#7
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ. أَمَّا بَعْدُ، قَالَ الشَّيْخُ جِيلُ صَادِقُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
(إِنَّ مِنَ الكُفْرِ الصَّرِيحِ أَنْ يُظَنَّ فِي نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللهِ أَنَّهُ مَرَّ فِي فَتْرَةِ شَكٍّ لَمْ يَدْرِ فِيهَا مَنْ هُوَ رَبُّهُ، أَوْ أَنَّهُ عَبَدَ غَيْرَ اللهِ فَتْرَةً مِنَ الزَّمَنِ قَبْلَ أَنْ يَهْتَدِيَ إِلَى عِبَادَتِهِ، أَوْ أَنَّهُ شَكَّ فِي الْكَوْكَبِ أَوِ الشَّمْسِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْجَمَادَاتِ أَتَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ أَمْ لَا. وَلَا يُعْذَرُ الْجَاهِلُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، إِذْ إِنَّ مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ فِي مُوجِبَاتِ الْكُفْرِ بِالْجَهْلِ. قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا، قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾. هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْكَوْكَبُ هُوَ النَّجْمُ، وَأَمَّا قَوْلُ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ لَمَّا رَأَى الْكَوْكَبَ ﴿هَذَا رَبِّي﴾ فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ الْمُشْرِكِينَ هَلْ يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا رَبِّي كَمَا تَزْعُمُونَ؟! ثُمَّ لَمَّا غَابَ الْكَوْكَبُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ ﴿لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ أَيْ لَا يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ الْكَوْكَبُ رَبًّا لِأَنَّهُ يَأْفُلُ، أَيْ يَغِيبُ، هُوَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّ الَّذِي يَتَغَيَّرُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ لَا يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ إِلـٰهًا. قَالَ النَّسَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَيْ قَالَ لَهُمْ “هَذَا رَبِّي فِي زَعْمِكُمْ” أَوِ الْمُرَادُ “أَهَذَا رَبِّي؟!!”، اسْتِهْزَاءً بِهِمْ وَإِنْكَارًا عَلَيْهِمْ، وَالْعَرَبُ تَكْتَفِي عَنْ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ بِنَغْمَةِ الصَّوْتِ. وَلِهَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ نَظَائِرُ فِي الْقُرْءانِ الْكَرِيمِ، مِنْهَا قَوْلُ اللهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِيَ قَالُوا ءَاذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ﴾ أَيْ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ رَبُّهُمْ أَيْنَ الَّذِينَ تَزْعُمُونَهُمْ شُرَكَائِي وَ﴿ءَاذَنَّاكَ﴾ مَعْنَاهُ أَخْبَرْنَاكَ، وَقَوْلُهُمْ ﴿مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ﴾ مَعْنَاهُ مَا مِنَّا أَحَدٌ الْيَوْمَ يَشْهَدُ بِأَنَّ لَكَ شَرِيكًا. فَفِي الْآيَةِ كَلَامٌ مُقَدَّرٌ إِذْ لَا يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ شُرَكَاءُ، وَلَا يُعْقَلُ أَنْ يَنْسُبَ اللهُ إِلَى نَفْسِهِ الشَّرِيكَ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الْآيَةِ كَلَامٌ مُقَدَّرٌ، وَالتَّقْدِيرُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ. وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْقَصَصِ ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ كَذَلِكَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ ﴿هَذَا رَبِّي﴾ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، مَعْنَاهُ هَذَا رَبِّي فِي زَعْمِكُمْ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَأَى إِبْرَاهِيمُ الْقَمَرَ بَازِغًا، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، أَيْ قَالَ ﴿هَذَا رَبِّي﴾ أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ أَيْضًا، ثُمَّ لَمَّا أَفَلَ الْقَمَرُ أَيْ غَابَ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ ﴿لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾ أَيْ لَوْلَا تَثْبِيتُ اللهِ إِيَّايَ عَلَى الْهُدَى لَكُنْتُ ضَالًّا، وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْعَالِمُ بِأَنَّ اللهَ لَنْ يُضِلَّهُ، وَأَنَّهُ اصْطَفَاهُ كَمَا اصْطَفَى سَائِرَ رُسُلِهِ. ثُمَّ لَمَّا ظَهَرَتِ الشَّمْسُ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، أَيْ قَالَ ﴿هَذَا رَبِّي﴾ أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ أَيْضًا. فَلَمَّا أَفَلَتِ الشَّمْسُ، أَيْ غَابَتْ، أَظْهَرَ لَهُمْ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ عِبَادَتِهَا وَأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلرُّبُوبِيَّةِ. فَقَالَ ﴿يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾. وَأَمَّا هُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَدْ كَانَ يَعْلَمُ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ الرُّبُوبِيَّةَ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلَّهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ عَالِمًا بِرَبِّهِ قَبْلَ تِلْكَ الْمُنَاظَرَةِ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ أَيْ أَلْهَمْنَاهُ الصَّوَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةِ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ الْمُشْرِكِينَ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾. وَلَقَدْ ذَكَرَ اللهُ فِي مَوْضِعٍ ءَاخَرَ مِنَ الْقُرْءانِ الْكَرِيمِ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمِهِ الْمُشْرِكِينَ عُبَّادِ الْكَوَاكِبِ وَالنُّجُومِ وَالْأَصْنَامِ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْءانِ الْكَرِيمِ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ عَنْ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ الَّذِي كَانَ يَعِيشُ بَيْنَ قَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ، وَرَدَ عَنْهُ مَا أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ . قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾. فَإِنْ قِيلَ وَمَا فَائِدَةُ سُؤَالِ إِبْرَاهِيمَ لِقَوْمِهِ ﴿مَا تَعْبُدُونَ﴾ وَهُوَ الْعَالِمُ بِحَالِهِمْ ؟؟ قُلْنَا هَذَا لَيْسَ اسْتِفْهَامًا مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَلَكِنْ هَذَا تَقْرِيعٌ لَهُمْ وَتَوْبِيخٌ عَلَى عِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ وَإِنْكَارٌ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ فِي إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ قَوْمَهُ سَيُؤَكِّدُونَ شِرْكَهُمْ بِقَوْلِهِمْ ﴿نَعْبُدُ أَصْنَامًا﴾ إِذَا قَالَ لَهُمْ ﴿مَا تَعْبُدُونَ﴾ لِأَنَّ النَّبِيَّ لَا يَسْتَدْرِجُ الْكَافِرَ إِلَى الْإِقْرَارِ بِكُفْرِهِ، لِأَنَّ الْكَافِرَ يَزْدَادُ كُفْرًا كُلَّمَا يُقِرُّ بِكُفْرِهِ، وَالنَّبِيُّ لَا يَسْتَدْرِجُ الْكَافِرَ إِلَى أَنْ يُقِرَّ بِكُفْرِهِ أَيْ لَا يَسْتَدْرِجُهُ إِلَى الْكُفْرِ، بَلْ هُوَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ لَهُمْ ﴿مَا تَعْبُدُونَ﴾ أَرَادَ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ هُمْ أَجَابُوا بِهَذَا الْجَوَابِ. فَكَلَامُ إِبْرَاهِيمَ فِي الْحَقِيقَةِ إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ، وَلَكِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَاقَ كَلَامَهُ هَذَا بِصِيغَةِ سُؤَالٍ، وَهَذَا مِنْ ضُرُوبِ الْبَلَاغَةِ فِي اللُّغَةِ. فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ لِقَوْمِهِ ﴿مَا تَعْبُدُونَ﴾ وَهُوَ الْعَالِمُ بِحَالِهِمْ، عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَدْرِجَ قَوْمَهُ إِلَى التَّفَوُّهِ بِكَلَامِ الْكُفْرِ. وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ أَنَّ مَنْ اسْتَدْرَجَ غَيْرَهُ إِلَى الْكُفْرِ فَقَدْ كَفَرَ. فَلَا يَصِحُّ سُؤَالُ مَنْ نَعْلَمُهُ يَعْبُدُ غَيْرَ اللهِ “مَاذَا تَعْبُدُ؟” لِأَنَّ الْمُشْرِكَ سَيُقِرُّ بِشِرْكِهِ، وَالْإِقْرَارُ بِالشِّرْكِ كُفْرٌ، فَيَزْدَادُ هَذَا الْمُشْرِكُ كُفْرًا بِتَأْكِيدِ شِرْكِهِ. وَلَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُعِينَ الْآخَرِينَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾)
(وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ [فَقَدْ قِيلَ فِيهِ نَحْوُ خَمْسِ تَأْوِيلاتٍ وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾ مَرْبُوطٌ بِمَا بَعْدَهُ بِـ ﴿لَوْلا أَنْ رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ مَا هَمَّ يُوسُفُ بِالْمَرَّةِ لِأَنَّهُ رَأَى الْبُرْهَانَ، أَمَّا لَوْ لَمْ يَرَ الْبُرْهَانَ لَهَمَّ، وَالْبُرْهَانُ هُوَ الْعِصْمَةُ أَيْ أَنَّهُ أُلْهِمَ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ عَنْ مِثْلِ هَذَا الشَّىْءِ وَأَنَّهُ سَيُؤْتَى النُّبُوَّةَ فَلَمْ يَهُمَّ، هَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ. وَالْخُلاصَةُ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ لا يَقَعُونَ فِي الزِّنَى وَلا يَهُمُّونَ بِهِ. وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْمَغَارِبَةِ مَعْنَى ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾ أَيْ هَمَّتْ بِأَنْ تَدْفَعَهُ لِيَزْنِيَ بِهَا وَهَمَّ يُوسُفُ بِدَفْعِهَا لِيَخْلُصَ مِنْهَا وَهَذَا التَّفْسِيرُ شَبِيهٌ بِمَا ذُكِرَ ءَانِفًا وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَنَّ فِيهِ نَفْيُ الْهَمِّ عَنْ يُوسُفَ بِالْمَرَّةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ إِنَّ مَعْنَى وَهَمَّ بِهَا أَيْ هَمَّ بِدَفْعِهَا. وَمَعْنَى ﴿لَوْلا أَنْ رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَهُ الْبُرْهَانَ أَنَّكَ يَا يُوسُفُ لَوْ دَفَعْتَهَا لَقَالَتْ لِزَوْجِهَا دَفَعَنِي لِيُجْبِرَنِي عَلَى الْفَاحِشَةِ، فَلَمْ يَدْفَعْهَا بَلْ أَدَارَ لَهَا ظَهْرَهُ ذَاهِبًا فَشَقَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ خَلْفٍ، فَكَانَ الدَّلِيلُ عَلَيْهَا. أَمَّا مَا يُرْوَى مِنْ أَنَّ يُوسُفَ هَمَّ بِالزِّنَى وَأَنَّهُ حَلَّ إِزَارَهُ وَجَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنْ زَوْجَتِهِ أَيْ عُرْيَانًا فَإِنَّ هَذَا بَاطِلٌ لاَ يَلِيقُ بِنَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَرَاءَةِ يُوسُفَ ﴿قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجُوزُ عَلَيْهِمْ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي لَكِنْ (إِنْ حَصَلَ مِنْهُمْ شَىْءٌ مِنْ ذَلِكَ) يُنَبَّهُونَ فَوْرًا لِلتَّوْبَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ (أَيْ بِالأَنْبِيَاءِ) فِيهَا (أَيْ فِي تِلْكَ الصَّغِيرَةِ) غَيْرُهُمْ (مِنْ أُمَمِهِمْ فَيَفْعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلُوا لِأَنَّهُمْ قُدْوَةٌ لِلنَّاسِ).
الشَّرْحُ الصَّغَائِرُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا خِسَّةٌ وَدَنَاءَةٌ تَجُوزُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ حُصُولِ ذَلِكَ مِنْهُمْ ءَايَاتٌ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ وَقَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ قَالَ ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ وَلَكِنَّ الأَنْبِيَاءَ إِنْ حَصَلَ مِنْهُمْ شَىْءٌ مِنَ الْمَعَاصِي الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا خِسَّةٌ وَلا دَنَاءَةٌ يُنَبَّهُونَ فَوْرًا لِلتَّوْبَةِ فَيَتُوبُونَ (أَيْ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ لِلنَّاسِ يَتُوبُونَ) قَبْلَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ فِي تِلْكَ الصَّغِيرَةِ غَيْرُهُمْ فَيَفْعَلَ مِثْلَمَا فَعَلُوا لِأَنَّهُمْ قُدْوَةٌ لِلنَّاسِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ النُّبُوَّةَ لا تَصِحُّ لإِخْوَةِ يُوسُفَ (وَهُمُ الْعَشَرَةُ لِأَنَّ الْحَادِيَ عَشَرَ هُوَ بِنْيَامِينُ وَهُوَ لَمْ يُشَارِكْهُمْ، لِذَلِكَ قِيلَ عَشَرَةٌ. بِنْيَامِينُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُؤَرِّخِينَ أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا لَكِنْ لا يُوجَدُ نَصٌّ عَلَى ذَلِكَ) الَّذِينَ فَعَلُوا تِلْكَ الأَفَاعِيلَ الْخَسِيسَةَ وَهُمْ مَنْ سِوَى بِنْيَامِينَ.
الشَّرْحُ مِنْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لا تَصِحُّ النُّبُوَّةُ لإِخْوَةِ يُوسُفَ وَهُمُ الْعَشَرَةُ الَّذِينَ فَعَلُوا تِلْكَ الأَفَاعِيلَ الْخَسِيسَةَ مِنْ ضَرْبِهِمْ يُوسُفَ وَرَمْيهِمْ لَهُ فِي الْبِئْرِ وَتَسْفِيهِهِمْ أَبَاهُمْ (يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَتَسْفِيهِهِمْ لَهُ كُفْرٌ لِأنَّهُ كَانَ نَبِيًّا) بِقَوْلِهِمْ ﴿إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيْمِ﴾ (يَعْنِي عَلَى حَالِكَ الَّذِي هُوَ مُخَالِفٌ لِلْحِكْمَةِ، يَعْنِي ذَمُّوهُ، هَذِهِ عِلَّةُ التَّكْفِيرِ) وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهُمْ مَنْ عَدا بِنْيَامِينَ أَيْ لَيْسَ بِنْيَامِينُ مِنْ هَؤُلاءِ الْعَشَرَةِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالأَسْبَاطُ الَّذِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِمُ الْوَحْيُ هُمْ مَنْ نُبِّئَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ.
الشَّرْحُ الأَسْبَاطُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي الْقُرْءَانِ أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِمُ الْوَحْيُ هُمْ غَيْرُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ ءَاذَوْا سَيِّدَنَا يُوسُفَ بَلْ هُمْ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ لِأَنَّ ذُرِّيَّتَهُمْ مِنْهُمْ مَنْ أُوتِيَ النُّبُوَّةَ. وَالسِّبْطُ لُغَةً يُطْلَقُ عَلَى الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ. قَالَ تَعَالَى ﴿قُولُوا ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَّبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾.
مَنْ هُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ هُمُ الصَّحَابَةُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ فِى الْمُعْتَقَدِ أَىِ الَّذِينَ اتَّبَعُوا سُنَّةَ النَّبِىِّ ﷺ أَىْ شَرِيعَتَهُ أَىْ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْعَقِيدَةِ وَالأَحْكَامِ وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فَهُمُ الْجُمْهُورُ الْغَالِبُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ عَلَى مِلَّتِهِ ﷺ. وَأَغْلَبُ مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَى الإِسْلامِ عَلَى هَذِهِ الْعَقِيدَةِ فَهِىَ عَقِيدَةُ جُمْهُورِ الأُمَّةِ. وَأَمَّا الْمُخَالِفُونَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَهُمُ الْمُبْتَدِعَةُ فِى الِاعْتِقَادِ فَإِنَّهُمُ افْتَرَقُوا إِلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ﷺ بِذَلِكَ فِى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِى رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِى إِلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهُمْ فِى النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً وَهِىَ الْجَمَاعَةُ، أَىِ السَّوَادُ الأَعْظَمُ وَهُمْ جُمْهُورُ الأُمَّةِ الَّذِينَ لَمْ يَخْرُجُوا فِى أُصُولِ الْعَقِيدَةِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ وَأَصْحَابُهُ. وَالْمُبْتَدِعَةُ فِى الِاعْتِقَادِ هُمْ كَالْمُشَبِّهَةِ الَّذِينَ يَصِفُونَ اللَّهَ بِصِفَاتِ الْبَشَرِ وَالْمُعْتَزِلَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ الِاخْتِيَارِيَّةَ أَىْ يُحْدِثُهَا مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ وَالْخَوَارِجِ الْقَائِلِينَ بِتَكْفِيرِ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ وَسَائِرِ الْفِرَقِ الَّتِى شَذَّتْ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ وَأَصْحَابُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى حَدِّ الْكُفْرِ. لَكِنْ هَؤُلاءِ كُلُّهُمْ يَدْخُلُونَ النَّارَ كَمَا أَخْبَرَ الرَّسُولُ ﷺ فَالْمُنْتَسِبُ إِلَى فِرَقِ الضَّلالَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْتَقِدُ عَقَائِدَهُمُ الْكُفْرِيَّةَ وَمَاتَ مُسْلِمًا لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَا ثَوَابَ لَهُ فِى أَعْمَالِهِ حَتَّى يَتْرُكَ بِدْعَتَهُ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّؤُوفِ الْمُنَاوِىُّ وَاسْتَدَلَّ الْمُنَاوِىُّ بِقَوْلِهِ ﷺ أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ ذِى بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ رَوَاهُ الْحَافِظُ السُّيُوطِىُّ.
مَنْ هُمُ الأَشَاعِرَةُ وَالْمَاتُرِيدِيَّةُ.
اعْلَمْ أَنَّ الأَشَاعِرَةَ وَالْمَاتُرِيدِيَّةَ هُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالأَشَاعِرَةُ هُمْ أَتْبَاعُ الإِمَامِ أَبِى الْحَسَنِ الأَشْعَرِىِّ فِى الْعَقِيدَةِ وَالْمَاتُرِيدِيَّةُ هُمْ أَتْبَاعُ الإِمَامِ أَبِى مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِىِّ وَعَقِيدَتُهُمْ هِىَ عَقِيدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَقِيدَةُ مِئَاتِ الْمَلايِينِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ الإِمَامُ مُحَمَّدُ مُرْتَضَى الزَّبِيدِىُّ فِى شَرْحِ إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَحَيْثُ أُطْلِقَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَالْمُرَادُ بِهِمُ الأَشَاعِرَةُ وَالْمَاتُرِيدِيَّةُ. وَالإِمَامُ الأَشْعَرِىُّ وَالإِمَامُ الْمَاتُرِيدِىُّ هُمَا إِمَامَا أَهْلِ السُّنَّةِ لَخَّصَا عَقِيدَةَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَنَصَبَا عَلَيْهَا الأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ وَالنَّقْلِيَّةَ مِنَ الْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ وَنَاظَرَا فِرَقَ الضَّلالِ فَكَسَرُوهُمْ فَفَرِحَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِى الدُّنْيَا فَصَارُوا يَنْسُبُونَ أَنْفُسَهُمْ إِلَيْهِمَا. اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَدَحَ أَهْلَ السُّنَّةِ فِى الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ بِقَوْلِهِ ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ فَشَمَلَ هَذَا الْمَدْحُ الأَشَاعِرَةَ وَالْمَاتُرِيدِيَّةَ. وَمَدْحُ الأَشَاعِرَةِ بِالْخُصُوصِ وَرَدَ فِى الآيَةِ ﴿فَسَوْفَ يَأْتِى اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ فَقَدْ رَوَى الإِمَامُ الْبُخَارِىُّ وَالْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بنُ عَسَاكِرَ فِى كِتَابِهِ تَبْيِينُ كَذِبِ الْمُفْتَرِى أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ أَشَارَ الرَّسُولُ ﷺ إِلَى أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ وَقَالَ هُمْ قَوْمُ هَذَا. فَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ الأَشَاعِرَةَ فِى هَذِهِ الآيَةِ وَمَدَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَوْلِهِ هُمْ قَوْمُ هَذَا. فَالإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِىُّ هُوَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الصَّحَابِىِّ الْجَلِيلِ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ وَالإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ وَأَتْبَاعُهُ هُمْ مِنْ قَوْمِ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ. وَأَمَّا مَدْحُ الْمَاتُرِيدِيَّةِ فَقَدْ وَرَدَ فِى حَدِيثِ الرَّسُولِ ﷺ لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ وَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِى مُسْنَدِهِ. وَالَّذِى فَتَحَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ (أَىِ اسْطَنْبُول) الْعَالِمُ الْوَلِىُّ مُحَمَّدٌ الْفَاتِحُ أَحَدُ السَّلاطِينِ الْعُثْمَانِيِّينَ وَكَانَ مَاتُرِيدِيًّا وَكَانَ جَيْشُهُ أَشَاعِرَةً وَمَاتُرِيدِيَّةً وَالسُّلْطَانُ مُحَمَّدٌ الْفَاتِحُ كَانَ يَتَوَسَّلُ بِالنَّبِىِّ ﷺ وَيَتَبَرَّكُ بِآثَارِهِ الشَّرِيفَةِ كَشَعَرِهِ وَسَيْفِهِ وَجُبَّتِهِ وَعِمَامَتِهِ وَكُلُّ هَذَا شِرْكٌ عِنْدَ الْمُشَبِّهَةِ الْوَهَّابِيَّةِ. فَلَوْ كَانَ الأَشَاعِرَةُ وَالْمَاتُرِيدِيَّةُ عَلَى ضَلالٍ مَا كَانَ مَدَحَهُمُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّ تَكْفِيرَ الأَشَاعِرَةِ وَالْمَاتُرِيدِيَّةِ هُوَ تَكْفِيرٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ.
اذْكُرْ بَعْضَ ضَلالاتِ حِزْبِ التَّحْرِيرِ.
اعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةَ حِزْبِ التَّحْرِيرِ خَالَفُوا أَهْلَ السُّنَّةِ فِى مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ زَعِيمُهُمْ تَقِىُّ الدِّينِ النَّبَهَانِىُّ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى الشَّخْصِيَّةَ الإِسْلامِيَّةَ قَالَ مَا نَصُّهُ وَهَذِهِ الأَفْعَالُ (أَىْ أَفْعَالُ الإِنْسَانِ) لا دَخَلَ لَهَا بِالْقَضَاءِ وَلا دَخَلَ لِلْقَضَاءِ بِهَا لِأَنَّ الإِنْسَانَ هُوَ الَّذِى قَامَ بِهَا بِإِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الأَفْعَالَ الِاخْتِيَارِيَّةَ لا تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ مِنَ الضَّلَالِ وَالْكُفْرِ. فَوَافَقَ بِذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ الِاخْتِيَارِيَّةَ أَىْ يُحْدِثُهَا مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ وَكَلامُهُ هَذَا تَكْذِيبٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ وَقَوْلِهِ ﷺ إِنَّ اللَّهَ صَانِعُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ (أَىْ إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ عَامِلٍ وَعَمَلِهِ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِى الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِىُّ فِى شُعَبِ الإِيمَانِ. وَمِنْ جُمْلَةِ كُفْرِهِمْ وَضَلالِهِمْ أَنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ الْكَذِبَ وَالْخِيَانَةَ وَالرَّذَالَةَ وَالسَّفَاهَةَ وَالْكُفْرَ وَالْكَبَائِرَ وَالصَّغَائِرَ الَّتِى فِيهَا خِسَّةٌ وَدَنَاءَةٌ قَبْلَ النُّبُوَّةِ ذَكَرَ ذَلِكَ زَعِيمُهُمْ تَقِىُّ الدِّينِ النَّبَهَانِىُّ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى الشَّخْصِيَّةَ الإِسْلامِيَّةَ وَنَصُّ كَلامِهِ إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الْعِصْمَةَ لِلأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَإِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ أَنْ يُصْبِحَ نَبِيًّا أَوْ رَسُولًا بِالْوَحْىِ إِلَيْهِ أَمَّا قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ مَا يَجُوزُ عَلَى سَائِرِ الْبَشَرِ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ هِىَ لِلنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ مِنَ الضَّلَالِ وَالْكُفْرِ. فَعَلَى قَوْلِهِ تَصِحُّ النُّبُوَّةُ لِمَنْ كَانَ لِصًّا سَرَّاقًا أَوْ لائِطًا وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ. كَمَا أَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ يُجَوِّزُونَ الْمَشْىَ لِلزِّنَى بِامْرَأَةٍ أَوِ الْفُجُورِ بِغُلامٍ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَكُونُ بِاسْتِعْمَالِ الآلَةِ فَقَطْ وَقَوْلُهُمْ هَذَا مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَزِنَى الرِّجْلِ الْخُطَى رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ. وَمِنْ جُمْلَةِ ضَلَالَاتِهِمْ أَنَّهُمْ يُبِيحُونَ مُصَافَحَةَ الرِّجَالِ لِلنِّسَاءِ الأَجْنَبِيَّاتِ أَىْ غَيْرِ الْمَحَارِمِ بِلَا حَائِلٍ وَتَقْبِيلِهِنَّ بِشَهْوَةٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَأَنْ يُطْعَنَ أَحَدُكُمْ بِحَدِيدَةٍ فِى رَأْسِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِىُّ فِى الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ مُصَافَحَةِ الْمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ بِلا حَائِلٍ وَقَالَ ﷺ وَزِنَى الْفَمِ الْقُبَلُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَىْ تَقْبِيلُ الأَجْنَبِيَّةِ.
مَنْ هُمُ الْوَهَّابِيَّةُ وَمَا هِىَ عَقِيدَتُهُمْ.
اعْلَمْ أَنَّ الْوَهَّابِيَّةَ هُمْ أَتْبَاعُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْمُتَوَفَّى سَنَةَ أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَسِتٍّ لِلْهِجْرَةِ. وَالْوَهَّابِيَّةُ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ جِسْمًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ اللَّهُ كَمَا أَنَّهُمْ يُشَبِّهُونَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ وَيَشْتِمُونَهُ بِقَوْلِهِمُ اللَّهُ جَالِسٌ عَلَى الْعَرْشِ أَوْ عَلَى الْكُرْسِىِّ كَمَا فِى كِتَابِهِمْ فَتْحِ الْمَجِيدِ لِعَبْدِ الرَّحْمٰنِ بنِ حَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَمِنْ ضَلالاتِهِمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِأَنَّ نَفْىَ الْجِسْمِيَّةِ وَالْجَوَارِحِ وَالأَعْضَاءِ عَنِ اللَّهِ مِنَ الْكَلامِ الْمَذْمُومِ كَمَا فِى كِتَابِهِمُ الْمُسَمَّى تَنْبِيهَاتٍ فِى الرَّدِّ عَلَى مَنْ تَأَوَّلَ الصِّفَاتِ لِابْنِ بَازٍ الضَّالِّ وَيَقُولُونَ اللَّهُ مُسْتَقِرٌّ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا فِى كِتَابِهِمُ الْمُسَمَّى نَظَرَاتٍ وَتَعْقِيبَاتٍ عَلَى مَا فِى كِتَابِ السَّلَفِيَّةِ لِصَالِحِ الْفُوزَان الضَّالِّ وَيَقُولُ زَعِيمُهُمُ ابْنُ الْعُثَيْمِين الضَّالِّ فِى تَفْسِيرِهِ ءَايَةَ الْكُرْسِىِّ الْكُرْسِىُّ مَوْضِعُ قَدَمَىِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ. وَيَقُولُ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى اللِّقَاءَ الشَّهْرِىَّ لا يَجُوزُ أَنْ نُثْبِتَ لِلَّهِ لِسَانًا وَلا أَنْ نَنْفِيَهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لا عِلْمَ لَنَا بِذَلِكَ. وَهَذَا أَيْضًا كُفْرٌ وَضَلَالٌ. وَيَقُولُ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى فَتَاوَى الْعَقِيدَةِ اللَّهُ يَتَحَرَّكُ أَىْ يَنْتَقِلُ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَل وَمِنْ أَسْفَلَ إِلَى أَعْلَى وَهَذَا أَيْضًا ضَلَالٌ وَكُفْرٌ. كَمَا أَنَّ الْوَهَّابِيَّةَ يَقُولُونَ تَبَعًا لِلْفَيْلَسُوفِ الْمُجَسِّمِ ابْنِ تَيْمِيَةَ الضَّالِّ الْعَالَمُ أَزَلِىٌّ بِنَوْعِهِ كَمَا فِى شَرْحِ الطَّحَاوِيَّةِ لِابْنِ أَبِى الْعِزِّ الَّذِى أَثْنَى عَلَيْهِ الْوَهَّابِىُّ ابْنُ بَازٍ وَهَذَا قَوْلٌ مِنْهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ مَا خَلَقَ جِنْسَ الْعَالَمِ وَيُنْكِرُونَ نُبُوَّةَ ءَادَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَمَا فِى كِتَابِهِمُ الْمُسَمَّى الإِيمَانَ بِالأَنْبِيَاءِ جُمْلَةً لِعَبْدِ اللَّهِ بنِ زَيْدٍ وَيَقُولُونَ إِنَّ النَّارَ تَفْنَى لا يَبْقَى فِيهَا أَحَدٌ كَمَا فِى كِتَابِهِمُ الْمُسَمَّى الْقَوْلَ الْمُخْتَارَ لِفَنَاءِ النَّارِ لِعَبْدِ الْكَرِيمِ الْحمَيِّد كَمَا أَنَّ الْوَهَّابِيَّةَ يُحَرِّمُونَ التَّوَسُّلَ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ بَلْ يَجْعَلُونَ ذَلِكَ شِرْكًا يُوجِبُ الْخُلُودَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ كَمَا فِى كِتَابِهِمُ الْمُسَمَّى عَقِيدَةَ الْمُؤْمِنِ لِأَبِى بَكْرٍ الْجَزَائِرِىِّ وَكَذَا يُحَرِّمُونَ التَّبَرُّكَ بِآثَارِ الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الِاسْتِغَاثَةَ بِالأَنْبِيَاءِ شِرْكٌ كَمَا فِى كِتَابِهِمُ الْمُسَمَّى الْعَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ وَمَا يُضَادُّهَا لِابْنِ بَازٍ وَيَحُرِّمُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الِاحْتِفَالَ بِمَوْلِدِ النَّبِىِّ ﷺ مُدَّعِينَ أَنَّ هَذَا فِيهِ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ كَمَا فِى كِتَابِهِمُ الْمُسَمَّى التَّحْذِيرَ مِنَ الْبِدَعِ لِابْنِ بَازٍ مَعَ أَنَّ الْوَهَّابِيَّةَ يَحْتَفِلُونَ بِمَوْلِدِ شَيْخِهِمْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ أُسْبُوعًا كَامِلًا وَيَجْعَلُونَ زِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِىِّ ﷺ لِلتَّبَرُّكِ زِيَارَةً شِرْكِيَّةً وَيَعْتَبِرُونَ الصَّلاةَ عَلَى النَّبِىِّ جَهْرًا بَعْدَ الأَذَانِ بِدْعَةً يَجِبُ مَنْعُهَا كَمَا فِى تَعْلِيقِ ابْنِ بَازٍ عَلَى كِتَابِ فَتْحِ الْبَارِى وَيُحَرِّمُونَ قِرَاءَةَ الْقُرْءَانِ عَلَى قَبْرِ الْمُسْلِمِ كَمَا فِى كِتَابِهِمُ الْمُسَمَّى تَوْجِيهَاتٍ إِسْلامِيَّةً وَيُحَرِّمُونَ تَعْلِيقَ ءَايَاتٍ مِنَ الْقُرْءَانِ عَلَى الصَّدْرِ كَمَا فِى كِتَابِهِمُ الْمُسَمَّى فَتَاوَى مُهِمَّة لِابْنِ بَازٍ وَيَصِفُونَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِالْمُعَطِّلَةِ أَىِ الْمُنْكِرِينَ لِصِفَاتِ اللَّهِ كَمَا فِى كِتَابِهِمُ الْمُسَمَّى الْقَوَاعِدَ الْمُثْلَى لِابْنِ الْعُثَيْمِين لِأَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ تَأَوَّلُوا الآيَاتِ الْمُتَشَابِهَةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ وَلَمْ يَحْمِلُوهَا عَلَى الظَّاهِرِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾ وَهَذِهِ الآيَةُ أَصْرَحُ ءَايَةٍ فِى تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنْ مُشَابَةِ الْخَلْقِ. فَيَجِبُ الْحَذَرُ وَالتَّحْذِيرُ مِنَ الْوَهَّابِيَّةِ وَعَقِيدَتِهِمْ فَإِنَّ أَكْبَرَ ضَرَرٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَأْتِى مِنْ نَاحِيَةٍ بِاسْمِ الدِّينِ مِنَ الْوَهَّابِيَّةِ كَفَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُمْ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّ الْوَهَّابِيَّةَ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ سَلَفِيَّةً لِيُوهِمُوا النَّاسَ أَنَّهُمْ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ وَلَا يَجُوزُ تَسْمِيَتُهُمْ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّهُمْ شَاذُّونَ عَنِ الأُمَّةِ.
بَيِّنْ عَقَائِدَ سَيِّد قُطُب الَّتِى خَالَفَ فِيهَا أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.
اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّ سَيِّدَ قُطُب زَعِيمَ حِزْبِ الإِخْوَانِ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا وَلا مُفَسِّرًا بَلْ كَانَ جَاهِلًا فِى الدِّينِ وَكُتُبُهُ تَشْهَدُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُشَبِّهُ اللَّهَ بِخَلْقِهِ وَيَصِفُهُ بِمَا لا يَلِيقُ بِهِ فَإِنَّهُ يُسَمِّى اللَّهَ بِالْعَقْلِ الْمُدَبِّرِ وَالرِّيشَةِ الْمُعْجِزَةِ وَبِالرِّيشَةِ الْخَالِقَةِ وَالْمُبْدِعَةِ وَبِمُهَنْدِسِ الْكَوْنِ الأَعْظَمِ وَهُوَ تَكْذِيبٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ﴾. وَيَقُولُ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى فِى ظِلالِ الْقُرْءَانِ فِى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ إِنَّهَا أَحَدِيَّةُ الْوُجُودِ فَلَيْسَ هُنَاكَ حَقِيقَةٌ إِلَّا حَقِيقَتَهُ وَلَيْسَ هُنَاكَ وُجُودٌ حَقِيقِىٌّ إِلَّا وُجُودَهُ وَكَلامُهُ هَذَا صَرِيحٌ بِالْحُلُولِ وَالْوَحْدَةِ الْمُطْلَقَةِ وَهُوَ مِنْ أَشَدِّ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ، يَعْنِى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَلَّ بِالأَشْيَاءِ وَاتَّحَدَ مَعَهَا فَصَارَ هُوَ عَيْنَ الأَشْيَاءِ فَقَوْلُهُ لَيْسَ هُنَاكَ حَقِيقَةٌ إِلَّا حَقِيقَتَهُ يَعْنِى أَنَّ الْعَالَمَ مَعْدُومٌ أَوْ أَنَّ اللَّهَ وَالْعَالَمَ شَىْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ تَكْذِيبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الَّذِى فِيهِ إِثْبَاتُ وُجُودِ اللَّهِ وَإِثْبَاتُ وُجُودِ الْعَالَمِ حَقِيقَةً. وَيَقُولُ سَيِّد قُطُب فِى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ مَا نَصُّهُ وَهِىَ كَلِمَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ لا عَلَى الْكِنَايَةِ وَالْمَجَازِ وَاللَّهُ تَعَالَى مَعَ كُلِّ شَىْءٍ وَمَعَ كُلِّ أَحَدٍ فِى كُلِّ وَقْتٍ وَفِى كُلِّ مَكَانٍ. وَكَلامُهُ هَذَا فِيهِ تَكْذِيبٌ لِلْقُرْءَانِ وَإِجْمَاعِ الأُمَّةِ فَالْمُسْلِمُونَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ وَلا جِهَةٍ. وَيَقُولُ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى فِى ظِلالِ الْقُرْءَانِ إِنَّ تَعَلُّمَ الْفِقْهِ مَضْيَعَةٌ لِلْعُمُرِ وَالأَجْرِ وَقَوْلُهُ هَذَا فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِلْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ قَالَ تَعَالَى ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ أَىْ لا يَسْتَوُونَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَا أَيُّهَا النَّاسُ تَعَلَّمُوا فَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ وَالْفِقْهُ بِالتَّفَقُّهِ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ، أَىْ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا أَىْ رِفْعَةً فِى الدَّرَجَةِ رَزَقَهُ الْعِلْمَ بِأُمُورِ دِينِهِ. كَمَا أَنَّ سَيِّدَ قُطُب يَطْعَنُ فِى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَيَحْتَقِرُهُمْ فَيَقُولُ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى التَّصْوِيرَ الْفَنِّىَّ فِى الْقُرْءَانِ عَنْ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لِنَأْخُذْ مُوسَى إِنَّهُ نَمُوذَجٌ لِلزَّعِيمِ الْمُنْدَفِعِ الْعَصَبِىِّ الْمِزَاجِ يَعْنِى سَيِّئَ الْخُلُقِ وَيَتَّهِمُ نَبِىَّ اللَّهِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأَنَّهُ كَادَ يَضْعُفُ أَمَامَ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ وَيَتَّهِمُ نَبِىَّ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأَنَّهُ كَانَ مُشْرِكًا يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ فَيَقُولُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ وَإِبْرَاهِيمُ تَبْدَأُ قِصَّتُهُ فَتًى يَنْظُرُ فِى السَّمَاءِ فَيَرَى نَجْمًا فَيَظُنُّهُ إِلَهَهُ. وَهَذَا كُفْرٌ وَضَلَالٌ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّ سَيِّدَ قُطُب كَفَّرَ الْمُسْلِمِينَ قَاطِبَةً حَتَّى الْمُؤَذِّنِينَ كَمَا أَنَّ أَتْبَاعَهُ حِزْبَ الإِخْوَانِ يَعْتَبِرُونَ أَنْفُسَهُمْ مُسْلِمِينَ وَأَنَّ كُلَّ مَنْ سِوَاهُمْ كُفَّارًا لِذَلِكَ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ الإِخْوَانَ الْمُسْلِمِينَ وَالْجَمَاعَةَ الإِسْلامِيَّةَ وَأَسْمَاءَ أُخْرَى غَيْرَهَا. فَيَجِبُ الْحَذَرُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْهُمْ فَإِنَّ أَكْبَرَ ضَرَرٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَأْتِى مِنْ نَاحِيَةٍ بِاسْمِ الدِّينِ مِنْ حِزْبِ الإِخْوَانِ وَالْوَهَّابِيَّةِ كَفَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُمْ.
مَا مَعْنَى التَّوَسُّلِ وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِى حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ.
التَّوَسُّلُ هُوَ طَلَبُ حُصُولِ مَنْفَعَةٍ أَوِ انْدِفَاعِ مَضَرَّةٍ مِنَ اللَّهِ بِذِكْرِ اسْمِ نَبِىٍّ أَوْ وَلِىٍّ إِكْرَامًا لِلْمُتَوَسَّلِ بِهِ أَيْ بِسَبَبِ ذِكْرِ اسْمِ نَبِىٍّ أَوْ بِسَبَبِ ذِكْرِ اسْمِ وَلِىٍّ إِكْرَامًا لِهَذَا النَّبِيِّ أَوْ لِهَذَا الْوَلِيِّ. وَالتَّوَسُّلُ بِالنَّبِىِّ ﷺ أَوِ الْوَلِىِّ لَيْسَ كُفْرًا وَلا شِرْكًا لِأَنَّهُ لَيْسَ عِبَادَةً لِغَيْرِ اللَّهِ كَمَا تَدَّعِى الْوَهَّابِيَّةُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ هِىَ أَقْصَى غَايَةِ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ كَمَا قَالَ الإِمَامُ تَقِىُّ الدِّينِ السُّبْكِىُّ فِى فَتَاوِيهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ نِهَايَةُ التَّذَلُّلِ أَىْ أَقْصَى غَايَةِ التَّعْظِيمِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلامِ الرَّاغِبِ الأَصْبَهَانِىِّ فِى مُفْرَدَاتِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ مُرْتَضَى الزَّبِيدِىُّ فِى تَاجِ الْعَرُوسِ. وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِى حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ فَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الطَّبَرَانِىُّ فِى الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ وَصَحَّحَهُ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ عَلَّمَ الأَعْمَى أَنْ يَتَوَسَّلَ بِهِ فَذَهَبَ وَتَوَسَّلَ بِهِ فِى غَيْرِ حَضْرَتِهِ وَعَادَ إِلَى مَجْلِسِ الرَّسُولِ وَقَدْ أَبْصَر، وَكَانَ مِمَّا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ نَبِىِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إِنِّى أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّى فِى حَاجَتِى لِتُقْضَى لِى. وَبِهَذَا الْحَدِيثِ بَطَلَ زَعْمُ الْوَهَّابِيَّةِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ التَّوَسُّلُ إِلَّا بِالْحَىِّ الْحَاضِرِ لِأَنَّ الأَعْمَى لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فِى مَجْلِسِ الرَّسُولِ حِينَ تَوَسَّلَ بِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ رَاوِىَ الْحَدِيثِ عُثْمَانَ بنَ حُنَيْفٍ قَالَ لَمَّا رَوَى حَدِيثَ الأَعْمَى فَوَاللَّهِ مَا تَفَرَّقْنَا وَلا طَالَ بِنَا الْمَجْلِسُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْنَا الرَّجُلُ وَقَدْ أَبْصَر. فَقَوْلُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْنَا الرَّجُلُ وَقَدْ أَبْصَر يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَعْمَى لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فِى مَجْلِسِ الرَّسُولِ حِينَ تَوَسَّلَ بِهِ بِقَوْلِهِ يَا مُحَمَّد. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَعْمَى تَوَسَّلَ بِالرَّسُولِ فِى غَيْرِ حَضْرَتِهِ أَنَّهُ ثَبَتَ النَّهْىُ عَنْ نِدَاءِ الرَّسُولِ بِاسْمِهِ فِى وَجْهِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾. وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِرَسُولِ اللَّهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَنَّ عُثْمَانَ بنَ حُنَيْفٍ عَلَّمَ رَجُلًا هَذَا الدُّعَاءَ الَّذِى فِيهِ تَوَسُّلٌ بِرَسُولِ اللَّهِ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ عِنْدَ سَيِّدِنَا عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ فِى خِلافَتِهِ وَمَا كَانَ يَتَيَسَّرُ لَهُ الِاجْتِمَاعُ بِهِ حَتَّى قَرَأَ هَذَا الدُّعَاءَ فَتَيَسَّرَ أَمْرُهُ بِسُرْعَةٍ وَقَضَى لَهُ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ حَاجَتَهُ. أَمَّا قَوْلُ الأَلْبَانِىِّ الضَّالِّ إِنَّ مُرَادَ الطَّبَرَانِىِّ بِقَوْلِهِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ هُوَ مَا فَعَلَهُ الأَعْمَى فِى حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلَيْسَ مَا فَعَلَهُ الرَّجُلُ بَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ أَيَّامَ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ فَمَرْدُودٌ لِأَنَّ عُلَمَاءَ مُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ قَالُوا الْحَدِيثُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَرْفُوعِ إِلَى النَّبِىِّ وَعَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَى الصَّحَابِىِّ أَىْ أَنَّ كَلامَ الرَّسُولِ يُسَمَّى حَدِيثًا وَقَوْلَ الصَّحَابِىِّ يُسَمَّى حَدِيثًا نَصّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ مِنْهُمُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلانِىُّ كَمَا نَقَلَ عَنْهُ السُّيُوطِىُّ فِى تَدْرِيبِ الرَّاوِى وَابْنُ الصَّلاحِ فِى مُقَدِّمَتِهِ فِى عُلُومِ الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ. وَأَخِيرًا نَذْكُرُ مَا قَالَهُ الْفَيْلَسُوفُ الْمُجَسِّمُ ابْنُ تَيْمِيَة شَيْخُ الْمُجَسِّمَةِ فِى هَذِهِ الْمَسْئَلَةِ وَلَيْسَ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ يُرْجَعُ إِلَيْهِمْ فِى مَعْرِفَةِ أُمُورِ الدِّينِ بَلْ لِيَكُونَ كَلامُهُ حُجَّةً فِى هَذِهِ الْمَسْئَلَةِ عَلَى الْفِرْقَةِ الْوَهَّابِيَّةِ أَدْعِيَاءِ السَّلَفِيَّةِ الَّذِينَ يُشَنِّعُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمُتَوَسِّلِينَ بِالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ قَالَ الْفَيْلَسُوفُ الْمُجَسِّمُ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِى كِتَابِهِ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ فِى الصَّحِيفَةِ الثَّالِثَةِ وَالسَّبْعِينَ مَا نَصُّهُ فَصْلٌ فِى الرَّجُلِ إِذَا خَدِرَتْ رِجْلُهُ عَنِ الْهَيْثَمِ بنِ حَنَشٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَخَدِرَتْ رِجْلُهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ اذْكُرْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيْكَ فَقَالَ يَا مُحَمَّد فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَال. وَكِتَابُهُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ثَابِتٌ أَنَّهُ مِنْ تَأْلِيفِهِ ذَكَرَ ذَلِكَ صَلاحُ الدِّينِ الصَّفَدِىُّ وَكَانَ مُعَاصِرًا لِابْنِ تَيْمِيَةَ وَيَتَرَدَّدُ عَلَيْهِ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ أيضًا الأَلْبَانِىُّ فِى مُقَدِّمَةِ النُّسْخَةِ الَّتِى طَبَعَهَا الْوَهَّابِىُّ تِلْمِيذُ الأَلْبَانِىِّ زُهَيْرٌ الشَّاوِيشُ، فَإِنْ قَالُوا ابْنُ تَيْمِيَةَ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ رَاوٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ يُقَالُ لَهُمْ مُجَرَّدُ إِيرَادِهِ لَهُ فِى هَذَا الْكِتَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَحْسَنَهُ لِأَنَّ الَّذِى يُورِدُ الْبَاطِلَ فِى كِتَابِهِ وَلا يُحَذِّرُ مِنْهُ فَهُوَ دَاعٍ إِلَيْهِ وَتَسْمِيَتُهُ لِلْكِتَابِ بِالْكَلِمِ الطَّيِّبِ أَىِ الْكَلامِ الطَّيِّبِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ كُلَّ مَا فِيهِ. فَهُمْ وَقَعُوا فِى حَيْرَةٍ لِأَنَّ ابْنَ تَيْمِيَةَ أَجَازَ قَوْلَ يَا مُحَمَّدُ عِنْدَ الضِّيقِ وَاسْتَحْسَنَهُ وَهَذَا فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ عِنْدَهُمْ وَقَائِلُ هَذَا إِمَامُهُمُ الَّذِى أَخَذُوا مِنْهُ أَكْثَرَ عَقَائِدِهِمْ، فَمَاذَا يَقُولُونَ كَفَرَ لِهَذَا أَمْ لَمْ يَكْفُرْ، فَإِنْ قَالُوا كَفَرَ وَهُمْ يُسَمُّونَهُ شَيْخَ الإِسْلامِ فَهَذَا تَنَاقُضٌ يُكَفِّرُونَهُ وَيُسَمُّونَهُ شَيْخَ الإِسْلامِ!؟ إِنْ قَالُوا نَحْنُ عَلَى صَوَابٍ وَابْنُ تَيْمِيَةَ اسْتَحَلَّ الشِّرْكَ وَالْكُفْرَ، قُلْنَا قَدْ كَفَّرْتُمْ شَيْخَكُمْ وَتَكُونُونَ اعْتَرَفْتُمْ بِأَنَّكُمْ مُتَّبِعُونَ لِرَجُلٍ كَافِرٍ تَحْتَجُّونَ بِكَلامِهِ فِى كَثِيرٍ مِنْ عَقَائِدِكُمْ فَلِمَاذَا لا تَتَبَرَّءُونَ مِنْهُ. وَإِنْ قَالُوا لَمْ يَكْفُرْ نَقَضُوا عَقِيدَتَهُمْ أَىْ قَالُوا بِخِلافِ عَقِيدَتِهِمْ.
مَا مَعْنَى التَّبَرُّكِ وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ التَّبَرُّكِ بِآثَارِ الأَنْبِيَاءِ.
التَّبَرُّكُ هُوَ طَلَبُ زِيَادَةِ الْخَيْرِ مِنَ اللَّهِ. وَالتَّبَرُّكُ بِآثَارِ الأَنْبِيَاءِ أَمْرٌ جَائِزٌ شَرْعًا وَجَوَازُ هَذَا الأَمْرِ يُعْرَفُ مِنْ فِعْلِ الأَنْبِيَاءِ فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِى الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ أَنَّ سَيِّدَنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ ﴿اذْهَبُوا بِقَمِيصِى هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِى يَأْتِ بَصِيرًا﴾ إِلَى قَوْلِهِ ﴿فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا﴾ فَقَدْ حَصَلَ الشِّفَاءُ لِسَيِّدِنَا يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِإِلْقَاءِ قَمِيصِ ابْنِهِ يُوسَفَ عَلَى وَجْهِهِ. فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ التَّبَرُّكَ بِآثَارِ الأَنْبِيَاءِ أَمْرٌ جَائِزٌ شَرْعًا وَلَيْسَ كُفْرًا وَلا شِرْكًا كَمَا تَدَّعِى الْوَهَّابِيَّةُ. فَهَؤُلاءِ كَفَّرُوا سَيِّدَنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِأَنَّهُ أَرْسَلَ قَمِيصَهُ إِلَى أَبِيهِ يَعْقُوبَ لِيَتَبَرَّكَ بِهِ وَكَفَّرُوا سَيِّدَنَا يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِأَنَّهُ تَبَرَّكَ بِقَمِيصِ ابْنِهِ يُوسُفَ فَحَصَلَتْ لَهُ الْبَرَكَةُ وَالشِّفَاءُ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِى الْقُرْءَانِ. كَمَا أَنَّهُمْ كَفَّرُوا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا ﷺ لِأَنَّهُ قَسَمَ شَعَرَهُ حِينَ حَلَقَ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ لِيَتَبَرَّكُوا بِهِ كَمَا رَوَى ذَلِكَ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَتَبَرَّكُونَ بِشَعَرِهِ الْمُبَارَكِ فِى حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ وَلا زَالَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا عَلَى ذَلِكَ.
مَا حُكْمُ الِاحْتِفَالِ بِمَوْلِدِ النَّبِىِّ ﷺ.
اعْلَمْ أَنَّ الِاحْتِفَالَ بِمَوْلِدِهِ ﷺ لَمْ يَكُنْ فِى عَهْدِ النَّبِىِّ ﷺ إِنَّمَا حَدَثَ فِى الْقَرْنِ السَّابِعِ الْهِجْرِىِّ وَهُوَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَهُ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ مَلِكُ إِرْبِل أَبُو سَعِيدٍ كُوكَبْرِى وَكَانَ عَالِمًا تَقِيًّا فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ فِى مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا مِنْهُمُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلانِىُّ وَتِلْمِيذُهُ الْحَافِظُ السَّخَاوِىُّ وَكَذَلِكَ الْحَافِظُ السُّيُوطِىُّ وَلَهُ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا حُسْنَ الْمَقْصِدِ فِى عَمَلِ الْمَوْلِدِ قَالَ وَأَصْلُ عَمَلِ الْمَوْلِدِ الَّذِى هُوَ اجْتِمَاعُ النَّاسِ وَقِرَاءَةُ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ وَرِوَايَةُ الأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِى مَبْدَإِ أَمْرِ النَّبِىِّ وَمَا وَقَعَ فِى مَوْلِدِهِ مِنَ الآيَاتِ ثُمَّ يُمَدُّ لَهُمْ سِمَاطٌ يَأْكُلُونَهُ هُوَ مِنَ الْبِدَعِ الْحَسَنَةِ الَّتِى يُثَابُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ قَدْرِ النَّبِىِّ وَإِظْهَارِ الْفَرَحِ وَالِاسْتِبْشَارِ بِمَوْلدِهِ الشَّرِيفِ ﷺ. وَهَذَا مَا عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الإِسْلامِ بِخِلافِ الْوَهَّابِيَّةِ الَّذِينَ يَحُرِّمُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الِاحْتِفَالَ بِمَوْلِدِهِ الشَّرِيفِ ﷺ. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ عَمَلِ الْمَوْلِدِ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ وَقَوْلُهُ ﷺ مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً (أَىْ مَنْ أَحْدَثَ فِى دِينِ الإِسْلامِ بِدْعَةً حَسَنَةً) فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ.
كَيْفَ يُرَدُّ عَلَى شُبُهَاتِ الْوَهَّابِيَّةِ فِى تَحْرِيمِهِمُ الِاحْتِفَالَ بِمَوْلِدِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ ﷺ.
اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّ عِلْمَ الدِّينِ لا يُؤْخَذُ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ الثِّقَاتِ وَالْوَهَّابِيَّةُ لَيْسُوا كَذَلِكَ فَلا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ عِلْمُ الدِّينِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَهَّابِيَّةَ الَّذِينَ يُحَرِّمُونَ الِاحْتِفَالَ بِمَوْلِدِ النَّبِىِّ ﷺ وَيَعْتَبِرُونَهُ بِدْعَةً مُحَرَّمَةً ابْتَدَعُوا دِينًا جَدِيدًا وَعَقِيدَةً تُخَالِفُ عَقِيدَةَ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَهِىَ عَقِيدَةُ التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ قَاعِدٌ فَوْقَ الْعَرْشِ وَيُشَبِّهُونَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ. وَهُمْ يَحْتَجُّونَ فِى تَحْرِيمِهِمُ الِاحْتِفَالَ بِمَوْلِدِ النَّبِىِّ ﷺ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾. وَلْيُعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِى عَرَفَاتٍ وَعَاشَ الرَّسُولُ بَعْدَهَا نَحْوَ ثَلاثَةِ أَشْهُرٍ وَالْوَحْىُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ. وَمَعْنَى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ أَنَّ قَوَاعِدَ الدِّينِ أُتِّمَتْ وَاكْتَمَلَتْ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَحْىَ انْقَطَعَ بِنُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ بَلْ نَزَلَتْ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ ءَايَاتٌ كَثِيرَةٌ كَآيَةِ الْكَلالَةِ فِى الْمَوَارِيثِ وَءَايَاتِ تَحْرِيمِ الرِّبَا. فَيُقَالُ لِلْوَهَّابِيَّةِ أَدْعِيَاءِ السَّلَفِيَّةِ إِنْ حَرَّمْتُمْ مَا أَحْدَثَهُ عُلَمَاءُ الإِسْلامِ مِنَ الْبِدَعِ الْحَسَنَةِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِىِّ ﷺ مُحْتَجِّينَ بِالآيَةِ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ فَقَدْ أَلْغَيْتُمْ تَحْرِيمَ الرِّبَا لِأَنَّ ءَايَاتِ تَحْرِيمِ الرِّبَا مِنْ ءَاخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْءَانِ وَنَزَلَتْ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ ذَكَرَ ذَلِكَ الْقُرْطُبِىُّ وَالإِمَامُ الْحَافِظُ الطَّبَرِىُّ. وَالْوَهَّابِيَّةُ يُحَرِّمُونَ الِاحْتِفَالَ بِالْمَوْلِدِ بِدَعْوَى أَنَّ هَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ الرَّسُولُ وَلا الصَّحَابَةُ وَيَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَلا حُجَّةَ لَهُمْ فِى هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَالْمُرَادُ بِهِ غَالِبُ الْبِدَعِ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ النَّوَوِىُّ فِى شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَالِاحْتِفَالُ بِمَوْلِدِ النَّبِىِّ ﷺ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ مِنْهُمُ الْحَافِظُ السُّيُوطِىُّ لِأَنَّهُ اجْتِمَاعٌ عَلَى الْخَيْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ سَنَّ فِى الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً (أَىْ مَنْ أَحْدَثَ فِى دِينِ الإِسْلامِ بِدْعَةً حَسَنَةً) فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَىْءٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِىِّ. فَبَيَّنَ الرَّسُولُ ﷺ فِى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مِنَ الْبِدَعِ مَا هُوَ حَسَنٌ وَأَذِنَ لِلْعُلَمَاءِ مِنْ أُمَّتِهِ أَنْ يُحْدِثُوا بَعْدَهُ أُمُورًا لَا تُخَالِفُ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ إِجْمَاعًا بِدَلِيلِ حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا (أَىْ فِى دِينِنَا) مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ أَىْ مَرْدُودٌ وَفِى ذَلِكَ إِشْعَارٌ بِأَنَّ مَنْ أَحْدَثَ مَا هُوَ مِنْهُ أَىْ مَا هُوَ مُوَافِقٌ لَهُ فَلَيْسَ مَرْدُودًا وَإِلَّا فَمَا فَائِدَةُ تَقْيِيدِهِ ﷺ بِقَوْلِ مَا لَيْسَ مِنْهُ. ثُمَّ كَيْفَ تُحَرِّمُونَ عَمَلَ الْمَوْلِدِ بِدَعْوَى أَنَّ الرَّسُولَ مَا فَعَلَهُ وَلا الصَّحَابَةُ وَأَنْتُمْ تَطْبَعُونَ الْمَصَاحِفَ الْمُنَقَّطَةَ وَتَقْرَؤُونَ بِهَا. وَأَوَّلُ مَنْ نَقَطَ الْمُصْحَفَ التَّابِعِىُّ الْجَلِيلُ يَحْيَى بنُ يَعْمَر كما قَالَ أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِى دَاوُدَ فِى كِتَابِهِ الْمَصَاحِف وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ لَهُ الشَّدَّاتِ الْحَسَنُ الْبِصْرِىُّ. فَالتَّنْقِيطُ فِى الْمُصْحَفِ لَمْ يَفْعَلْهُ الرَّسُولُ وَلا أَمَرَ بِهِ وَلا فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ وَكَذَا التَّعْشِيرُ أَىْ وَضْعُ عَلامَةٍ بَعْدَ كُلِّ عَشْرِ ءَايَاتٍ وَجَعْلُ الْقُرْءَانِ أَجْزَاءًا ثَلاثِينَ وَعَلامَاتُ السَّجْدَةِ وَتَرْقِيمُ الآيَاتِ وَوَضْعُ أَسْمَاءِ السُّوَرِ وَمَكِّيَّةٌ أَوْ مَدَنِيَّةٌ. هَذَا كُلُّهُ لَمْ يَكُنْ فِي أَيَّامِ رَسُولِ اللَّهِ. ثُمَّ أَلَيْسَ أَنْتُمْ تَقْرَؤُونَ بِمَصَاحِفَ مَطْبُوعَةٍ وَمُزَيَّنَةٍ وَمُزَخْرَفَةٍ وَكُلُّ هَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ الرَّسُولُ وَلا أَمَرَ بِهِ وَلا فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ وَأَنْتُمْ تَفْعَلُونَ. هَلْ قَالَ الرَّسُولُ اعْمَلُوا مِنْبَرًا لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِنْ عَشْرِ دَرَجَاتٍ يَقِفُ عَلَيْهِ الْخَطِيبُ. الْمِنْبَرُ أَيَّامَ الرَّسُولِ كَانَ مِنْ ثَلاثِ دَرَجَاتٍ، هَلْ قَالَ الرَّسُولُ ضَعُوا مُكَبِّرَاتِ الصَّوْتِ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهَلْ قَالَ َأَنْشِئُوا هَذِهِ الْمَآذِنَ الضَّخْمَةَ فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهَلْ قالَ أَنْشِئُوا مِنْبَرًا نَقَّالًا وَانْصِبُوا مِحْرَابًا فِى هَذَا الْمَوْضِعِ مِنَ الْكَعْبَةِ، هَلْ أَمَرَ الرَّسُولُ بِنَقْلِ صَلاةِ الْعِشَاءِ مُبَاشَرَةً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى الْفَضَائِيَّاتِ وَهَلْ قَالَ الرَّسُولُ أَنْشِئُوا الْمَحَارِيبَ فِى مَسَاجِدِ الْحِجَازِ وَكُلُّ الْمَسَاجِدِ فِى الْحِجَازِ لَهَا مَحَارِيبُ وَمَآذِنُ وَكُلُّ هَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ الرَّسُولُ وَلَا قَالَ افْعَلُوهُ وَأَنْتُمْ تَفْعَلُونَ. هَلْ قَالَ الرَّسُولُ َأَنْشِئُوا حَلَقَاتٍ لِخَتْمِ صَحِيحِ الْبُخَارِىِّ وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَحَلَقَاتٍ لِخَتْمِ مُوَطَّإِ مَالِكٍ وَكُلُّ ذَلِكَ أَنْتُمْ تَفْعَلُونَ. أَلَسْتُمْ فِى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْءَانِ فِى تَرَاوِيحِ رَمَضَانَ تَقْرَؤُونَ دُعَاءً تُسَمُّونَهُ دُعَاءَ خَتْمِ قِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ وَهَذَا لَمْ يَرِدْ فِى حَدِيثٍ صَحِيحٍ أَوْ ضَعِيفٍ أَوْ مَوْضُوعٍ إِنَّمَا هُوَ مِمَّا أَلَّفَهُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ لا تُوجَدُ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ، إِذًا هُوَ بِدْعَةُ ضَلالَةٍ بِزَعْمِكُمْ أَدْخَلْتُمُوهَا فِى الصَّلاةِ وَوَضَعْتُمُوهَا فِى ءَاخِرِ الْمُصْحَفِ وَنَشَرْتُمُوهَا بَيْنَ الْعِبَادِ. قَالَ شَيْخُكُمُ ابْنُ بَازٍ الضَّالُّ هَذَا الدُّعَاءُ لَمْ يَرِدْ فِى الْحَدِيثِ لَكِنْ هَكَذَا تَلَقَّيْنَاهُ عَنْ شُيُوخِنَا، أَمَّا شَيْخُكُمُ الأَلْبَانِىُّ فَقَالَ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى سِلْسَلَةَ الأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالْمَوْضُوعَةِ الْتِزَامُ دُعَاءِ خَتْمِ الْقُرْءَانِ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَأَنْتُمْ تُدْخِلُونَهُ فِى الصَّلاةِ وَتَطْبَعُونَهُ فِى الْمَصَاحِفِ، وَاحْتَجَّ الأَلْبَانِىُّ عَلَيْكُمْ بِظَاهِرِ حَدِيثِ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِى النَّارِ فَضَلَّلَكُمْ لِأَجْلِ ذَلِكَ. تَقُولُونَ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ الرَّسُولُ لا نَفْعَلُهُ فَهَلْ قَالَ الرَّسُولُ تَسَمَّوْا بِشَيْخِ الإِسْلامِ أَوْ بِاسْمِ الْمُجَدِّدِ الإِمَامِ، مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ بِاسْمِ شَيْخِ الإِسْلامِ لِإِمَامِكُمُ الْمُجَسِّمِ الْفَيْلَسُوفِ الضَّالِّ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَمِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ بِاسْمِ الْمُجَدِّدِ الإِمَامِ لِمُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الضَّالِّ. وَهَذَا إِمَامُكُمُ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّة يَقُولُ فِى كِتَابِهِ مَدَارِجِ السَّالِكِينَ وَسَمِعْتُ شَيْخَ الإِسْلامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ، أَلَيْسَتْ تَسْمِيَتُهُ لَهُ بِشَيْخِ الإِسْلامِ بِدْعَةً.
مَا حُكْمُ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِىِّ بَعْدَ الأَذَانِ وَكَيْفَ يُرَدُّ عَلَى مَنْ يُحَرِّمُهَا.
الصَّلاةُ عَلَى النَّبِىِّ ﷺ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ وَقَوْلِهِ ﷺ مَنْ ذَكَرَنِى فَلْيُصَلِّ عَلَىَّ رَوَاهُ الْحَافِظُ السَّخَاوِىُّ فِى كِتَابِهِ الْقَوْلُ الْبَدِيعُ فِى الصَّلاةِ عَلَى النَّبِىِّ الشَّفِيعِ. فَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يُصَلِّىَ عَلَى النَّبِىِّ ﷺ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِى الأَذَانِ. فَإِذَا أَذَّنَ الْمُسْلِمُ لِلصَّلاةِ ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِىِّ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ مِنَ الأَذَانِ لِأَنَّ الأَذَانَ يَنْتَهِى بِقَوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّمَا هِىَ بَعْدَ الأَذَانِ فَهِىَ زِيَادَةٌ فِى الْخَيْرِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ فَهُوَ كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. فَإِذَا قَالَ الْوَهَّابِيَّةُ لِمَاذَا تَجْعَلُونَهَا عَادَةً نَقُولُ لَهُمْ إِذَا جَعَلَ الْمُؤْذِّنُ عَادَتَهُ أَنَّهُ كُلَّمَا أَذَّنَ وَانْتَهَى مِنَ الأَذَانِ الْتَفَتَ إِلَى إِخْوَانِهِ وَقَالَ لَهُمْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ كَانَ جَائِزًا، فَكَيْفَ يَكُونُ الدُّعَاءُ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ جَائِزًا عِنْدَكُمْ وَلِمُحَمَّدٍ مُحَرَّمًا. الصَّلاةُ عَلَى النَّبِىِّ دُعَاءٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/r-VG4v6vK20
لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-7