الأحد ديسمبر 22, 2024

#71  -4-5 سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام

الحمد لله مكوّن الأكوان الموجود أزلا وأبدا بلا مكان أما بعد فَها نحنُ نعودُ لنلتقيَ بكم من جديد في هذه الحلقةِ من سلسلةِ قصصِ الأنبياء واليوم نُكمِلُ ما بدأناهُ سابقًا وسنَتَكَلَمُ بإذنِ الله عن قِصَةِ عرشِ بَلقيس وكَرامةِ أحدِ أتباعِ سيدِنا سليمان عليه السلام في نقلِ عرشِ بَلقيس مسافاتٍ شاسعةٍ بوقتٍ قصيرٍ جدًا. لما رجَعَت رُسُلُ بَلقيسَ إليها أخبَروا ملِكَتَهم بِخَبرِ سليمانَ عليه السلام، ووصفوا لها ما شاهدوهُ من عَظمةِ مُلكِ سليمانَ وكَثرةِ جُندِهِ وقُوةِ بأسِه، وأخبروها بأنَه ردَّ الهدايا إليها ولم يرضَ الْمُصانَعَة، وأنه مُصَمِّمٌ على غَزوِ بلادِهم بِجيشٍ كبيرٍ عَرَمْرَمٍ لا قُدرَةَ لهم عليه، ولما سَمِعَت الملكةُ “بَلقيسُ” أخبارَ رُسُلِها عن سليمانَ عليه السلام وعظيمِ مُلكِه أيْقَنَتْ بِعِظَمِ سُلطانِهِ ومَهابَتِهِ وعَدَمِ طاقَتِها على مُقاوَمَتِه، فبَعَثَت إليه: إنّي قادِمةٌ إليكَ لأنظُرَ ما تدعو إليه، ثم أمرَت بعرشِها فجُعِلَ وراءَ سبعةِ أبواب، وَوَكَّلت بهِ حرَسًا يَحفظونَهُ وسارت إلى سليمانَ عليه السلام بِجيشٍ كبيرٍ مع رِجالِها وجماعتِها. وكانَ نبيُ اللهِ سليمانُ عليه السلام عَظيمَ الهيبةِ كثيرًا ما كانَ الناسُ لا يَبدأونَهُ بشىءٍ حتى يسألَ هو عنهُ فجَلَسَ يومًا على سريرِ مُلكِهِ فرأى رَهْجًا قَريبًا منهُ فقالَ: ما هذا؟ فقالوا: “بَلقيس” قد نَزَلَت بِهذا المكانِ وكانَ المكان بقدرَ فَرسَخ منهم، وكانَ قد بَلَغَهُ أنَّ بَلقيسَ عَمِلَت على حِراسةِ عرشِها قبلَ خروجِها، فلما علِمَ سليمانُ عليه السلامُ بِقدومِها إليه، شَيَّدَ لها قَصرًا عظيمًا مِن زُجاجٍ وجَعَلَ في مَمَرِهِ ماءً وجَعَلَ عليه سَقفًا مِن زُجاج، وجَعَلَ فيهِ السَمَكَ وغيرَهُ من دوابِ الماءِ بحيثُ يُخَيَّلُ للناظِرِ أنه في لُجَّةٍ من الماء. وأرادَ سليمانُ عليه السلامُ أن يُظهِرَ لبَلقيسَ من دلائلِ عَظمتِه وسُلطانِه ما يُبْهُرُها وأن تَرى بعينِها ما لم تَرَهُ من قبلُ قط، وهُو أن يَأتِيَ بِعرشِها إلى قَصرِه ليكونَ جلوسُها عليه في ذلكَ الصَرحِ العظيم ِدليلًا باهِرًا على نُبُوَتِهِ لأنها خَلَّفَتْهُ في قَصرِها واحتاطَت عليه، فأمرَ عليهِ السلامُ جُنودَه وخَواصَّهُ أن يُخْبِروهُ عن مَخلوقٍ قويٍ ليأتِيَهُ بِعَرشِ بَلقيس، فتَطَوَعَ عِفريتٌ قَوِيٌ منَ الجنِ وأخبرَه أنه قادِرٌ على إحضارِ عرشِ بَلقيسَ في مُدةٍ قَصيرةٍ لا تَتجاوَزُ نِصفَ نَهار. وكان هناكَ عندَ سليمانَ عليه السلامُ رجلٌ من أهلِ الإيمانِ مَشهورٌ بالتَقوى والوِلايةِ يُدعى ءاصِفَ بنَ بَرخِيا ويُقالُ إنهُ ابنُ خالةِ سليمان فقالَ لسليمانَ عليه السلامُ  أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ أي قبلَ أن يَرجِعَ إليكَ بَصَرُكَ إذا نَظَرْتَ بهِ إلى أبعدِ غايةٍ منكَ ثم أغْمَضْتَهُ، وكانَ الأمرُ كما قالَ وإذا بِعرشِ بَلقيسَ بِعَظَمَتِهِ وحُلِيِّه قائمٌ وحاضِرٌ في القصرِ أمامَ نبيِ الله سليمانَ عليه السلام. ثم أمرَ نبيُ اللهِ سليمانُ عليهِ السلامُ أن يُغَيَّرَ بعضُ مَعالِمِ العرشِ ليَمتَحِنَ بها قوةَ ملاحظتِها وانتباهِها وليَختَبِرَ فَهمَها وعقلَها، فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وهذا لأنَها استَبْعَدَت أن يكونَ عرشُها لأنَّها خَلَّفَتهُ وراءَها بأرضِ اليمن تحتَ حِراسةٍ شَديدة، ولم تكن تعلمُ أنّ أحدًا يَقدِرُ على هذا الصُنعِ العَجيبِ الغَريب. وكان سليمانُ عليه السلامُ قد أمرَها بِدخولِ القَصرِ وكانَ جالِسًا على سريرِ عَرشِه، قالَ الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا}. فلمّا رأتِ الدلائلَ الباهرةَ والخوارقَ العجيبة أعلَنت إسلامَها وتَبرأت مِما كانت عليهِ من كفرٍ وضَلالٍ. وبعدَ أن أسلَمت بَلقيسُ ودخلَت تحتَ سُلطانِ سليمانَ عليه السلام يُقالُ إنه تَزوجَها وأقرَّها على مَملَكةِ اليَمن ورَدَّها إلى بلدِها وكانَ يَزورُها في مَملَكَتِها في كلِ شَهرٍ مرةً ويُقيمُ عندَها ثلاثةَ أيام وأمرَ الجِنَ الْمُسخَّرينَ له أن يَبنوا له ثلاثةَ قصورٍ هناك. والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم. نقف هنا الآن لنحدثكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى عن وفاة سليمان عليه السلام فتابعونا وإلى اللقاء.