الخميس نوفمبر 21, 2024

7  استحسن العلماء في مشارق الأرض ومغاربها عمل المولد

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ المُؤْمِنُونَ، لَقَدِ اسْتَحْسَنَ عَمَلَ المَوْلِدِ العُلَمَاءُ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِـهَا، وَمِنْ هَؤُلاَءِ العُلَمَاءِ أَحْمَدُ ابنُ حَجَرٍ العَسْقَلاَنِيُّ وَتِلْمِيذُهُ الحَافِظُ السَّخَاوِيُّ وَكَذَلِكَ الحَافِظُ السُّيُوطِي. وَالحَافِظُ السُّيُوطِيُّ عَمِلَ رِسَالَةً لِبَيَانِ مَشْرُوعِيَةِ هَذَا الأَمْرِ سَمّاهَا “حُسنُ المَقْصِدِ فِي عَمَلِ المَولِدِ ” قَالَ فِيهَا : ” فَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ عَمَلِ المَوْلِدِ النَّبَوِي فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ مَا حُكْمُهُ مِنْ حَيْثُ الشَّرْعُ؟ وَهَلْ هُوَ مَحْمُودٌ أَمْ مَذْمُومٌ ؟ وَهَلْ يُثَابُ فَاعِلُهُ أَوْ لاَ ؟ وَالجَوَابُ عِنْدِي: أَنَّ أَصْلَ عَمَلِ المَوْلِدِ الَّذِي هُوَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ وَقِرَاءَةُ مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْءَانِ، وَرِوَايَةُ الأَخْبَارِ الوَارِدَةِ فِي مَبْدَأِ أَمْرِ النَّبِيِّ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  وَمَا وَقَعَ فِي مَوْلِدِهِ مِنَ الآيَاتِ ثُمَّ يُمَدُّ لَهُمْ سِمَاطٌ يَأْكُلُونَهُ وَيَنْصَرِفُونَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ هُوَ مِنَ البِدَعِ الحَسَنَةِ الَّتِي يُثَابُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ قَدْرِ النَّبِيِّ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  وَإِظْهَارِ الفَرَحِ والاِسْتِبْشَارِ بِمَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ” وَقَالَ أَيْضاً : ” وَقَدِ اسْتَخْرَجَ لَهُ –أَيِ المَوْلْدُ- الإِمَامُ الحَافِظُ أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ حَجَرٍ أَصْلاً مِنَ السُّنَّةِ ، وَاسْتَخْرَجْتُ لَهُ أَنَا أَصْلاً ثَانِيًا” .

وَقَدْ ذَكَرَ الحَافِظُ السَّخَاوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ عَمَلَ المَوْلِدِ حَدَثَ بَعْدَ القُرُونِ الثَّلاَثَةِ الأُولَى. ثُمَّ مَا زَالَ أَهْلُ الإِسْلاَمِ مِنْ سَائِرِ الأَقْطَارِ فِي المُدُنِ الكِبَارِ يَعْمَلُونَ المَوْلِدَ وَيَتَصَدَّقُونَ فِي لَيَالِيهِ بِأَنْوَاعِ الصَّدَقَاتِ وَيَعْتَنُونَ بِقِرَاءَةِ مَوْلِدِهِ الكَرِيمِ وَيَظْهَرُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَرَكَاتِهِ كُلُّ فَضْلٍ عَمِيمٍ.

وَمَا كَانَ اسْتِحْسَانُ هَؤُلاَءِ العُلَمَاءِ مِنَ الفُقَهَاءِ وَالمُحَدِّثِينَ لِهَذَا الأَمْرِ إِلاَّ لِأَنَّـهُمْ وَزَنُوا الأُمُورَ بِمِيزَانِ الشَّرْعِ لاَ بِمِيزَانِ الهَوَى فَلَمْ يَجِدُوا فِيهِ مُخَالَفَةً لِلشَّرْعِ : فَفِي الاِحْتِفَالِ بِمَوْلِدِ النَّبِيِّ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  يَتْلُوا المُسْلِمُونَ مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْءَانِ الكَرِيمِ وَفِي ذَلِكَ مُوَافَقَةٌ لِلشَّرْعِ، وَفِيهِ يَقْرَؤُونَ قِصَّةَ مَوْلِدِ النَّبِيِّ الشَّرِيفِ وَقِصَّةِ حَيَاتِهِ وَمَا فِيهِمَا مِنْ دُرُوسٍ وَعِبَرٍ تَجْعَلُ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ ثَبَاتاً أَكْبَرَ وَهِمَّةً أَعْلَى مُتَدَبِّرِينَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ اللهِ عَزّ وَجَلّ : ] وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ ما نثبّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [  ، وَفِي المَوْلِدِ يَمْدَحُ المُسْلِمُونَ نَبِيَّهُمْ مُحَمَّداً صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  وَفِي هَذَا أَيْضاً مُوَافَقَةٌ لِلشَّرْعِ ، فَاللهُ مَدَحَ نَبِيَّهُ مُحَمَّداً فِي كَثِيرٍ مِنَ الآيَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ] وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [ ، وَالنَّبِيُّ مَدَحَ نَفْسَهُ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ :” أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ ” وَفِي حَدِيثٍ ءَاخَرَ : ” أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ ءَادَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ ” ، وَالاِسْتِمَاعُ لِلْحَادِي فِي المَدْحِ جَائِزٌ لاَ شَىْءَ فِيهِ ، فَفِي صَحِيحِ البُخَارِي كِتاَبِ الأَدَبِ بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الشِّعْرِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  إِلَى خَيْبَر فَسِرْنَا لَيْلاً فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ لِعَامِرِ بنِ الأَكْوَعِ : أَلاَ تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ ؟ قَالَ : وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلاً شَاعِراً فَـنَـزَلَ يَحْدُو بِالقَوْمِ يَقُولُ : اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا، ثُمَّ إِنَّهُ وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الإِثْنَيْنِ فَقَالَ : ” ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ” وَفِي هَذَا الحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى اسْتِحْبَابِ صِيَامِ الأَيَّامِ الَّتِي تَتَجَدَّدُ فِيهَا نِعَمُ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ بِـهَا عَلَيْنَا هِيَ إِظْهَارُهُ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  وَبِعْثَتُهُ وَإِرْسَالُهُ إِلَيْنَا، وَهَذَا دَلِيلٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : ] لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ [ ثُمَّ لاَ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ ذَوِي العَقْلِ مَا يَحْصُلُ مِنَ البَرَكَاتِ وَالخَيْرَاتِ مِنْ جَرَّاءِ الاِحْتِفَالِ بِمَوْلِدِ سَيِّدِ الكَائِنَاتِ ، فَتَبَيَّنَ لَكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّةُ مِنْ هَذَا أَنَّ الاِحْتِفَالَ بِالمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ فَلاَ وَجْهَ لِإِنْكَارِهِ ، بَلْ هُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يُسَمَّى سُنَّةً حَسَنَةً لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا شَمَلَهُ قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ  : ” مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىءٌ ” اللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِبَرَكَاتِ نَبِيِّكَ الكَرِيمِ وَاجْعَلْنَا مِنْ أَتْبَاعِهِ المُخْلِصِينَ .