#67 -4-4 سيدنا داود عليه الصلاة والسلام
في هذهِ الحلقةِ إن شاء الله نحدثكم عن قِصَةِ الخَصمَين معَ داودَ عليهِ السلام وَرَدِّ الفِريةِ العظيمةِ على داودَ في هذه القِصة. ليُعلم أنَّ بعضَ المفسرينَ أوردَ في تَفسيرِ الآياتِ في قِصةِ الخَصمَينِ مع نبيِ الله داودَ عليه السلام قَصصًا إسرائيليات لا تَليقُ بني الله داودَ الذي خَصَّهُ الله تعالى بالنبوة وأكرمَهُ بالرسالة، لأنّ الأنبياءَ جميعَهم تَجبُ لهمُ العِصمةُ من الكفرِ والرذائلِ وكبائرِ الذُنوبِ وصغائرِ الخِسّة ، لذلك لا يَجوزُ الاعتمادُ على مثلِ هذه القَصصِ المنسوبةِ كذبًا للأنبياءِ ولا يجوزُ اعتِقادُها لأنها تُنافي العِصمَةَ الواجبةَ لهم، لذلكَ يَنبَغي الاقتِصارُ في فَهمِ قصةِ الخَصمينِ مع داودَ عليه السلام على ظاهِرِ ما أوردَها الله تبارك وتعالى في القرءان، فقد جاءَ في تفسيرِها أنَّ الخصمينِ كانا في الحقيقةِ من البَشرِ من بني ءادمَ بلا شكٍ وأنهما كانا مُشتَرِكَينِ في نِعاجٍ من الغَنم ِعلى الحقيقةِ، وأنه بغى أحدُهما على الآخرِ وظلَمَه، وقد تَسوَّر هذانِ الخَصمانِ مِحرابَ داودَ عليه السلام وهو أشرفُ مكانٍ في دارِه، وكانَ داودُ عليه السلام مُستَغرقًا في عبادةِ ربِه في ذلكَ المحراب فلم يشعر بالشخصينِ إلا وهما أمامَه فسألاهُ أن يَحْكُمَ في شأنِهِما وقَضِيَتِهما. وأما استِغفارُ داود عليه السلامُ فلأجلِ الذَنبِ الصغيرِ الذي وقعَ فيهِ وهو أنه تَعَجَّلَ بالحكمِ على الخصمِ الآخرِ قبلَ التَثَبُتِ في الدعوى، وكان يَجِبُ عليه لما سَمِعَ الدعوى مِن أحدِ الخصمينِ أن يسألَ الآخرَ عما عِندَه فيها ولا يَقضي عليهِ بالحُكمِ قبلَ سؤالِه، وقد تابَ داودُ عليه السلامُ من ذلكَ الذَنبِ الذي ليسَ فيه خِسةٌ ولا دَناءةٌ وغفرَ الله تعالى له هذا الذَنبَ. ومِن القَصَصِ المفتراةِ على نبيِ الله داود عليه السلام زورًا وبُهتانًا وهي منَ الإسرائيلياتِ المدسوسةِ على الأنبياءِ ولا يجوز اعتقادُها أنَّ داودَ عليه السلام كانَ يومًا في مِحرابِه إذ وقعت عليهِ حمامةٌ من ذَهب، فأرادَ أن يأخذَها فطارت فذهبَ ليأخذَها فرأى امرأةً تغتسلُ فوقعَ في حبِها وعِشقها على زعمهم وأُعجِبَ بها وأُغْرِمَ، وعلى زعمهم كانت زوجةَ أحدِ قُوادِه ويُسمى “أوريا” فأرادَ أن يتَخلَّصَ منه ليتزوجَ بها فأرسلَه إلى أحدِ الحروبِ وحمّلَهُ الراية وأمرَه بالتَقدمِ وكان قد أوعَزَ إلى جنودِه أن يتأخروا عنه إذا تَقدمَ نحوَ الأعداءِ حتى قُتِلَ هذا القائد وبهذهِ الوسيلة – كما تقولُ هذه القصةُ المفتراة- قُتِل القائدُ “أوريا” وتَزوجَ داودُ عليه السلام زوجتَه من بعدِه، ويَزيدُ بعضُهم فيقول: إنَّ داودَ زنى بهذهِ المرأةِ قبلَ تدبيرِ هذهِ المكيدة، وهذا افتراءٌ وكذبٌ على سيدنا داود وليعلم أنه يستحيل على الأنبياء فعلُ الزنا أو إرادتُهُ، ومن اعتقد أن نبيا من الأنبياء خان أو وقع في الزنا أو أراد الزنا فقد كفر والعياذ بالله تعالى ويلزمه تصحيح عقيدته ويلزمه النطق بالشهادتين ليعود إلى دين الإسلام. وقد قالَ العلماءُ المعتبرون: إنّ هذهِ الرواياتِ لا تَصحُ لا من طريقِ النقلِ ولا تَجوزُ من حيثُ المعنى لأنَّ الأنبياءَ مُنزّهونَ عن مثلِ هذهِ الأمورِ كلِّها، وقالوا: لا يُلتَفَتُ إلى ما سطّرَهُ بعضُ المفسرينَ والقَصَصِيينَ عن أهلِ الكتابِ الذينَ بَدّلوا وغَيّروا ، وهذا الذي حكاهُ بعضُهم عن سيِدنا “داودَ” وهو أنهُ عَشِقَ امرأةَ “أوريا” فاحتالَ حتى قتلَ زوجَها فتزوجَها لا يَليقُ بالأنبياءِ بل لو وُصِفَ به أفسقُ الملوكِ لكانَ مُنكرًا، فافهم ذلكَ أخي المسلم رحِمكَ الله بتوفيقِه. وقد كانَ نبيُ الله داودُ صلى الله عليه وسلم معَ ما ءاتاهُ الله تبارك وتعالى من الْمُلكِ والنِعمِ الكثيرةِ يأكلُ مِن كَسبِ يدِه، ويقومُ الليلَ والنهارَ في طاعةِ الله سبحانَه وتعالى وقيلَ إنَّ عُمُرَ داودَ عليه السلام لما ماتَ كانَ مائةَ سنة، والله تعالى أعلمُ وأحكمُ وفي الحلقةِ القادِمةِ بإذنِ الله سيكونُ الكلامُ عن سيدِنا نبيِ الله سليمانَ بنِ داودَ عليهِما السلام فتابعونا وإلى اللقاء.