(72) تَكَلَّمْ عَنْ كَلامِ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ النِّسَاءِ ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ. فَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ مُتَكَلِّمٌ بِكَلامٍ لا يُشْبِهُ كَلامَنَا لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا وَلا لُغَةً لَيْسَ لَهُ ابْتِدَاءٌ وَلَيْسَ لَهُ انْتِهَاءٌ لا يَطْرَأُ عَلَيْهِ سُكُوتٌ أَوْ تَقَطُّعٌ قَالَ الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ فِى الْفِقْهِ الأَكْبَرِ وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِالآلاتِ وَالْحُرُوفِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَتَكَلَّمُ بِلا ءَالَةٍ وَلا حُرُوفٍ وَالْحُرُوفُ مَخْلُوقَةٌ وَكَلامُ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَخْلُوقٍ. وَالآلاتُ هِىَ مَخَارِجُ الْحُرُوفِ. أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ يَس ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الأَشْيَاءَ بِسُرْعَةٍ بِدُونِ تَعَبٍ وَلا مَشَقَّةٍ وَبِدُونِ مُمَانَعَةِ أَحَدٍ لَهُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يَنْطِقُ بِلَفْظِ كُنْ بِعَدَدِ مَخْلُوقَاتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَخْلُقُ فِى اللَّحْظَةِ الْوَاحِدَةِ مَا لا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَصْرِ فَالآيَةُ ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ تَدُلُّ عَلَى سُرْعَةِ الإِيجَادِ. وَيُطْلَقُ كَلامُ اللَّهِ عَلَى اللَّفْظِ الْمُنَزَّلِ الَّذِى نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ وَأَخَذَهُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَلامِ اللَّهِ الذَّاتِىِّ وَلَيْسَ مِنْ تَأْلِيفِ مَلَكٍ وَلا تَصْنِيفِ بَشَرٍ.