#73 -1-2 سيدنا زكريا عليه الصلاة والسلام
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين أما بعد فها نحن نلتقي بكم من جديد بعد أن أتممنا قصة نبي الله سليمان عليه السلام. ننتقل اليوم للكلام عن سيدنا زكريا عليه السلام. يصل نسبه عليه السلام إلى سليمان بنِ داود الذي يتصلُ نسبه بـيهوذا بنِ يعقوب، فهو من أنبياءِ بني إسرائيل، وقد وردَ في الحديثِ الشريفِ أنه كانَ نَجارًا. ذُكِرَ اسمُ زَكريا في القرءانِ الكريمِ ثَماني مرات، وذُكِرَت قِصَتُهُ معَ شيءٍ من التفصيلِ في سورة ءالِ عِمران وسورةِ مريم. بَعَثَ الله تعالى زكريا عليهِ الصلاةُ والسلامُ رَسولًا إلى بَنِي إسرائيلَ، فقامَ عليهِ السلامُ يَدعو قومَه إلى دينِ اللهِ الإسلامِ العظيم وعِبادةِ اللهِ وحدَه ويُخَوِفُهُم عذابَه في وقتٍ اشتدَّ فيه الفِسقُ والفُجورُ وانتَشَرَت فيهمُ المفاسدُ والمنكراتُ، وتسلَّط فيه على الحكمِ ملوكٌ فسقةٌ ظلمةٌ جبابرةٌ يَعيثونَ في الأرضِ فَسادًا ويَفعلونَ الموبِقاتِ والجرائِم ولا يُراعونَ حُرمةً لنبيِهم، وكانَ هؤلاءِ الملوك قد تَسلّطوا على الصالحين والأتقياءِ والأنبياءِ حتى سَفَكوا دماءهم، وكان أعظَمَهم فتكًا وإجرامًا الملكُ “هيرودوس” حاكِمُ فلسطين الذي أمرَ بقتلِ يحيى بنِ زكريا إرضاءً لرغبةِ عشيقتِه كما سيأتي في قِصةِ يَحيى بنِ زكريا عليهما السلام. لَقِيَ زكريا عليه السلامُ من بني إسرائيلَ وحكّامِهم ونالَهُ من قومِه الأذى الكثير، وتَوالَت عليهِ الأهوالُ العِظامُ والشدائدُ الثِقالُ فصبرَ عليهِ السلامُ الصبرَ الجميلَ. وقد كان زكريا عليه السلام قبلَ أن يُكرِمَهُ الله بالرسالةِ من كبارِ الصالحينَ الذينَ لهم شَراكةٌ في خدمةِ الهيكل، وكانَ عِمرانُ والِدُ مَريَم إمامَهم وسيدَهم. وكانَ نبيُ الله زكريا عليه الصلاة والسلام متزوجًا بإشياع أختِ مريم وهذا قولُ الجمهور، وقيلَ زوجُ خالتِها إشياع والله أعلم. وكانت حِنّةُ زوجةُ عِمران منَ الصالحاتِ العابداتِ قد كبِرَت وعجَزت ولم تلِد ولدًا، فبَينما هي في ظِلِ شَجرةٍ إذ أبصرت طائرًا يُطعِمُ فرخًا له، فاشتهتِ الولد ودعتِ اللهَ تعالى أن يَهَبها ولدًا، ونذَرَت إن رَزَقها الله تعالى وَلدًا أن تَجعلَه من سَدَنةِ بيتِ المقدسِ وخدمِه، وحرّرَت ما في بطنِها ولم تَكن تعلم ما هو، وكان النَذرُ الْمُحَرَّرُ عندَهم هو أن يُجعلَ الولدُ لله، يقومُ بِخدمةِ المسجد ولا يَبرَحُ منه حتى يبلُغَ الحُلُم فإذا بلَغَ خُيِّر، فإن أحبَ أن يُقيمَ فيه أقام وإن أحبَ أن يَذهبَ ذهبَ. ثم ماتَ عِمرانُ زوجُ حِنّة وهي حامِلٌ بمريم عليها السلام. وعندما وَلَدَت “حنّة” زوجةُ عمرانَ مريمَ عليها السلام لفّتها في خِرقَةٍ وحَملتها وانطلَقت بها إلى المسجد ووضَعَتها عندَ الأحبارِ العلماءِ وقالت لهم: “دونَكم هذه المنذورة” فتنَافسوا فيها لأنها كانت بنتَ إمامِهم وسيدِهم عِمران الذي كانَ من علماءِ بني إسرائيلَ الصالِحين وكانوا يَقتَرِعونَ على الذينَ يُؤتى بهم إلى المسجدِ لخِدمته، فقالَ زكريا عليه السلام وكان نَبِيَّهم يومئذٍ: أنا أحقُّ بها لأنّ خالتَها عندي، وذلكَ أنَّ الخالةَ كما وردَ في الحديثِ بمنزِلةِ الأم، فأبَوا وطلَبوا الاقتِراعَ عليها وقالوا: نَطرَحُ أقلامَنا في النهرِ الجارِ قيلَ هو نَهرُ الأردن فمَن صَعِدَ قلمُه فوقَ الماءِ فهو أحقُّ بها، فذهبوا إلى ذلكَ النهرِ وألقَوا فيه أقلامَهم التي كانوا يكتبونَ بها التوراةَ فارتَفعَ قلمُ زكريا فوقَ الماءِ ورَسَبَت أقلامُهم، فأخذَها زكريا عليه السلام وكَفِلَها وضَمّها إلى خالتِها “أمِ يحيى” واستَرضَعَ لها حتى كَبِرَت ووضعَها في غرفةٍ في المسجد لا يُرقى إليها إلا بِسُلَّمٍ ولا يَصعَدُ إليها غيرُه، وكان يُغلِقُ عليها الباب ومعه المِفتاح لا يأمنُ عليهِ أحدًا، وكانت إذا حاضَت أخرَجَها إلى مَنْزِلِهِ لتكونَ مع خالتِها “أمِ يحيى”، وقد كانَ نبيُ الله زكريا عليه السلام يرى من عجائِبِ قدرةِ الله تعالى ومن الكراماتِ في حِفظِ هذهِ السيدةِ الطاهرةِ العفيفةِ ما يُبْهِرُ العقول، فقد كان نبيُ الله زكريا عليه السلام إذا دخلَ على مريمَ عليها السلام في المحرابِ يَجِدُ عندها من الفاكِهة ما لا يوجدُ مثلُه في البلدِ، فقد كانَ يَجِدُ عندَها فاكهةَ الصيفِ في الشتاءِ وفاكهةَ الشتاءِ في الصيف، وهذهِ منَ الكراماتِ التي يُكرِمُ الله تعالى بِها أولياءَه. وقد كانتِ السيدةُ الجليلةُ مريمُ عليها السلام من الصالحاتِ العابداتِ تقومُ بالعبادةِ ليلَها ونَهارَها، حتى صارَت يُضرَبُ بِها المثلُ بالعِبادةِ والطاعةِ في بني إسرائيل، ولقدِ اشتَهَرت هذهِ السيّدةُ الطاهرةُ العفيفةُ بما ظَهَرَ عليها منَ الأحوالِ الكريمة والصفاتِ الشريفة. وإلى هنا تنتهي حلقتُنا لهذا اليوم وفي الحلقةِ القادمةِ نكونُ مع بيان دعاء سيدِنا زكريا عليه السلام وسؤاله الولد فتابعونا وإلى اللقاء.