#7 سيدنا محمد رسول الله ﷺ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي المليح، صاحب النسب الصحيح واللسان الفصيح وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد، ليعلم أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أكثرُ الأنبياء معجزاتً فإن الْمُعْجِزَاتِ الَّتِى حَصَلَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى حَالِ حَيَاتِهِ قِيلَ بَيْنَ الأَلْفِ وَالثَّلاثَةِ ءَالافٍ وَأَعْظَمُ الْمُعْجِزَاتِ مُعْجِزَةُ الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ الْمُعْجِزِ الْمُبِينِ وَحَبْلِ اللَّهِ الْمَتِينِ الَّذِى وَصَفَهُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ، فالقرآن كتابٌ معجزٌ فيه تحد للمشركين أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه فعجَزوا عن ذلك. الكفار تُحدُّوا وقُرعوا مع أنهم في زمن النّبيّ كانوا قد بلغوا الذَروة في الفصاحة ، كان الواحد منهم بعبارة يقيم حربًا وبعبارة يُهدِّئُ حربًا، فتحداهم أن يأتوا بمثل سورة من القرآن فلم يستطيعوا. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِىُّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ «مَا أَعْطَى اللَّهُ نَبِيًّا مُعْجِزَةً إِلَّا وَأَعْطَى مُحَمَّدًا مِثْلَهَا أَوْ أَعْظَمَ مِنْهَا» فَقِيلَ لِلشَّافِعِىِّ أَعْطَى اللَّهُ عِيسَى إِحْيَاءَ الْمَوْتَى فَقَالَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ «أُعْطِىَ مُحَمَّدٌ حَنِينَ الْجِذْعِ حَتَّى سُمِعَ صَوْتُهُ فَهَذَا أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ» فَقَدْ جَاءَ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا أَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ فَإِنَّ لِى غُلامًا نَجَّارًا قَالَ «إِنْ شِئْتِ» قَالَ فَعَمِلَتْ لَهُ مِنْبَرًا فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِى صُنِعَ لَهُ فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتِى كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا حَتَّى كَادَتْ تَنْشَقُّ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَخَذَهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِىِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ وَكَانَ الْحَسَنُ البصري لَمَّا يَرْوِى هَذِهِ الْحَادِثَةَ يَبْكِى وَيَقُولُ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ الْخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَوْقًا إِلَيْهِ أَفَلَيْسَ الرِّجَالُ الَّذِينَ يَرْجُونَ لِقَاءَهُ أَحَقَّ أَنْ يَشْتَاقُوا إِلَيْهِ.وَحَدِيثُ حَنِينِ الْجِذْعِ هَذَا مُتَوَاتِرٌ كَمَا أَنَّ الْقُرْءَانَ مُتَوَاتِرٌ وَهَذِهِ مِنْ أَعْجَبِ الْمُعْجِزَاتِ وَيَصِحُّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّهَا أَعْجَبُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى الَّذِي حَصَلَ لِلْمَسِيحِ لِأَنَّ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى يَتَضَمَّنُ رُجُوعَ هَؤُلاءِ الأَشْخَاصِ إِلَى مِثْلِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا، أَمَّا الْخَشَبُ فَهُوَ مِنَ الْجَمَادِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِإِرَادَةٍ فَهُوَ أَعْجَبُ، هَذَا مِنْ أَظْهَرِ الْمُعْجِزَاتِ. وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ صلّى الله عليه وسلّم إِنْطَاقُ الْعَجْمَاءِ أَيِ الْبَهِيمَةِ. رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ أنّه قَالَ: بَيْنَمَا نَسِيرُ مَعَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم إِذْ مَرَّ بِنَا بَعِيرٌ يُسْنَى عَلَيْهِ أَيْ يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَلَمَّا رَءَاهُ الْبَعِيرُ جَرْجَرَ أَيْ أَصْدَرَ صَوْتًا مِنْ حَلْقِهِ فَوَضَعَ جِرَانَهُ أَيْ مُقَدَّمَ عُنُقِهِ فَوَقَفَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلّم، فَقَالَ: أَيْنَ صَاحِبُ هَذَا الْبَعِيرِ؟ فَجَاءَهُ فَقَالَ: بِعْنِيهِ، فَقَالَ: بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّهُ لِأَهْلِ بَيْتٍ مَا لَهُمْ مَعِيشَةٌ غَيْرُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ شَكَا كَثْرَةَ الْعَمَلِ وَقِلَّةَ الْعَلَفِ فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ شَاهِينَ فِي دَلائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَرْدَفَنِي أي أركبني خلفه على البعير، قال أردفني رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ فَدَخَلَ حَائِطَ أَيْ بُسْتَانَ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ أي هناك فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم حَنَّ فَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم فَمَسَحَ ذَفَرَاتِهِ أَيْ دُمُوعَهُ فَسَكَنَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ رَبُّ أي مالِك هَذَا الْجَمَلِ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: هَذَا لِي، فَقَالَ: أَلا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ أَيْ تُتْعِبُهُ. وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ الْمُحَدِّثُ مُرْتَضَى الزَّبِيدِيُّ فِي شَرْحِ إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ. وَمِنْهَا تَفَجُّرُ الْمَاءِ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ بِالْمُشَاهَدَةِ فِي عِدَّةِ مَوَاطِنَ أكثر من مرّة فِي مَشَاهِدَ عَظِيمَةٍ أي عدة مرات شَهِدَه عددٌ كبير، ووَرَدَتْ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ يُفِيدُ مَجْمُوعُهَا الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ الْمُسْتَفَادَ مِنَ التَّوَاتُرِ الْمَعْنَوِيِّ أَيْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى لَفْظٍ وَاحِدٍ، لكن المعنى واحد. التواتر أحيانًا يكون معنويًا أي معناه يتواتر وأحيانًا لفظِيًا كحديث أُمرت أن أُقاتل الناس، وَلَمْ يَحْصُلْ لِغَيْرِ نَبِيِّنَا حَيْثُ نَبَعَ مِنْ عَظْمِهِ وَعَصَبِهِ وَلَحْمِهِ وَدَمِهِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ تَفَجُّرِ الْمِيَاهِ مِنَ الْحَجَرِ الَّذِي ضَرَبَهُ مُوسَى لِأَنَّ خُرُوجَ الْمَاءِ مِنَ الْحِجَارَةِ مَعْهُودٌ بِخِلافِهِ مِنْ بَيْنِ اللَّحْمِ وَالدَّمِ. رَوَاهُ جَابِرٌ وَأَنَسٌ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو لَيْلَى الأَنْصَارِيُّ وَأَبُو رَافِعٍ. وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِلَفْظِ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم وَقَدْ حَانَتْ صَلاةُ الْعَصْرِ وَالْتَمَسَ الْوَضُوءَ أَيْ طَلَبَ مَاءَ الْوُضُوءِ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّؤُوا فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّؤُوا مِنْ عِنْدِ ءَاخِرِهِمْ. وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ الرَّاوِي لِأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَلاثَمِائَةٍ. شربوا ماءً زُلالًا نبع من بين أصابعه الشريفة من بين اللحم والدم حتى قال فيه القائل: وأفضل المياه ماءٌ قد نبعْ بين أصابع النبي المتّبعْ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسلم مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَيْضًا: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ يَتَوَضَّأُ مِنْهَا فَجَهَشَ النَّاسُ أَيْ أَقْبَلُوا إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ عِنْدَنَا مَا نَتَوَضَّأُ بِهِ وَلا مَا نَشْرَبُهُ إِلَّا مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا، فَقِيلَ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَاءَ كَانَ يَنْبُعُ مِنْ نَفْسِ اللَّحْمِ الْكَائِنِ فِي الأَصَابِعِ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسلم وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ جَابِرٍ: فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَخْرُجُ، وَفِي رِوَايَةٍ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ. وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ: رَدُّ عَيْنِ قَتَادَةَ بَعْدَ انْقِلاعِهَا فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلائِلِ عَنْ قَتَادَةَ بنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أُصِيبَتْ عَيْنُهُ يَوْمَ بَدْرٍ فَسَالَتْ حَدَقَتُهُ عَلَى وَجْنَتِهِ فَأَرَادُوا أَنْ يَقْطَعُوهَا فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: لا، فَدَعَا بِهِ فَغَمَزَ حَدَقَتَهُ بِرَاحَتِهِ أي رَفَعَ عليه الصَّلاةُ والسَّلام عَيْنَ قَتَادَةَ بيدِه الشَّريفة وأعادها مَكَانهَا، ثمَّ مَسَحَها ودَعَا قائلًا: “اللَّهُمَّ اكْسُهُ جمالًا” فكانتِ العَيْنُ التي رَدَّها النبيُّ صلى الله عليه وسلم براحتهِ الشَّريفة أحسنَ عينيه وأحدَّهما، فَكَانَ لا يَدْرِي أَيَّ عَيْنَيْهِ أُصِيبَتْ اهـ. ثمَّ بعد عَشَراتِ السِّنينِ وَفَدَ عُمَرُ بنُ قَتَادَةَ بنِ النُّعمانِ إلى سَيِّدِنا عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ فقال له عُمَرُ :” مَنْ أَنْتَ ؟ ” . فأجابهُ مُرْتَجِلًا: أنا ابنُ الذي سالتْ على الخَدِّ عينُه ،،، فَرُدَّتْ بكَفِّ المصطفَى أحسنَ الرَّدِّ. فعادتْ كما كانتْ لأوَّلِ أمرِها ،،، فيا حُسْنَها عينًا ويا حُسْنَ ما خَدِّ. وَفِي هَاتَيْنِ الْمُعْجِزَتَيْنِ قَالَ بَعْضُ الْمَادِحِينَ شِعْرًا مِنَ الْبَسِيطِ: إِنْ كَانَ مُوسَى سَقَى الأَسْبَاطَ مِنْ حَجَرٍ ، فَإِنَّ فِي الْكَفِّ مَعْنًى لَيْسَ فِي الْحَجَرِ . إِنْ كَانَ عِيسَى بَرَ الأَعْمَى بِدَعْوَتِهِ ، فَكَمْ بِرَاحَتِهِ قَدْ رَدَّ مِنْ بَصَرِ. وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ تَسْبِيحُ الطَّعَامِ فِي يَدِهِ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا نَأْكُلُ مَعَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم الطَّعَامَ وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ. وَهَذِهِ الْمُعْجِزَاتُ الثَّلاثُ أَعْجَبُ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى الَّذِي هُوَ أَحَدُ مُعْجِزَاتِ الْمَسِيحِ. وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ يَحْفُرُونَ الْخَنْدَقَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَرَضَتْ لَهُمْ صَخْرَةٌ كَبِيرَةٌ فَأَخْبَرُوا بِذَلِكَ قَائِدَهُمْ مُحَمَّدًا فَجَاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ فَسَمَّى ثَلاثًا ثُمَّ ضَرَبَ الصَّخْرَةَ فَنَزَلَتْ رَمْلًا سَائِلًا.وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ بِغُلامٍ يَوْمَ وُلِدَ وَقَدْ لَفَّهُ فِى خِرْقَةٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَا غُلامُ مَنْ أَنَا» فَأَنْطَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْغُلامَ فَقَالَ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ» فَكَانَ هَذَا الْغُلامُ يُسَمَّى مُبَارَكَ الْيَمَامَةِ. وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَصْحَابَهُ وَهُمْ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَقَالَ «أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى أَمَامَكُمْ فَلا تَسْبِقُونِى فِى الرُّكُوعِ وَلا فِى السُّجُودِ وَلا تَرْفَعُوا رُؤُسَكُمْ فَإِنِّى أَرَاكُمْ مِنْ أَمَامِى وَمِنْ خَلْفِى» الْحَدِيثَ ومن معجزاته أيضًا انشقاقُ القمرِ ليلةَ البدر حتى افترق فرقتيْن كما قال تعالى: اقتربَتِ السَّاعةُ وانْشَقَّ القمرُ. وهذا كما أنه من معجزاته فهو من خصائصه أيضًا. وكان انشقاقه رَأْيَ العينِ المُحقق، حققه الجمعُ الغفير، والعددُ الكثير شاهدوه مُنْشَقًا فلْقَتَيْن. ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم تكليمُ ذِراعِ الشاة له ففي البخاري لما أهْدَت زينبُ بنتُ الحارث له شاةً مسمومةً بخيْبر فأخذ صحابيٌ لقمة فأكلها وأخذ النبي قطعةً لاكها وما بلعها إنما بصقها وقال: لا تمُدُّوا أيدِيَكم هذا الذراعُ يُخبِرُني أنه مسموم” وكان ذلك السُم سمُ ساعة أي يقتل في لحظة، فمات الصحابي الذي أكل أما النبيُّ ما مات معجزةً له عليه الصلاة والسلام، إنما استمرَّ هذا السُّم يؤثرُ فيه إلى أن مات بعد سنينَ من أثره. كان يقول ما زلتُ أُحِسُّ بأثرِ السمِّ في لهَواتي. ومن معجزاته أيضًا أن عينَ عليٍّ بن أبي طالب كرم الله وجهه بَرَئَت من الرَمَدِ حين تفلَ أي بصقَ فيها لوقْتِه وما عاد الرمدُ بعد ذلك أبدًا، ففي الصحيحِ أن عليًّا كان يومَ خيْبر أرْمَد فقال المصطفى عليه السلام: “لأعطيَّنَ الراية غدًا رجلًا يحبُ الله ورسوله ويحبه الله ورسولُه يفتح الله على يديْه” فدعا عليًّا وكان أرْمَد فتَفَلَ في عينِه فشُفيت بإذن الله. وكذلك من معجزاته عليه السلام أن عبدَ الله بنَ عَتيكٍ الأنصاري كسرت رجلُه فمسحها بيدِهِ الشريفة فبرَئَت بإذن الله. كذلك أيضًا أن أُبَيّ بن خلفٍ الملعون كان يلقى المصطفى عليه السلام فيقول: إن عندي فرسًا شقراء أعلِفُها كل يومٍ أقتلُكَ عليه فيقول عليه الصلاة والسلام: “بل أنا أقتلك إن شاء الله” فطَعَنه يومَ أحُدٍ في عنقه وخَدْشُه غيرُ كثير فقال: قتلني محمد فقالوا له: ليس بك بأس، قال إنه قال: “أنا أقتلك” فلو بصق عليَّ لقتلني. وكذلك أنه عدَّ عليه السلامُ لأصحابه في بدرٍ مصارعَ الكُفار فقال: هذا مصرعُ فلانٍ غدًا ويضع يده على الأرض وهذا وهذا فكان كما وعد وما تجاوز أحدٌ منهم عن موضِعِ يدِه كما في خبرِ أبي داود. ومن معجزاته أنه أخْبَرَ عن طوائفَ من أمتِهِ وسط البحر أي يغزون في البحر كالملوكِ على الأسرة ومنهم أم حرامٍ الرُميْصاء بنتُ مِلحان أختُ أم سليم أم أنس فكان كما أخبر، فإنها خرجَت مع زوجها عُبادةَ بنِ الصامت أولَ ما ركِبَ المسلمون البحر فلما قَفَلوا من غزوِهم نزلوا إلى الشام فقدَّمَ إليها دابةً لتركَبَها فصرعَتْها فماتت ودُفنت بجزيرة قبرص . رواه البخاري وغيره. ومن ذلك أنه قال في الحسنِ بن عليٍّ سِبْطِه: “إن ابني هذا سيّد ولعل الله أن يُصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين” فكان كما قال فإنه لما تُوفِيَ أبوه بايعه أربعونَ ألفًا على الموت فنزل عن الخلافة لمُعاوية لا من قلةٍ ولا من ذِلَة بل حَقْنًا لدماء المسلمين كما رواه البخاري وغيره. وكذلك أنه أخبر في شأنِ عثمان رضي الله عنه أنه ستُصيبُه بلوى شديدة، ففي البخاري من حديث أبي موسى جاء عثمانُ فاستأْذَن له أبو موسى فقال: “ائْذَن له وبشِرْهُ بالجنة مع بلوى تُصيبُه” فكان كما قال. وأخبر عليه السلام بقتل كِسْرى كذلك في ليلةِ مقتله فجاء الخبرُ كما ذكر، وفي الصحيح أنه لما جاءه كتابُ المصطفى عليه السلام مَزَقَهُ، وسَيَّر لعامله باليمن أن يرسل للمصطفى عليه السلام من يُحْضِرُه له فأرسل إليه فأخبره أن الله قَتَل كسرى تلك الليلة فجاء الخبر بأن وَلَده قتلَه فيها. ومن معجزاته عليه الصلاة والسلام شهادة الذئب له بالنبوة، والذي حصل ان راعيًا كان يرعى غنمه فعدا الذئب على غنمة يريد ان يأكل منها فصدّه الراعى عن ذلك أي منعه فأقعى الذئب جلس وقال للراعى أتحول بينى وبين رزق ساقه الله الىّ فقال الراعى ذئب يتكلم فقال الذئب أعجب من ذا رسول الله بين الحرتين يخبر الناس عمّا مضى، ثم ذهب الراعى الى المدينة فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم واخبره ماذا حصل معه. ومن معجزاته شهادة الشجرة فإنه صلى الله عليه وسلم رأى كافرًا فقال له أدلك على خير فقال وما هو قال أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقال ومن يشهد لك فأشار النبي إلى شجرة في كعب الواد فأتت تخد الأرض خدا أي تشق الأرض شقا فلما وصلت إليه استنطقها فقال يا شجرة من أنا فقالت رسول الله فقال للمرة الثانية يا شجرة من أنا فتقول رسول الله وللمرة الثالثة أيضا، كل ذلك تقول رسول الله ! من معجزاته الباهرات صلى الله عليه وسلّم أنه عليه السلام دعا لعليٍّ كرم الله وجهه بذهاب الحرِ والبرْدِ عنه فما كان عليٌّ يجد حرًّا ولا بردًا، رواه البيهقي. وأنه عليه السلام دعا لابن عباسٍ بفقه الدين وعلم التأويل فقال كما في الصحيح وغيره : “اللهُم فقِهْهُ في الدين وعلِّمْهُ التأويل” فصار بحرًا زاخِرًا واسعًا في العلم، فصار يُسمى البَحْرَ والحَبْرَ وتَرجُمان القُرءان. وأنه عليه السلام دعا لثابتِ بن قيْس بأنه يعيشُ سعيدًا ويُقتَلُ شهيدًا هكذا رواه ابن عبد البر فكان كذلك عاش سعيدًا وقُتِلَ يوم اليمامة شهيدًا. وأنه عليه السلام دعا لأنسِ بنِ مَالِكٍ خادمِه بكثرة المال والوَلد وبطولِ المُدة في عُمُره فقال: “اللهم أكثر ماله وَوَلَده وبارك فيه” فعاش نحو مائة سنة إلا سنة، وكان له نخلٌ يحمِل في كل سنة حِمْلين كما رواه أبو العالية ، وكان ولده لصُلبِه مائةً وعشرينَ ولدًا ذكورًا. وأنه عليْهِ السلام قال في رجلٍ ادعى الإسلام وغزا معه وأكثر قتال الكفارِ مع المسلمين: “إنه من أهلِ النار” فصدَّق الله مقالتَه فإنه أصابتْهُ جِراحة فقتَلَ نفسه بيده عمْدًا كما في الصحيحين وقاتِلُ نفسه في النار إن لم يَعْفُ الله عنه، فقاتلُ نفسه غيرُ المُستحِل لهذه الجريمة لا يكفُر لكنه عصى معصيةً كبيرة يستحقُ العقابَ عليها في النار. وأنه عليه السلام لما شكى إليه شاكٍ انحباسَ المَطر وانقطاعَه وهو فوق المنبرِ في خطبَةِ الجمعة، رَفع يديه ودعا وما في السماء قطعةٌ من الغيم ولا سَحَاب، فطلعت سحابةٌ من ورائه مثلَ التِرْس حتى توسطت السماء فاتسَعَت وانتشرت فأُمْطِروا جُمُعة، من الجُمُعةِ إلى الجمعة، حتى شكى الناس إليه انقطاع السُبُل فدعا الله وقال: “اللهم حواليْنا ولا علينا” فأقْلَعَت عن المدينة أي انقطعت، رواه الشيخان وغيرهما. وأنه عليه السلام أطعم الألفَ الذين كانوا معه في غزوة الخندق من صاعِ شعير أو دونَ صاع، وبَهيمة وهي ولدُ ضَأْنٍ، فأكلوا وشربوا وانصرفوا وبقيَ بعد انصرافهم عن الطعامِ أكثرُ مما كان من الطعام كما في الصحيحين عن جابر. وأنه عليه السلام أطْعَمَ أهلَ الخَنْدَقِ أيضًا من تمرٍ يسيرٍ جدًا أتت به إليه جارية وهي بنتُ بشير بن سعد أختُ النُعمان بن بشير كما رواه عنه أبو نُعَيْم ، وقال إنهم شبِعوا منه جميعًا وكانوا ثلاثةَ ءالاف. وأنه صلى الله عليه وسلّم أمَرَ عمرَ الفاروق رضيَ الله عنه أن يُزَوِّد أربعمائةِ راكبٍ أتوا إليه من تمرٍ كان عنده فزوَّدَهم منه والتمرُ كان مقداره كالفَصِيلِ الرابِض أي الجالس، أي أن الجِرابَ الذي فيه التمر بمقدارِ الفَصِيل إذا جلس فزوَّدَهم جميعهم وكأنه ما مَسَهُ قابض أي ما قبضَ أحدٌ منه قبْضةً بيَد، كما رواه أحمدُ وغيره. وأنه أطعم جماعةً من أقراص شعيرٍ قليلة بحيث جعلَها أنسٌ تحت إبْطِه لقِلَتِها فأكلَ منها ثمانونَ رجلًا وشبِعوا كلهم وهو كما أتى لهم كأنه لم يمْسَسْهُ أحد كما جاء في الصحيحين عن أنس. وأنه عليه الصلاةُ والسلام أطعم الجيشَ حتى وَصَلوا إلى حدِّ الشبع من مِزْوَد وهو وعاءُ التَمْر وردَّ ما بقيَ فيه لصاحبه أبي هُريرة ودعا له بالبركة فأكل منه حياتَه أي حياةَ النبيّ وأبي بكرٍ وعمر وعثمان إلى حين قُتِلَ عثمان فضاع المِزْوَد لما نُهِبَ بيتُ أبي هُرَيْرة. ومن معجزات النبيّ الأعْظم صلى الله عليه وسلّم أنه عليه السلام حين بِنَائِه بزينب بنتِ جحش أطعمَ خَلْقًا كثيرًا من طعامٍ قُدِمَ إليه في قصعةٍ أهدَتْها إليه أم سُلَيْم سهلةُ بنتُ مِلْحان أم أنس، ثم رُفِع الطعام من بينهم وقد شبِعوا وهو كما وُضِع أو أكثر كما رواه أبو نُعَيْم عن أنس. وأنه عليه السلام في غزوة حُنَيْن رمى الكفارَ بقبضةٍ من ترابٍ وقال: “شاهَتِ الوُجُوه” فامتلأت أعيُنُهم كلُهم ترابًا وهُزِموا عن ءاخرهم . وأنه عليه السلام لما اجْتمعت صناديدُ قريشٍ في دار النَدْوة وأجمعوا على قتله وجاءوا إلى بابه ينتظرون خروجه فيضرِبُونه بالسيوف ضربةَ رَجُلٍ واحد، خرجَ عليهم ووضعَ التُرابَ على رأسِ كل واحدٍ منهم ولم يرَهُ منهم أحد. وقال النّبيّ عليه الصلاة والسلام: “إنّ اللهَ زوى لي الأرض فأُريت مشارِقها ومغارِبها، وسيبلغُ مُلْكَ أُمَّتي ما زُوِّيَ لي منها”، وهكذا كان. امتد انتشار المسلمين من الصين إلى المحيط الأطلسي في خمس وعشرين سنة ثم توسع بعد ذلك أكثر انتشارا كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم. ومرة طلب من الرسول رجلٌ غريبٌ ليس من المدينة أن يُريَه آيةً فأشار النّبيُّ عليه السلام إلى غُصن نخلة فجاء هذا الغصن وصار يسجُدُ ويرفعُ حتى وقف أمام النبيّ، فأشار إليه أن يرجع فرجع، فقال الرجل والله لا أكذِبُك بشىء تقوله أبدا. وادعى الأسود العنسي النبوة في اليمن في آخر حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثم قُتل. في ليلة قتله أخبر الرسول بذلك وبكيفية قتله ومن قتله، والرسول كان في المدينة وذاك في صنعاء في اليمن. وكم له من معجزاتٍ بيِّنَةٍ ظاهرة كظهور الشمس في رَابِعَةِ النهار، نقف هنا الآن لنحدثكم في الحلقة القادمة إن شاء الله عما أخبر به النبي فيما يتعلق بأشراط الساعة الصغرى والكبرى. والله أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين.