#8
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ.
(الْـحَشْرُ)
(وَالْـحَشْرُ حَقٌّ) يَـجِبُ الإِيـمَانُ بِهِ (وَهُوَ أَنْ يُـجْمَعُوا بَعْدَ الْبَعْثِ إِلَـى مَكَانٍ) وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ الشَّامُ لَكِنَّهُ يُوَسَّعُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِيَسَعَ الْـجَمِيعَ ثُـمَّ يُنْقَلُونَ عِنْدَ دَكِّ الأَرْضِ إِلَـى ظُلْمَةٍ عِنْدَ الصِّرَاطِ فَإِنَّ هَذِهِ الأَرْضَ تُدَكُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَىْ تُزَلْزَلُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَيَنْهَدِمُ كُلُّ بِنَاءٍ عَلَيْهَا وَيَنْعَدِمُ ثُـمَّ بَعْدَ أَنْ تُبَدَّلَ الأَرْضُ غَيْـرَهَا يُعِيدُ اللَّـهُ الْبَشَرَ إِلَيْهَا وَيَقْضِى بَيْنَهُمْ قَالَ اللَّـهُ تَعَالَـى ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْـرَ الأَرْضِ﴾ أَىْ تُبَدَّلُ صِفَاتُـهَا. (وَيَكُونُ) الْـحَشْرُ (عَلَى الأَرْضِ الْمُبَدَّلَةِ وَهِىَ أَرْضٌ مُسْتَوِيَةٌ كَالْـجِلْدِ الْمَشْدُودِ لا جِبَالَ فِيهَا وَلا وِدْيَانَ أَكْبَرُ وَأَوْسَعُ مِنْ أَرْضِنَا هَذِهِ بَيْضَاءُ كَالْفِضَّةِ وَيَكُونُ) النَّاسُ فِـى (الْـحَشْرِ عَلَى ثَلاثَةِ أَحْوَالٍ قِسْمٌ طَاعِمُونَ كَاسُونَ رَاكِبُونَ عَلَى نُوقٍ رَحَائِلُهَا) أَىْ سُرُوجُهَا (مِنْ ذَهَبٍ وَهُمُ الأَتْقِيَاءُ وَقِسْمٌ) يُـحْشَرُونَ (حُفَاةً) أَىْ مِنْ غَيْرِ خُفٍّ وَلا نَعْلٍ وَيُـحْشَرُونَ (عُرَاةً وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ وَقِسْمٌ يُـحْشَرُونَ) حُفَاةً عُرَاةً (وَيُـجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ) أَىْ تَسْحَبُهُمُ الْمَلائِكَةُ عَلَى وُجُوهِهِمْ (وَهُمُ الْكُفَّارُ). الْكَافِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِـى بَعْضِ الأَوْقَاتِ يَـمْشِى عَلَى وَجْهِهِ، كَمَا أَمْشَاهُ اللَّـهُ فِـى الدُّنْيَا عَلَى رِجْلَيْهِ يُـمْشِيهِ اللَّـهُ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّـى يُظْهِرَ أَنَّهُ حَقِيرٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ ﷺ قَالَ يُبْعَثُ النَّاسُ (أَىْ أَغْلَبُ النَّاسِ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا (أَىْ غَيْـرَ مَـخْتُونِيـنَ) فَقَالَتْ عَائِشَةُ فَكَيْفَ بِالْعَوْرَاتِ قَالَ ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ أَىْ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَالًا يَشْغَلُهُ عَنِ النَّظَرِ فِـى حَالِ غَيْرِهِ. وَتُسَلَّطُ الشَّمْسُ عَلَى الْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَغْرُبَ فَيَعْرَقُونَ حَتَّـى يَصِلَ عَرَقُ أَحَدِهِمْ إِلَـى فَمِهِ وَلا يَتَجَاوَزُ إِلَـى شَخْصٍ ءَاخَرَ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ حَتَّـى يَقُولَ الْكَافِرُ مِنْ شِدَّةِ مَا يُقَاسِى مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ رَبِّ أَرِحْنِـى وَلَوْ إِلَـى النَّارِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّـهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِـىِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ الْكَافِرَ لَيُلْجِمُهُ الْعَرَقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ أَرِحْنِـى وَلَوْ إِلَـى النَّارِ أَىْ رَبِّ أَنْقِذْنِـى مِنْ هَذَا الْعَذَابِ وَلَوْ إِلَـى النَّارِ. لَكِنْ بَعْدَ دُخُولِهِ جَهَنَّمَ يَـجِدُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ قَالَ تَعَالَـى ﴿وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾. أَمَّا التَّقِىُّ فَلا يُصِيبُهُ أَدْنَـى انْزِعَاجٍ. فَالإِنْسُ يُـحْشَرُونَ وَكَذَلِكَ الْـجِنُّ وَالْبَهَائِمُ قَالَ تَعَالَـى ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ أَىْ بُعِثَتْ لِلْقِصَاصِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ لَتُؤَدَّنَّ الْـحُقُوقُ إِلَـى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّـى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْـجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، أَىْ أَنَّ اللَّـهَ تَعَالَـى يَأْخُذُ الْـحُقُوقَ لِأَهْلِهَا حَتَّـى يُؤْخَذَ حَقُّ الشَّاةِ الْـجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ الَّتِـى ضَرَبَتْهَا فِـى الدُّنْيَا. وَالشَّاةُ الْـجَلْحَاءُ هِىَ الشَّاةُ الَّتِـى لَيْسَ لَـهَا قَرْنٌ أَمَّا الْقَرْنَاءُ فَلَهَا قَرْنٌ وَلَكِنْ لَيْسَ مَعْنَـى ذَلِكَ أَنْ تُؤْخَذَ الْقَرْنَاءُ الَّتِـى ضَرَبَتِ الأُخْرَى إِلَـى النَّارِ إِنَّـمَا هَذِهِ تَضْرِبُ هَذِهِ كَمَا ضَرَبَتْهَا فِـى الدُّنْيَا ثُـمَّ تَـمُوتُ وَلا تَدْخُلُ الْـجَنَّةَ وَلا النَّارَ إِنَّـمَا تَعُودُ تُرَابًا.
(الْـحِسَابُ)
(وَالْـحِسَابُ حَقٌّ) يَـجِبُ الإِيـمَانُ بِهِ (وَهُوَ عَرْضُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ عَلَيْهِمْ) أَىْ يُعْرَضُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا عَمِلُوا فِـى الدُّنْيَا فَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ كِتَابَ عَمَلِهِ وَالْمُؤْمِنُ يَأْخُذُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَأْخُذُ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ وَهَذَا الْكِتَابُ هُوَ الَّذِى كَتَبَهُ الْمَلَكَانِ رَقِيبٌ وَعَتِيدٌ فِـى الدُّنْيَا (وَيَكُونُ) الْـحِسَابُ (بِتَكْلِيمِ اللَّـهِ لِلْعِبَادِ جَـمِيعِهِمْ فَيَفْهَمُونَ مِنْ كَلامِ اللَّـهِ السُّؤَالَ عَمَّا فَعَلُوا بِالنِّعَمِ الَّتِـى أَعْطَاهُمُ اللَّـهُ إِيَّاهَا فَيُسَرُّ الْمُؤْمِنُ التَّقِىُّ وَلا يُسَرُّ الْكَافِرُ) بَلْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْـخَوْفُ وَالْقَلَقُ (لِأَنَّهُ لا حَسَنَةَ لَهُ فِـى الآخِرَةِ بَلْ يَكَادُ يَغْشَاهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَرَدَ فِـى الْـحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُـمَانٌ) أَىْ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ مَلَكٍ (رَوَاهُ أَحْـمَدُ وَالتِّـرْمِذِىُّ). فَاللَّـهُ تَعَالَـى يُكَلِّمُ كُلَّ إِنْسَانٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَسْمَعُ الْعَبْدُ كَلامَ اللَّـهِ الأَزَلِـىَّ الَّذِى لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا وَلا لُغَةً لا يُبْتَدَأُ وَلا يُـخْتَتَمُ فَيَفْهَمُ الْعَبْدُ مِنْ كَلامِ اللَّـهِ السُّؤَالَ عَنْ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَاعْتِقَادَاتِهِ وَيَنْتَهِى حِسَابُـهُمْ فِـى وَقْتٍ قَصِيـرٍ. فَلَوْ كَانَ حِسَابُ اللَّـهِ لِـخَلْقِهِ مِنْ إِنْسٍ وَجِنٍّ بِالْـحَرْفِ وَالصَّوْتِ مَا كَانَ يَنْتَهِى حِسَابُـهُمْ فِـى مِائَةِ أَلْفِ سَنَةٍ لِأَنَّ الْـخَلْقَ كَثِيـرٌ وَحِسَابُ الْعِبَادِ لَيْسَ عَلَى الْقَوْلِ فَقَطْ بَلْ عَلَى الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالِاعْتِقَادِ فَلَوْ كَانَ حِسَابُـهُمْ بِالْـحَرْفِ وَالصَّوْتِ لَاسْتَغْرَقَ حِسَابُـهُمْ زَمَانًا طَوِيلًا جِدًّا وَلَـمْ يَكُنِ اللَّـهُ أَسْرَعَ الْـحَاسِبِيـنَ بَلْ لَكَانَ أَبْطَأَ الْـحَاسِبِيـنَ وَهَذَا خِلافُ قَوْلِهِ تَعَالَـى ﴿وَهُوَ أَسْرَعُ الْـحَاسِبِيـنَ﴾ أَىْ أَنَّ اللَّـهَ تَعَالَـى أَسْرَعُ مِنْ كُلِّ حَاسِبٍ.
(الْمِيزَانُ)
(وَالْمِيزَانُ حَقٌّ) يَـجِبُ الإِيـمَانُ بِهِ قَالَ تَعَالَـى ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْـحَقُّ﴾ (وَهُوَ) مِنْ حَيْثُ التَّـرْكِيبُ (كَمِيزَانِ الدُّنْيَا) لَكِنَّهُ أَكْبَرُ حَجْمًا (لَهُ قَصَبَةٌ وَعَمُودٌ وَكَفَّتَانِ كَفَّةٌ لِلْحَسَنَاتِ وَكَفَّةٌ لِلسَّيِّئَاتِ تُوزَنُ بِهِ الأَعْمَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالَّذِى يَتَوَلَّى وَزْنَـهَا) الْمَلَكَانِ (جِبْـرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَمَا يُوزَنُ إِنَّـمَا هُوَ الصَّحَائِفُ الَّتِـى كُتِبَ عَلَيْهَا الْـحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ) فَتُوضَعُ صَحَائِفُ الْـحَسَنَاتِ فِـى كَفَّةٍ وَصَحَائِفُ السَّيِّئَاتِ فِـى الْكَفَّةِ الأُخْرَى (فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّجَاةِ) وَالْفَوْزِ يَدْخُلُ الْـجَنَّةَ مِنْ غَيْـرِ عَذَابٍ (وَمَنْ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّجَاةِ أَيْضًا وَلَكِنَّهُ أَقَلُّ رُتْبَةً مِنَ الطَّبَقَةِ الأُولَـى وَأَرْفَعُ مِنَ الثَّالِثَةِ) فَإِنَّهُ يَـمْكُثُ مُدَّةً عَلَى الأَعْرَافِ ثُـمَّ يَدْخُلُ الْـجَنَّةَ، وَالأَعْرَافُ سُورُ الْـجَنَّةِ وَهُوَ عَرِيضٌ وَاسِعٌ (وَ)أَمَّا (مَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ فَهُوَ تَـحْتَ مَشِيئَةِ اللَّـهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ) مُدَّةً فِـى النَّارِ ثُـمَّ أَدْخَلَهُ الْـجَنَّةَ (وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ) وَأَدْخَلَهُ الْـجَنَّةَ مِنْ غَيْـرِ عَذَابٍ (وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَـرْجَحُ كَفَّةُ سَيِّئَاتِهِ لا غَيْـرُ لِأَنَّهُ لا حَسَنَاتَ لَهُ فِـى الآخِرَةِ لِأَنَّهُ أُطْعِمَ بِـحَسَنَاتِهِ فِـى الدُّنْيَا) أَىْ جُوزِىَ فِـى الدُّنْيَا عَلَى مَا عَمِلَهُ مِنْ حَسَنَاتٍ بِالرِّزْقِ وَصِحَّةِ الْـجِسْمِ وَنَـحْوِ ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِـحَسَنَاتِهِ فِـى الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَـى الآخِرَةِ لَـمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا نَصِيبٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ)
(الثَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ الْـحَقِّ) أَىْ أَهْلِ السُّنَّةِ (لَيْسَ بِـحَقٍّ لِلطَّائِعِيـنَ وَاجِبٍ عَلَى اللَّـهِ وَإِنَّـمَا هُوَ فَضْلٌ مِنْهُ) أَىْ لا يَـجِبُ عَلَى اللَّـهِ أَنْ يُثِيبَ الطَّائِعِيـنَ لَكِنَّهُ وَعَدَهُمْ بِالثَّوَابِ وَوَعْدُهُ حَقٌّ وَلا يُخْلِفُ اللَّـهُ وَعْدَهُ (وَ)الثَّوَابُ (هُوَ الْـجَزَاءُ الَّذِى يُـجْزَى بِهِ الْمُؤْمِنُ مِـمَّا يَسُرُّهُ فِـى الآخِرَةِ) عَلَى مَا عَمِلَهُ مِنَ الطَّاعَاتِ (وَالْعِقَابُ لا يَـجِبُ عَلَى اللَّـهِ أَيْضًا إِيقَاعُهُ لِلْعُصَاةِ) فِـى الآخِرَةِ (وَإِنَّـمَا هُوَ عَدْلٌ مِنْهُ وَهُوَ مَا يَسُوءُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) جَزَاءً عَلَى مَا ارْتَكَبَهُ مِنَ الْمَعَاصِى (وَهُوَ عَلَى قِسْمَيْـنِ أَكْبَـرَ وَأَصْغَرَ فَالْعِقَابُ الأَكْبَـرُ هُوَ دُخُولُ النَّارِ) أَىْ جَهَنَّمَ (وَ)أَمَّا (الْعِقَابُ الأَصْغَرُ) فَهُوَ (مَا سِوَى ذَلِكَ) مِنَ الْعَذَابِ (كَأَذَى حَرِّ الشَّمْسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّـهَا تُسَلَّطُ عَلَى الْكُفَّارِ فَيَعْرَقُونَ حَتَّـى يَصِلَ عَرَقُ أَحَدِهِمْ إِلَـى فِيهِ) أَىْ فَمِهِ (وَلا يَتَجَاوَزُ عَرَقُ هَذَا الشَّخْصِ إِلَـى شَخْصٍ ءَاخَرَ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ حَتَّـى يَقُولَ الْكَافِرُ مِنْ شِدَّةِ مَا يُقَاسِى مِنْهَا رَبِّ أَرِحْنِـى) أَىْ أَنْقِذْنِـى مِنْ عَذَابِ حَرِّ الشَّمْسِ (وَلَوْ إِلَـى النَّارِ) أَمَّا بَعْضُ أَهْلِ الْكَبَائِرِ منَ الْمُؤْمِنِيـنَ فَإِنَّـهُمْ يُعَاقَبُونَ بِـحَرِّ الشَّمْسِ لَكِنْ عِقَابًا أَقَلَّ مِـمَّا يُقَاسِيهِ الْكُفَّارُ (وَيَكُونُ الْمُؤْمِنُونَ الأَتْقِيَاءُ تِلْكَ السَّاعَةَ تَـحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ وَهَذَا مَعْنَـى الْـحَدِيثِ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّـهُ فِـى ظِلِّهِ أَىْ فِـى ظِلِّ عَرْشِهِ) جَعَلَنَا اللَّـهُ مِنْهُمْ. فَمَنْ أَثَابَهُ اللَّـهُ فَبِفَضْلِهِ وَمَنْ عَاقَبَهُ فَبِعَدْلِهِ وَلا يَظْلِمُ اللَّـهُ أَحَدًا لِأَنَّهُ الْمَالِكُ الْـحَقِيقِىُّ لِكُلِّ شَىْءٍ فَهُوَ يَفْعَلُ فِـى مِلْكِهِ مَا يَشَاءُ فَلا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الظُّلْمُ لِأَنَّ الظُّلْمَ يُتَصَوَّرُ مِـمَّنْ لَهُ ءَامِرٌ وَنَاهٍ كَالْعِبَادِ إِذِ الظُّلْمُ هُوَ مُـخَالَفَةُ أَمْرِ وَنَـهْىِ مَنْ لَهُ الأَمْرُ وَالنَّهْىُ وَاللَّـهُ تَعَالَـى لَيْسَ لَهُ ءَامِرٌ وَلا نَاهٍ قَالَ تَعَالَـى ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾.
(الصِّرَاطُ)
(وَالصِّرَاطُ حَقٌّ) يَـجِبُ الإِيـمَانُ بِهِ (وَهُوَ جِسْرٌ عَرِيضٌ مَـمْدُودٌ عَلَى) ظَهْرِ (جَهَنَّمَ) أَىْ فَوْقَهَا (تَرِدُ عَلَيْهِ الْـخَلائِقُ فَمِنْهُمْ مِنْ يَرِدُهُ وُرُودَ دُخُولٍ) إِلَـى النَّارِ (وَهُمُ الْكُفَّارُ وَبَعْضُ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ أَىْ يَزِلُّونَ مِنْهُ إِلَـى جَهَنَّمَ) فَالْكُفَّارُ يَقَعُونَ مِنْهُ فِـى ابْتِدَاءِ وُرُودِهِمْ وَبَعْضُ عُصَاةِ الْمُسْلِمِيـنَ يَـمْشُونَ عَلَيْهِ مَسَافَةً ثُـمَّ يَقَعُونَ مِنْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ الْكَلالِيبُ الْمَوْجُودَةُ عَلَى جَانِبَيْهِ فَيَكَادُ يَقَعُ ثُـمَّ تُفْلِتُهُ فَيَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ (وَمِنْهُمْ) أَىْ وَمِنَ النَّاسِ (مَنْ يَرِدُهُ وُرُودَ مُرُورٍ فِـى هَوَائِهِ) وَهُمُ الأَتْقِيَاءُ أَىْ يَـمُرُّونَ فِـى هَوَائِهِ طَائِرِينَ (فَمِنْ هَؤُلاءِ مَنْ يَـمُرُّ كَالْبَـرْقِ الْـخَاطِفِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَـمُرُّ كَطَرْفَةِ عَيْـنٍ وَهُوَ مَـحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ).
(وَ)الصِّرَاطُ (أَحَدُ طَرَفَيْهِ فِـى الأَرْضِ الْمُبَدَّلَةِ وَ)الطَّرَفُ (الآخَرُ فِيمَا يَلِى الْـجَنَّةَ) بَعْدَ النَّارِ أَىْ قَبْلَ الْـجَنَّةِ وَبَعْدَ النَّارِ (وَقَدْ وَرَدَ فِـى صِفَتِهِ أَنَّهُ دَحْضٌ مَزَلَّةٌ) أَىْ أَمْلَسُ تَـزِلُّ مِنْهُ الأَقْدَامُ (وَمِـمَّا وَرَدَ) فِيهِ (أَنَّهُ أَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ وَأَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِـى سَعِيدٍ الْـخُدْرِىِّ) أَنَّهُ قَالَ (بَلَغَنِـى أَنَّهُ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ وَلَـمْ يَرِدْ مَرْفُوعًا إِلَـى رَسُولِ اللَّـهِ) أَىْ لَيْسَ مِنْ كَلامِ رَسُولِ اللَّـهِ ﷺ (وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَهُ بَلْ هُوَ عَرِيضٌ وَإِنَّـمَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ خَطَرَهُ عَظِيمٌ فَإِنَّ يُسْرَ الْـجَوَازِ عَلَيْهِ وَعُسْرَهُ عَلَى قَدْرِ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِى وَلا يَعْلَمُ حُدُودَ ذَلِكَ إِلَّا اللَّـهُ فَقَدْ وَرَدَ فِـى الصَّحِيحِ) أَىْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ (أَنَّهُ تَـجْرِى بِـهِمْ أَعْمَالُـهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّ أَعْمَالَـهُمْ تَصِيـرُ لَـهُمْ قُوَّةَ السَّيْـرِ).
(الْـحَوْضُ)
(وَالْـحَوْضُ حَقٌّ) يَـجِبُ الإِيـمَانُ بِهِ (وَهُوَ مَكَانٌ أَعَدَّ اللَّـهُ فِيهِ شَرَابًا لِأَهْلِ الْـجَنَّةِ يَشْرَبُونَ مِنْهُ قَبْلَ دُخُولِ الْـجَنَّةِ وَبَعْدَ مُـجَاوَزَةِ الصِّرَاطِ) فَلا يُصِيبُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ظَمَأٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَشْرَبُ تَلَذُّذًا وَهُمُ الأَتْقِيَاءُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْرَبُ عَطَشًا وَهُمُ الْعُصَاةُ (فَلِنَبِيِّنَا) ﷺ (حَوْضٌ تَرِدُهُ أُمَّتُهُ فَقَطْ لا تَرِدُهُ أُمَمُ غَيْرِهِ طُولُهُ مَسِيـرَةُ شَهْرٍ وَعَرْضُهُ كَذَلِكَ. ءَانِيَتُهُ) أَىْ أَكْوَابُهُ (كَعَدَدِ نُـجُومِ السَّمَاءِ) وَيَنْصَبُّ فِيهِ مِنْ مَاءِ الْـجَنَّةِ (شَرَابُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَـنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَ)رِيـحُهُ (أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ) فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِىُّ عَنْ عَبْدِ اللَّـهِ بنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ حَوْضِى مَسِيـرَةُ شَهْرٍ مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَـنِ وَرِيـحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهُ لا يَظْمَأُ أَبَدًا (وَقَدْ أَعَدَّ اللَّـهُ لِكُلِّ نَبِـىٍّ حَوْضًا) تَشْرَبُ مِنْهُ أُمَّتُهُ (وَأَكْبَرُ الأَحْوَاضِ) هُوَ (حَوْضُ نَبِيِّنَا مُـحَمَّدٍ ﷺ).
(صِفَةُ الْـجَنَّةِ)
(وَالْـجَنَّةُ حَقٌّ) أَىْ وُجُودُهَا ثَابِتٌ (فَيَجِبُ الإِيـمَانُ بِـهَا وَأَنَّـهَا مَـخْلُوقَةٌ) أَىْ مَوْجُودَةٌ (الآنَ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنَ الْقُرْءَانِ وَالْـحَدِيثِ الصَّحِيحِ) قَالَ اللَّـهُ تَعَالَـى ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّـقِيـنَ﴾ وَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ دَخَلْتُ الْـجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا دَارًا وَقَصْرًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالْـجَنَّةُ لَـهَا ثَـمَانِيَةُ أَبْوَابٍ مِنْهَا بَابُ الرَّيَّـانِ الَّذِى يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ (وَهِىَ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ لَيْسَتْ مُتَّصِلَةً بِـهَا) بَلْ هِىَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْهَا بِـمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ وَلَـهَا أَرْضُهَا الْمُسْتَقِلَّةُ (وَسَقْفُهَا عَرْشُ الرَّحْـمـٰنِ) وَهُوَ أَوْسَعُ مِنْهَا بِكَثِيـرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّـهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْـجَنَّةِ وَأَعْلَى الْـجَنَّةِ وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْـمـٰنِ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ. وَالْـجَنَّةُ بَاقِيَةٌ لا تَفْنَـى (وَ)لا يَفْنَـى (أَهْلُهَا) وَهُمْ (عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ ءَادَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا طُولًا فِـى سَبْعَةِ أَذْرُعٍ عَرْضًا جَـمِيلُو الصُّورَةِ جُرْدٌ مُرْدٌ) لا تَنْبُتُ لَـهُمْ لِـحْيَةٌ وَلَيْسَ عَلَى أَجْسَادِهِمْ شَعَرٌ إِلَّا شَعَرُ الرَّأْسِ وَالْـحَاجِبِ وَالأَهْدَابِ كَأَنَّـهُمْ (فِـى عُمُرِ ثَلاثَةٍ وَثَلاثِيـنَ عَامًا، خَالِدُونَ فِيهَا لا يَـخْرُجُونَ مِنْهَا أَبَدًا) وَلا يَـمُوتُونَ (وَقَدْ صَحَّ الْـحَدِيثُ بِأَنَّ أَهْلَ الْـجَنَّةِ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ ءَادَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِـى السَّمَاءِ فِـى سَبْعَةِ أَذْرُعٍ عَرْضًا). وَالْـجَنَّةُ دَارٌ مُطَهَّرَةٌ مِنَ الأَقْذَارِ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْـحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْبُصَاقِ وَالْمَنِـىِّ. فَطَعَامُ أَهْلِ الْـجَنَّةِ وَشَرَابُـهُمْ لا يَتَحَوَّلُ إِلَى بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ إِنَّـمَا يَفِيضُ مِنْ جِسْمِهِمْ عَرَقًا كَالْمِسْكِ قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ إِنَّ أَهْلَ الْـجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَلا يَتْفِلُونَ وَلا يَبُولُونَ وَلا يَتَغَوَّطُونَ وَلا يَتَمَخَّطُونَ قَالُوا فَمَا بَالُ الطَّعَامِ قَالَ جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ. وَنَعِيمُ الْـجَنَّةِ قِسْمَانِ نَعِيمٌ عَامٌّ لِكُلِّ أَهْلِ الْـجَنَّةِ وَنَعِيمٌ خَاصٌّ لا يَنَالُهُ إِلَّا الأَتْقِيَاءُ أَمَّا النَّعِيمُ الْعَامُّ فَهُوَ أَنَّ أَهْلَ الْـجَنَّةِ كُلَّهُمْ أَحْيَاءٌ لا يَـمُوتُونَ أَبَدًا وَكُلَّهُمْ فِـى صِحَّةٍ لا يَـمْرَضُونَ أَبَدًا وَكُلَّهُمْ شَبَابٌ لا يَهْرَمُونَ أَبَدًا وَكُلَّهُمْ فِـى نَعِيمٍ لا يَبْأَسُونَ أَبَدًا قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْـجَنَّةِ الْـجَنَّةَ نَادَى مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَـحْيَوْا فَلا تَـمُوتُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلا تَسْقَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلا تَـهْرَمُوا أَبَدًا وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلا تَبْأَسُوا أَبَدًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَأَمَّا النَّعِيمُ الْـخَاصُّ فَهُوَ الَّذِى أَعَدَّهُ اللَّـهُ لِعِبَادِهِ الصَّالِـحِيـنَ كَمَا جَاءَ فِـى الْـحَدِيثِ الْقُدْسِىِّ قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ قَالَ اللَّـهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْدَدْتُ لِعِبَادِىَ الصَّالِـحِيـنَ مَا لا عَيْـنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَـمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ، أَىْ أَنَّ اللَّـهَ عَزَّ وَجَلَّ هَيَّأَ لِعِبَادِهِ الصَّالِـحِيـنَ نَعِيمًا فِـى الْـجَنَّةِ لَـمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ الْـخَلْقِ وَلا سَـمِعَ بِهِ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ إِنْسَانٍ فَالنَّعِيمُ الْـخَاصُّ الَّذِى أَعَدَّهُ اللَّـهُ لِعِبَادِهِ الصَّالِـحِيـنَ لَـمْ يَرَهُ الرَّسُولُ (وَ)لا الْمَلائِكَةُ خُزَّانُ الْـجَنَّةِ (قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ) لِأَصْحَابِهِ هَلْ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ فَإِنَّ الْـجَنَّةَ لا خَطَرَ لَـهَا ثُـمَّ قَالَ (فِـى وَصْفِهَا هِىَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ وَرَيْـحَانَةٌ تَـهْتَزُّ وَقَصْرٌ مَشِيدٌ وَنَـهْرٌ مُطَّرِدٌ وَفَاكِهَةٌ كَثِيـرَةٌ نَضِيجَةٌ وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَـمِيلَةٌ وَحُلَلٌ كَثِيـرَةٌ فِـى مُقَامٍ أَبَدِىٍّ فِـى حَبْـرَةٍ وَنَضْرَةٍ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ). هَلْ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ أَىْ هَلْ مِنْ مُـجْتَهِدٍ فِـى طَاعَةِ اللَّـهِ وَمُسْتَعِدٍّ لِلْجَنَّةِ، فَإِنَّ الْـجَنَّةَ لا خَطَرَ لَـهَا أَىْ لا مِثْلَ لَـهَا، هِىَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ أَىْ أُقْسِمُ بِرَبِّ الْكَعْبَةِ عَلَى أَنَّـهَا نُورٌ يَتَلَأْلَأُ أَىْ أَنَّـهَا مُنَوَّرةٌ لا يُوجَدُ فِيهَا ظَلامٌ فَلا تَـحْتَاجُ الْـجَنَّةُ إِلَـى شَـمْسٍ وَلا قَمَرٍ، إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ نِسَاءِ الْـجَنَّةِ كَمَا وَصَفَهَا رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ بِـحَيْثُ لَوِ اطَّلَعَتْ عَلَى هَذِهِ الدُّنْيَا لَأَضَاءَتْ مَا بَيْـنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ فِيهَا ظَلامٌ. وَوَصَفَ الرَّسُولُ الْـجَنَّةَ بِأَنَّـهَا رَيـْحَانَهٌ تَـهْتَزُّ أَىْ ذَاتُ خُضْرَةٍ كَثِيـرَةٍ مُعْجِبَةِ الْمَنْظَرِ وَكُلُّ شَجَرَةٍ فِـى الْـجَنَّةِ سَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ وَأَشْجَارُ الْـجَنَّةِ عِنْدَمَا تَتَحَرَّكُ يَصْدُرُ لَـهَا صَوْتٌ جَـمِيلٌ جِدًّا تَـمِيلُ إِلَيْهِ النُّفُوسُ. وَوَصَفَ الرَّسُولُ الْـجَنَّةَ بِأَنَّـهَا قَصْرٌ مَشِيدٌ أَىْ فِيهَا قُصُورٌ عَالِـيَةٌ مُرْتَفِعَةٌ. أَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَنَـهْرٌ مُطَّرِدٌ أَىْ أَنْـهَارُ الْـجَنَّةِ جَارِيَةٌ فَالْـجَنَّةُ فِيهَا أَنْـهَارٌ مِنْ مَاءٍ وَأَنْـهَارٌ مِنْ لَبَـنٍ أَىْ حَلِيبٍ وَأَنْـهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفَّى وَأَنْـهَارٌ مِنْ خَـمْرٍ وَهُوَ شَرَابٌ لَذِيذٌ طَاهِرٌ لا يُسْكِرُ وَلا يُغَـيِّبُ الْعَقْلَ وَلا يُصْدِعُ الرَّأْسَ. وَقَوْلُهُ ﷺ وَفَاكِهَةٌ نَضِيجَةٌ أَىْ فِيهَا مِنَ الْفَوَاكِهِ كُلُّ مَا تَشْتَهِيهِ النَّفْسُ وَكُلُّ مَا فِيهَا مِنَ الْفَوَاكِهِ نَضِيجٌ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَـمِيلَةٌ أَىْ فِيهَا لِلْمُؤْمِنِيـنَ أَزْوَاجٌ حِسَانٌ جَـمِيلاتٌ فَلَيْسَ فِـى الْـجَنَّةِ عَزَبٌ وَلا عَزَبَةٌ قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ مَا فِـى الْـجَنَّةِ أَعْزَبُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ فِـى مُقَامٍ أَبَدِىٍّ أَىْ فِـى حَيَاةٍ دَائِمَةٍ لا نِـهَايَةَ لَـهَا وَقَوْلُهُ فِـى حَبْـرَةٍ أَىْ سُرُورٍ دَائِمٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ نَضْرَةٍ فَمَعْنَاهُ أَنَّ وُجُوهَ أَهْلِهَا جَـمِيلَةٌ. وَفِـى نِـهَايَةِ هَذَا الْـحَدِيثِ قَالَ الصَّحَابَةُ لِرَسُولِ اللَّـهِ ﷺ نَـحْنُ الْمُشَمِّرُونَ يَا رَسُولَ اللَّـهِ فَقَالَ قُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّـهُ فَهَنِيئًا لِمَنْ عَمِلَ لِآخِرَتِهِ فَإِنَّ نَعِيمَ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ لِنَعِيمِ الآخِرَةِ كَلا شَىْءٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَعْظَمَ نَعِيمِ أَهْلِ الْـجَنَّةِ هُوَ رُؤْيَتُهُمْ لِلَّـهِ عَزَّ وَجَلَّ يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ وَهُمْ فِـى الْـجَنَّةِ بِلا كَيْفٍ وَلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ أَىْ لا كَمَا يُرَى الْمَخْلُوقُ، لا يَرَوْنَهُ جِسْمًا كَثِيفًا كَالإِنْسَانِ وَلا جِسْمًا لَطِيفًا كَالنُّورِ وَلا يَرَوْنَهُ مُسْتَقِرًّا حَالًّا فِـى الْـجَنَّةِ وَلا خَارِجَهَا وَلا يَرَوْنَهُ مُتَحَيِّزًا عَنْ يَـمِينِهِمْ وَلا عَنْ يَسَارِهِمْ وَلا فِـى جِهَةِ فَوْقٍ وَلا فِـى جِهَةِ تَـحْتٍ وَلا فِـى جِهَةِ أَمَامٍ وَلا فِـى جِهَةِ خَلْفٍ. يَرَوْنَهُ مِنْ غَيْـرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَجْمٌ وَكَمِيَّةٌ وَمِقْدَارٌ لِأَنَّ اللَّـهَ لَيْسَ جِسْمًا، يَرَوْنَهُ مِنْ غَيْـرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ وَسَـمْكٌ وَلَوْنٌ وَشَكْلٌ وَهَيْئَةٌ، يَرَوْنَهُ بِلا وَصْفِ قِـيَامٍ وَقُعُودٍ وَاتِّكَاءٍ وَتَعَلُّقٍ وَاتِّصَالٍ وَانْفِصَالٍ وَسَاكِنٍ وَمُتَحَرِّكٍ وَمُـمَاسٍّ وَمِنْ غَيْـرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْـنَ خَلْقِهِ مَسَافَةٌ. رُؤْيَةُ الْمُؤْمِنِيـنَ لِلَّـهِ فِـى الآخِرَةِ لَيْسَ اجْتِمَاعًا بِاللَّـهِ كَاجْتِمَاعِ الْمُصَلِّيـنَ بِإِمَامِهِمْ فِـى الْمَسْجِدِ لِأَنَّ اللَّـهَ تَعَالَـى يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ السُّكْنَـى فِـى مَكَانٍ. أَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِيـنَ لِرَبِـّهِمْ فِـى الآخِرَةِ فَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَـى ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَـى رَبِـّهَا نَاظِرَةٌ﴾ وَقَوْلُهُ ﷺ إِنَّكُمْ سَتَـرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لا تَضَامُّونَ فِـى رُؤْيَتِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. شَبَّهَ الرَّسُولُ ﷺ رُؤْيَةَ الْمُؤْمِنِيـنَ لِرَبِـّهِمْ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الشَّكِّ بِرُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَلَـمْ يُشَبِّهِ اللَّـهَ بِالْقَمَرِ أَىْ أَنَّـهُمْ يَرَوْنَهُ رُؤْيَةً لا شَكَّ فِيهَا لا يَشُكُّونَ هَلِ الَّذِى رَأَوْهُ هُوَ اللَّـهُ أَمْ غَيْـرُهُ كَمَا أَنَّ مُبْصِرَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ إِذَا لَـمْ يَكُنْ سَحَابٌ يَرَاهُ رُؤْيَةً لا شَكَّ فِيهَا. لا تَضَامُّونَ فِـى رُؤْيَتِهِ أَىْ لا تَتَزَاحَـمُونَ فِـى رُؤْيَتِهِ وَهَذَا شَأْنُ مَنْ لا مَكَانَ لَهُ لِأَنَّ النَّاسَ إِذَا أَرَادُوا رُؤْيَةَ مَنْ فِـى مَكَانٍ يَتَزَاحَـمُونَ وَيَتَدَافَعُونَ لِيَـرَوْهُ فَيَـرَاهُ الأَقْرَبُونَ مِنْهُ وَلا يَرَاهُ الأَبْعَدُونَ فَيَتَدَافَعُونَ.
(صِفَةُ جَهَنَّمَ)
(وَالنَّارُ حَقٌّ) أَىْ وُجُودُهَا ثَابِتٌ (فَيَجِبُ الإِيـمَانُ بِـهَا وَبِأَنَّـهَا مَـخْلُوقَةٌ) أَىْ مَوْجُودَةٌ (الآنَ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَـى ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ وَقَوْلِهِ ﷺ أُوقِدَ عَلَى النَّارِ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّـى احْـمَرَّتْ وَأَلْفَ سَنَةٍ حَتَّـى ابْيَضَّتْ وَأَلْفَ سَنَةٍ حَتَّـى اسْوَدَّتْ فَهِىَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ رَوَاهُ التِّـرْمِذِىُّ (وَهِىَ مَكَانٌ أَعَدَّهُ اللَّـهُ لِعَذَابِ الْكُفَّارِ الَّذِى لا يَنْتَهِى أَبَدًا وَبَعْضِ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَمَكَانُـهَا تَـحْتَ الأَرْضِ السَّابِعَةِ مِنْ غَيْـرِ أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً بِـهَا) وَلَـهَا أَرْضُهَا وَسَقْفُهَا الْمُسْتَقِلَّانِ وَهِىَ بَاقِيَةٌ لا تَفْنَـى كَمَا نَقَلَ الإِجْـمَاعَ عَلَى ذَلِكَ الْـحَافِظُ الْمُجْتَهِدُ تَـقِىُّ الدِّينِ السُّبْكِـىُّ فِـى رِسَالَتِهِ الِاعْتِبَارُ بِبَقَاءِ الْـجَنَّةِ وَالنَّارِ وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ الإِجْـمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ مَنْ خَالَفَهُ كَافِرٌ بِالإِجْـمَاعِ وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ فِـى الْفِقْهِ الأَكْبَـرِ وَالْـجَنَّةُ وَالنَّارُ مَـخْلُوقَتَانِ الآنَ وَلا تَفْنَيَانِ أَبَدًا، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْـحَقُّ وَخَالَفَ فِـى ذَلِكَ ابْنُ تَيْمِيَةَ فَقَالَ إِنَّ النَّارَ تَفْنَـى لا يَبْقَى فِيهَا أَحَدٌ وَتَبِعَهُ فِـى هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْفَاسِدَةِ الْوَهَّابِيَّةُ كَمَا فِـى كِتَابِـهِمُ الْمُسَمَّى الْقَوْلَ الْمُخْتَارَ لِفَنَاءِ النَّارِ لِعَبْدِ الْكَرِيـمِ الْـحُمَيِّدِ وَهُوَ تَكْذِيبٌ لِقَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَـى ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَـهُمْ سَعِيـرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَـى ﴿وَمَا هُمْ بِـخَارِجِيـنَ مِنَ النَّارِ﴾ فَلَوْ كَانَتِ النَّارُ تَفْنَـى وَالْكُفَّارُ يَـخْرُجُونَ مِنْهَا فَأَيْنَ يَذْهَبُونَ بِزَعْمِهِمْ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّـهُ الْـجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ إِذْ لا يُوجَدُ فِـى الآخِرَةِ إِلَّا مَنْزِلَتَانِ إِمَّا جَنَّةٌ وَإِمَّا نَارٌ. وَلا يُـخَفَّفُ الْعَذَابُ عَنِ الْكُفَّارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَـى ﴿خَالِدِينَ فِيهَا لا يُـخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾ وَلا يَنْتَـفِعُ الْكَافِرُ فِـى الآخِرَةِ بِـمَا عَمِلَهُ مِنَ الأَعْمَالِ الْـحَسَنَةِ فِـى الدُّنْيَا لِقَوْلِهِ ﷺ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِـحَسَنَاتِهِ فِـى الدُّنْيَا حَتَّـى إِذَا أَفْضَى إِلَـى الآخِرَةِ لَـمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا نَصِيبٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَنَقَلَ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلانِـىُّ فِـى فَتْحِ الْبَارِى عَنِ الْقَاضِى عِيَاضٍ الإِجْـمَاعَ بِأَنَّ الْكَافِرَ لا يَنْتَـفِعُ فِـى الآخِرَةِ بِـمَا عَمِلَهُ مِنَ الأَعْمَالِ الْـحَسَنَةِ لا بِتَخْفِيفِ عَذَابٍ وَلا بِنَعِيمٍ.
(وَيَزِيدُ اللَّـهُ فِـى حَجْمِ الْكَافِرِ فِـى النَّارِ لِيَزْدَادَ عَذَابًا حَتَّـى يَكُونَ ضِرْسُهُ كَجَبَلِ أُحُدٍ) وَمَا بَيْـنَ مَنْكِبَيْهِ مَسِيـرَةَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ وَغِلْظُ جِلْدِهِ سَبْعِيـنَ ذِرَاعًا تَأْكُلُهُ النَّارُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِيـنَ أَلْفَ مَرَّةٍ (وَهُوَ خَالِدٌ فِـى النَّارِ) لا يَـخْرُجُ مِنْهَا (أَبَدًا) كَمَا قَالَ تَعَالَـى ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَـهُمْ سَعِيـرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾. وَ(لا يَـمُوتُ) الْكَافِرُ (فِيهَا) فَيَـرْتَاحُ مِنَ العَذَابِ (وَلا يَـحْيَا) حَيَاةً هَنِيئَةً طَيِّبَةً (أَىْ حَيَاةً فِيهَا رَاحَةٌ) بَلْ هُوَ دَائِمًا فِـى نَكَدٍ وَعَذَابٍ. وَأَهْلُ النَّارِ (لَيْسَ لَـهُمْ فِيهَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ) وَهُوَ شَجَرٌ كَرِيهُ الْمَنْظَرِ وَالطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ قَالَ تَعَالَـى ﴿لَّيْسَ لَـهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ لَّا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِـى مِنْ جُوعٍ﴾ (وَشَرَابُـهُمْ مِنَ الْمَاءِ الْـحَارِّ الْمُتَنَاهِى) فِـى (الْـحَرَارَةِ) وَهُوَ الْـحَمِيمُ قَالَ تَعَالَـى ﴿إِلَّا حَـمِيمًا وَغَسَّاقًا﴾ وَالْغَسَّاقُ هُوَ مَا يَسِيلُ مِنْ جُلُودِ أَهْلِ النَّارِ، مَلائِكَةُ الْعَذَابِ يَسْقُونَـهُمْ مِنْهُ فَتَتَقَطَّعُ أَمْعَاؤُهُمْ. قَالَ كَعْبُ الأَحْبَارِ لَوْ كُنْتَ بِالْمَشْرِقِ وَالنَّارُ بِالْمَغْرِبِ ثُـمَّ كُشِفَ عَنْهَا لَـخَرَجَ دِمَاغُكَ مِنْ مِنْخَرَيْكَ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهَا وَرَوَى الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْـمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِـىُّ عَنْ أَبِـى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَـى رَبِـّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِى بَعْضًا فَأَذِنَ لَـهَا بِنَفَسَيْـنِ فِـى كُلِّ عَامٍ نَفَسٍ فِـى الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِـى الصَّيْفِ فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَـجِدُونَ مِنَ الْـحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَـجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ، وَالزَّمْهِرِيرُ هُوَ شِدَّةُ الْبَـرْدِ. وَقَالَ أَحَدُ الصَّالِـحِيـنَ مَثَّلْتُ نَفْسِىَ فِـى نَارِ جَهَنَّمَ ءَاكُلُ مِنْ زَقُّومِهَا وَأَشْرَبُ مِنْ حَـمِيمِهَا وَأَتَعَثَّرُ بِأَغْلالِـهَا فَقُلْتُ أَىْ نَفْسُ مَا تُرِيدِينَ فَقَالَتِ الْعَوْدُ إِلَـى الدُّنْيَا وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِـحًا فَقُلْتُ أَىْ نَفْسُ أَنْتِ الآنَ فِـى الأُمْنِيَّةِ فَاعْمَلِى، فَنَحْنُ الآنَ فِـى الْمَكَانِ الَّذِى يَتَمَنَّاهُ الإِنْسَانُ لَوْ كَانَ فِـى هَذَا الْعَذَابِ الشَّدِيدِ.
(وَأَمَّا كَوْنُ الْـجَنَّةِ فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَذَلِكَ ثَابِتٌ فِيمَا صَحَّ مِنَ الْـحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ وَفَوْقَهُ يَعْنِـى الْفِرْدَوْسَ عَرْشُ الرَّحْـمـٰنِ، وَأَمَّا كَوْنُ جَهَنَّمَ تَـحْتَ الأَرْضِ السَّابِعَةِ فَقَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّـهِ الْـحَاكِمُ فِـى) كِتَابِهِ (الْمُسْتَدْرَكِ) عَلَى الصَّحِيحَيْـنِ (إِنَّ ذَلِكَ جَاءَتْ فِيهِ رِوَايَاتٌ صَحِيحَةٌ).
(الشَّفَاعَةُ) فِـى الآخِرَةِ
(وَالشَّفَاعَةُ حَقٌّ) يَـجِبُ الإِيـمَانُ بِـهَا (وَهِىَ سُؤَالُ) أَىْ طَلَبُ (الْـخَيْـرِ مِنَ الْغَيْرِ لِلْغَيْرِ فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالْعُلَمَاءُ الْعَامِلُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَالْمَلائِكَةُ) أَىْ يَطْلُبُونَ مِنَ اللَّـهِ إِسْقَاطَ الْعِقَابِ عَنْ بَعْضِ الْعُصَاةِ مِنَ الْمُسْلِمِيـنَ (وَيَشْفَعُ نَبِيُّنَا) ﷺ (لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ فَقَدْ جَاءَ فِـى الْـحَدِيثِ الصَّحِيحِ شَفَاعَتِـى لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِـى رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ أَىْ) هِىَ خَاصَّةٌ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنَ الْمُسْلِمِيـنَ أَمَّا (غَيْرُ أَهْلِ الْكَبَائِرِ) كَالأَتْقِيَاءِ فَهَؤُلاءِ (لَيْسُوا بِـحَاجَةٍ لِلشَّفَاعَةِ وَتَكُونُ لِبَعْضِهِمْ) أَىْ لِبَعْضِ عُصَاةِ الْمُسْلِمِيـنَ (قَبْلَ دُخُولِـهِمُ النَّارَ) لِإِنْقَاذِهِمْ مِنْهَا (وَلِبَعْضٍ بَعْدَ دُخُولِـهِمْ) لِإِخْرَاجِهِمْ مِنْهَا (قَبْلَ أَنْ تَـمْضِىَ الْمُدَّةُ الَّتِـى يَسْتَحِقُّونَ بِـمَعَاصِيهِمْ) لِقَوْلِهِ ﷺ يَـخْرُجُ نَاسٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُـحَمَّدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ، وَهَذِهِ الشَّفَاعَةُ يَشْتَـرِكُ فِيهَا الرَّسُولُ وَغَيْـرُهُ أَمَّا الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى وَهِىَ لِتَخْلِيصِ الْعُصَاةِ مِنَ الْمُسْلِمِيـنَ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهَذِهِ لِسَيِّدِنَا مُـحَمَّدٍ ﷺ وَيَنْتَفِعُ بِـهَا غَيْرُ أُمَّتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِيـنَ. فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ بَعْضُ عُصَاةِ الْمُسْلِمِيـنَ النَّارَ فَلا يَـجُوزُ الدُّعَاءُ بِنَجَاةِ جَـمِيعِ الْمُسْلِمِيـنَ مِنْ دُخُولِ النَّارِ. (وَ)الشَّفَاعَةُ (لا تَكُونُ لِلْكُفَّارِ) إِنَّـمَا هُمْ يَنْتَقِلُونَ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ إِلَـى عَذَابٍ أَشَدَّ (قَالَ اللَّـهُ تَعَالَـى ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾) أَىْ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى الإِسْلامَ دِينًا فَالشَّفَاعَةُ لا تَكُونُ إِلَّا لِمَنْ ءَامَنَ بِـمُحَمَّدٍ وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِـىُّ ﷺ لِابْنَتِهِ فَاطِمَةَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُـحَمَّدٍ سَلِينِـى مَا شِئْتِ مِنْ مَالِـى لا أُغْنِـى عَنْكِ مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ مَعْنَاهُ لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُنْقِذَكِ مِنَ النَّارِ إِنْ لَـمْ تُؤْمِنِـى أَمَّا فِى الدُّنْيَا فَأَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْفَعَكِ بِـمَالِـى (وَأَوَّلُ شَافِعٍ يَشْفَعُ هُوَ النَّبِـىُّ ﷺ) وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ.
(الرُّوحُ)
(يَـجِبُ الإِيـمَانُ بِالرُّوحِ وَهِىَ جِسْمٌ لَطِيفٌ) لا يُقْبَضُ بِالْيَدِ (لا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ إِلَّا اللَّـهُ) قَالَ اللَّـهُ تَعَالَـى ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّـى وَمَا أُوتِيتُمْ مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (وَقَدْ أَجْرَى اللَّـهُ الْعَادَةَ أَنْ تَسْتَمِرَّ الْـحَيَاةُ فِـى أَجْسَامِ الْمَلائِكَةِ وَالإِنْسِ وَالْـجِنِّ وَالْبَهَائِمِ مَا دَامَتْ تِلْكَ الأَجْسَامُ اللَّطِيفَةُ) أَىِ الأَرْوَاحُ (مُـجْتَمِعَةً مَعَهَا وَتُفَارِقَهَا إِذَا فَارَقَتْهَا تِلْكَ الأَجْسَامُ وَهِىَ حَادِثَةٌ) أَىْ مَـخْلُوقَةٌ وَ(لَيْسَتْ قَدِيـمَةً) أَىْ لَيْسَتْ أَزَلِيَّةً وَلَكِنَّهَا بَاقِيَةٌ لا تَفْنَـى (فَمَنْ قَالَ إِنَّـهَا قَدِيـمَةٌ لَيْسَتْ مَـخْلُوقَةً فَقَدْ كَفَرَ وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ) إِنَّ (الْبَهَائِمَ لا أَرْوَاحَ لَـهَا كَمَا قَالَ ذَلِكَ مُـحَمَّدُ مُتْوَلِّـى الشَّعْرَاوِىُّ فِـى كِتَابَيْهِ التَّفْسِيـرِ وَالْفَتَاوَى وَذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِلْقُرْءَانِ) وَالْـحَدِيثِ وَإِجْـمَاعِ الأُمَّةِ (وَإِنْكَارٌ لِلْعِيَانِ) أَىْ لِمَا هُوَ مُعَايَنٌ وَمُشَاهَدٌ (قَالَ تَعَالَـى فِـى سُورَةِ التَّكْوِيرِ ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾) أَىْ رَجَعَتِ الأَرْوَاحُ إِلَيْهَا فَبُعِثَتْ ثُـمَّ حُشِرَتْ (وَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ لَتُؤَدَّنَّ الْـحُقُوقُ إِلَـى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّـى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْـجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ) أَىْ أَنَّ اللَّـهَ تَعَالَـى يَأْخُذُ الْـحُقُوقَ لِأَهْلِهَا حَتَّـى يُؤْخَذَ حَقُّ الشَّاةِ الْـجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ الَّتِـى ضَرَبَتْهَا فِـى الدُّنْيَا. وَالْمُؤْمِنُ التَّقِىُّ إِذَا مَاتَ وَبَلِىَ جَسَدُهُ وَلَـمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلَّا عَجْبُ الذَّنَبِ يَكُونُ رُوحُهُ فِـى الْـجَنَّةِ أَمَّا شَهِيدُ الْمَعْرَكَةِ فَيَصْعَدُ رُوحُهُ فَوْرًا إِلَـى الْـجَنَّةِ. وَتَكُونُ أَرْوَاحُ عُصَاةِ الْمُسْلِمِيـنَ أَىْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ الَّذِينَ مَاتُوا بِلا تَوْبَةٍ بَعْدَ بِلَى الْـجَسَدِ فِيمَا بَيْـنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَبَعْضُهُمْ فِـى السَّمَاءِ الأُولَـى أَمَّا الشَّهِيدُ الْعَاصِى فَيَصْعَدُ رُوحُهُ فَوْرًا إِلَـى الْـجَنَّةِ. وَتَكُونُ أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ بَعْدَ أَنْ تَبْلَى أَجْسَادُهُمْ فِـى سِجِّيـن وَتَبْقَى هُنَاكَ إِلَـى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسِجِّيـنٌ مَكَانٌ مُظْلِمٌ وَمُوحِشٌ فِـى الأَرْضِ السَّابِعَةِ تُسَجَّلُ فِيهِ أَسْـمَاءُ الْكُفَّارِ.
(بَيَانُ أَنَّ رَحْـمَةَ اللَّـهِ شَامِلَةٌ فِـى الدُّنْيَا لِلْمُؤْمِنِيـنَ وَالْكَافِرِينَ خَاصَّةٌ بِالْمُؤْمِنِيـنَ فِـى الآخِرَةِ)
(وَ)اعْلَمْ أَنَّ (اللَّـهَ تَعَالَـى يَرْحَمُ الْمُؤْمِنِيـنَ وَالْكَافِرِينَ فِـى الدُّنْيَا وَسِعَتْ رَحْـمَتُهُ كُلًّا) مِنْهُمْ (أَمَّا فِـى الآخِرَةِ فَرَحْـمَتُهُ خَاصَّةٌ لِلْمُؤْمِنِيـنَ قَالَ اللَّـهُ تَعَالَـى ﴿وَرَحْـمَتِـى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ أَىْ وَسِعَتْ فِـى الدُّنْيَا كُلَّ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ ﴿فَسَأَكْتُبُهَا﴾ أَىْ فِـى الآخِرَةِ ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ أَىْ أَخُصُّهَا لِمَنِ اتَّقَى) أَىِ اجْتَنَبَ (الشِّرْكَ وَسَائِرَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَقَالَ تَعَالَـى ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْـجَنَّةِ﴾) أَىْ أَهْلُ النَّارِ يُنَادُونَ أَهْلَ الْـجَنَّةِ إِمَّا يَرَوْنَـهُمْ عِيَانًا مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ بَيْـنَ الْـجَنَّةِ وَالنَّارِ فِـى وَقْتٍ مِنَ الأَوْقَاتِ وَإِمَّا يَسْمَعُونَ صَوْتَـهُمْ فَيَطْلُبُونَ مِنَ الضِّيقِ الَّذِى هُمْ فِيهِ (﴿أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِـمَّا رَزَقَكُمُ اللَّـهُ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ أَىْ إِنَّ اللَّـهَ حَرَّمَ عَلَى الْكَافِرِينَ الرِّزْقَ النَّافِعَ وَالْمَاءَ الْمُرْوِىَ فِـى الآخِرَةِ) فَلا يَـجِدُونَ مَاءً بَارِدًا مُرْوِيًا إِنَّـمَا يَشْرَبُونَ الْمَاءَ الْمُتَنَاهِىَ فِـى الْـحَرَارَةِ وَمَا يَسِيلُ مِنْ جُلُودِ أَهْلِ النَّارِ (وَذَلِكَ لِأَنَّـهُمْ أَضَاعُوا أَعْظَمَ حُقُوقِ اللَّـهِ الَّذِى لا بَدِيلَ لَهُ وَهُوَ الإِيـمَانُ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ) فَكَفَرُوا وَقَصَدُوا الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ فَكَانَ جَزَاؤُهُمْ عَذَابًا لا يَنْقَطِعُ.
(ثُـمَّ إِنَّ اللَّـهَ) تَعَالَـى (جَعَلَ الدُّخُولَ فِـى الإِسْلامِ الَّذِى هُوَ أَفْضَلُ نِعَمِ اللَّـهِ سَهْلًا وَذَلِكَ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْـنِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَجَعَلَ الْكُفْرَ سَهْلًا فَكَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ بِاللَّـهِ) أَوْ كُتُبِهِ أَوْ رُسُلِهِ أَوْ مَلائِكَتِهِ أَوْ مَعَالِـمِ دِينِهِ (أَوْ شَرِيعَتِهِ تُـخْرِجُ قَائِلَهَا مِنَ الإِيـمَانِ وَتُوقِعُهُ فِـى الْكُفْرِ الَّذِى هُوَ أَسْوَأُ الأَحْوَالِ حَتَّـى يَكُونَ عِنْدَ اللَّـهِ أَحْقَرَ مِنَ الْـحَشَرَاتِ وَالْوُحُوشِ) أَىِ الْبَهَائِمِ (سَوَاءٌ تَكَلَّمَ بِـهَا جَادًّا أَوْ مَازِحًا أَوْ غَضْبَانَ وَقَدْ شُرِحَ ذَلِكَ فِـى كُتُبِ الْفِقْهِ فِـى الْمَذَاهِبِ) الأَرْبَعَةِ (الْمُعْتَبَـرَةِ وَحَكَمُوا أَنَّ الْمُتَلَفِّظَ بِـهَا يَكْفُرُ).
فَالْكُفَّارُ هُمْ أَحْقَرُ وَأَخَسُّ خَلْقِ اللَّـهِ وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُـهُمْ صُورَةَ الْبَشَرِ لِأَنَّـهُمْ أَعْرَضُوا عَنْ الإِيـمَانِ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ فَكَفَرُوا بِاللَّـهِ عَزَّ وَجَلَّ (قَالَ اللَّـهُ تَعَالَـى ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّـهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾) وَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ لا تَـحْلِفُوا بِآبَائِكُمُ الَّذِينَ مَاتُوا فِـى الْـجَاهِلِيَّةِ فَوَالَّذِى نَفْسُ مُـحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ الَّذِى يُدَهْدِهُهُ الْـجُعَلُ بِأَنْفِهِ خَيْـرٌ مِنْ هَؤُلاءِ الْمُشْرِكِيـنَ.
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/1A_fwpG-HWE?si=ifliOHS7oSIYQAIu
لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/sirat-8