(63) مَا مَعْنَى مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.
أَىْ مَا أَرَادَ اللَّهُ فِى الأَزَلِ وُجُودَهُ لا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ سَوَاءٌ فِى ذَلِكَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ وَالطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ وَالْكُفْرُ وَالإِيمَانُ وَمَا لَمْ يُرِدِ اللَّهُ وُجُودَهُ لا يَدْخُلُ فِى الْوُجُودِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ التَّكْوِيرِ ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فى سُنَنِهِ أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ عَلَّمَ بَعْضَ بَنَاتِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ. وَمَعْنَى الْمَشِيئَةِ تَخْصِيصُ الْمُمْكِنِ الْعَقْلِىِّ بِبَعْضِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ دُونَ بَعْضٍ. وَمَشِيئَةُ اللَّهِ لا تَتَغَيَّرُ بِدُعَاءِ دَاعٍ وَلا بِصَدَقَةِ مُتَصَدِّقٍ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الرَّحْمٰنِ ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ﴾ فَقَدْ فَسَّرَهُ الرَّسُولُ ﷺ بِقَوْلِهِ يَكْشِفُ كَرْبًا وَيَغْفِرُ ذَنْبًا وَيَرْفَعُ قَوْمًا وَيَضَعُ ءَاخَرِينَ ولَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يُغَيِّرُ مَشِيئَتَهُ بِاخْتِلافِ الأَزْمَانِ وَالأَحْوَالِ إِنَّمَا مَعْنَاهُ كُلَّ يَوْمٍ يُغَيِّرُ فِى خَلْقِهِ وَلا يَتَغَيَّرُ فِى عِلْمِهِ وَمَشِيئَتِهِ فَاللَّهُ تَعَالَى يُغَيِّرُ أَحْوَالَ الْعِبَادِ مِنْ مَرَضٍ إِلَى صِحَّةٍ وَمِنْ فَسَادٍ إِلَى صَلاحٍ وَمِنْ فَقْرٍ إِلَى غِنًى عَلَى حَسَبِ مَشِيئَتِهِ الأَزَلِيَّةِ.