#66 -3-4 سيدنا داود عليه الصلاة والسلام
بلغَ داودُ عليه الصلاةُ والسلامُ من العُمُرِ أربعينَ سنة فآتاهُ الله تعالى النبوةَ مع الملكِ وجعلَهُ رسولًا إلى بني إسرائيل، فدعا داودُ عليه الصلاةُ والسلامُ قومَه بني إسرائيلَ إلى تطبيقِ شريعةِ التوراة المبنيةِ على الإسلام، والذي أساسُه إفرادُ الله تبارك وتعالى بالعبادةِ وأن لا يُشرَكَ به شيءٌ والإيمانُ بأنهُ ربُّ هذا العالمِ كلِه وأنه الذي خلقَه وأبدعَه وأنه لا أحدَ يستَحقُ العبادةَ إلا اللهُ تبارك وتعالى وحدَه، وأنزلَ الله تبارك وتعالى على نبيِه داودَ عليه الصلاةُ والسلامُ الزبورَ وفيه مَواعظُ وعِبرٌ ورَقائِقُ وأذكار، وءاتاهُ الحكمةَ وفصلَ الخِطابِ، وأعطى الله تباركَ وتعالى عبدَه داودَ عليه السلامُ فَضلًا كبيرًا وخيرًا عظيمًا، فقد كانَ داودُ عليه الصلاةُ والسلامُ حَسَنَ الصوتِ وكان عندما يَصدَحُ بِصوتِه الجميلِ فيُسبّحُ الله تبارك وتعالى ويَحمَدُهُ تُسَبِّحُ معهُ الجبالُ والطيرُ. وكان داودُ عليه الصلاةُ والسلامُ إذا قرأ الزبورَ وما فيهِ من رقائِقَ وأذكارٍ تَكُفُّ الطيرُ عنِ الطيران وتقِفُ على الأغصانِ والأشجارِ لتَسمَعَ صوتَهُ النديَّ العذبَ وتُسَبِّحُ بتسبيحِه، وكذلكَ الجبالُ تُرَدِدُ معَه في العَشيِ والإبكار تُجيبُه وتُسبِحُ الله معه كلّما سبّحَ بُكرةً وعَشيا وتَعكِفُ الجنُ والإنسُ والطيرُ والدوابُ على صوتِه، وكانَ مع ذلكَ الصوتِ الرخيمِ سريعَ القراءةِ مع التَدَبُرِ والتَخَشُّع فكان صلواتُ الله وسلامه عليه يأمرُ أن تُسرَجَ دابَتُه فيقرأُ الزبورَ كلَّه قبل أن تُسرَج. ولقد وردَ أنّ سيدَنا مُحمدًا صلى الله عليه وسلم وقَفَ يومًا يَستَمِعُ إلى صوتِ الصحابيِ الجليلِ أبي موسى الأشعريِ وكانَ يقرأُ القرءانَ بصوتِه العذبِ الحنون، فقالَ عليه الصلاةُ والسلام: “لقد أُعطيتَ مِزمارًا مِن مزاميرِ ءالِ داود”. وهنا تنبيه: معنى مزمارِ داود صوتُه الجميلُ الذي كانَ يقرأُ بهِ التوراة والزبور، وليسَ المزمارَ المحرّم المعروفَ، لا. وكان نبيُ الله داودُ عليه الصلاةُ والسلامُ معَ هذهِ العظمةِ والْمُلكِ والجاهِ الذي تَفَضَّلَ الله بهِ عليهِ، كثيرَ العِبادةِ للهِ سبحانَه وتعالى ليلًا ونَهارًا، فقد كانَ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليه يَقومُ الليلَ ويَصومُ في النهارِ ويَقضي جُزءًا كبيرًا من يَومِه في عبادةِ الله عزّ وجلّ. وقد ثَبتَ في الصحيحينِ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلّم قالَ: “أَحَبُّ الصلاةِ إلى اللهِ صلاةُ داود، وأحبُّ الصِيامِ إلى اللهِ صيامُ داود، كانَ ينامُ نِصفَ الليل ويقومُ ثُلُثَه وينامُ سُدُسَه، وكانَ يصومُ يومًا ويُفطِر يومًا .ومما أنعمَ الله تبارَك وتعالى على داودَ عليه الصلاةُ والسلامُ أن علَّمَهُ مَنطِقَ الطَيرِ وألانَ له الحديدَ فكانَ بين يديهِ بإذنِ الله كالعَجينِ، حتى كانَ يَفتُلُهُ بيدِهِ ولا يحتاجُ إلى نارٍ ولا مِطرقةٍ فكانَ يَصنَعُ منه الدروعَ ليُحَصّنَ بها جنودَهُ من الأعداءِ ولِدَرْءِ خَطرِ الحربِ والمعارك. ومِن فضلِ الله تباركَ وتعالى على عبدِهِ داودَ أن قَوّى مُلكَهُ وجَعَلَهُ مَنصورًا على أعدائِهِ مُهابًا في قَومِهِ، والله يُعِزُّ من يشاء ويُذِلُّ من يشاء والله تعالى أعلم وأحكم. نقف هنا ونتابع في الحلقة القادمة عن قصة الخَصْمَيْنِ إن شاء الله فتابعونا وإلى اللقاء.