الخميس مايو 15, 2025

#8

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ. أَمَّا بَعْدُ، قَالَ الشَّيْخُ جِيلُ صَادِقُ رَحِمَهُ اللَّهُ:

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ.

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حِفْظُ إِسْلامِهِ وَصَوْنُهُ عَمَّا يُفْسِدُهُ وَيُبْطِلُهُ وَيَقْطَعُهُ وَهُوَ الرِّدَّةُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى (وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكُفْرَ هُوَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ وَهُوَ الذَّنْبُ الَّذِي لا يَغْفِرُهُ اللَّهُ لِمَنْ مَاتَ عَلَيْهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء) قَالَ (الْحَافِظُ يَحْيَى بنُ شَرَفٍ) النَّوَوِيُّ (فِي رَوْضَةِ الطَّالِبِينَ) وَغَيْرُهُ (مِنَ الْعُلَمَاءِ) الرِّدَّةُ أَفْحَشُ (أي أَقْبَحُ) أَنْوَاعِ الْكُفْرِ.

(ذَكَرَهُ فِي رَوْضَةِ الطَّالِبِينَ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ فَقَالَ هِيَ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَأَغْلَظُهَا حُكْمًا اﻫ أَيْ منْ حَيْثُ إِنَّهَا تُحْبِطُ كُلَّ الْحَسَنَاتِ تُذْهِبُ كُلَّ الْحَسَنَاتِ، قَالَ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيـمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾. وَمِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا انْتِقَالًا مِنَ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ لِذَلِكَ قَالُوا الرِّدَّةُ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ، أَقْبَحُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا تُحْبِطُ كُلَّ الْحَسَنَاتِ وَمِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا انْتِقَالًا مِنَ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا أَشَدُّ الْكُفْرِ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ)

   الشَّرْحُ أَنَّ الرِّدَّةَ أَقْبَحُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُذْهِبُ كُلَّ الْحَسَنَاتِ وَتَبْقَى السَّيِّئَاتُ. وَلَوْ رَجَعَ إِلَى الإِسْلامِ بَعْدَ ذَلِكَ لا تَرْجِعُ لَهُ الْحَسَنَاتُ الَّتِي كَانَ عَمِلَهَا وَتَبْقَى السَّيِّئَاتُ فَإِنْ تَابَ مِنْهَا (بَعْدَ رُجُوعِهِ لِلْإِسْلَامِ) ذَهَبَتْ. وَلَيْسَ مَعْنَى (الرِّدَّةُ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ) أَنَّ كُلَّ أَنْوَاعِ الرِّدَّةِ أَشَدُّ مِنْ كُفْرِ الْكَافِرِ الأَصْلِيِّ لِأَنَّ كُفْرَ الْكَافِرِ الأَصْلِيِّ قَدْ يَكُونُ أَشَدَّ مِنْ كُفْرِ الْمُرْتِّدِ فَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِ النَّوَوِيِّ الْمَذْكُورِ أَنَّ الرِّدَّةَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ كُفْرًا إِنَّمَا مُرَادُهُ شِدَّةُ قُبْحِهَا فِي أَنَّهَا خُرُوجٌ مِنَ الإِسْلامِ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ إِلَى الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ بَاطِلٌ. وَإِنَّمَا أَشَدُّ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ التَّعْطِيلُ (أي نَفْيُ وُجُودِ اللهِ) وَهُوَ قَوْلُ الْمُلْحِدِ (لا إِلَهَ وَالْحَيَاةُ مَادَّةٌ) وَقَوْلُ أَهْلِ الْوَحْدَةِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ جُمْلَةُ الْعَالَمِ وَعَقِيدَةُ الْحُلُولِ أَيْ أَنَّ اللَّهَ يَحُلُّ فِي غَيْرِهِ كَالْيَشْرُطِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ يَدْخُلُ فِي كُلِّ شَخْصٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ فِي بَعْضِ الأَشْخَاصِ أَنْتَ اللَّهُ وَهَذَا الْجِدَارُ اللَّهُ وَهُمْ فِرْقَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الشَّاذِلِيَّةِ انْحَرَفُوا عَنْ أُصُولِ التَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ عَقِيدَةُ كُلِّ مَشَايِخِ أَهْلِ اللَّهِ الَّذِينَ عَمِلُوا الطُّرُقَ كَالسَّيِّدِ أَحْمَدَ الرِّفَاعِيِّ وَالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجَيْلانِيِّ وَالشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ وَالشَّيْخِ أَبِي مَدْيَنَ شُعَيْبِ بنِ الْحُسَيْنِ وَغَيْرِهِمْ.

تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ: قَالَ شَيْخُنَا الْهَرَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ النَّوَوِيُّ “الرِّدَّةُ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الكُفْرِ“، القُبْحُ شَيْءٌ، وَالشِّدَّةُ شَيْءٌ آخَرُ، الرِّدَّةُ قِيلَ لَهَا أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الكُفْرِ لأَنَّهَا خُرُوجٌ مِنْ حَقٍّ إِلى بَاطِلٍ، أَمَّا الكَافِرُ الأَصْلِيُّ مِنَ الأَوَّلِ كَانَ عَلَى بَاطِلٍ، مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ أَفْحَشُ، لَيْسَ الـمَعْنَى أَشَدَّ الكُفْرِ. أَشَدُّ الكُفْرِ الشُّيُوعِيَّةُ، ثُمَّ عَقِيدَةُ وَحْدَةِ الوُجُودِ، أَمَّا الرِّدَّةُ فَأَفْحَشُ. مَن فَهِمَ خِلافَ هَذَا فلا يَلُومَنَّ إِلّا نَفْسَهُ، هَذِهِ عِبَارَةُ الفُقَهَاءِ، كَيْفَ يُجْعَلُ الـمُسْلِمُ الَّذِي سَبَّ اللهَ وَلَمْ يُنْكِرْ وُجُودَهُ وَلا اعْتقَدَ حُلُولَهُ في العَالمِ وَلا أَنَّ العَالَمَ هُوَ وَاللهَ وَاحِدٌ، كَيْفَ يُجْعَلُ هَذَا أَشَدَّ كُفْرًا مِنَ الَّذِي يَقُولُ لا إِلَهَ وَالحَيَاةُ مَادَّةٌ؟ كَيْفَ يُجْعَلُ هَذَا أَشَدَّ مِنْ هَذَا؟ وَلَوْ كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِإِسْلامٍ. الرِّدَّةُ أَصْنَافٌ، بَعْضُ أَنْوَاعِهَا أَشَدُّ مِنَ اليَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، كَاليشْرُطِيَّةِ الَّذينَ يَدَّعُونَ الإسْلامَ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللهَ حَالٌّ فِي الجِدَارِ وَالإنْسَانِ وَالبَهِيمَة، فَمَنْ جَعَلَ مُجَرَّدَ سَبِّ اللهِ كَقَوْلِ “اللهُ ظَلَمَنِي” أَشَدَّ ذَنْبًا مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ هُوَ كَفَرَ، “الرِّدَّةُ أَفْحَشُ أَنْوَاع الكُفْرِ” أَيْ أَقْبَحُ أَنْواع الكُفْرِ، لأَنَّ الرِّدَّةَ تُذْهِبُ كُلَّ الحَسَنَاتِ، وَتَبْقَى السَّيِّئَاتُ، وَلَوْ رجَعَ إِلى الإسْلامِ بَعْدَ ذَلِكَ لا تُرْجَعُ لَهُ الحَسَنَاتُ الَّتِي كَانَ عَمِلَهَا، وَتَبْقَى السِّيِّئَاتُ، فَإِنْ تَابَ مِنْهَا بَعْدَ رُجُوعِهِ للإسْلامِ ذهَبَتْ. وَلَيْسَ مَعْنَى “الرِّدَّةُ أَفْحَشُ أَنْوَاعِ الكُفْرِ” أَنَّ كُلَّ أَنْوَاعِ الرِّدَّةِ أَشَدُّ مِنْ كُفْرِ الكَافِرِ الأَصْلِيّ، لأَنَّ كُفْرَ الكَافِرِ الأَصْلِيِّ قَدْ يَكُونُ أَشَدَّ مِنْ كُفْرِ الْمُرْتَدِّ. وَأَشَدُّ أَنْوَاعِ الكُفْرِ كُفْرُ التَّعْطِيلِ، وَهُوَ قَوْلُ الشُّيُوعِيّ لا إِلَهَ وَالحَيَاةُ مَادَّةٌ، وَقَوْلُ أَهْلِ الوَحْدَةِ إِنَّ اللهَ جُمْلَةُ العَالمِ، وَعَقِيدَةُ الحُلُولِ، أَيْ أَنَّ اللهَ يَحُلُّ في غَيْرِهِ، كَاليَشْرُطِيَّةِ القَائِلينَ إِنَّ اللهَ يَدْخُلُ في كُلِّ شَخْصٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى. فَمَنْ قَالَ إِنَّ مُجَرَّدَ الْرِّدَّةِ أَشَدُّ كُفْرًا أَوْ عَذَابًا مِنَ الشُّيُوعِيِّ أَوِ اليَهُودِيِّ أَوِ النَّصْرَانِيّ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الكُفْرِ هُوَ كَفَرَ.

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ كَثُرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ التَّسَاهُلُ فِي الْكَلامِ حَتَّى إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ بَعْضِهِمْ أَلْفَاظٌ تُخْرِجُهُمْ عَنِ الإِسْلامِ وَلا يَرَوْنَ ذَلِكَ ذَنْبًا فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كُفْرًا وَذَلِكَ مِصْدَاقُ قَوْلِهِ ﷺ (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) أَيْ مَسَافَةَ سَبْعِينَ عَامًا فِي النُّزُولِ وَذَلِكَ مُنْتَهَى جَهَنَّمَ وَهُوَ خَاصٌ بِالْكُفَّارِ. وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.

   الشَّرْحُ فِي هَذَا الزَّمَانِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يُطْلِقُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكَلامِ الْفَاسِدِ الْمُخْرِجِ مِنَ الإِسْلامِ وَلا يَرَوْنَ ذَلِكَ خُرُوجًا مِنَ الإِسْلامِ (بَلْ وَلا يَرَوْنَهُ ذَنْبًا وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ بَعْدُ مُسْلِمُونَ) وَهَذَا الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ مِصْدَاقُ قَوْلِهِ ﷺ (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) أَيْ أَنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ لَا يَرَاهَا ضَارَّةً لَهُ وَلَا يَعْتَبِرُهَا مَعْصِيَةً يَسْتَوْجِبُ بِهَا النُّزُولَ إِلَى قَعْرِ جَهَنَّمَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْكُفَّارِ لِأَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَى قَعْرِ جَهَنَّمَ الَّذِي هُوَ مَسَافَةُ سَبْعِينَ عَامًا فِي النُّزُولِ عُصَاةُ الْمُسْلِمِينَ. (وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمَسَافَةَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَى قَعْرِ جَهَنَّمَ هِيَ هَذِهِ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ بَيْنَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَعَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ إِذْ سَمِعُوا وَجْبَةً أَيْ صَوْتًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾)

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

   الشَّرْحُ الْحَدِيثُ هُوَ (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَحَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ مُفَسِّرٌ لِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ. (وَفِي رِوَايَةٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلانِيُّ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي بَابِ حِفْظِ اللِّسَانِ فِي قَوْلِهِ (لا يُلْقِي لَهَا بَالًا) أَيْ لا يَتَأَمَّلُهَا بِخَاطِرِهِ وَلا يَتَفَكَّرُ فِي عَاقِبَتِهَا وَلَا يَظُنُّ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ شَيْئًا وَهُوَ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ اﻫ)

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ فِي الْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ (لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَكَمَ عَلَى قَائِلِ الْكَلِمَةِ الْكُفْرِيَّةِ بِالْعَذَابِ فِي قَعْرِ النَّارِ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْحُكْمِ لِأَنَّهُ لا يَظُنُّ فِيهَا ضَرَرًا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، فَيُعْلَمُ مِنْ هُنَا أَنَّ مَنْ قَالَ كَلامًا كُفْرِيًّا وَهُوَ يَفْهَمُ مَعْنَى اللَّفْظِ كَفَرَ سَوَاءٌ عَرَفَ أَنَّ كَلامَهُ كُفْرِيٌّ أَمْ لَمْ يَعْرِفْ) وَلَا (يُشْتَرَطُ أَيْضًا لِلْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ) انْشِرَاحُ الصَّدْرِ (فَمَنْ قَالَ كَلامًا كُفْرِيًّا كَفَرَ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُنْشَرِحِ الصَّدْرِ) وَلا اعْتِقَادُ مَعْنَى اللَّفْظِ (فَمَنْ قَالَ الْكَلامَ الْكُفْرِيَّ بِإِرَادَتِهِ كَفَرَ وَلَوْ كَانَ لا يَعْتَقِدُ مَعْنَى الْكَلامِ الَّذِي قَالَهُ كَمَنْ يَقُولُ يَا ابْنَ اللَّهِ -وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ- وَهُوَ لا يَعْتَقِدُ لِلَّهِ ابْنًا. فَإِذًا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ مَعْرِفَةُ الْحُكْمِ وَلَا انْشِرَاحُ الصَّدْرِ وَلَا اعْتِقَادُ مَعْنَى اللَّفْظِ) كَمَا يَقُولُ كِتَابُ فِقْهِ السُّنَّةِ. وَكَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوُقُوعِ فِي الْكُفْرِ عَدَمُ الْغَضَبِ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ قَالَ (لَوْ غَضِبَ رَجُلٌ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ غُلامِهِ (أَيْ عَبْدِهِ) فَضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ (كَيْفَ تَضْرِبُ وَلَدَكَ أَوْ غُلامَكَ هَذَا الضَّرْبَ الْمُبَرِّحَ الْمُحَرَّمَ) أَلَسْتَ مُسْلِمًا فَقَالَ لَا (أَيْ لَسْتُ مُسْلِمًا) مُتَعَمِّدًا (أَيْ لَا عَلَى وَجْهِ سَبْقِ اللِّسَانِ) كَفَرَ) وَقَالَهُ غَيْرُهُ مِنْ حَنَفِيَّةٍ وَغَيْرِهِمْ.

   الشَّرْحُ هَذَا مَعْنَاهُ أَنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يَخْرُجُ مِنَ الإِسْلامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ الْخُرُوجَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ دِينًا غَيْرَهُ كَمَا هُوَ حَالُ كَثِيرٍ مِمَّنْ يَدَّعُونَ التَّصَوُّفَ وَهُمْ يَتَخَبَّطُونَ فِي الْكُفْرِ أَيْ أَنَّ الشَّخْصَ الَّذِي يَتَلَفَّظُ بِالْكُفْرِ الصَّرِيحِ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ سَوَاءٌ عَرَفَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كُفْرٌ أَمْ لَمْ يَعْرِفْ إِنَّمَا الشَّرْطُ مَعْرِفَةُ مَعْنَى اللَّفْظِ. وَكَذَلِكَ لَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَعْتَقِدَ بِقَلْبِهِ مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ بَلْ بِمُجَرَّدِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بِإِرَادَةٍ وَهُوَ يَفْهَمُ الْمَعْنَى كَفَرَ وَخَرَجَ مِنَ الإِسْلامِ. وَقَدْ شَذَّ سَيِّدُ سَابِقٍ فَإِنَّ لَهُ كِتَابًا سَمَّاهُ (فِقْهَ السُّنَّةِ) (انْظُرْ كِتَابَهُ ۲/٤٥٣) يَقُولُ فِيهِ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ (إِنَّ الْمُسْلِمَ لا يُعْتَبَرُ خَارِجًا عَنَ الإِسْلامِ وَلا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ إِلَّا إِذَا انْشَرَحَ صَدْرُهُ بِالْكُفْرِ وَاطْمَأَنَ قَلْبُهُ وَدَخَلَ فِي دِينٍ غَيْرِ الإِسْلامِ بِالْفِعْلِ) اهـ (وَهَذَا ضَلَالٌ مُبِينٌ. كُفْرٌ). وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُمَا ءَانِفًا وَمَوْضِعُ الشَّاهِدِ فِيهِ قَوْلُهُ ﷺ (لا يَرَى بِهَا بَأْسًا) أَيْ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنَ الْكَلامِ مَا يُخْرِجُ الإِنْسَانَ مِنَ الإِسْلامِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُنْشَرِحَ الْبَالِ وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُنْشَرِحِ الْبَالِ لِذَلِكَ الْقَوْلِ. وَلَيْسَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيْمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيْمَانِ وَلَكِنْ مَّنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ﴾ دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ سَيِّدُ سَابِقٍ لِأَنَّ هَذَا وَرَدَ فِي الْمُكْرَهِ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ لا يَكْفُرُ إِنْ كَانَ نُطْقُهُ بِالْكُفْرِ بِدُونِ انْشِرَاحِ صَدْرٍ لِذَلِكَ الْكُفْرِ وَإِنَّمَا يَكْفُرُ هَذَا الْمُكْرَهُ إِنِ انْشَرَحَ صَدْرُهُ حَالَةَ النُّطْقِ بِالْكُفْرِ لِمَا قَالَهُ مِنَ الْكُفْرِ كَمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ لِعَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ (هَلْ كُنْتَ شَارِحًا صَدْرَكَ حِينَ قُلْتَ مَا قُلْتَ أَمْ لا) فَقَالَ لا رَوَاهُ الإِمَامُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِهِ الإِشْرَافِ فَحَرَّفَ هَذَا الرَّجُلُ سَيِّدُ سَابِقٍ كَلامَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ مَا لَمْ يَقُلْهُ عَالِمٌ قَطُّ. (فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَكِنْ مَّنْ شَرَحَ﴾ يَعُودُ إِلَى الْمُكْرَهِ الَّذِي انْشَرَحَ صَدْرُهُ حِينَ النُّطْقِ فَهَذَا الَّذِي يَكْفُرُ، فَهَذَا الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ الِانْشِرَاحُ أَمَّا غَيْرُ الْمُكْرَهِ فَلَيْسَ مَحَلَّ هَذِهِ الآيَةِ)

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالرِّدَّةُ ثَلاثَةُ أَقْسَامٍ كَمَا قَسَّمَهَا (عُلَمَاءُ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ مِثْلُ) النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ شَافِعِيَّةٍ وَحَنَفِيَّةٍ وَغَيْرِهِمْ (مِنَ الْعُلَمَاءِ) اعْتِقَادَاتٌ (مَحَلُّهَا الْقَلْبُ) وَأَفْعَالٌ (مَحَلُّهَا الْجَوَارِحُ) وَأَقْوَالٌ (مَحَلُّهَا اللِّسَانُ) وَكُلٌّ يَتَشَعَّبُ (أَيْ يَتَفَرَّعُ) شُعَبًا (أَيْ فُرُوعًا) كَثِيرَةً (جِدًّا).

   الشَّرْحُ الرِّدَّةُ هِيَ قَطْعُ الإِسْلامِ وَتَحْصُلُ تَارَةً بِالْقَوْلِ وَتَارَةً بِالْفِعْلِ وَتَارَةً بِالِاعْتِقَادِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَذَاهِبَ الأَرْبَعَةَ متَّفِقَةٌ عَلَى تَقْسِيمِ الكُفْرِ إِلَى أَنْوَاعِهِ الثَّلَاثَة وَعَلَى هَذَا التَّقْسِيم كَانَ مُفْتِي بَيْرُوتَ الأَسْبَق عَبْدُ البَاسِطِ الفَاخُورِيُّ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ (الكِفَايَةُ لِّذَوِي العِنَايَةِ فِي أَحْكَامِ الرِّدَّةِ) وَهِيَ قَطْعُ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ الْإِسْلَامَ وَلَوْ امْرَأَةً بِنِيَّةِ الكُفْرِ أَوْ فِعْلٍ مُكَفِّرٍ أَوْ قَوْلٍ مُكَفِّرٍ سَوَاءٌ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً أَوْ اعْتِقَادًا أَوْ عِنَادًا) وَقَدِ اسْتَدَلُّوا (أَيِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) عَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ بِالْقُرْءَانِ الْكَريْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ﴾ فَإِنَّ هَذِهِ الآيَةَ يُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ الْكُفْرَ مِنْهُ قَوْلِيٌّ وَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ أَيْ لَمْ يَشُكُّوا وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْكُفْرَ مِنْهُ اعْتِقَادِيٌّ لِأَنَّ الِارْتِيَابَ أَيِ الشَّكَّ يَكُونُ بِالْقَلْبِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمِنْ ءايَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْكُفْرَ مِنْهُ فِعْلِيٌّ (فَهَذِهِ الآيَةُ القُرْءَانِيَّةُ الْعَظِيمَةُ اسْتَدَلَّ بِهَا العُلمَاءُ عَلَى أَنَّ مِنَ الكُفْرِ مَا يُسَمَّى كُفْرًا فِعْلِيًّا  كَالْسُّجُودِ لِلْشَمْسِ وَالْقَمَرِ أَوْ لِلْشَّيطَانِ أَوِ النَّارِ أَوْ رَمْيِ الْمُصْحَفِ فِي القَاذُورَاتِ أَوِ الدَّوْسِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ،كُلُّ هَذَا مُخْرِجٌ مِنْ دِينِ اللهِ) وَهَذَا التَّقْسِيمُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ بَلْ هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. (وَمِمَّن ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مُؤَلَّفَاتِهِ النَّوَوِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي (رَوْضَةِ الطَّالِبين) وابْنُ عَابِدِينَ الحَنَفِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ عَلى الدُّرِّ الْمُخْتَارِ) وَالْشَّيْخُ مُحَمَّدُ عِليشٍ الْمَالِكِيُّ الأَزْهَرِيُّ فِي شَرْحِ (مِنَحِ الجَلِيلِ) وَالْشَّيْخُ مَنْصُورٍ البُهُوتِيُّ الحَنْبَلِيُّ فِي شَرْحِ (مُنْتَهَى الْإِرَادَاتِ) وَكَذَلِكَ الْمُفْتِي الشَّيْخُ عَبْدُ البَاسِطِ الفَاخُورِيُّ مفْتِي بَيْرُوتَ الأسْبَق فِي كِتَابِهِ الكِفَايَةُ لِذَوِي العِنَايَةِ).

وَلْيُعْلَمْ أَنَّ مِنَ الِاعْتِقَادَاتِ مَا إِذَا طَرَأَ لِلإِنْسَانِ يُخْرِجُهُ مِنَ الإِسْلامِ فَمِنْ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ اعْتِقَادُ أَنَّ الْعَالَمَ أَزَلِيٌّ بِنَوْعِهِ وَتَرْكِيبِهِ أَوْ بِنَوْعِهِ فَقَطْ (مَعْنَاهُ يَكْفُرُ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْعَالَمَ أَزَلِيٌّ بِجِنْسِهِ وَأَفْرَادِهِ، أَوْ بِجِنْسِهِ فَقَطْ، وَهَذِهِ الْمَقَالَةُ تَكْذِيبٌ لِلْقُرْءَانِ فَاللهُ وَصَفَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ هُوَ فَقَطْ لَا ابْتَدَاءَ لِوُجُودِهِ قَالَ تَعَالَى ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ﴾ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ (كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ) رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأَجْمَعَ عُلَمْاءُ الإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ العَالَمَ جِنْسُهُ وَأَفْرَادُهُ أَيْ أَشْخَاصُهُ حَادِثٌ أَيْ مَخْلُوقٌ وَقَدْ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي كِتَابِهِ مِنْهَاجِ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة وَفِي كِتَابِهِ الْمُوَافَقَةِ “لَا مَانِعَ أَنْ نَقُولَ العَالَمُ أَزَلِيٌّ بِنَوْعِهِ لَا بِأَفْرَادِهِ” وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ. وَقَدْ أَجْمَعَ العُلَمَاءُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ يَقُولُ بِهَذَا الكَلَامِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الأَزَلِيَّةَ لِغَيْرِ اللهِ. وَقَوْلُ الْفَيْلَسُوفِ الْمُجَسِّمِ ابْنِ تَيمِيَة هَذَا لَيْسَ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ ﷺ بَلْ هُوَ دِينُ أَتْبَاعِ إِرَسْطُوا، وابْنُ تَيْمِيَةَ بَعْدَمَا ذَكَرَ هَذَا الِاعْتِقَادَ الكُفْرِيَّ نَسَبَهُ إِلَى عُلَمَاءِ الحَدِيثِ زُورًا وَبُهْتَانًا وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى الفَلَاسِفَة لِأَنَّهُ لَايُريدُ أَنْ يُنْسَبَ هُوَ إِلَيْهِم وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ صَارَ وَاحِدً مِنْهُم فَهُوَ فَيْلَسُوفٌ مُجَسِّمٌ ضَالٌّ كَافِرٌ، وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى. فَإِذًا يَكْفُرُ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْعَالَمَ أَزَلِيٌّ بِجِنْسِهِ وَأَفْرَادِهِ أَوْ بِجِنْسِهِ فَقَطْ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ) أَوِ اعْتِقَادُ (أَيْ مِنَ الِاعْتِقَادَاتِ الْكُفْرِيَّةِ كَذَلِكَ) مَا يُوجِبُ الْحُدُوثَ فِي اللَّهِ تَعَالَى كَاعْتِقَادِ أَنَّ مَشِيئَتَهُ حَادِثَةٌ (مَخْلُوقَةٌ) تَحْدُثُ لَهُ أَوْ أَنَّهُ تَحْدُثُ لَهُ مَشِيئَةُ شَىْءٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ شَائِيًا لَهُ أَوْ أَنَّ عِلْمَهُ حَادِثٌ (مَخْلُوقٌ) أَوْ أَنَّهُ يَحْدُثُ لَهُ عِلْمُ شَىْءٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ، لِأَنَّ حُدُوثَ صِفَةٍ فِي اللَّهِ يَسْتَلْزِمُ حُدُوثَ ذَاتِهِ وَالْحُدُوثُ يُنَافِي الأُلُوهِيَّةَ (كَمَا شَرَحْنَا قَبْلُ فِي آخِرِ الشَّهَادَةِ الأُولَى). وَكَذَلِكَ (مِنَ الِاعْتِقَادَاتِ الْكُفْرِيَّةِ) اعْتِقَادُ اللَّوْنِ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ اعْتِقَادُ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ فِي اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَاكِنًا لَكَانَ لَهُ أَمْثَالٌ لَا تُحْصَى وَلَوْ كَانَ مُتَحَرِّكًا لَكَانَ لَهُ أَمْثَالٌ لَا تُحْصَى وَهَذَا يُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالى﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾.

وَلْيُعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ مِنَ الأَفْعَالِ مَا يُخْرِجُ الإِنْسَانَ مِنَ الإِسْلَامِ وَمِنْ ذَلِكَ إِلْقَاءُ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ (وَلَوْ لَمْ يَقْصِدِ الاسْتِخْفَافَ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى الاسْتِخَفافِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ. وَمِنَ الأَفْعَالِ الْكُفْرِيَّةِ أَيْضًا إِلْقَاءُ أَوْرَاقِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْقَاذُورَاتِ أَوْ أَيِّ وَرَقَةٍ عَلَيْهَا اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى مَعَ العِلْمِ بِوجُودِ الاسْمِ فِيهَا وَمُختارًا لِفِعْلِهِ. وَاعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ هُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ رَمِي أَوْرَاقِ العُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَبَيْنَ تَرْكِ وَرَقَةٍ عَلَى الأَرْضِ تَكَاسُلًا، هَذَا الفِعْلُ قَالَ العُلمَاءُ فِيهِ إِنَّهُ لَيْسَ خُرُوجًا مِنَ الدِّينِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ اسْتِخْفَافًا. أَمَّا إِنْ تَرَكَهَا اسْتِخْفَافًا فإنَّهُ خُرُوجٌ مِنَ الدِّينِ) وَ(مِنَ الأَفعالِ الكُفْرِيَّةِ أيضًا) السُّجُودُ لِصَنَمٍ وَهُوَ مَا يَعْبُدُهُ الْكُفَّارُ مِنْ حَجَرٍ كَانَ أَوْ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَالسُّجُودُ لَهُ كُفْرٌ وَلَوْ كَانَ الشَّخْصُ مَازِحًا وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ مَنْ سَجَدَ لَهَا يَكْفُرُ وَكَذَلِكَ الْقَمَرُ (مَنْ سَجَدَ لَهُ يَكْفُرُ مُطْلَقًا أَىْ إِنْ قَصَدَ عِبَادَتَهُمَا أَوْ لَمْ يَقْصِدْ، مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى نِيَّتِهِ فَهَذَا كُفْرٌ وَرِدَّةٌ. وَأَمَّا السُّجُودُ لِإِنْسَانٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ عِنْدَئِذٍ كُفْرًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لَهُ كَأَنْ سَجَدَ لِإِنْسَانٍ لِلتَّحِيَّةِ فَقَطْ فَإِنَّهُ لا يَكُونُ كُفْرًا لَكِنَّهُ حَرَامٌ فِى شَرْعِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ وَكَانَ جَائِزًا فِى الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ كَمَا سَجَدَ الـمَلائِكَةُ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ. ولذلك قالَ المؤلفُ رحمهُ اللهُ) وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ سَجَدَ لإِنْسَانٍ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لَهُ. (اللهُ تَعَالَى لَهُ أَنْ يَأْمُرَ عِبَادَهُ بِمَا يَشَاءُ وَيَنْهَاهُم عَمَّا يَشَاءُ، وَكَانَ مِمَّا فَرَضَ اللهُ تَعَالَى عَلَى الْمَلَائِكَةِ أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَمَ تَحِيَّةً وَتَعْظِيمًا لَا عِبَادَةً لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ عِبَادَهُ بِأَنْ يَعْبُدُوا غَيْرَهُ، فَكَانَ جَائِزًا فِي ذَلِكَ الوَقْتِ الفِعْلُ الَّذِي فَعَلُوهُ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ وَكَانَ لَهُم فِيهِ حَقٌّ وَلَهُم فِيهِ ثَوَابٌ لِأَنَّ اللهَ أَمَرَهُم لَكِنْ بَعْدَ مَا أَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْوَحْيَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ صَارَ حَرَامًا أَنْ يَسْجُدَ أَحَدٌ لِأَحَدٍ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ لَمَّا قَدِمَ مِنَ الشَّامِ سَجَدَ لِرَّسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ الرَّسُولُ مَا هَذَا؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي رَأَيْتُ أَهْلَ الشَّامِ يَسْجُدُونَ لِبَطَارِقَتِهِم وَأَسَاقِفَتِهِم وَأَنْتَ أَوْلَى بِذَلِكَ فَقَالَ لَا تَفْعَل إِنَّي لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لأَمَرْتُ المَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لزَوْجِهَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وابْنُ مَاجَه وَغَيْرُهُمَا. وَفِي هَذَا الحَدِيثِ أَحْكَامٌ عِدَّةٌ مِنْهَا أَنَّ السُّجُودَ لِغَيْرِ اللهِ لَا يَكُونُ دَائِمًا كُفْرًا، فَإِذَا سَجَدَ إِنْسَانٌ لْإِنْسَانٍ إِنْ قَصَدَ إِحْتِرَامَهُ فَقَطْ دُونَ رَفْعِ هَذَا الشَّخْصِ إِلَى مَنْزِلَةِ الْأُلُوهِيَّةِ لَا يَكُونُ شِرْكًا إِنَّمَا يَكُونُ عَاصِيًا، هَذَا بالنِّسْبَةِ لِشَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَمَّا بِالْنِّسْبَةِ لِشَريعَةِ مَنْ قَبْلَ رَسُولِ اللهِ ﷺ كَانَ جَائِزًا سُجُودُ إِنْسَانٍ لإِنْسَانٍ لِلْاحْتِرَامِ دُونَ العِبَادَةِ بِدَلِيلِ سُجُودِ يَعْقُوبَ وَأَوْلَادِه وَكَذَلِكَ زَوْجَتِه لِوَلَدِهِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَكِنْ هَذَا نُسِخَ) وَمِنَ الأَفْعَالِ الْكُفْرِيَّةِ أَيْضًا كِتَابَةُ الْقُرْءَانِ بِالْبَوْلِ (هَذَا خُرُوجٌ مِنْ دِينِ اللهِ تَبارَكَ وَتَعالى، وَمَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الحَنَفِيَّةِ مِنْ جَوَازِ كَتْبِ الفَاتِحَةِ بِالْبَوْلِ لِلْاسْتِشْفَاءِ إِنْ عُلِمَ فِيهِ الشِّفَاءُ عَلَى زَعْمِهِمْ فَهُوَ كُفْرٌ وضَلَالٌ مُبِينٌ، أَنَّى يَكُونُ فِي ذَلِكَ شِفَاءٌ وَكَيْفَ يَتَصَوَّرُ عَاقِلٌ ذَلِكَ؟! كَيْفَ ذَلِكَ وَقَدْ نَصَّ الفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ تَقْلِيبِ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ بِالْإِصْبَعِ الْمَبْلُولَةِ بِالْبُصاقِ، كَيْفَ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ عِلَّيْشِ الْمَالِكِيُّ مُفْتِي الْمَالِكِيَّةِ فِي الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّ ذَلِكَ (يعني تَقْلِيبِ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ بِالْإِصْبَعِ الْمَبْلُولَةِ بِالْبُصَاقِ) رِدَّةٌ وَإِنْ كَانَ إِطْلَاقُ هَذَا القَوْلِ غَيْرَ سَدِيدٍ لَكِنْ تَحْرِيمُ ذَلِكَ لَيْسَ فِيهِ تَرَدُّدٌ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا القَوْلَ (أَيْ كِتَابَةَ الْفَاتِحَةِ بِالْبَوْلِ) الْمَذْهَبُ الْحَنَفِيُّ بَرِيءٌ مِنْهُ وَبَعْضُ مَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَالَ إِنَّ هَذَا القَوْلَ غَيْرُ مَنْقُولٍ أَيْ لَيْسَ لَهُ مَصْدَرٌ عَنْ ءَائِمَّةِ مَذْهَبِ الحَنَفِيِّ وَمَنْ نَسَبَهُ إِلَى الْمَذْهَبِ الحَنَفِيِّ فَقَدْ تَقَوَّلَ عَلَيْهِ) وَ(مِنَ الأَفْعَالِ الْكُفْرِيَّةِ أَيْضًا) الدَّوْسُ عَمْدًا عَلَى الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا كُتُبُ شَرْعٍ. (وَالدَّوْسُ عَلَى اسْمِ اللهِ عَامِدًا فالفُقَهَاءُ اعْتَبَرُوا مُجَرَّدَ الفِعْلِ رِدَّةً لِأَنَّ الفِعْلَ يَدُلُّ عَلَى قَصْدِ الاِسْتِهَانَةِ) وَأَمَّا الأَقْوَالُ الَّتِي تُخْرِجُ صَاحِبَهَا مِنَ الإِسْلَامِ فَهِيَ أَكْثَرُ وَأَكْثَرُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ (أَكْثَرُ خَطَايَا ابْنِ ءَادَمَ مِنْ لِسَانِهِ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ. ( فَهُوَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ارْتَقَى جَبَلَ الصَّفَا وَخَاطَبَ لِسَانَهُ قَائِلًا (يَا لِسَانُ، قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ، وَاسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ، مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْدَمَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ (أَكْثَرُ خَطَايَا ابْنِ ءَادَمَ مِنْ لِسَانِهِ) وَمِنْ هَذِهِ الْخَطَايَا الْكُفْرُ وَالْكَبَائِرُ لَاسِيَّمَا عِنْدَ الغَضَبِ وَالْخُصُومَةِ مَعَ النَّاسِ وَلَا يَخْفَى مَفَاسِدُ الغَضَبِ وَلَا يُحْصِيهَا إِلَّا اللهُ. الَّذِي يُمْدَحُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ هُوَ قِلَّةُ الكَلَامِ وَلَيْسَ كَثْرَةُ الكَلَامِ وَإِنْ كَانَ كَثيرٌ مِنَ الجَاهِلِينَ يُعِيبُونَ قِلَّةَ الكَلَامِ. إِذَا رَأَوْا إِنْسَانًا قَلِيلَ الكَلَامِ فَإِمَّا أَنْ يَحْمِلُوهُ عَلَى الْغَبَاوَةِ يَقُولُونَ هَذَا غَبِيٌّ لَوْ كَانَ ذَكِيًّا لَوْ كَانَ فَهِيمًا كَانَ تَكَلَّمَ كَانَ أكْثَرَ مِنَ الْكَلَامِ، لَكِنْ أَهْلُ الفَهْمِ والْحِكْمَةِ يَنْظُرُونَ إِلَى قِلَّةِ الكَلَامِ فَمَنْ وَجَدُوهُ قَلِيلَ الكَلَامِ كَانَ عِنْدَهُم مَحَلَّ حُسْنِ ظَنٍّ) وَكُلُّ قِسْمٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ يُخْرِجُ مِنَ الإِسْلَامِ بِمُفْرَدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ قِسْمٌ ءَاخَرُ أَيْ أَنَّ الأَقْوَالَ الْكُفْرِيَّةَ تُخْرِجُ مِنَ الإِسْلَامِ مِنْ دُونِ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا اعْتِقَادٌ أَوْ فِعْلٌ (وَكَذَلِكَ الِاعْتِقَادَاتُ الْكُفْرِيَّةُ تُخْرِجُ مِنَ الإِسْلَامِ مِنْ دُونِ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ آخَرُ، وَهَكَذَا) هَذَا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى مَا خَالَفَ ذَلِكَ.

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَمِنَ (الأَمْثِلَةِ عَلَى الْقِسْمِ) الأَوَّلِ (أَيِ الْكُفْرِ الِاعْتِقَادِيِّ) الشَّكُّ فِي (وُجُودِ) اللَّهِ (أَوْ فِي وَحْدَانِيَّتِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ لِلْحَوَادِثِ) أَوِ (الشَّكُّ) فِي (صِدْقِ) رَسُولِهِ (مُحَمَّدٍ ﷺ أَوْ رِسَالَتِهِ كَأَنْ شَكَّ هَلْ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ لَا) أَوِ (الشَّكُّ فِي) الْقُرْءَانِ (هَلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَوْ مِنْ عِنْدِ مُحَمَّدٍ ﷺ) أَوِ (الشَّكُّ فِي) الْيَوْمِ الآخِرِ (وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ هَلْ يَكُونُ أَوْ لَا) أَوِ (الشَّكُّ فِي) الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ (أَيْ فِي وُجُودِهِمَا فِي الآخِرَةِ) أَوِ (الشَّكُّ فِي) الثَّوَابِ أَوِ الْعِقَابِ (أَيْ فِي وُجُودِهِمَا فِي الآخِرَةِ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ (عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَيْ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إِجْمَاعًا ظَاهِرًا لِلْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ يَعْنِي مَا كَانَ مَعْلُومًا لِلْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، لَيْسَ كُلُّ مَا هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إِنْكَارُهُ كُفْرٌ) أَوِ اعْتِقَادُ قِدَمِ الْعَالَمِ (أَيْ مِنَ الِاعْتِقَادَاتِ الْكُفْرِيَّةِ أَيْضًا اعْتِقَادُ قِدَمِ الْعَالَمِ) وَأَزَلِيَّتِهِ بِجِنْسِهِ وَتَرْكِيبِهِ أَوْ بِجِنْسِهِ فَقَطْ أَوْ نَفْيُ صِفَةٍ (وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ (الثَّلاثَ عَشْرَةَ) الْوَاجِبَةِ لَهُ إِجْمَاعًا (وَلَوْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلامٍ) كَكَوْنِهِ عَالِمًا (أَوْ قَادِرًا أَوْ سَمِيعًا أَوْ بَصِيرًا أَوْ حَيًّا أَوْ مُرِيدًا).

   الشَّرْحُ أَنَّ مَنْ طَرَأَ لَهُ الشَّكُّ فِي وُجُودِ اللَّهِ كَفَرَ (والشَّكُّ نَقِيضُ الْيَقِينِ) وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ شَكَّ فِي رِسَالَةِ رَسُولٍ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ رِسَالَتُهُ مَعْلُومَةٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَوْ شَكَّ فِي نُزُولِ الْقُرْءَانِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ أَوْ شَكَّ فِي الْيَوْمِ الآخِرِ أَوِ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ أَنَّ هَذَا هَلْ يَكُونُ أَوْ لَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ مُطْلَقَ التَّرَدُّدِ هَلِ الْجَنَّةُ أَوِ النَّارُ مَوْجُودَتَانِ الآنَ كُفْرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَأَهْلُ الْحَقِّ عَلَى أَنَّ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ مَوْجُودَتَانِ الآنَ (وَشَذَّتِ الْمُعْتَزِلَةُ فَقَالَتْ إِنَّهُمَا الآنَ لَيْسَتَا مَوْجُودَتَيْنِ وَلَكِنَّهُمَا سَتُوجَدَانِ فِيمَا بَعْدُ. فَلَمْ يُكَفِّرِ الْعُلَمَاءُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا فَسَّقُوهُمْ. وَالْمُعْتَزِلَةُ الَّذِينَ يُكَفَّرُونَ يُكَفَّرُونَ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَقَالَاتِهِمْ). وَمِنَ الْكُفْرِ أَيْضًا اعْتِقَادُ قِدَمِ الْعَالَمِ وَأَزَلِيَّتِهِ بِجِنْسِهِ وَأَفْرَادِهِ كَمَا قَالَتْ قُدَمَاءُ الْفَلاسِفَةِ أَوْ بِجِنْسِهِ فَقَطْ كَمَا قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ (الفَيْلَسُوفُ الْمُجَسِّمُ) وَوَافَقَ فِيهِ الْفَلاسِفَةَ الْمُحْدَثِينَ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى كُفْرِ الْفَرِيقَيْنِ نَقَلَ ذَلِكَ الْمُحَدِّثُ الْفَقِيهُ الأُصُولِيُّ بَدْرُ الدِّينِ الزَّرْكَشِيُّ فِي تَشْنِيفِ الْمَسَامِعِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ مَنْ أَنْكَرَ صِفَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاجِبَةِ لَهُ إِجْمَاعًا كَصِفَةِ الْعِلْمِ وَالْحَيَاةِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْقُدْرَةِ وَلا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِالْجَهْلِ فِي ذَلِكَ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ (مَنْ نَفَى قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ كَافِرٌ بِالِاتِّفَاقِ). أَيْ بِلا خِلافٍ. فَإِنَّ الْعَقْلَ لَوْ لَمْ يَرِدْ نَصٌ بِإِثْبَاتِ الصِّفَاتِ الثَّلَاثَ عَشْرَةَ يُدْرِكُ ثُبُوتَ الْقُدْرَةِ الشَّامِلَةِ لِلَّهِ وَالْعِلْمِ الشَّامِلِ وَالإِرَادَةِ الشَّامِلَةِ وَوُجُوبَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ لَهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ وَهَكَذَا بَقِيَّةُ الصِّفَاتِ الثَّلَاثَ عَشْرَةَ (الصِّفَاتُ الثَلَاثَ عَشْرَةَ يُقَالُ لَهَا أُصُولُ العَقِيدَةِ فَمَنْ أَنْكَرَ صِفَةً وَاحِدَةً مِنْ هَذِهِ الثَلَاثَ عَشَرَ أَوْ شَّكَ فِي قَلْبِهِ فَهُوَ غَيْرُ مُؤْمِنٍ غَيْرُ مُسْلِمٍ عِنْدَ اللهِ لِأَنَّ هَذِهِ الثَلَاثَ عَشَرَ العَقْلُ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِهَا للهِ ولَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذِكْرٌ فيِ القُرْءَانِ مَعَ أَنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِي القُرْءَانِ بَعْضُهَا بِالْلَفْظِ وَبعْضُهَا بِالْمَعْنَى. فَلَا يُعْذَرُ فِي إِنْكَارِهَا أَوْ الشَّكِ فِيهَا أَحَدٌ ولَوْ كَانَ مِمَّنْ أَسْلَمَ اليَوْمَ وَلَوْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ وَلَوْ كَانَ عَاشَ بَعِيدًا مِنَ الْبَلَدِ الَّتِي فِيهَا أَهْلُ العِلْمِ لَا يُعْذَرُ فَهُوَ كَافِرٌ) أَمَّا الْوَجْهُ وَالْيَدُ وَالْعَيْنُ وَنَحْوُهَا مِمَّا وَرَدَ فِي النُّصُوصِ إِطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ صِفَاتٍ لَا جَوَارِحَ (أَيْ لَا عَلَى مَعْنَى الجُزْءِ وَالعُضْوِ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى العُضْوِ وَالْجُزْءِ) فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ فَلَا يَكْفُرُ مُنْكِرُ هَذِهِ الصِّفَاتِ جَهْلًا وَلْنَضْرِبْ لِذَلِكَ مِثَالًا شَخْصٌ سَمِعَ إِضَافَةَ الْعَيْنِ وَالْيَدِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَأَنْكَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ بِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُكَفَّرُ بَلْ يُعَلَّمُ أَنَّ هَذَا مِمَّا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ فَإِنْ أَنْكَرَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِوُرُودِ النَّصِّ فِي ذَلِكَ كُفِّرَ (فِي لُغَةِ العَرَبِ مَعْرُوفٌ إِطْلَاقُ اليَدِ عَلَى غَيْرِ هَذَا العُضْوِ عَلَى غَيْرِ الْجَارِحَةِ، وَكَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي لُغَةِ العَرَبِ إِطْلَاقُ الوَجْهِ عَلَى غَيْرِ مَعْنَى الجُزْءِ الْمَعْهُودِ مِنْ ابْنِ ءادَم، وَكَذَلِكَ وَرَدَ إِطْلَاقُ العَيْنِ عَلَى غَيْرِ مَعْنَى الجَارِحَةِ فَلِذَلِكَ إِذَا قَالَ إِنْسَانٌ عَيْنُ اللهِ أَوْ يَدُ اللهِ أَوْ وَجْهُ اللهِ لَا نُكَفِّرُهُ إِلَّا أَنْ يَقْصِدَ الجَارِحَةَ أَيْ هَذَا الجِسْمَ الجُزْءَ الْمَعْهُودَ مِنْ ابْنِ ءَادَم الَّذِي هُوَ مَعْرُوفٌ وَنَحْوُهُ أَوْ جَارِحَةُ العَيْنِ أَوْ جَارِحَةُ اليَدِ، مَنْ قَصَدَ ذَلِكَ فِي حَقِّ اللهِ يَكْفُرُ) وَكَذَلِكَ مَنْ أَنْكَرَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ فِي الْقُرْءَانِ تَسْمِيَةَ اللَّهِ بِذَلِكَ فَلَا يَكْفُرُ بَلْ يُقَالُ لَهُ هَذَا وَرَدَ شَرْعًا تَسْمِيَتُهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ﴾ [سُورَةَ الْحَشْرِ] الآيَةَ. (الْمُؤْمِنُ مَعْنَاهُ الَّذِي يَصْدُقُ عِبَادَهُ وَعْدَهُ وَيَفِي بِمَا ضَمِنَهُ لَهُمْ مِنْ رِزْقٍ فِي الدُّنْيَا وَثَوَابٍ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الْحَسَنَةِ فِي الآخِرَةِ، والْمُصَدِّقُ لأَنْبِيَائِهِ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ أَيَّدَ أَنْبِيَاءَهُ بِالْمُعْجِزَاتِ. فَرْقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْمُؤْمِنِ عَلَى اللهِ وَبَيْنَ إِطْلَاقِ لَفْظِ الْمُسْلِمِ عَلَى اللهِ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَلَى اللهِ مُسْلِمٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ أَيِ الْمُنْقَادَ، وَاللهُ يُنْقَادُ لَهُ لَا يَنْقَادُ لِغَيْرِهِ) فَإِذَا قِيلَ لِشَخْصٍ إِنَّ لِلَّهِ وَجْهًا وَيَدًا وَعَيْنًا فَأَنْكَرَ وَقَالَ (لَا يَجُوزُ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ) لِأَنَّهُ مَا عَلِمَ وُرُودَ إِضَافَةِ هَذَا فِي النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ إِلَى اللَّهِ فَلَا يُكَفَّرُ إِنَّمَا يُكَفَّرُ مَنْ نَفَى ذَلِكَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِثُبُوتِهِ فِي النَّصِّ أَمَّا إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذِكْرِ ذَلِكَ فِي الْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ هَذَا وَرَدَ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ فَيَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تُصَدِّقَ بِذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْوَجْهَ لَيْسَ جَارِحَةً كَوَجْهِ الْخَلْقِ أَيْ لَيْسَ حَجْمًا وَعَلَى أَنَّ عَيْنَ اللَّهِ لَيْسَتْ جَارِحَةً كَعَيْنِ الْخَلْقِ وَعَلَى أَنَّ يَدَ اللَّهِ لَيْسَتْ جَارِحَةً كَيَدِ الْخَلْقِ فَيُعَلَّمُ بِأَنَّ وَجْهَ اللَّهِ وَيَدَهُ وَعَيْنَهُ لَيْسَتْ جَوَارِحَ لِأَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الْجَوَارِحِ (وَالأَعْضَاءِ) وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ لِلَّهِ وَجْهًا أَوْ عَيْنًا أَوْ يَدًا بِمَعْنَى الْجَارِحَةِ كَافِرٌ (وَلْيُعْلَمْ أَنَّ اِتِّفَاقَ اللَّفْظِ لَا يَعْنِي اِتِّفَاقَ الْمَعْنَى) فَإِذَا عُرِفَ هَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي الْجَهْلِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ وَنَحْوِهَا مِنْ صِفَاتِهِ (أَيْ صِفَاتِهِ الوَاجِبَةِ لَهُ تَعَالَى، مَنْ أَنْكَرَ صِفَةً مِنْهَا فَإِنَّهُ كَافِرٌ) مَهْمَا بَلَغَ الْجَهْلُ بِصَاحِبِهِ (لِأَنَّهَا تُدْرَكُ بِطَرِيقِ العَقْلِ كَمَا وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي الشَّرْعِ) وَكُنْ عَلَى ذُكْرٍ وَاسْتِحْضَارٍ لِنَقْلِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ الإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا. (تَنْبِيهٌ: يَكْفُرُ مَنْ أَطْلَقَ عَلَى اللهِ الأُذُنَ لِأَنَّهُ مَا وَرَدَ إِطْلَاقُ الأُذُنِ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى لَا فِي القُرْءَانِ وَلَا فِي الحَدِيثِ فَفَرْقٌ بَيْنَ إِطْلَاقِ اليَدِ عَلَى اللهِ أَوْ العَيْنِ أَوْ الوَجْهِ وَبَيْنَ إِطْلَاقِ الأُذُنِ عَلَى اللهِ. الَّذِي يُطْلِقُ العَيْنَ أَوِ اليَدَ أَوِ الوَجْهَ عَلَى اللهِ لَا يَكْفُرُ إِلَّا إِذَا قَصَدَ الجُزءَ الَّذِي نَعْهَدُهُ مِنْ أَنْفُسِنَا، أَمَّا الأُذُنُ فَبِمَا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي القُرْءَانِ وَلَا فِي الحَدِيثِ إِطْلَاقُهُ عَلَى اللهِ فَمَنْ قَالَ أُذُنُ اللهِ نُكَفِّرُهُ وَمَنْ قَالَ إِنَّ للهِ أُذُنًا كَفَّرْنَاهُ وَلَا نَنْظُرُ إِلَى تَأْوِّيلِهِ فَلَوْ قَالَ أَنَا مَا أَرَدْتُ إِثْبَاتَ الجَارِحَةِ للهِ إِنَّمَا أَرَدْتُّ أَنَّهُ يَسْمَعُ، نُكَفِّرُهُ. لِمَاذَا لَا يَقُولُ إِنَّ اللهَ يَسْمَعُ لِمَاذَا يَقُولُ إِنَّ للهِ أُذُنًا، وَهَكَذَا كُلُّ مَا لَمْ يَرِدْ إِطْلَاقُهُ فِي القُرْءَانِ أَوْ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَلَى اللهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ)

(تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ جِدًا: لَا يَجُوزُ الشَّكُّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَمَنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ كَفَرَ، وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ. بَعْضُ النَّاسِ الْتَبَسَ عَلَيْهِمُ الأَمْرُ عِنْدَمَا سَمِعُوا بِقِصَّةِ رَجُلٍ كَانَ مُسْرِفًا عَلَى نَفْسِهِ، كَانَ نَبَّاشًا لِلْقُبُورِ، يَنْبُشُ القُبُورَ وَيأْخُذُ الأَكْفَانَ الجَدِيدَةَ قَبْلَ أَنْ تَتَغَيَّرَ، فَيَبِيعُهَا وَيَأْكُلُ ثَمَنَهَا، هَذَا قَبْلَ هَذِهِ الأُمَّةِ الـمُحَمَّدِيَّةِ، لَكِنَّهُ كانَ مُسْلِمًا، فَهَذَا الرَّجُلُ عِنْدَ مَوْتِهِ، مِنْ شِدَّةِ خَوْفِهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ تَعَالَى، أَوْصَى بَنِيهِ بِوصِيَّةٍ، قَالَ لَهُمْ “إِذَا أَنَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي، وَذُرُّوا رَمَادِي في البَحْرِ، في يَوْمٍ شَدِيدِ الرِّيح، فَلَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيَّ عَذَّبَنِي عَذَابًا لا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا“. فَمَعْنَى قَوْلِهِ “لَئِنْ قَدَر اللهُ عَلَيَّ” أَيْ إِنْ ضَيَّقَ عَلَيَّ، أيْ إِنْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَنِي يُعَذِّبُنِي عَذَابًا عَظِيمًا، هَذَا مُرَادُهُ، بَعْضُ النَّاسِ مِنَ الَّذِينَ عَقِيدَتُهُمْ فَاسِدَةٌ قَالَ هَذَا الحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَجْهَلُ بَعْضَ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى لَا يَكْفُرُ. مَنْ قَالَ ذَلِكَ زَاغَ عَنِ الحَقِّ، كَافِرٌ. مَنْ نَفَى قَدْرَةَ اللهِ عَلَى شَيْءٍ كَافِرٌ بِالاتِّفَاقِ أَيْ بِالإِجْمَاعِ، لأنَّ قُدْرَةَ اللهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ هذا يَدُلُّ عَلَيْهِ العَقْلُ، كَيْفَ يُعْذَرُ مَنْ جَهِلَهُ؟! لا يُعذَرُ في هَذا أَحَدٌ، إِنَّمَا هَذَا الرَّجُلُ قَوْلُهُ “لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيَّ“، مَعْنَاهُ إِنْ ضَيَّقَ عَلَيَّ، أَيْ إِنْ عَذَّبَنِي، لأَنَّ في لُغَةِ العَرَبِ يُقَالُ قَدَرْتُ عَلَيْهِ أَيْ ضَيَّقْتُ عَلَيْهِ، وَقَدَرْتُ عَلَيْهِ بِمَعْنَى أَنَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَصَرَّفَ فِيهِ، قَدَرَ تَأْتِي بِمَعْنَييْنِ، وَالدَّلِيلُ مِنَ القُرْءَانِ عَلَى أَنَّ كَلِمَةَ قَدَرَ تَأتي بِمَعْنَى ضَيَّقَ قَوْلُ اللهِ تَعالى ﴿اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ وَيَقْدِرُ أَيْ يُضيِّقُ، وَقَوْلُهُ تعالى ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ أَيْ ظَنَّ سيدُنَا يُونُسُ أَنْ لَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْهِ. هَؤُلاءِ الـمَفْتُونُونَ الَّذِينَ عَقِيدَتُهُمْ فَاسِدَةٌ بَعْضُهُمْ فَسَّرَ هَذَا الحَدِيثَ بِأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَشُكُّ في قُدْرَةِ اللهِ عَلَيْهِ أَنْ يُعَذِّبَهُ. فَقَالَ بِزَعْمِهِ “هَذَا مَعْذُورٌ، وَهَكَذَا الجَهْلُ بِبَعْضِ صِفَاتِ اللهِ تَعَالَى يُعْذَرُ فِيهِ الإنْسَانُ” وَهَذَا كُفْرٌ وَضَلَالٌ، وَقَائِلُ هَذَا هُوَ ابْنُ قُتَيْبَةَ، هَذَا لَهُ تَآلِيفُ مَشْهُورَةٌ، وَهُوَ مِنَ الـمُجَسِّمَةِ، مِنَ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللهَ جِسْمٌ، مِثْلُ ابنِ تَيْمِيَةَ، هَذَا زَيْغٌ وَضَلالٌ كَبِيرٌ، اعْتِقَادُ أَنَّ مَنْ شَكَّ في قُدْرَةِ اللهِ لِجَهْلِهِ لَا يَكْفُر كُفْرٌ.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، قَالَ لِبَنِيهِ إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ فَوَاللَّهِ لَئَِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا، فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَقَالَ اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ ؟ قَالَ يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ. رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثُ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَصِحُّ حَمْلُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ قُدْرَةِ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّاكَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَافِرٌ وَقَدْ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ إِنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْكَافِرُ لَا يَخْشَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يُغْفَرَ لَهُ. قَالَ هَؤُلَاءِ فَيَكُونُ لَهُ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ لَئِنْ قَدَّرَ عَلَيَّ الْعَذَابَ أَيْ قَضَاهُ يُقَالُ مِنْهُ قَدَرَ بِالتَّخْفِيفِ وَقَدَّرَ بِالتَّشْدِيدِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالثَّانِي إِنْ قَدَرَ هُنَا بِمَعْنَى ضَيَّقَ عَلَيَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ اللَّفْظُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَكِنْ قَالَهُ هَذَا الرَّجُلُ وَهُوَ غَيْرُ ضَابِطٍ لِكَلَامِهِ وَلَا قَاصِدٍ لِحَقِيقَةِ مَعْنَاهُ وَمُعْتَقِدٍ لَهَا بَلْ قَالَهُ فِي حَالَةٍ غَلَبَ عَلَيْهِ فِيهَا الدَّهْشُ وَالْخَوْفُ وَشِدَّةُ الْجَزَعِ بِحَيْثُ ذَهَبَ تَيَقُّظُهُ وَتَدَبُّرُ مَا يَقُولُهُ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْغَافِلِ وَالنَّاسِي وَهَذِهِ الْحَالَةِ لايؤاخَذُ فِيهَا وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ الْقَائِلِ الْآخَرِ الَّذِي غَلَبَ عَلَيْهِ الْفَرَحُ حِينَ وَجَدَ رَاحِلَتَهُ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ فَلَمْ يَكْفُرْ بِذَلِكَ الدَّهْشِ وَالْغَلَبَةِ وَالسَّهْوِ اهـ كَلَامُ النَّوَوِيِّ.

أَمَّا الفَيْلَسُوفُ الْمُجَسِّمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، فَقَدْ أَوْرَدَ هَذَا الحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ “فَهَذَا رَجُلٌ شَكَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ وَفِي إعَادَتِهِ إذَا ذُرِّيَ، بَلْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يُعَادُ، وَهَذَا كُفْرٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ كَانَ جَاهِلًا لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ وَكَانَ مُؤْمِنًا يَخَافُ اللَّهَ أَنْ يُعَاقِبَهُ فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِك” (أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الكُفْرِ وَالضَّلَالِ. هَذَا كَلَامٌ فِيهِ ضَلَالٌ مُبِينٌ، وَهَذَا الكَلَامُ ذَكَرَهُ الفَيْلَسُوفُ الْمُجَسِّمُ ابْنُ تَيْمِيَةَ الحَرَّانِيُّ فِي مَجْمُوعِ البَلَاوَى، فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ الْمُسَمَّى مَجْمُوعُ الفَتَاوَى ج٣ ص۲٣١ . ثُمَّ يَقُولُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَا نَصُّهُ “لَكِنَّهُ كَانَ مَعَ إيمَانِهِ بِاَللَّهِ وَإِيمَانِهِ بِأَمْرِهِ وَخَشْيَتِهِ مِنْهُ جَاهِلًا بِذَلِكَ ضَالًّا فِي هَذَا الظَّنِّ مُخْطِئًا. فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ” (وَهَذَا أَيْضًا كُفْرٌ وَضَلَالٌ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي مَجْمُوعِ البَلَاوَى الْمَعْرُوفِ بِـمَجْمُوعِ الفَتَاوَى) ج١١ ص٤٠٩. وَقَدْ رَدَّ ابْنُ الجَوْزِيِّ قَوْلَ ابْنِ قُتَيْبَةَ “قَدْ يَغْلَطُ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُكفَّرُونَ بِذَلِكَ”، فَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ جَحْدُهُ صِفَةَ القُدْرَةِ كُفْرٌ اِتِّفَاقًا (أَيْ بِالْإِجْمَاعِ). اهـ فَتْحُ البَارِي، ج٦، ص ٥۲٣، دَارُ الْمَعْرِفَةِ، بَيْرُوت)

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَوْ نِسْبَةُ مَا يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْهُ إِجْمَاعًا كَالْجِسْمِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مَنْ نَسَبَ إِلَى اللَّهِ الْجِسْمِيَّةَ وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ جِسْمٌ أَوْ قَالَ ذَلِكَ كَفَرَ. وَالْجِسْمُ هُوَ كُلُّ شَىْءٍ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ كَبُرَ كَالْعَرْشِ أَوْ صَغُرَ كَالْخَرْدَلَةِ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ دُونَ الْخَرْدَلَةِ كَالْهَبَاءِ وَهُوَ مَا يُرَى فِي ضَوْءِ الشَّمْسِ النَّافِذِ مِنَ الْكَوَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْجِدَارِ وَمَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ فَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ أَوْ قَالَ بِلِسَانِهِ إِنَّهُ جِسْمٌ فَقَدِ ارْتَدَّ لِأَنَّ اللَّهَ يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جِسْمًا صَغِيرًا كَالْهَبَاءِ لَكَانَ لَهُ مِثْلٌ وَلَوْ كَانَ جِسْمًا كَبِيرًا كَالْعَرْشِ لَكَانَ مِثْلًا لَهُ فَلَمْ يَصْلُحْ لِلأُلُوهِيَّةِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مِثْلَ شَىْءٍ مِمَّا بَيْنَهُمَا. وَلا عِبْرَةَ بِقَوْلِ بَعْضِ الْمُؤَلِّفِينَ إِنَّ الَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ لا يُكَفَّرُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجِسْمِيَّةَ تُنَافِي الأُلُوهِيَّةَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ اللَّهُ جِسْمًا لَطِيفًا كَالنُّورِ وَالظَّلامِ وَالرِّيحِ أَوْ جِسْمًا كَثِيفًا كَالإِنْسَانِ وَالنَّجْمِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَمْ يَكُنْ خَالِقًا لِهَذِهِ الأَجْسَامِ لِأَنَّ الْعَقْلَ لا يَقْبَلُ أَنْ يَخْلُقَ الْجِسْمُ جِسْمًا (لِأَنَّ أَحَدَ الجِسْمَيْنِ لَيْسَ أَوْلَى بِالخَالِقِيَّةِ مِنَ الآخَرِ، لِأَنَّ هَذَا جِسْمٌ وَهَذَا جِسْمٌ؛ فَلَوْ كَانَتْ تَجُوزُ الخَالِقِيَّةُ لِأَحَدِهِمَا لَجَازَتْ لِلآخَرِ، فَلَوْ وُصِفَ أَحَدُهُمَا بِهَا دُونَ الآخَرِ لَاحْتَاجَ إِلَى مُخَصِّصٍ خَصَّهُ بِذَلِكَ؛ وَلَوْ كَانَ هَذَا يَجُوزُ، لَكَانَ جَائِزًا عَلَى الآخَرِ أَيْضًا، لِأَنَّ الْمُتَمَاثِلَاتِ يَجُوزُ عَلَيْهَا مَا يَجُوزُ عَلَى بَعْضِهَا، مَا جَازَ عَلَى بَعْضِهَا جَازَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا لِأَنَّهَا مُتَمَاثِلَةٌ) وَلَوْ كَانَ يَصِحُّ أَنْ يَخْلُقَ الْجِسْمُ جِسْمًا لَصَحَّ لِلشَّمْسِ أَنْ تَكُونَ إِلَهًا لَكِنَّ الْعَقْلَ يَمْنَعُ ذَلِكَ (العَقْلُ لَا يُجِيزُ الأُلُوهِيَّةَ لِلشَّمْسِ) وَاللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ بِاسْتِعْمَالِ الْعَقْلِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ في مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَىْءٍ(أَيْ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لِلِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ؟ التَّفَكُّرُ الصَّحِيحُ فِي الشَّمْسِ يَدُلُّ عَلَى عَظَمَةِ اللَّهِ، وَالتَّفَكُّرُ الصَّحِيحُ فِي القَمَرِ يَدُلُّ عَلَى عَظَمَةِ اللَّهِ، وَالنَّظَرُ فِي كُلِّ جِسْمٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الجِسْمَ مَخْلُوقٌ مُحْتَاجٌ إِلَى خَالِقٍ قَادِرٍ خَلَقَهُ. إِذًا الجِسْمِيَّةُ تُنَافِي الأُلُوهِيَّةَ، الجِسْمِيَّةُ تَقْتَضِي الاِحْتِيَاجَ وَالافْتِقَارَ، وَالْمُحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ ضَعِيفٌ، وَالضَّعِيفُ لَا يَسْتَحِقُّ الأُلُوهِيَّةَ. فَإِذَا وَاحِدٌ قَاصِرُ الفِكْرِ، سَخِيفُ العَقْلِ، قَالَ “أَنْتُمْ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ بِهَذَا الكَلَامِ؟” تَقُولُونَ لَهُ نَحْنُ عَلَى سَنَنِ الأَنْبِيَاءِ فِي هَذَا. إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَاذَا اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالكَوَاكِبَ لَا تَصْلُحُ لِلأُلُوهِيَّةِ؟ بِتَحَوُّلِهَا مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَالتَّحَوُّلُ مِنْ أَوْصَافِ الجِسْمِ. فَإِذَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ “إِبْرَاهِيمُ اسْتَدَلَّ بِغِيَابِ الشَّمْسِ مِنْ بَابِ ذَهَابِ قُوَّتِهَا، لَا لِأَنَّهَا تَتَغَيَّرُ” تَقُولُ لَهُ لَا، هِيَ الشَّمْسُ مَا ذَهَبَتْ قُوَّتُهَا، إِنَّمَا هِيَ غَابَتْ عَنْهُمْ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ الأَرْضِ، الشَّمْسُ تَكُونُ ظَاهِرَةً مَا غَابَتْ، مَا ذَهَبَتْ قُوَّتُهَا، إِنَّمَا الَّذِي حَصَلَ أَنَّهَا تَغَيَّرَتْ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَجْهَلُ ذَلِكَTop of Form

 

Bottom of Form). وَأَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى احْتِجَاجِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الأُلُوهِيَّةِ لِلْكَوْكَبِ وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ بِكَوْنِ الثَّلاثَةِ جِسْمًا يَتَحَوَّلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ وَالتَّحَوُّلُ مِنْ أَوْصَافِ الْجِسْمِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ جِسْمًا وَلا يَكُونُ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْجِسْمِ كَالتَّحَوُّلِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ كَتَحَوُّلِ الشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ. (وَقَدْ قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ الْمُجَسِّمُ كَافِرٌ اﻫ نَقَلَهُ عَنْهُ السُّيُوطِيُّ فِي الأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ. وَقَدْ أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ تَكْفِيرَ الْمُجَسِّمَةِ وَذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّلاةِ بَابِ صِفَةِ الأَئِمَّةِ اﻫ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ فِي الْمَنْهَجِ الْقَوِيْمِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَرَافِيَّ وَغَيْرَهُ حَكَوْا عَنِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْقَوْلَ بِكُفْرِ الْقَائِلِينَ بِالْجِهَةِ وَالتَّجْسِيمِ وَهُمْ حَقِيقُونَ بِذَلِكَ اﻫ  بَلْ نَصَّ ابْنُ تَيْمِيَةَ عَلَى تَكْفِيرِ الْمُجَسِّمِ فَقَالَ “بَلْ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ يُكَفِّرُونَ الْمُشَبِّهَةَ وَالْمُجَسِّمَةَ” ذَكَرَ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ رِسَالَةَ الْفَتْوَى الْحَمَوِيَّةِ الْكُبْرَى. فَبِهَذَا يَكُونُ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّكْفِيِرِ حَيْثُ إِنَّهُ مِنْ رُؤُوسِ الْمُشَبِّهَةِ الْمُجَسِّمَةِ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ تَنَاقُضَاتِهِ)

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَوْ تَحْلِيلُ مُحَرَّمٍ بِالإِجْمَاعِ مَعْلُومٍ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ (أَنَّهُ حَرَامٌ بِأَنِ اشْتَهَرَ ذَلِكَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْعَامَّةِ وَكَانَ ذَلِكَ الأَمْرُ الْمُحَرَّمُ) مِمَّا لا يَخْفَى عَلَيْهِ (حُكْمُ تَحْرِيْمِهِ فِي الشَّرْعِ) كَالزِّنَى وَاللِّوَاطِ وَقَتْلِ الْمُسْلِمِ (بِغَيْرِ حَقٍّ) وَالسَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ. (أَمَّا إِنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالإِسْلامِ وَلَمْ يَعْلَمْ تَحْرِيْمَ الْمُسْلِمِينَ لِذَلِكَ فَقَالَ عَنْهُ إِنَّهُ حَلالٌ فَلَا يَكْفُرُ إِذَا كَانَ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ حَرَامٌ بَلْ يَظُنُّ لِجَهْلِهِ أَنَّهُ جَائِزٌ فِي الشَّرْعِ فَلَا يَكْفُرُ فَالأَمْرُ الْمُحَرَّمُ وَالْجَائِزُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمَكْرُوهُ وَالْمُبَاحُ هَذِهِ أَشْيَاءُ لَا يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِمَعْرِفَتِهَا إِنَّمَا لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الْخَبَرِ، فَلَا تُعْرَفُ هَذِهِ الأَحْكَامُ إِلَّا بِالْخَبَرِ فَإِنْ جَهِلَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأَشْيَاءِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِأَصْلِ مَعْنَى الشَّهَادَتَيْنِ لَا يُعَدُّ غَيْرَ عَارِفٍ بِاللَّهِ أَوْ بِرَسُولِهِ، إِنَّمَا جَهِلَ حُرْمَةَ شَىْءٍ هُوَ حَرَامٌ فَظَنَّ الْعَكْسَ وَقَالَ الْعَكْسَ فَلَا يُكَفَّرُ لِأَنَّهُ لا سَبِيلَ لَهُ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إِلَّا بِالسَّمَاعِ وَهُوَ تَوَهَّمَ غَيْرَ ذَلِكَ، ظَنَّ أَنَّ الدِّينَ غَيْرُ هَذَا، مَثَلًا فِي بَعْضِ النَّوَاحِي الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ الْحُكْمِ الشَّيُوعِيِّ كَانَتْ مَعْدُودَةً مِنْ ضِمْنِ الِاتِّحَادِ السُّوفْيَاتِيِ السَّابِقِ بَعْضُ النَّاسِ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ عَمِّهِ الَّذِي هُوَ أَخُو أَبِيهِ ظَنُّوا هَكَذَا الشَّرْعُ سُئِلَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ فَقَالَ لَا يُكَفَّرُونَ اهـ ظَنُّوا أَنَّ هَذَا دِينُ اللَّهِ هَكَذَا يَعْرِفُونَ، مَعَ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ لَكِنْ هَؤُلاءِ نَشَؤُوا هَكَذَا يَسْمَعُونَ، لِأَجْلِ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ مِمَّا لا يَخْفَى عَلَيْهِ حُرْمَتُهُ. وَفِي زَمَانِ سَيِّدِنَا عُمَرَ شَخْصٌ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ الزِّنَا يَجُوزُ فَسَيِّدُنَا عُمَرُ مَا كَفَّرَهُ لِأَنَّ ذَاكَ مَا سَمِعَ قَطُّ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ كَانَ بَعِيدًا عَنِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ عُمَرُ عَلِّمُوهُ. إِذًا الأَمْرُ مَرْبُوطٌ فِي أَنَّهُ هَلْ سَمِعَ أَمْ لَمْ يَسْمَعْ، وَأَمَّا بِالْعَقْلِ وَحْدَهُ فَلا يَتَوَصَّلُ الإِنْسَانُ إِلَى مَعْرِفَةِ الأَحْكَامِ، فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ سَيِّدَنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ وَوَلَدُهُ كَانَ مُسْلِمًا طَائِعًا وَتَنْفِيذُهُ لِأَمْرِ رَبِّهِ لَا يُقَالُ عَنْهُ حَرَامٌ إِنَّمَا هُوَ حَلَالٌ يُثَابُ عَلَيْهِ وَيُؤْجَرُ، فَمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ فَهُوَ الْحَلالُ وَمَا حَرَّمَهُ فَهُوَ الْحَرَامُ)

   الشَّرْحُ أَنَّهُ يَكْفُرُ مَنِ اعْتَقَدَ حِلَّ مُحَرَّمٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مَعْلُومٍ ظَاهِرٍ بَيْنَهُمْ بِالضَّرُورَةِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَفْكِيرٍ وَاسْتِدْلالٍ وَمِنْ هَذِهِ الأَشْيَاءِ الزِّنَى وَاللِّوَاطُ وَالْقَتْلُ وَالسَّرِقَةُ وَالْغَصْبُ هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنِ الشَّخْصُ مَعْذُورًا أَمَّا إِنْ كَانَ الشَّخْصُ مَعْذُورًا بِأَنْ كَانَ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ كَأَنْ كَانَ أَسْلَمَ مِنْ قَرِيبٍ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُحَرِّمُونَ الزِّنَى وَقَالَ بَعْدَمَا أَسْلَمَ إِنَّ الزِّنَى لَيْسَ حَرَامًا فَلَا نُكَفِّرُهُ بَلْ نُعَلِّمُهُ.

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَوْ تَحْريِمُ حَلالٍ ظَاهِرٍ كَذَلِكَ (أَيْ مَعْلُومٍ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ) كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ (فَمَنْ حَرَّمَهُمَا فَقَدْ كَفَرَ).

   الشَّرْحُ أَنَّ مَنْ حَرَّمَ أَيْ جَعَلَ مُوجِبًا لِلْعَذَابِ فِي الآخِرَةِ شَيْئًا هُوَ حَلالٌ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مَعْلُومٌ حِلُّهُ بَيْنَهُمْ عِلْمًا ظَاهِرًا يَعْرِفُ ذَلِكَ الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ أَيِ الزِّوَاجِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّحْريِمِ هُنَا أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ شَىْءٍ مَعَ اعْتِقَادِ حِلِّهِ كَقَوْلِ الرَّجُلِ حَرَامٌ عَلَيَّ أَكْلُ اللَّحْمِ (أَيْ أَمْتَنِعُ مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ) فَإِنَّهُ لا يَكْفُرُ عِنْدَئِذٍ .

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَوْ نَفْيُ وُجُوبِ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ كَذَلِكَ (بِأَنْ كَانَ وُجُوبُهُ ظَاهِرًا مَعْرُوفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَالِمِهِمْ وَجَاهِلِهِمْ) كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْ سَجْدَةٍ مِنْهَا وَ (وُجُوبِ) الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ (فِي رَمَضَانَ) وَالْحَجِّ وَالْوُضُوءِ (فَمَنِ اعْتَقَدَ عَدَمَ وُجُوبِ أَمْرٍ مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ فَقَدْ كَفَرَ).

   الشَّرْحُ أَنَّ مِمَّا يُخْرِجُ مِنَ الإِسْلامِ نَفْيَ وُجُوبِ مَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِهِ وَعُلِمَ بِظُهُورٍ وَوُضُوحٍ يَشْتَرِكُ فِي مَعْرِفَتِهِ الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ (مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ) كَإِنْكَارِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَإِنْكَارِ سَجْدَةٍ مِنْهَا وَإِنْكَارِ الزَّكَاةِ وَإِنْكَارِ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَإِنْكَارِ وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ وَإِنْكَارِ وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ فَهَذَا رِدَّةٌ وَكُفْرٌ. (أَمَّا الَّذِينَ أَنْكَرُوا وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ مَا كَفَرُوا لِأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُم﴾ لِأَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿خُذْ﴾ أَيْ يَا مُحَمَّدُ فَفَهِمُوا أَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَيْسَ عَلَيْهِمْ دَفْعُهَا لِأَنَّهُ قَدْ مَاتَ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِأَخْذِهَا مِنْهُمْ، وَلَمْ يَفْهَمُوا أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ عَامٌّ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ. وَقِتَالُ أَبِي بَكْرٍ لَهُمْ في الزمنِ الذي قاتلَ فيهِ المرتدينَ لَيْسَ لِأَجْلِ كُفْرِهِمْ بَلْ لِأَنَّهُمُ امْتَنَعُوا عَنْ دَفْعِ حَقٍّ وَلَجَئُوا لِلْقِتَالِ وَكَانُوا ذَوِي شَوْكَةٍ أَيْ قُوَّةٍ)

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَوْ إيِجَابُ مَا لَمْ يَجِبْ إِجْمَاعًا كَذَلِكَ (كَمَنْ أَوْجَبَ زِيَادَةَ رَكْعَةٍ عَلَى رَكْعَتَيْ فَرْضِ الصُّبْحِ).

   الشَّرْحُ أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ مَا لَمْ يَجِبْ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ أَمْرًا ظَاهِرًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ (أَيْ يَعْرِفُهُ العَالِمُ وَالجَاهِلُ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ) أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فَهُوَ كَافِرٌ.  

وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

 

لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/xCytVsPp5kI

 

لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ:  https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-8