(6) مَا هُوَ الْكَذِبُ وَمَا حُكْمُهُ.
الْكَذِبُ حَرَامٌ إِنْ كَانَ فِى حَالِ الْجِدِّ أَوِ الْمَزْحِ وَهُوَ الإِخْبَارُ بِالشَّىْءِ عَلَى خِلافِ الْوَاقِعِ عَمْدًا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لا يَصْلُحُ الْكَذِبُ فِى جِدٍّ وَلا فِى هَزْلٍ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ فِى شُعَبِ الإِيمَانِ، أَىْ لا يَجُوزُ الْكَذِبُ فِى الْجِدِّ وَلا فِى الْمَزْحِ لا مَعَ الْكَبِيرِ وَلا مَعَ الصَّغِيرِ. وَأَمَّا مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُهُمْ كَذْبَةً بَيْضَاءَ فَهُوَ بَاطِلٌ يَجِبُ تَحْذِيرُ النَّاسِ مِنْهُ وَهُمْ يَعْنُونَ أَنَّ هَذَا الْكَذِبَ لا يُسَبِّبُ ضَرَرًا لِلنَّاسِ. وَيَدْخُلُ فِى ذَلِكَ مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ كَذْبَةَ نَيْسَانَ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يَجِبُ تَحْذِيرُ النَّاسِ مِنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ إِيَّاكَ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ (أَىْ هُوَ وَسِيلَةٌ إِلَى ذَلِكَ) وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ (أَىْ يَسُوقُ النَّاسَ إِلَيْهَا) وَلا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا، أَىْ مِنْ شِدَّةِ مُلازَمَتِهِ لِلْكَذِبِ تَكْتُبُهُ الْمَلائِكَةُ فِى صُحُفِهِمْ كَذَّابًا. ثُمَّ إِنَّ الْكَذِبَ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِضْرَارٌ بِمُسْلِمٍ وَلا تَكْذِيبٌ لِلشَّرْعِ فَهُوَ مِنَ الصَّغَائِرِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَقَدْ يَكُونُ كُفْرًا. رَوَى الْبَيْهَقِىُّ فِى كِتَابِ الآدَابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِى رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِى وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِى أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ. فَأَفْهَمَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِأَنَّهُ ضَامِنٌ وَكَافِلٌ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ بِأَنْ يُعْطِيَهُ اللَّهُ بَيْتًا فِى رَبَضِ الْجَنَّةِ أَىْ أَطْرَافِهَا، وَالْمِرَاءُ هُوَ الْجِدَالُ الَّذِى لا يَعُودُ لِمَصْلَحَةٍ فِى الدِّينِ أَىْ لا يَعُودُ إِلَى إِحْقَاقِ الْحَقِّ وَلا إِبْطَالِ الْبَاطِلِ إِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ مُجَادَلَةٍ فِى الأُمُورِ التَّافِهَةِ وَنِزَاعٍ، وَلِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا بِأَنْ يُعْطِيَهُ اللَّهُ بَيْتًا فِى وَسَطِ الْجَنَّةِ وَلِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ بَيْتًا فِى أَعْلَى الْجَنَّةِ. وَحُسْنُ الْخُلُقِ هُوَ أَنْ يُحْسِنَ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ وَلِمَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ وَأَنْ يَتَحَمَّلَ أَذَى النَّاسِ أَىْ يَصْبِرَ عَلَى أَذَاهُمْ ولا يُؤْذِيَهُمْ.