الخميس مارس 28, 2024

#78 – 3-12سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام

الحمد لله مكوّن الأكوان الموجود أزلا وأبدا بلا مكان أما بعد نتابع وإياكم أيها الكرام في هذه الحلقة تفاصيل قصة سيدنا عيسى عليه السلام ونتكلم إن شاء الله تعالى عن إتهامِ مريم وولادتِها للسيدِ المسيح عليهِ الصلاة والسلام. لما حملت السيدةُ مريمُ عليها السلام بعيسى وظهرت عليها ءاثارُ الحمـل كان أولُ من فطن لذلك زكريا عليه السلام وقيلَ ابنُ خالِها يوسفَ النجار وكان من عباد الله الصالحين، فجعلَ يتعجبُ من ذلك لمـا يعلم من تديُّنها ونزاهتها فقال لها مرة يُعرِّضُ لها في حملها: يا مريم هل يكون زرعٌ من غير بذر؟ فقالت له: نعم، فمن خلق الزرعَ الأول؟ ثم قال لها: فهل يكونُ ولدٌ من غير ذكر؟ قالت: نعم إنَّ الله خلق ءادمَ من غيـرِ ذكر وأنثى، عندئذ قال لها: فأخبريني خبرَك، فأخبرته حقيقةَ أمرِها وقالت له: إنّ الله تعالى بشّرني بكلمةٍ منه اسمُه المسيحُ عيسى ابنُ مريـم وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المقربين ويكلّم الناس في المهد وكهلًا ومـــن الصالحين. ثم شاع الخبرُ في بني إسرائيل أنّ مريم حامل فأساء بها الظنَ كثيرٌ منهـم واتهمها البعضُ بيوسفَ النجار الذي كان يتعبد معها في المسجد، واتهمها ءاخرون بنبي الله زكريا عليه السلام والعياذ بالله من الكفر، وحزِنت مريمُ عليها السلام حزنًا شديدًا واعتراها كربٌ عظيم وتوارت عن أعيُنهم واعتزلتهم وانتبذت بحملها مكانًا بعيدًا فرارًا من قومها أن يعيّروها بولادتها من غيرِ زوج، وذلك أنها علمت أنّ الناس يتهمونها ولا يصدقونها إذا أتتهم بمولودها الصغير مع أنها كانت عندَهم من العابدات الناسكات المجاورات في المسجد في عبادة الله سبحانه. ثم لما أتمت مريمُ عليها السلام أيامَ حملِها وهي في بيتِ لحم اشتدَّ بها المخاض ثم ألجأها وجعُ الولادة إلى جِذع نخلة يابسة وقيل كانت نخلـةٌ مثمرة، فاحتضنت ذلك الجذع وولدت مولودَها عيسى عليه السلام، وناداها جبريل عليه السلام من مكانٍ من تحتها من أسفلِ الجبل يُطمئنُها ويخبرُها أنّ الله تبارك وتعالى جعل تحتها نهرًا صغيرًا ويطلب منها أن تَهُزَ جذع النخلة ليتساقط عليها الرُطب الجنيُ الطريُ وأن تأكلَ وتشربَ مما رزقها الله تعالى وأن تَقَرَّ عينُها بذلك وأن لا تكلمَ إنسًا فإن رأت أحدًا من الناس تقولُ له بالإشارة أنها نذرت للرحمن صومًا أي صمتًا، وكان من صومهم في شريعتهم تركُ الكلام والطعام، فهزّت مريمُ عليها السلام جِذعَ النخلةِ فتساقطَ عليها الرطبُ الجنيُ الناضج فأكلت عليها السلام منه وشربت من ذلك النهر الذي أجراه الله تبارك وتعالى بقدرته لها في مكانٍ كان لا يوجد فيه نهر، وكلُّ ذلك إكرامًا من الله سبحانه وتعالى لمريم على إيمانها وصلاحِها وعنايةً بوليدِها السيدِ المسيح عيسى عليـه الصلاة والسلام. أتت السيدةُ مريم عليها السلام قومَها تحمل مولودَها عيسى عليه السـلام على يدها في بيتَ لحم فلمّا رءاها قومُها قالوا لها: لقد فعلت فعلةً مُنكـرةً عظيمة، فإنَّ أباك لم يكن رجلَ سوء ولم تكن أمُك زانية، وظنوا بها السوء وصاروا يوبخونها ويؤنبونها وهي ساكتةٌ لا تجيب لأنها أخبرتهم أنها نذرت للرحمنِ صومًا، ولما ضاق بها الحال أشارت إلى عيسى عليه السلام أن كلموه فعنده جوابُ ما تبغون، عندها قالوا لها مُتعجبين: كيفَ نُكَلِّمُ مَن كانَ في المهدِ صبيًّا وما هذا منك إلا على سبيلِ التهكّم بنا والازدراء إذ لا تردّين علينا بكلام، عند ذلك أنطـق الله تبارك وتعالى بقدرته الرضيعَ عيسى عليه السلام وكان عمُرُه أربعين يومًا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ وهذا اعترافٌ منه عليه السلام بالعبوديةِ لله تبارك وتعالى وهذه أولُ كلمةٍ نطقَ بها عيسى وهو في المهد {ءاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} وهذا إخبارٌ عمّا قضى الله تعالى له وحكمَ له به ومنحَه إياه مما سيظهرُ ويكون، وفي ذلك تبرئةٌ لأمِه مما نسبوا إليها واتهموها به، فإنَّ الله تعالى لا يُعطي النبوةَ لمن هو كما زعموا، ثم قال لهم عيسى عليه السلام {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ} أي نفّاعًا حيثما توجهتُ معلّمًا للخير، وذلك أن السيد المسيح عيسى عليه السلام كان يدعو حيث كان إلى عبادة الله تعالى وحده وأن لا يُعبدَ شيءٌ غيرُه. قال الله تعالى إخبارًا وحكاية عن عيسى: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} وهذا أيضًا إخبارٌ عما قضى الله له ومنحَه إياه مما سيظهَرُ ويكون، فكانَ نبيُ الله عيسى عليه السلام يصلي لله تعالى كما أمره، ويُحسنُ إلى عباد الله بالزكاةِ وبذل الأموال والعطايا للمحتاجين والفقراء، ولم يكن عليه السلام فظًّا ولا غليظًا، قال الله تعالــى إخبارًا عن عيسى عليه السلام وما أنطقه به في المهد: {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} فلما كانت هذه المواطنُ الثلاثة أشـقُّ ما يكونُ على ابنِ ءادم جعلَ الله تعالى السلامةَ على نبيه عيسى عليــه السلام في هذه المواطنِ الثلاثة يومَ ولادتِه وعندما يموت وعند البعث يومَ القيامـة. وهنا فائدة: بعد أن تكلم عيسى عليه السلام وهو في المهد واعترف بالعبوديـة لله تعالى ودفعَ التهمةَ الباطلةَ عن أمه مريم البتول إلى ءاخرِ كلامِه وهو فــي المهد، أمسكَ بعدَ ذلك عن الكلامِ حتى بلغَ المبلغَ المعتادَ في نُطقِ الصِبيان فأنطقه الله تعالى بالحكمةِ وحسـنِ البيان. وهكذا نصل إلى نهاية حلْقتِنا لهذا اليوم. مُلتقانا يتجددُ بإذنِ الله مع تِتمة قصةِ عيسى عليه السلام في الحلقةِ المقبلة فإلى اللقاء.