(64) مَا هُوَ دَلِيلُ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ لِدُعَاءِ دَاعٍ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَأَلْتُ رَبِّى أَرْبَعًا فَأَعْطَانِى ثَلاثًا وَمَنَعَنِى وَاحِدَةً سَأَلْتُهُ أَنْ لا يُكْفِرَ أُمَّتِى جُمْلَةً فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتِى بِمَا أَهْلَكَ بِهِ الأُمَمَ قَبْلَهُمْ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَهْلُ الْحَقِّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ لِدُعَاءِ دَاعٍ لِأَنَّ اللَّهَ لَوْ كَانَ يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ بِدَعْوَةٍ لَغَيَّرَهَا لِحَبِيبِهِ الْمُصْطَفَى ﷺ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ سَأَلْتُهُ أَنْ لا يُكْفِرَ أُمَّتِى جُمْلَةً فَأَعْطَانِيهَا أَىْ أَنَّ أُمَّتَهُ ﷺ لا يَكْفُرُونَ كُلُّهُمْ وَلا جُمْهُورُهُمْ أَىِ الأَكْثَرُ عَدَدًا وَإِنْ كَفَرَ بَعْضُهُمُ الَّذِينَ هُمُ الأَقَلُّ. وَقَوْلُهُ ﷺ وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُهْلِكَ أُمَّتِى بِمَا أَهْلَكَ بِهِ الأُمَمَ قَبْلَهُمْ فَأَعْطَانِيهَا أَىْ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِهِ عَذَابًا يَسْتَأْصِلُهُمْ جُمْلَةً بِالْغَرَقِ أَوِ الْمَجَاعَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا حَصَلَ فِى أُمَّةِ نُوحٍ الَّذِينَ كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلامُ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِالطُّوفَانِ وَأُمَّةِ هُودٍ وَهُمْ قَوْمُ عَادٍ الَّذِينَ كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ هُودًا فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ أَىْ رِيحٍ شَدِيدَةٍ بَارِدَةٍ تُحْرِقُ بِبَرْدِهَا كَإِحْرَاقِ النَّارِ وَأُمَّةِ صَالِحٍ وَهُمْ قَوْمُ ثَمُودَ الَّذِينَ كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ صَالِحًا فَأُهْلِكُوا بِصَيْحَةٍ كَالصَّاعِقَةِ صَاحَهَا بِهِمْ جِبْرِيلُ فَتَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ فَمَاتُوا. وَقَوْلُهُ ﷺ وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا أَىْ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ لا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِهِ عَدُوًّا كَافِرًا يَسْتَأْصِلُهُمْ كُلَّهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُ الْكُفَّارُ وَلَوِ اجْتَمَعُوا مِنْ بَيْنِ مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا أَنْ يُبِيدُوا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَيُفْنُوهُمْ مِنْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ لِأَنَّ اللَّهَ لا يُمَكِنُّهُمْ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ ﷺ وَسَأَلْتُهُ أَنْ لا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا فَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ طَلَبَ مِنَ اللَّهِ أَنْ لا يَجْعَلَ أُمَّتَهُ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْطِهِ اللَّهُ ذَلِكَ وَفِى رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّى إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لا يُرَدُّ، مَعْنَاهُ لا أُعْطِيكَ هَذَا الطَّلَبَ لِأَنِّى شِئْتُ فِى الأَزَلِ أَنْ يَصِيرَ فِى أُمَّتِكَ قِتَالٌ بَيْنَ بَعْضِهِمُ الْبَعْضِ.