّدُ الِاسْتِغَاثَةِ بِغَيْرِ اللَّـهِ وَلا مُـجَرَّدُ قَصْدِ قَبْرِ وَلِـىٍّ لِلتَّبَـرُّكِ وَلا مُـجَرَّدُ طَلَبِ مَا لَـمْ تَـجْرِ بِهِ الْعَادَةُ بَيْـنِ النَّاسِ وَلا مُـجَرَّدُ صِيغَةِ الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِ اللَّـهِ تَعَالَـى أَىْ لَيْسَ ذَلِكَ شِرْكًا لِأَنَّهُ لا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الْعِبَادَةِ عِنْدَ اللُّغَوِيِّيـنَ) أَىْ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ (لِأَنَّ الْعِبَادَةَ عِنْدَهُمُ الطَّاعَةُ مَعَ الْـخُضُوعِ. قَالَ الأَزْهَرِىُّ الَّذِى هُوَ أَحَدُ كِبَارِ اللُّغَوِيِّيـنَ فِـى كِتَابِ تَـهْذِيبِ اللُّغَةِ نَقْلًا عَنِ الزَّجَّاجِ الَّذِى هُوَ مِنْ أَشْهَرِهِمْ الْعِبَادَةُ فِـى لُغَةِ الْعَرَبِ الطَّاعَةُ مَعَ الْـخُضُوعِ وَقَالَ مِثْلَهُ) إِمَامُ اللُّغَوِيِّيـنَ (الْفَرَّاءُ كَمَا فِـى لِسَانِ الْعَرَبِ لِابْنِ مَنْظُورٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ) أَىِ الإِمَامُ تَقِىُّ الدِّينِ السُّبْكِـىُّ فِـى فَتَاوِيهِ الْعِبَادَةُ (أَقْصَى غَايَةِ الْـخُشُوعِ وَالْـخُضُوعِ وَقَالَ بَعْضٌ نِـهَايَةُ التَّذَلُّلِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلامِ) الرَّاغِبِ الأَصْبَهَانِـىِّ فِـى مُفْرَدَاتِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ (شَارِحُ الْقَامُوسِ مُرْتَضَى الزَّبِيدِىُّ خَاتِـمَةُ اللُّغَوِيِّيـنَ) فِـى تَاجِ الْعَرُوسِ (وَهَذَا الَّذِى يَسْتَقِيمُ لُغَةً وَعُرْفًا). وَدَلِيلُ جَوَازِ نِدَاءِ غَيْرِ اللَّـهِ حَدِيثُ الطَّبَرَانِـىِّ إِنَّ لِلَّـهِ مَلائِكَةً سِوَى الْـحَفَظَةِ سَيَّاحِيـنَ فِـى الْفَلاةِ يَكْتُبُونَ مَا يَسْقُطُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ فَإِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ عَرْجَةٌ فِـى فَلاةٍ فَلْيُنَادِ يَا عِبَادَ اللَّـهِ أَعِينُوا حَسَّنَهُ الْـحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِـىَّ ﷺ عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ إِذَا أَصَابَ أَحَدَنَا مُشْكِلَةٌ فِـى فَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ أَىْ بَرِّيَّةٍ يَا عِبَادَ اللَّـهِ أَعِينُوا فَإِنَّ هَذَا يَنْفَعُهُ. أَمَّا دَلِيلُ جَوَازِ الِاسْتِغَاثَةِ بِغَيْرِ اللَّـهِ فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَـى ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِى مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِى مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ أَىْ هَذَا الَّذِى مِنْ شِيعَةِ مُوسَى أَىْ مِنْ أَتْبَاعِهِ الْمُؤْمِنِيـنَ مِنْ بَنِـى إِسْرَائِيلَ اسْتَغَاثَ بِـمُوسَى لِيُخَلِّصَهُ مِنْ شَرِّ ذَلِكَ الْقِبْطِىِّ فَضَرَبَهُ مُوسَى بِـجُمْعِ يَدِهِ فَقَضَى عَلَيْهِ وَقَتَلَهُ. وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ مُـجَرَّدَ الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِ اللَّـهِ لَيْسَ شِرْكًا فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَـى ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْـرِ وَالصَّلاةِ﴾ وَقَوْلُهُ ﷺ وَاللَّـهُ فِـى عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِـى عَوْنِ أَخِيهِ رَوَاهُ التِّـرْمِذِىُّ. وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ طَلَبِ مَا لَـمْ تَـجْرِ بِهِ الْعَادَةُ بَيْـنَ النَّاسِ فَهُوَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَنَّ رَبِيعَةَ بنَ كَعْبٍ الأَسْلَمِىَّ الَّذِى خَدَمَ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّـهِ مِنْ بَابِ حُبِّ الْمُكَافَأَةِ سَلْنِـى فَطَلَبَ مِنْ رَسُولِ اللَّـهِ أَنْ يَكُونَ رَفِيقَهُ فِـى الْـجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِـى الْـجَنَّةِ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ بَلْ قَالَ لَهُ مِنْ بَابِ التَّوَاضُعِ أَوَ غَيْـرَ ذَلِكَ فَقَالَ الصَّحَابِـىُّ هُوَ ذَاكَ فَقَالَ لَهُ فَأَعِنِّـى عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ وَكَذَلِكَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ حِيـنَ طَلَبَتْ مِنْهُ عَجُوزٌ مِنْ بَنِـى إِسْرَائِيلَ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ فِـى الْـجَنَّةِ لَـمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا ذَلِكَ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ حِبَّانَ فِـى صَحِيحِهِ وَالْـحَاكِمُ فِـى الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِـىُّ.
(وَلَيْسَ مُـجَرَّدُ) أَىْ مُطْلَقُ (التَّذَلُّلِ عِبَادَةً لِغَيْرِ اللَّـهِ وَإِلَّا لَكَفَرَ كُلُّ مَنْ يَتَذَلَّلُ لِلْمُلُوكِ وَالْعُظَمَاءِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ لَمَّا قَدِمَ مِنَ الشَّامِ سَجَدَ لِرَسُولِ اللَّـهِ) ﷺ (فَقَالَ) لَهُ (الرَّسُولُ مَا هَذَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّـهِ إِنِّـى رَأَيْتُ أَهْلَ الشَّامِ يَسْجُدُونَ لِبَطَارِقَتِهِمْ وَأَسَاقِفَتِهِمْ) أَىْ قَادَتِـهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ (وَأَنْتَ أَوْلَـى بِذَلِكَ فَقَالَ لا تَفْعَلْ لَوْ كُنْتُ ءَامُرُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْـرُهُـمَا وَ)مَوْضِعُ الشَّاهِدِ فِـى هَذَا الْـحَدِيثِ أَنَّهُ (لَـمْ يَقُلْ لَهُ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ كَفَرْتَ وَلا قَالَ لَهُ أَشْرَكْتَ مَعَ أَنَّ سُجُودَهُ لِلنَّبِـىِّ) ﷺ (مَظْهَرٌ كَبِيـرٌ مِنْ مَظَاهِرِ التَّذَلُّلِ) لَكِنَّهُ حَرَامٌ فِـى شَرْعِ سَيِّدِنَا مُـحَمَّدٍ ﷺ وَلَوْ كَانَ بِقَصْدِ التَّحِيَّةِ وَالِاحْتِـرَامِ وَكَانَ جَائِزًا فِـى الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ السُّجُودُ لِإِنْسَانٍ عَلَى وَجْهِ التَّحِيَّةِ (فَهَؤُلاءِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ الشَّخْصَ لِأَنَّهُ قَصَدَ قَبْـرَ الرَّسُولِ) ﷺ (أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ لِلتَّبَـرُّكِ) إِنَّـمَا يُكَفِّرُونَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّ مَنْ يَقْصِدُ قَبْرَ النَّبِـىِّ أَوِ الْوَلِـىِّ لَـمْ يُعَظِّمْهُ بِذَلِكَ غَايَةَ التَّعْظِيمِ فَلا يُلْتَفَتُ إِلَـى كَلامِهِمْ (فَهُمْ جَهِلُوا مَعْنَـى الْعِبَادَةِ وَخَالَفُوا مَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَلَفًا وَخَلَفًا لَـمْ يَزَالُوا يَزُورُونَ قَبْرَ النَّبِـىِّ) ﷺ (لِلتَّبَـرُّكِ وَلَيْسَ مَعْنَـى الزِّيَارَةِ لِلتَّبَـرُّكِ أَنَّ الرَّسُولَ يَـخْلُقُ لَـهُمُ الْبَـرَكَةَ بَلِ الْمَعْنَـى أَنَّـهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يَـخْلُقَ اللَّـهُ لَـهُمُ الْبَـرَكَةَ بِزِيَارَتِـهِمْ لِقَبْرِهِ) الشَّرِيفِ ﷺ فَكَيْفَ تَكُونُ زِيَارَتُـهُمْ شِرْكِيَّةً.
(وَ)أَمَّا (الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ) أَىْ عَلَى جَوَازِ زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِـىِّ ﷺ لِلتَّبَـرُّكِ فَهُوَ (مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ) فِـى دَلائِلِ النُّبُوَّةِ (بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ) صَحَّحَ إِسْنَادَهُ ابْنُ كَثِيـرٍ فِـى الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَالْـحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلانِـىُّ فِـى فَتْحِ الْبَارِى (عَنْ مَالِكِ الدَّارِ وَكَانَ خَازِنَ عُمَرَ) أَىِ الَّذِى يَتَوَلَّـى حِفْظَ الْمَالِ أَنَّهُ (قَالَ أَصَابَ النَّاسَ قَحْطٌ فِـى زَمَانِ عُمَرَ) أَىْ وَقَعَتْ مَـجَاعَةٌ وَانْقَطَعَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فِـى خِلافَةِ عُمَرَ (فَجَاءَ رَجُلٌ) مِنَ الصَّحَابَةِ (إِلَى قَبْرِ النَّبِـىِّ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّـهِ اسْتَسْقِ لِأُمَّتِكَ) أَىِ اطْلُبْ مِنَ اللَّـهِ الْمَطَرَ لِأُمَّتِكَ (فَإِنَّـهُمْ قَدْ هَلَكُوا فَأُتِـىَ الرَّجُلُ فِـى الْمَنَامِ) أَىْ رَأَى رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ فِـى الْمَنَامِ يُكَلِّمُهُ (فَقِيلَ لَهُ أَقْرِئْ عُمَرَ السَّلامَ) أَىْ سَلِّمْ لِـى عَلَيْهِ (وَأَخْبِـرْهُ أَنَّـهُمْ يُسْقَوْنَ) أَىْ سَيَأْتِيهِمُ الْمَطَرُ فَسَقَاهُمُ اللَّـهُ تَعَالَـى حَتَّـى سُـمِّىَ ذَلِكَ الْعَامُ عَامَ الْفَتْقِ لِكَثْرَةِ مَا نَبَتَ مِنَ الْعُشْبِ فَسَمِنَتِ الْمَوَاشِى بِرَعْيِهِ حَتَّى تَفَتَّقَتْ بِالشَّحْمِ وَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ ﷺ (وَقُلْ لَهُ) أَىْ لِعُمَرَ (عَلَيْكَ الْكَيْسَ الْكَيْسَ) أَىْ عَلَيْكَ بِالتَّفَكُّرِ فِـى مَا يَنْبَغِى فِعْلُهُ مِـمَّا لَـمْ تَفْعَلْ لِتَزُولَ هَذِهِ النَّازِلَةُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ (فَأَتَى الرَّجُلُ عُمَرَ فَأَخْبَـرَهُ فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ يَا رَبِّ مَا ءَالُو إِلَّا مَا عَجَزْتُ) أَىْ لا أَتْرُكُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ فَجَمَعَ النَّاسَ وَأَخْبَـرَهُمْ بِـمَا رَأَى بِلالُ بنُ الْـحَارِثِ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ بِالِاسْتِسْقَاءِ فَجَمَعَ النَّاسَ وَاسْتَسْقَى فَنَزَلَ الْمَطَرُ (وَقَدْ جَاءَ فِـى تَفْسِيـرِ هَذَا الرَّجُلِ) الَّذِى قَصَدَ قَبْرَ الرَّسُولِ ﷺ وَرَأَى الرُّؤْيَا (أَنَّهُ بِلالُ بنُ الْـحَارِثِ الْمُزَنِـىُّ الصَّحَابِـىُّ) رَوَاهُ سَيْفٌ فِـى الْفُتُوحِ كَمَا فِـى فَتْحِ الْبَارِى لِابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلانِـىِّ. وَقَوْلُ بَعْضِ الْوَهَّابِيَّةِ إِنَّ مَالِكَ الدَّارِ مَـجْهُولٌ يَرُدُّهُ أَنَّ عُمَرَ لا يَتَّخِذُ خَازِنًا إِلَّا خَازِنًا ثِقَةً وَمُـحَاوَلَتُهُمْ لِتَضْعِيفِ هَذَا الْـحَدِيثِ بَعْدَمَا صَحَّحَهُ الْـحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ لَغْوٌ لا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ. فَمَا حَصَلَ مِنْ هَذَا الصَّحَابِـىِّ هُوَ اسْتِغَاثَةٌ وَتَوَسُّلٌ بِرَسُولِ اللَّـهِ ﷺ وَبِـهَذَا الأَثَرِ يَبْطُلُ قَوْلُ الْوَهَّابِيَّةِ إِنَّ الِاسْتِغَاثَةَ بِالرَّسُولِ بَعْدَ وَفَاتِهِ شِرْكٌ (فَهَذَا الصَّحَابِـىُّ قَدْ قَصَدَ قَبْرَ الرَّسُولِ) ﷺ (لِلتَّبَـرُّكِ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ عُمَرُ وَلا غَيْـرُهُ فَبَطَلَ دَعْوَى ابْنِ تَيْمِيَةَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَارَةَ شِرْكِيَّةٌ. وَقَدْ قَالَ الْـحَافِظُ وَلِـىُّ الدِّينِ الْعِرَاقِـىُّ) فِـى طَرْحِ التَّثْرِيبِ (فِـى حَدِيثِ أَبِـى هُرَيْرَةَ) الَّذِى رَوَاهُ أَحْـمَدُ فِـى مُسْنَدِهِ (أَنَّ) سَيِّدَنَا (مُوسَى) عَلَيْهِ السَّلامُ (قَالَ رَبِّ أَدْنِنِـى مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِـحَجَرٍ) أَىْ طَلَبَ مِنَ اللَّـهِ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ فَجَعَلَ اللَّـهُ وَفَاتَهُ بِـمَكَانٍ قَرِيبٍ مِنْهَا (وَأَنَّ النَّبِـىَّ ﷺ قَالَ وَاللَّـهِ لَوْ أَنِّـى عِنْدَهُ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْـرَهُ إِلَـى جَنْبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْـمَرِ) الَّذِى هُوَ قُرْبَ أَرِيـحَا وَ(فِيهِ اسْتِحْبَابُ مَعْرِفَةِ قُبُورِ الصَّالِـحِينَ لِزِيَارَتِـهَا وَالْقِيَامِ بِـحَقِّهَا).
(وَقَالَ الْـحَافِظُ الضِّيَاءُ) الْمَقْدِسِىُّ (حَدَّثَنِـى سَالِـمٌ التَّلُّ قَالَ مَا رَأَيْتُ اسْتِجَابَةَ الدُّعَاءِ أَسْرَعَ مِنْهَا عِنْدَ هَذَا الْقَبْـرِ) أَىْ قَبْـرِ نَبِـىِّ اللَّـهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ (وَحَدَّثَنِـى الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّـهِ بنُ يُونُسَ الْمَعْرُوفُ بِالأَرْمَنِـىِّ أَنَّهُ زَارَ هَذَا الْقَبْـرَ وَأَنَّهُ نَامَ فَرَأَى فِـى مَنَامِهِ قُبَّةً عِنْدَهُ وَفِيهَا شَخْصٌ أَسْـمَرُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ أَنْتَ مُوسَى كَلِيمُ اللَّـهِ أَوْ قَالَ نَبِـىُّ اللَّـهِ فَقَالَ نَعَمْ فَقُلْتُ قُلْ لِـى شَيْئًا فَأَوْمَأَ) أَىْ أَشَارَ (إِلَـىَّ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ وَوَصَفَ طُولَـهُنَّ فَانْتَبَهْتُ وَلَـمْ أَدْرِ مَا قَالَ فَأَخْبَـرْتُ الشَّيْخَ ذَيَّالًا بِذَلِكَ فَقَالَ) فِـى تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا (يُولَدُ لَكَ أَرْبَعَةُ أَوْلادٍ فَقُلْتُ أَنَا قَدْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً لَـمْ أَقْرَبْـهَا فَقَالَ تَكُونُ غَيْـرَ هَذِهِ فَتَزَوَّجْتُ أُخْرَى فَوَلَدَتْ لِـى أَرْبَعَةَ أَوْلادٍ) وَرَوَى الْـخَطِيبُ الْبَغْدَادِىُّ فِـى تَارِيخِ بَغْدَادَ عَنِ الْـحَافِظِ الْفَقِيهِ الْمُجْتَهِدِ إِبْرَاهِيمَ الْـحَرْبِـىِّ أَنَّهُ قَالَ قَبْـرُ مَعْرُوفٍ التِّـرْيَاقُ الْمُجَرَّبُ، أَىْ أَنَّهُ كَثِيـرُ النَّفْعِ كَالتِّـرْيَاقِ وَالتِّـرْيَاقُ دَوَاءٌ مَعْرُوفٌ. وَرَوَى الْـخَطِيبُ عَنِ الشَّافِعِـىِّ أَنَّهُ قَالَ إِنِّـى لَأَتَبَـرَّكُ بِأَبِـى حَنِيفَةَ وَأَجِىءُ إِلَـى قَبْـرِهِ فِـى كُلِّ يَوْمٍ فَإِذَا عَرَضَتْ لِـى حَاجَةٌ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْـنِ وَجِئْتُ إِلَـى قَبْـرِهِ وَسَأَلْتُ اللَّـهَ تَعَالَـى الْـحَاجَةَ عِنْدَهُ فَمَا تَبْعُدُ عَنِّـى حَتَّـى تُقْضَى. (وَأَخْرَجَ أَحْـمَدُ فِـى الْمُسْنَدِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَ الْـحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ) فِـى فَتْحِ الْبَارِى (أَنَّ الْـحَارِثَ بنَ حَسَّانٍ الْبَكْرِىَّ) رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ خَرَجَ إِلَـى رَسُولِ اللَّـهِ ﷺ فَوَجَدَ فِـى طَرِيقِهِ عَجُوزًا مِنْ بَنِـى تَـمِيمٍ تَقْصِدُ النَّبِـىَّ ﷺ لِـحَاجَةٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّـهِ ﷺ اسْتَأْذَنَ لِلْعَجُوزِ فَأَذِنَ لَـهَا الرَّسُولُ ﷺ فَإِذَا بِـهَا تَذْكُرُ لِلرَّسُولِ حَاجَتَهَا فَتَبَيَّـنَ لِلْحَارِثِ أَنَّ حَاجَتَهَا مِثْلُ حَاجَتِهِ ثُـمَّ (قَالَ لِرَسُولِ اللَّـهِ ﷺ أَعُوذُ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ أَنْ أَكُونَ كَوَافِدِ عَادٍ) أَىْ أَعُوذُ بِاللَّـهِ أَنْ أَكُونَ خَائِبًا فِـى أَمَلِى الَّذِى أَمَّلْتُهُ (الْـحَدِيثَ بِطُولِهِ) وَهُوَ (دَلِيلٌ يُبْطِلُ قَوْلَ الْوَهَّابِيَّةِ) إِنَّ (الِاسْتِعَاذَةَ بِغَيْرِ اللَّـهِ شِرْكٌ) فَالْـحَارِثُ اسْتَعَاذَ بِالرَّسُولِ ﷺ وَلَـمْ يَقُلْ لَهُ رَسُولُ اللَّـهِ أَشْرَكْتَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِنِ اسْتَعَاذَ بِـحَىٍّ أَوْ مَيِّتٍ فَإِنَّهُ يَرَى الْمُسْتَعَاذَ بِهِ سَبَبًا أَىْ أَنَّهُ يَنْفَعُ بِـمَشِيئَةِ اللَّـهِ أَمَّا الْمُسْتَعَاذُ بِهِ عَلَى الْـحَقِيقَةِ فَهُوَ اللَّـهُ أَىْ هُوَ الْـخَالِقُ لِلْعَوْنِ.
(وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُمَا (أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ إِنَّ لِلَّـهِ مَلائِكَةً فِـى الأَرْضِ سِوَى الْـحَفَظَةِ) سَيَّاحِيـنَ فِـى الْفَلاةِ (يَكْتُبُونَ مَا يَسْقُطُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ فَإِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمْ عَرْجَةٌ) أَىْ مُشْكِلَةٌ (بِأَرْضٍ فَلاةٍ) أَىْ بَـرِّيَّـةٍ (فَلْيُنَادِ أَعِينُوا عِبَادَ اللَّـهِ رَوَاهُ الطَّبَـرَانِـىُّ) وَحَسَّنَهُ الْـحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ (وَقَالَ الْـحَافِظُ الْـهَيْثَمِىُّ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ) وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِغَاثَةِ بِغَيْرِ اللَّـهِ (وَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ حَيَاتِـى خَيْـرٌ لَكُمْ تُـحْدِثُونَ وَيُـحْدَثُ لَكُمْ وَوَفَاتِـى خَيْـرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَىَّ أَعْمَالُكُمْ فَمَا رَأَيْتُ مِنْ خَيْـرٍ حَـمِدْتُ اللَّـهَ عَلَيْهِ وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ لَكُمْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ) فِـى مُسْنَدِهِ (وَ)قَالَ الْـهَيْثَمِىُّ فِـى مَـجْمَعِ الزَّوَائِدِ (رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ). تُـحْدِثُونَ وَيُـحْدَثُ لَكُمْ أَىْ يَـحْصُلُ مِنْكُمْ أُمُورٌ ثُـمَّ يَأْتِـى الْـحُكْمُ بِطَرِيقِ الْوَحْىِ إِلَـى رَسُولِ اللَّـهِ ﷺ، وَتُعْرَضُ عَلَىَّ أَعْمَالُكُمْ أَىْ مِنْ حَيْثُ الْـجُمْلَةُ لا بِكُلِّ تَفَاصِيلِهَا. وَهَذَا الْـحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّبِـىَّ ﷺ يَنْفَعُ بَعْدَ مَوْتِهِ خِلافًا لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْوَهَّابِيَّةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ﷺ وَوَفَاتِـى خَيْـرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَىَّ أَعْمَالُكُمْ فَمَا رَأَيْتُ مِنْ خَيْـرٍ حَـمِدْتُ اللَّـهَ عَلَيْهِ وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ لَكُمْ. أَمَّا حَدِيثُ مُسْلِمٍ إِذَا مَاتَ ابْنُ ءَادَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ فَالْمُرَادُ بِهِ عَمَلُ الْمَيِّتِ التَّكْلِيفِىُّ الَّذِى يُـجَازَى بِهِ.
(وَأَخْرَجَ الطَّبَـرَانِـىُّ فِـى مُعْجَمَيْهِ الْكَبِيـرِ وَالصَّغِيـرِ عَنْ عُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَـخْتَلِفُ) أَىْ يَتَـرَدَّدُ (إِلَـى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ) رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ (فَكَانَ عُثْمَانُ لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَلا يَنْظُرُ فِـى حَاجَتِهِ) لِشِدَّةِ انْشِغَالِهِ (فَلَقِىَ عُثْمَانَ ابنَ حُنَيْفٍ فَشَكَا إِلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ) لَهُ عُثْمَانُ بنُ حُنَيْفٍ (ائْتِ الْمِيضَأَةَ) أَىِ الْمَوْضِعَ الَّذِى يُتَوَضَّأُ فِيهِ (فَتَوَضَّأْ ثُـمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْـنِ ثُـمَّ قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّـى أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ) أَىْ أَدْعُوكَ مُتَوَسِّلًا (بِنَبِيِّنَا مُـحَمَّدٍ نَبِـىِّ الرَّحْـمَةِ يَا مُـحَمَّدُ إِنِّـى أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَـى رَبِّـى فِـى حَاجَتِـى لِتُقْضَى لِـى ثُمَّ رُحْ أَيْ تَعَالَ حَتَّـى أَرُوحَ مَعَكَ) أَىْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَذْهَبَا مَعًا إِلَـى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ (فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَفَعَلَ مَا قَالَ) لَهُ عُثْمَانُ بنُ حُنَيْفٍ (ثُـمَّ أَتَى بَابَ عُثْمَانَ) بنِ عَفَّانَ (فَجَاءَ الْبَوَّابُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ فَأَجْلَسَهُ) عُثْمَانُ (عَلَى طِنْفِسَتِهِ) أَىْ سَجَّادَتِهِ (فَقَالَ مَا حَاجَتُكَ فَذَكَرَ لَهُ حَاجَتَهُ فَقَضَى لَهُ حَاجَتَهُ وَقَالَ مَا ذَكَرْتُ حَاجَتَكَ حَتَّـى كَانَتْ هَذِهِ السَّاعَةُ) أَىْ مَا ذَكَرْتُـهَا إِلَّا الآنَ (ثُـمَّ خَرَجَ) الرَّجُلُ (مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِىَ عُثْمَانَ بنَ حُنَيْفٍ فَقَالَ جَزَاكَ اللَّـهُ خَيْـرًا مَا كَانَ يَنْظُرُ فِـى حَاجَتِـى وَلا يَلْتَفِتُ إِلَـىَّ حَتَّـى كَلَّمْتَهُ فِـىَّ فَقَالَ) لَهُ (عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ وَاللَّـهِ مَا كَلَّمْتُهُ وَلَكِنْ شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ وَقَدْ أَتَاهُ ضَرِيرٌ فَشَكَى إِلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ فَقَالَ) لَهُ (إِنْ شِئْتَ صَبَـرْتَ وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّـهِ إِنَّهُ شَقَّ عَلَىَّ ذَهَابُ بَصَرِى وَإِنَّهُ لَيْسَ لِـى قَائِدٌ) يَقُودُنِـى لِقَضَاءِ حَاجَاتِـى (فَقَالَ لَهُ) رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ (ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ وَصَلِّ رَكْعَتَيْـنِ ثُـمَّ قُلْ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ) اللَّهُمَّ إِنِّـى أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا مُـحَمَّدٍ نَبِـىِّ الرَّحْـمَةِ يَا مُـحَمَّدُ إِنِّـى أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَـى رَبِّـى فِـى حَاجَتِـى لِتُقْضَى لِـى (فَفَعَلَ الرَّجُلُ مَا قَالَ) لَهُ (فَوَاللَّـهِ مَا تَفَرَّقْنَا وَلا طَالَ بِنَا الْمَجْلِسُ حَتَّـى دَخَلَ عَلَيْنَا الرَّجُلُ وَقَدْ أَبْصَرَ كَأَنَّهُ لَـمْ يَكُنْ بِهِ ضُرٌّ قَطُّ. قَالَ الطَّبَـرَانِـىُّ وَالْـحَدِيثُ صَحِيحٌ. وَالطَّبَـرَانِـىُّ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لا يُصَحِّحُ حَدِيثًا مَعَ اتِّسَاعِ كِتَابِهِ الْمُعْجَمِ الْكَبِيـرِ) أَىْ (مَا قَالَ عَنْ حَدِيثٍ أَوْرَدَهُ) فِيهِ (وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا الْـحَدِيثُ صَحِيحٌ إِلَّا عَنْ هَذَا الْـحَدِيثِ) أَىْ حَدِيثِ الأَعْمَى (وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ فِـى) مُعْجَمِهِ (الصَّغِيـرِ وَصَحَّحَهُ فَفِيهِ دَلِيلٌ) عَلَى (أَنَّ الأَعْمَى تَوَسَّلَ بِالنَّبِـىِّ) ﷺ (فِـى غَيْرِ حَضْرَتِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ حَتَّـى دَخَلَ عَلَيْنَا الرَّجُلُ) وَقَدْ أَبْصَرَ.
وَمِـمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَعْمَى تَوَسَّلَ بِالرَّسُولِ فِـى غَيْـرِ حَضْرَتِهِ بِقَوْلِهِ يَا مُـحَمَّدُ أَنَّهُ ثَبَتَ النَّهْىُ عَنْ نِدَاءِ الرَّسُولِ بِاسْـمِهِ فِـى وَجْهِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَـى ﴿لا تَـجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾. (وَفِيهِ) أَىْ وَفِـى هَذَا الْـحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى (أَنَّ التَّوَسُّلَ بِالنَّبِـىِّ جَائِزٌ فِـى حَالَةِ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَـمَاتِهِ) بِدَلِيلِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ أَمَرَ صَاحِبَ الْـحَاجَةِ أَنْ يَتَوَسَّلَ بِالنَّبِـىِّ ﷺ (فَبَطَلَ قَوْلُ ابْنِ تَيْمِيَةَ لا يَـجُوزُ التَّوَسُّلُ إِلَّا بِالْـحَىِّ الْـحَاضِرِ) فَإِنَّهُ شَرَطَ ذَلِكَ (وَكُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِـى كِتَابِ اللَّـهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ) وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ تَيْمِيَةَ إِنَّ التَّوَسُّلَ الْوَارِدَ فِـى هَذَا الْـحَدِيثِ هُوَ تَوَسُّلٌ بِدُعَاءِ النَّبِـىِّ وَلَيْسَ بِذَاتِهِ فَهُوَ دَعْوَى بَاطِلَةٌ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ لا يَـجُوزُ إِلَّا لِدَلِيلٍ عَقْلِىٍّ قَاطِعٍ أَوْ نَقْلِىٍّ ثَابِتٍ فَالْـحَدِيثُ عِنْدَ ابْنِ تَيْمِيَةَ يَـجِبُ فِيهِ تَقْدِيرُ مَـحْذُوفٍ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ عَلَى مُوجَبِ دَعْوَاهُ اللَّهُمَّ إِنِّـى أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِدُعَاءِ نَبِيِّنَا وَالتَّقْدِيرُ لا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا لِدَلِيلٍ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الأُصُولِ (وَأَمَّا تَـمَسُّكُ بَعْضِ الْوَهَّابِيَّةِ لِدَعْوَى ابْنِ تَيْمِيَةَ هَذِهِ فِـى رِوَايَةِ حَدِيثِ التِّـرْمِذِىِّ الَّذِى فِيهِ) أَنَّ الأَعْمَى قَالَ (اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِـىَّ وَشَفِّعْنِـى فِـى نَفْسِى فَلا يُفِيدُ أَنَّهُ لا يُتَبَـرَّكُ بِذَاتِ النَّبِـىِّ) وَلا يُتَوَسَّلُ بِهِ فِـى غَيْبَتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ (بَلِ التَّبَـرُّكُ) وَالتَّوَسُّلُ (بِذَاتِ النَّبِـىِّ إِجْـمَاعٌ لَـمْ يُـخَالِفْهُ إِلَّا ابْنُ تَيْمِيَةَ)، كَيْفَ لا يُتَوَسَّلُ بِهِ (وَالرَّسُولُ) ﷺ (هُوَ الَّذِى قَالَ فِيهِ الْقَائِلُ) وَهُوَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ شِعْرًا مِنَ (الطَّوِيلِ
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِـمَالَ الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلأَرَامِلِ)
وَلَـمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الرَّسُولُ ﷺ (أَوْرَدَهُ الْبُخَارِىُّ) فِـى كِتَابِ الِاسْتِسْقَاءِ وَفِـى هَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُ يُتَوَسَّلُ بِذَاتِهِ إِلَـى اللَّـهِ لِطَلَبِ الْمَطَرِ. وَمَعْنَـى ثِـمَالَ الْيَتَامَى غِيَاثُهُمْ وَعِصْمَةً لِلأَرَامِلِ قَرِيبٌ مِنْهُ.
(وَأَمَّا تَوَسُّلُ) سَيِّدِنَا (عُمَرَ بِالْعَبَّاسِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِـىِّ ﷺ فَلَيْسَ لِأَنَّ الرَّسُولَ قَدْ مَاتَ) وَأَنَّهُ لا يُتَوَسَّلُ إِلَّا بِالْـحَىِّ الْـحَاضِرِ كَمَا تَدَّعِى الْوَهَّابِيَّةُ (بَلْ كَانَ لِأَجْلِ رِعَايَةِ حَقِّ قَرَابَتِهِ مِنَ النَّبِـىِّ ﷺ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْعَبَّاسِ حِيـنَ قَدَّمَهُ) سَيِّدُنَا (عُمَرُ اللَّهُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ تَوَجَّهُوا بِـى إِلَيْكَ لِمَكَانِـى مِنْ نَبِيِّكَ) أَىْ لِمَنْزِلَتِـى عِنْدَهُ (فَتَبَيَّـنَ) بِذَلِكَ (بُطْلانُ رَأْىِ ابْنِ تَيْمِيَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ مُنْكِرِى التَّوَسُّلِ) كَالْوَهَّابِيَّةِ (رَوَى هَذَا الأَثَرَ الزُّبَيْـرُ بنُ بَكَّارٍ كَمَا قَالَ الْـحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ) فِـى فَتْحِ الْبَارِى (وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ أَيْضًا بِـمَا رَوَاهُ الْـحَاكِمُ فِـى الْمُسْتَدْرَكِ أَنَّ) سَيِّدَنَا (عُمَرَ رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ كَانَ يَرَى لِلْعَبَّاسِ مَا يَرَى الْوَلَدُ لِوَالِدِهِ يُعَظِّمُهُ وَيُفَخِّمُهُ وَيَبَـرُّ قَسَمَهُ) أَىْ يَفْعَلُ مَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ الْعَبَّاسُ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّـهِ أَنْ تَفْعَلَ كَذَا فَإِنَّهُ يَفْعَلُ (فَاقْتَدُوا أَيُّهَا النَّاسُ بِرَسُولِ اللَّـهِ ﷺ فِـى عَمِّهِ الْعَبَّاسِ) أَىْ بِتَعْظِيمِهِ وَتَفْخِيمِهِ (وَاتَّـخِذُوهُ وَسِيلَةً إِلَـى اللَّـهِ فِيمَا نَزَلَ بِكُمْ) مِنَ الْبَلاءِ. (فَهَذَا يُوضِحُ سَبَبَ تَوَسُّلِ عُمَرَ بِالْعَبَّاسِ) فَقَدْ أَرَادَ سَيِّدُنَا عُمَرُ بِفِعْلِهِ هَذَا أَنْ يُبَيِّـنَ جَوَازَ التَّوَسُّلِ بِغَيْرِ النَّبِـىِّ ﷺ مِنْ أَهْلِ الصَّلاحِ مِـمَّنْ تُرْجَى بَرَكَتُهُ وَلِذَا قَالَ الْـحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِـى فَتْحِ الْبَارِى عَقِبَ هَذِهِ الْقِصَّةِ يُسْتَفَادُ مِنْ قِصَّةِ الْعَبَّاسِ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِشْفَاعِ بِأَهْلِ الْـخَيْـرِ وَالصَّلاحِ وَأَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ (فَلا الْتِفَاتَ بَعْدَ هَذَا إِلَـى دَعْوَى بَعْضِ هَؤُلاءِ الْمُشَوِّشِيـنَ أَنَّ الْـحَدِيثَ الْمَذْكُورَ) فِـى شَأْنِ الأَعْمَى فِـى (إِسْنَادِهِ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ رَجُلٌ مَـجْهُولٌ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا بَلْ أَبُو جَعْفَرٍ هَذَا هُوَ أَبُو جَعْفَرٍ الْـخَطْمِىُّ) كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ التِّـرْمِذِىُّ وَابْنُ السُّنِّـىِّ وَالْـحَاكِمُ وَالإِمَامُ أَحْـمَدُ وَالطَّبَرَانِـىُّ عِنْدَ رِوَايَتِهِم لِـهَذَا الْـحَدِيثِ وَهُوَ (ثِقَةٌ) كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْـحَافِظُ النَّسَائِـىُّ وَالْـحَافِظُ الطَّبَرَانِـىُّ وَالْـحَافِظُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْـرُهُمْ (وَكَذَلِكَ دَعْوَى بَعْضِهِمْ وَهُوَ نَاصِرُ الدِّينِ الأَلْبَانِـىُّ) فِـى كِتَابِهِ التَّوَسُّلُ (أَنَّ مُرَادَ الطَّبَـرَانِـىِّ بِقَوْلِهِ وَالْـحَدِيثُ صَحِيحٌ الْقَدْرُ الأَصْلِىُّ وَهُوَ مَا فَعَلَهُ الرَّجُلُ الأَعْمَى فِـى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّـهِ فَقَطْ وَلَيْسَ مُرَادُهُ مَا فَعَلَهُ الرَّجُلُ أَيَّامَ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ) ﷺ (وَ)كَلامُهُ (هَذَا مَرْدُودٌ لِأَنَّ عُلَمَاءَ الْمُصْطَلَحِ قَالُوا الْـحَدِيثُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَرْفُوعِ إِلَـى النَّبِـىِّ وَالْمَوْقُوفِ عَلَى الصَّحَابَةِ أَىْ أَنَّ كَلامَ الرَّسُولِ) ﷺ (يُسَمَّى حَدِيثًا وَقَوْلَ الصَّحَابِـىِّ يُسَمَّى حَدِيثًا وَلَيْسَ لَفْظُ “الْـحَدِيثِ” مَقْصُورًا عَلَى كَلامِ النَّبِـىِّ فَقَطْ فِـى اصْطِلاحِهِمْ وَهَذَا الْمُمَوِّهُ) أَعْنِـى الأَلْبَانِـىَّ (كَلامُهُ لا يُوَافِقُ الْمُقَرَّرَ فِـى عِلْمِ الْمُصْطَلَحِ فَلْيَنْظُرْ مَنْ شَاءَ فِـى كِتَابِ تَدْرِيبِ الرَّاوِى) لِلْحَافِظِ السُّيُوطِىِّ (وَالإِفْصَاحِ) بِتَكْمِيلِ النُكَتِ عَلَى ابْنِ الصَّلاحِ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ (وَغَيْـرِهِـمَا مِنْ كُتُبِ الْمُصْطَلَحِ) كَمُقَدِّمَةِ ابْنِ الصَّلاحِ (فَإِنَّ الأَلْبَانِـىَّ لَـمْ يَـجُرَّهُ إِلَـى هَذِهِ الدَّعْوَى إِلَّا شِدَّةُ تَعَصُّبِهِ لِـهَوَاهُ وَعَدَمُ مُبَالاتِهِ بِـمُخَالَفَةِ) إِجْـمَاعِ (الْعُلَمَاءِ) الْمُجْتَهِدِينَ (كَسَلَفِهِ ابْنِ تَيْمِيَةَ) الَّذِى خَرَقَ الإِجْـمَاعَ فِـى مَسَائِلَ كَثِيـرَةٍ.
وَ(أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِى رَوَاهُ التِّـرْمِذِىُّ) فِـى سُنَنِهِ (أَنَّ النَّبِـىَّ ﷺ قَالَ لَهُ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّـهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّـهِ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى مَنْعِ التَّوَسُّلِ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ) كَمَا تَدَّعِى الْوَهَّابِيَّةُ (لِأَنَّ الْـحَدِيثَ مَعْنَاهُ أَنَّ الأَوْلَـى بِأَنْ يُسْأَلَ وَيُسْتَعَانَ بِهِ) هُوَ (اللَّـهُ تَعَالَـى وَلَيْسَ مَعْنَاهُ لا تَسْأَلْ غَيْـرَ اللَّـهِ وَلا تَسْتَعِنْ بِغَيْرِ اللَّـهِ) ثُـمَّ إِنَّ الْـحَدِيثَ لَيْسَ فِيهِ أَدَاةُ نَـهْىٍ فَلَمْ يَقُلْ لَهُ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ لا تَسْأَلْ غَيْرَ اللَّـهِ وَلا تَسْتَعِنْ بِغَيْرِ اللَّـهِ وَحَتَّـى لَوْ وَرَدَ الْـحَدِيثُ بِلَفْظِ النَّهْىِ فَلَيْسَ كُلُّ أَدَاةِ نَـهْىٍ لِلتَّحْرِيـمِ (نَظِيـرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ لا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِىٌّ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِـى سُنَنِهِ. (فَكَمَا لا يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْـحَدِيثِ عَدَمُ جَوَازِ صُحْبَةِ غَيْـرِ الْمُؤْمِنِ وَ)لا عَدَمُ جَوَازِ (إِطْعَامِ غَيْـرِ التَّقِىِّ وَإِنَّـمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الأَوْلَـى فِـى الصُّحْبَةِ الْمُؤْمِنُ وَأَنَّ الأَوْلَـى بِالإِطْعَامِ هُوَ التَّقِىُّ كَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ) إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّـهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّـهِ (لا يُفْهَمُ مِنْهُ إِلَّا الأَوْلَوِيَّةُ وَأَمَّا التَّحْرِيـمُ الَّذِى يَدَّعُونَهُ فَلَيْسَ فِـى هَذَا الْـحَدِيثِ) فَكَيْفَ تَـجَرَّأَتِ الْوَهَّابِيَّةُ عَلَى الِاسْتِدْلالِ بِـهَذَا الْـحَدِيثِ لِمَنْعِ التَّوَسُّلِ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ.
(وَ)اعْلَمْ أَنَّهُ (لا فَرْقَ بَيْـنَ التَّوَسُّلِ وَالِاسْتِغَاثَةِ فَالتَّوَسُّلُ يُسَمَّى اسْتِغَاثَةً كَمَا جَاءَ فِـى حَدِيثِ الْبُخَارِىِّ أَنَّ النَّبِـىَّ ﷺ قَالَ إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّـى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ ثُـمَّ مُوسَى ثُـمَّ بِـمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ) وَقَدْ وَرَدَ (الْـحَدِيثُ) بِـهَذَا اللَّفْظِ (فِـى رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّـهِ ابْنِ عُمَرَ لِـحَدِيثِ الشَّفَاعَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّوَسُّلَ يَأْتِـى بِـمَعْنَـى الِاسْتِغَاثَةِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ جَعَلَ التَّوَسُّلَ بِغَيْرِ اللَّـهِ شِرْكًا (وَفِـى رِوَايَةِ أَنَسٍ رُوِىَ بِلَفْظِ الِاسْتِشْفَاعِ) وَنَصُّهُ يَا ءَادَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ اشْفَعْ لَنَا إِلَـى رَبِّنَا (وَكِلْتَا الرِّوَايَتَيْـنِ فِـى الصَّحِيحِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِشْفَاعَ وَالِاسْتِغَاثَةَ بِـمَعْنًـى وَاحِدٍ فَسَمَّى الرَّسُولُ ﷺ هَذَا الطَّلَبَ مِنْ ءَادَمَ أَنْ يَشْفَعَ لَـهُمْ إِلَـى رَبِـّهِمُ اسْتِغَاثَةً) وَقَدْ قَالَ الْـحَافِظُ الْفَقِيهُ اللُّغَوِىُّ تَقِىُّ الدِّينِ السُّبْكِـىُّ فِـى شِفَاءِ السَّقَامِ الِاسْتِشْفَاعُ وَالتَّوَسُّلُ وَالتَّوَجُّهُ وَالتَّجَوُّهُ وَالِاسْتِغَاثَةُ وَالِاسْتِعَانَةُ بِـمَعْنًـى وَاحِدٍ. (ثُـمَّ) إِنَّ (الرَّسُولَ) ﷺ (سَـمَّى الْمَطَرَ مُغِيثًا فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ) فِـى سُنَنِهِ (وَغَيْـرُهُ بِالإِسْنَادِ الصَّحِيحِ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْـحَافِظُ الْبُوصِيـرِىُّ فِـى مِصْبَاحِ الزُّجَاجَةِ (أَنَّ الرَّسُولَ) ﷺ (قَالَ اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا) أَىْ مَطَرًا مُنْقِذًا مِنَ الشِّدَّةِ (مَرِيعًا) أَىْ خَصِيبًا (نَافِعًا غَيْـرَ ضَارٍّ عَاجِلًا غَيْـرَ ءَاجِلٍ. فَالرَّسُولُ) ﷺ (سَـمَّى الْمَطَرَ مُغِيثًا لِأَنَّهُ يُنْقِذُ مِنَ الشِّدَّةِ بِإِذْنِ اللَّـهِ) وَ(كَذَلِكَ النَّبِـىُّ وَالْوَلِـىُّ يُنْقِذَانِ مِنَ الشِّدَّةِ بِإِذْنِ اللَّـهِ تَعَالَـى) إِذَا تَوَسَّلَ الْمُسْلِمُ بِـهِمَا.
(التَّبَـرُّكُ بِآثَارِ النَّبِـىِّ ﷺ)
(اعْلَمْ أَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّـهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا يَتَبَـرَّكُونَ بِآثَارِ النَّبِـىِّ ﷺ) كَشَعَرِهِ وَعَرَقِهِ وَقَمِيصِهِ وَجُبَّتِهِ (فِـى حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَـمَاتِهِ وَلا زَالَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُمْ إِلَـى يَوْمِنَا هَذَا عَلَى ذَلِكَ) وَالتَّبَـرُّكُ مَعْنَاهُ طَلَبُ زِيَادَةِ الْـخَيْـرِ مِنَ اللَّـهِ (وَجَوَازُ هَذَا الأَمْرِ يُعْرَفُ مِنْ فِعْلِ النَّبِـىِّ ﷺ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَسَمَ شَعَرَهُ حِيـنَ حَلَقَ فِـى حَجَّةِ الْوَدَاعِ) بَيْـنَ أَصْحَابِهِ لِيَتَبَـرَّكُوا بِهِ (وَ)قَسَمَ (أَظْفَارَهُ. أَمَّا اقْتِسَامُ الشَّعَرِ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِىُّ) فِـى كِتَابِ الْوُضُوءِ (وَمُسْلِمٌ) فِـى كِتَابِ الْـحَجِّ (مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ) رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ (فَفِى لَفْظِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا رَمَى) رَسُولُ اللَّـهِ (ﷺ الْـجَمْرَةَ) وَهِىَ مَوْضِعُ رَمْىِ الْـحَصَى بِـمـِنًـى (وَنَـحَرَ نُسُكَهُ) أَىْ ذَبَحَ الذَّبَائِحَ (وَحَلَقَ) رَأْسَهُ (نَاوَلَ الْـحَالِقَ شِقَّهُ الأَيْـمَنَ) مِنْ رَأْسِهِ (فَحَلَقَ ثُـمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِىَّ فَأَعْطَاهُ) شَعْرَ شِقِّهِ الأَيْـمَنِ (ثُـمَّ نَاوَلَهُ) أَىْ نَاوَلَ الْـحَالِقَ (الشِّقَّ الأَيْسَرَ) مِنْ رَأْسِهِ (فَقَالَ احْلِقْ فَحَلَقَ فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ فَقَالَ اقْسِمْهُ بَيْـنَ النَّاسِ وَفِـى رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا فَبَدَأَ بِالشِّقِّ الأَيْـمَنِ فَوَزَّعَهُ الشَّعْرَةَ وَالشَّعْرَتَيْـنِ بَيْـنَ النَّاسِ ثُـمَّ قَالَ بِالأَيْسَرِ فَصَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُـمَّ قَالَ هَهُنَا أَبُو طَلْحَةَ فَدَفَعَهُ إِلَـى أَبِـى طَلْحَةَ. وَفِـى رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ أَيْضًا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ قَالَ لِلْحَلَّاقِ هَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَـى الْـجَانِبِ الأَيْـمَنِ فَقَسَمَ شَعَرَهُ بَيْـنَ مَنْ يَلِيهِ ثُـمَّ أَشَارَ إِلَـى الْـحَلَّاقِ إِلَـى الْـجَانِبِ الأَيْسَرِ فَحَلَقَهُ فَأَعْطَاهُ أُمَّ سُلَيْمٍ. فَمَعْنَـى الْـحَدِيثِ أَنَّهُ وَزَّعَ بِنَفْسِهِ بَعْضًا بَيْـنَ النَّاسِ الَّذِينَ يَلُونَهُ وَأَعْطَى بَعْضًا لِأَبِـى طَلْحَةَ لِيُوَزِّعَهُ فِـى سَائِرِهِمْ وَأَعْطَى بَعْضًا أُمَّ سُلَيْمٍ فَفِيهِ) دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ (التَّبَـرُّكِ بِآثَارِ الرَّسُولِ) ﷺ (فَقَدْ قَسَمَ) رَسُولُ اللَّـهِ (ﷺ شَعَرَهُ لِيَتَبَـرَّكُوا بِهِ وَلِيَسْتَشْفِعُوا إِلَـى اللَّـهِ بِـمَا هُوَ مِنْهُ وَيَتَقَرَّبُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِ) حَتَّـى إِنَّـهُمْ كَانُوا يَغْمِسُونَهُ فِـى الْمَاءِ فَيَسْقُونَ هَذَا الْمَاءَ بَعْضَ الْمَرْضَى تَبَـرُّكًا بِأَثَرِ رَسُولِ اللَّـهِ ﷺ رَوَى ذَلِكَ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ. (قَسَمَ) الرَّسُولُ ﷺ شَعَرَهُ (بَيْنَهُمْ لِيَكُونَ بَرَكَةً بَاقِـيَةً بَيْنَهُمْ وَتَذْكِرَةً لَـهُمْ ثُـمَّ تَبِعَ الصَّحَابَةَ فِـى خُطَّتِهِمْ) أَىْ خَصْلَتِهِمْ (فِـى التَّبَـرُّكِ بِآثَارِهِ ﷺ مَنْ أَسْعَدَهُ اللَّـهُ وَتَوَارَدَ ذَلِكَ) وَتَنَاقَلَهُ (الْـخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ) وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ إِلَـى هَذَا الْوَقْتِ. وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِـى الْـحِلْيَةِ أَنَّ عَبْدَ اللَّـهِ بنَ الإِمَامِ أَحْـمَدَ بنِ حَنْبَلٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبِـى يَأْخُذُ شَعْرَةً مِنْ شَعَرِ النَّبِـىِّ ﷺ فَيَضَعُهَا عَلَى فِيهِ أَىْ فَمِهِ يُقَبِّلُهَا وَأَحْسَبُ أَنِّـى رَأَيْتُهُ يَضَعُهَا عَلَى عَيْنِهِ وَيَغْمِسُهَا فِـى الْمَاءِ وَيَشْرَبُهُ يَسْتَشْفِى بِهِ وَرَأَيْتُهُ أَخَذَ قَصْعَةَ النَّبِـىِّ ﷺ فَغَمَسَهَا فِـى جُبِّ الْمَاءِ أَىْ بِئْرِهِ ثُـمَّ شَرِبَ فِيهَا. (وَأَمَّا اقْتِسَامُ الأَظْفَارِ فَأَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْـمَدُ فِـى مُسْنَدِهِ أَنَّ النَّبِـىَّ ﷺ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ وَقَسَمَهَا بَيْـنَ النَّاسِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَـمْ يَكُنْ لِيَأْكُلَهَا النَّاسُ بَلْ لِيَتَبَـرَّكُوا بِـهَا. أَمَّا جُبَّتُهُ ﷺ فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِـى الصَّحِيحِ) فِى كِتَابِ اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ (عَنْ مَوْلَـى أَسْـمَاءَ بِنْتِ أَبِـى بَكْرٍ) أَنَّهُ (قَالَ أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا) أَسْـمَاءُ (جُبَّةً طَيَالِسَةً كِسْرَوَانِيَّةً) أَىْ مِنْ صِنَاعَةِ الْعَجَمِ (لَـهَا لَبِنَةُ دِيبَاجٍ) أَىْ حَرِيرٍ وَهِىَ رُقْعَةٌ فِـى جَيْبِ الْقَمِيصِ أَىْ فَتْحَتِهِ (وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْـنِ) أَىْ وَرَأَيْتُ فَرْجَيْهَا أَىْ شِقَّيْهَا شِقًّا مِنْ خَلْفٍ وَشِقًّا مِنْ قُدَّامٍ مَكْفُوفَيْـنِ أَىْ مَعْطُوفَـىِ الأَطْرَافِ (وَقَالَتْ هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّـهِ ﷺ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا وَكَانَ النَّبِـىُّ ﷺ يَلْبَسُهَا فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى نَسْتَشْفِى بِـهَا وَفِـى رِوَايَةٍ) لِأَحْـمَدَ فِـى مُسْنَدِهِ (نَغْسِلُهَا لِلْمَرِيضِ مِنَّا). قَالَ الْـحَافِظُ النَّوَوِىُّ فِـى شَرْحِهِ لِصَحِيحِ مُسْلِمٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّبَـرُّكِ بِآثَارِ الصَّالِـحِيـنَ وَثِيَابِـهِمْ. (وَعَنْ حَنْظَلَةَ بنِ حِذْيَـمٍ قَالَ وفَدْتُ مَعَ جَدِّى حِذْيَـمٍ إِلَـى رَسُولِ اللَّـهِ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّـهِ إِنَّ لِـى بَنِيـنَ) أَىْ أَوْلادًا وَأَوْلادَ أَوْلادٍ (ذَوِى لِـحًى وَغَيْـرَهُمْ وَهَذَا أَصْغَرُهُمْ فَأَدْنَانِـى) أَىْ قَرَّبَنِـى (رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ وَمَسَحَ رَأْسِى وَقَالَ بَارَكَ اللَّـهُ فِيكَ قَالَ الذَّيَّالُ) وَهُوَ الرَّاوِى عَنْ حَنْظَلَةَ (فَلَقَدْ رَأَيْتُ حَنْظَلَةَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْوَارِمِ وَجْهُهُ أَوِ الشَّاةِ الْوَارِمِ ضَرْعُهَا فَيَقُولُ بِسْمِ اللَّـهِ) وَاضِعًا يَدَهُ (عَلَى مَوْضِعِ كَفِّ رَسُولِ اللَّـهِ ﷺ فَيَمْسَحُهُ فَيَذْهَبُ الْوَرَمُ رَوَاهُ الطَّبَـرَانِـىُّ فِـى الأَوْسَطِ وَالْكَبِيـرِ بِنَحْوِهِ وَ)قَالَ الْـحَافِظُ الْـهَيْثَمِىُّ فِـى مَـجْمَعِ الزَّوَائِدِ رَوَاهُ الإِمَامُ (أَحْـمَدُ) فِـى مُسْنَدِهِ (فِـى حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَرِجَالُ أَحْـمَدَ ثِقَاتٌ. وَعَنْ ثَابِتٍ) الْبُنَانِـىِّ رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ (قَالَ كُنْتُ إِذَا أَتَيْتُ أَنَسًا يُـخْبَـرُ بِـمَكَانِـى فَأَدْخُلُ عَلَيْهِ فَآخُذُ بِيَدَيْهِ فَأُقَبِّلُهُمَا وَأَقُولُ بِأَبِـى هَاتَانِ الْيَدَانِ اللَّتَانِ مَسَّتَا رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ وَأُقَبِّلُ عَيْنَيْهِ وَأَقُولُ بِأَبِـى هَاتَانِ الْعَيْنَانِ اللَّتَانِ رَأَتَا رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى) فِـى مُسْنَدِهِ (وَ)قَالَ الْـحَافِظُ الْـهَيْثَمِىُّ فِـى الْمَجْمَعِ (رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرُ عَبْدِ اللَّـهِ بنِ أَبِـى بَكْرٍ الْمُقَدَّمِىِّ وَهُوَ ثِقَةٌ).
(وَعَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِـى صَالِحٍ قَالَ أَقْبَلَ مَرْوَانُ) بنُ الْـحَكَمِ أَثْنَاءَ حُكْمِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ (يَوْمًا فَوَجَدَ رَجُلًا وَاضِعًا وَجْهَهُ عَلَى الْقَبْـرِ) أَىْ قَبْـرِ الرَّسُولِ ﷺ (فَقَالَ أَتَدْرِى مَا تَصْنَعُ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ أَبُو أَيُّوبَ) الأَنْصَارِىُّ خَالِدُ بنُ زَيْدٍ رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ (فَقَالَ نَعَمْ) أَعْرِفُ مَا أَصْنَعُ (جِئْتُ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ وَلَـمْ ءَاتِ الْـحَجَرَ سَـمِعْتُ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ يَقُولُ لا تَبْكُوا عَلَى الدِّينِ إِذَا وَلِيَهُ أَهْلُهُ وَلَكِنِ ابْكُوا عَلَيْهِ إِذَا وَلِيَهُ غَيْـرُ أَهْلِهِ) أَىْ أَنَّكَ يَا مَرْوَانُ لَسْتَ أَهْلًا لِتَوَلِّـى الإِمَارَةِ وَالْـحُكْمِ (رَوَاهُ أَحْـمَدُ) فِـى مُسْنَدِهِ (وَالطَّبَـرَانِـىُّ فِـى) الْمُعْجَمِ (الْكَبِيـرِ وَالأَوْسَطِ. وَرَوَى الْبَيْهَقِىُّ فِـى دَلائِلِ النُّبُوَّةِ وَالْـحَاكِمُ فِـى مُسْتَدْرَكِهِ وَغَيْـرُهُـمَا بِالإِسْنَادِ أَنَّ خَالِدَ بنَ الْوَلِيدِ) رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ (فَقَدَ قَلَنْسُوَةً لَهُ يَوْمَ) مَعْرَكَةِ (الْيَـرْمُوكِ فَقَالَ اطْلُبُوهَا فَلَمْ يَـجِدُوهَا ثُـمَّ طَلَبُوهَا فَوَجَدُوهَا فَقَالَ خَالِدٌ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ فَحَلَقَ رَأْسَهُ فَابْتَدَرَ النَّاسُ جَوَانِبَ شَعَرِهِ فَسَبَقْتُهُمْ إِلَـى نَاصِيَتِهِ فَجَعَلْتُهَا فِـى هَذِهِ الْقَلَنْسُوَةِ فَلَمْ أَشْهَدْ قِتَالًا وَهِىَ مَعِى إِلَّا رُزِقْتُ النَّصْرَ. وَهَذِهِ الْقِصَّةُ صَحِيحَةٌ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ) الْمُحَدِّثُ (الشَّيْخُ حَبِيبُ الرَّحْـمـٰنِ الأَعْظَمِىُّ) الْـهِنْدِىُّ (فِـى تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ فَقَالَ قَالَ الْبُوصِيـرِىُّ) فِـى إِتْـحَافِ الْـخِيَـرَةِ الْمَهَرَةِ (رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى) فِـى مُسْنَدِهِ (بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَقَالَ الْـهَيْثَمِىُّ) فِـى مَـجْمَعِ الزَّوَائِدِ (رَوَاهُ الطَّبَـرَانِـىُّ وَأَبُو يَعْلَى بِنَحْوِهِ وَرِجَالُـهُمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ. فَلا الْتِفَاتَ بَعْدَ هَذَا إِلَـى دَعْوَى مُنْكِرِى التَّوَسُّلِ وَالتَّبَـرُّكِ بِآثَارِهِ الشَّرِيفَةِ ﷺ) وَهُمُ الْوَهَّابِيَّةُ فَإِنَّـهُمْ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ سَلَفِيَّةً لِيُوهِـمُوا النَّاسَ أَنَّـهُمْ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ وَلا يَـجُوزُ تَسْمِيَتُهُمْ بِـهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّـهُمْ شَاذُّونَ عَنِ الأُمَّةِ. فَهَؤُلاءِ كَفَّرُوا أُمَّةَ النَّبِـىِّ ﷺ وَكَفَّرُوا سَيِّدَنَا مُـحَمَّدًا لِأَنَّـهُمْ يَعْتَبِـرُونَ فِعْلَهُ دَعْوَةً إِلَـى الشِّرْكِ وَكَفَّرُوا سَيِّدَنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِأَنَّهُ أَرْسَلَ قَمِيصَهُ إِلَـى أَبِيهِ يَعْقُوبَ لِيَتَبَـرَّكَ بِهِ كَمَا أَخْبَـرَ اللَّـهُ فِـى الْقُرْءَانِ أَنَّ سَيِّدَنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِى هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِـى يَأْتِ بَصِيـرًا﴾ كَمَا أَنَّـهُمْ كَفَّرُوا سَيِّدَنَا يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِأَنَّهُ تَبَـرَّكَ بِقَمِيصِ ابْنِهِ يُوسُفَ فَحَصَلَتْ لَهُ الْبَـرَكَةُ وَالشِّفَاءُ كَمَا أَخْبَـرَ اللَّـهُ فِـى الْقُرْءَانِ بِقَوْلِهِ ﴿فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيـرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيـرًا﴾.
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/m86wZNTN8Dk?si=CuY9PepL5Fd_FMUp
لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/sirat-9