الأحد ديسمبر 22, 2024

#6 سيدنا محمد رسول الله ﷺ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الرئيس والجوهر النفيس، صاحب التسبيح والتقديس وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد نكمل الكلام عن بعض معجزات من كان قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء مستحضرين قول الإمام الشافعي رضي الله عنه: مَا أَعْطَى اللَّهُ نَبِيًّا مُعْجِزَةً إِلَّا وَأَعْطَى مُحَمَّدًا مِثْلَهَا أَوْ أَعْظَمَ مِنْهَا. ومن هذه المعجزات ما أيّد الله به سيدنا موسى عليه السلام وَهِيَ عَصَاهُ الْعَجِيبَةُ. وَرَدَ فِي أَخْبَارِ هَذِهِ الْعَصَا الَّتِي كَانَتْ ءَايَةً بَاهِرَةً أَنَّهَا تَحَوَّلَتْ بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ إِلَى حَيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ تَمْشِي بِإِذْنِ اللَّهِ وَتَبْتَلِعُ الْحِبَالَ الَّتِي أَوْهَمَ سَحَرَةُ فِرْعَوْنَ لَعَنَهُ اللَّهُ الْحَاضِرِينَ أَنَّهَا ثَعَابِينُ.وَقِيلَ إِنَّ هَذِهِ الْعَصَا هَبَطَ بِهَا سَيِّدُنَا ءَادَمُ مِنَ الْجَنَّةِ وَبَقِيَتْ فِي الأَرْضِ إِلَى أَنْ سلّمهَا سَيِّدُنَا جِبْرِيلُ إِلَى سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ.  وَكَانَ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا أَيْ يَسْتَعِينُ بِهَا فِي الْمَشْيِ وَالْوُقُوفِ، وَيَخْبِطُ بِهَا عَلَى أَغْصَانِ الشَّجَرِ لِيَسْقُطَ وَرَقُهَا، فَيَسْهُلَ عَلَى غَنَمِهِ تَنَاوُلُهَا فَتَأْكُلَهَا، وَإِذَا هَجَمَ سَبُعٌ أَوْ عَدُوٌّ فَإِنَّهَا كَانَتْ تُقَاتِلُهُ وَتُحَارِبُهُ وَتُبْعِدُهُ عَنْهُمْ وَعَنْهُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَإِذَا ابْتَعَدَتْ بَعْضُ الْغَنَمَاتِ عَنِ الْقَطِيعِ أَعَادَتْهُمْ إِلَيْهِ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَكَانَ طُولُهَا عَشَرَةَ أَذْرُعٍ. وَمِنْ مَنَافِعِهَا الْعَجِيبَةِ أَنَّهَا كَانَتْ تُمَاشِي وَتُحَادِثُ سَيِّدَنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فِي طَرِيقِهِ وَتَجَوُّلِهِ، وَكَانَ لَهَا رَأْسَانِ مُتَشَعِّبَانِ مِنْهَا، يُعَلِّقُ عَلَيْهَا أَحْمَالَهُ مِنْ قَوْسٍ وَسِهَامٍ، ثُمَّ عِنْدَمَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ كَانَ رَأْسَا الْعَصَا يُضِيئَانِ كَالشَّمْعِ.     وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ بِئْرٍ تَطُولُ الْعَصَا بِطُولِ الْبِئْرِ مَهْمَا كَانَ عَمِيقًا وَيَتَحَوَّلُ رَأْسَاهَا إِلَى مَا يُشْبِهُ الدَّلْوَ فَيَمْلَؤُهُ وَيَشْرَبُ مِنْهُ، وَأَمَّا إِذَا عَطِشَ فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ فِيهَا بِئْرٌ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ غَرَزَهَا فِي الأَرْضِ فَتُنْبِعُ مَاءً بِإِذْنِ اللَّهِ، فَإِذَا رَفَعَهَا عَنِ الأَرْضِ نَضَبَ الْمَاءُ. وَكَانَ إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ يُرَكِّزُهَا فَتَطُولُ شُعْبَتَاهَا ثُمَّ يُلْقِي عَلَيْهَا كِسَاءَهُ وَيَسْتَظِلُّ تَحْتَهُ. وَإِذَا اشْتَهَى ثَمَرَةً كَانَ يُرَكِّزُهَا فِي الأَرْضِ فَتُورِقُ وَتُثْمِرُ بِإِذْنِ اللَّهِ فَيَأْكُلُ مِنْهَا مَا طَابَ، وَكَانَتْ تَدْفَعُ عَنْهُ حَشَرَاتِ الأَرْضِ وَهَوَامَّهَا وَهِيَ حَيَوَانَاتٌ تُؤْذِي كَالْعَقَارِبِ. وَأَوَّلُ مَرَّةٍ تَحَوَّلَتْ هَذِهِ الْعَصَا إِلَى ثُعْبَانٍ كَانَ لَهَا عُرْفٌ كَعُرْفِ الْفَرَسِ وَكَانَ مُتَّسَعُ فَمِهَا أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا وَابْتَلَعَتْ كُلَّ مَا مَرَّتْ بِهِ مِنَ الصُّخُورِ وَالأَشْجَارِ حَتَّى سَمِعَ سَيِّدُنَا مُوسَى لَهَا صَرِيرَ الْحَجَرِ فِي فَمِهَا وَجَوْفِهَا. وَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِيهَا تَقْوِيَةً لِقَلْبِهِ وَأَنَّهَا مُعْجِزَةٌ لَهُ وَلَنْ تَضُرَّهُ، فَأَدْخَلَ مُوسَى يَدَهُ فِي فَمِهَا بَيْنَ أَسْنَانِهَا فَعَادَتْ خَشَبَةً كَمَا كَانَتْ. وَهَذَا لَيْسَ سِحْرًا لأِنَّ السِّحْرَ يُفْعَلُ مِثْلُهُ، وَقَدْ يَأْتِي شَخْصٌ بِسِحْرٍ فَيَأْتِيهِ مَنْ يُعَارِضُهُ بِسِحْرٍ أَقْوَى، أَمَّا هَذَا الأَمْرُ فَهُوَ مُعْجِزَةٌ مِنْ مُعْجِزَاتِ الأَنْبِيَاءِ. وَمِنْ أَكْبَرِ مُعْجِزَاتِ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ بِهَذِهِ الْعَصَا أَنَّهُ عِنْدَمَا خَرَجَ هُوَ وَالمسلمونَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْرَائِيلَ وَهُوَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانُوا فِي أَرْضِ مِصْرَ الَّتِي كَانَ يَحْكُمُهَا فِرْعَوْنُ. وَتَبِعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجَيْشِهِ الْكَبِيرِ. وَلَمَّا وَصَلَ سَيِّدُنَا مُوسَى إِلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَضْرِبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ فَضَرَبَهُ فَانْفَلَقَ الْبَحْرُ اثْنَيْ عَشَرَ فِرْقًا فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالْجَبَلِ الْعَظِيمِ. وَصَارَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ أَرْضًا يَابِسَةً.     فَاجْتَازَ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ الْبَحْرَ وَكَانُوا سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ فَلَمَّا شَعَرَ بِذَلِكَ فِرْعَوْنُ وَكَانَ منشغلًا بَعِيدٍ لَهُ وَلِقَوْمِهِ، فَسَارَ لِيُدْرِكَ مُوسَى وَمَعَهُ مَلْيون وَسِتُّمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ حَتَّى وَصَلَ إِلَى الشَّاطِئِ فَدَخَلَ الْبَحْرَ. وَمَا إِنْ خَرَجَ مُوسَى وَقَوْمُهُ نَاجِينَ بِعَوْنِ اللَّهِ، حَتَّى عَادَ الْبَحْرُ وَأَطْبَقَ عَلَى فِرْعَوْنَ وَمَنْ مَعَهُ فَغَرِقُوا وَسَطَ الأَمْوَاجِ الْعَالِيَةِ. ومن المعجزات التي أيد الله بها نبيه موسى عليه السلام ما ورد في القرءان الكريم: فِي سُورَةِ الأَعْرَافِ: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ءَايَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ﴾. لَمْ يُمَيِّزْ فِرْعَوْنُ وَأَتْبَاعُهُ بَيْنَ الْمُعْجِزَةِ وَالسِّحْرِ، وَجَعَلُوا جُمْلَةَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي جَاءَ بِهَا سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ مِثْلَ انْقِلابِ الْعَصَا حَيَّةً مِنْ بَابِ السِّحْرِ، فَقَالُوا: “مَهْمَا تَأْتِنَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ فَهِيَ عِنْدَنَا سِحْرٌ وَنَحْنُ لا نُؤْمِنُ بِهَا أَبَدًا”. وَكَانَ مُوسَى رجلًا قَوِيًّا ثَابِتًا فَلَمْ يَتْرُكْ أَمْرَ الدَّعْوَةِ إِلَى دِينِ الإِسْلامِ، بَلْ دَعَا عَلَيْهِمْ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ. سَلَّطَ اللَّهُ عَلَى الْقِبْطِ وَهُمْ أَتْبَاعُ فِرْعَوْنَ الطُّوفَانَ وَالسُّيُولَ الدَّائِمَةَ لَيْلًا وَنَهَارًا مِنْ سَبْتٍ إِلَى سَبْتٍ، حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لا يَرَى شَمْسًا وَلا قَمَرًا، وَكَانَتْ بُيُوتُ الْقِبْطِ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَشَابِكَةً فَحَصَلَتِ الأُعْجُوبَةُ أَنَّ بُيُوتَ الْقِبْطِ امْتَلأَتْ بِالْمِيَاهِ الْمُتَدَفِّقَةِ حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى رِقَابِهِمْ فَمَنْ جَلَسَ غَرِقَ، وَلَمْ تَدْخُلْ بُيُوتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَطْرَةٌ.     وَفَاضَ الْمَاءُ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ وَرَكَدَ فَمَنَعَ الْقِبْطَ مِنَ الْحِرَاثَةِ وَالْبِنَاءِ وَالتَّصَرُّفِ، وَدَامَ عَلَيْهِمُ الطُّوفَانُ من السبت إلى السبت، فَقَالُوا لِمُوسَى: “ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يَكْشِفْ عَنَّا فَنُؤْمِنَ بِكَ”، فَدَعَا مُوسَى رَبَّهُ فَرُفِعَ عَنْهُمُ الطُّوفَانُ، وَأُرْسِلَتِ الرِّيَاحُ فَجَفَّتِ الأَرْضُ وَخَرَجَ مِنَ النَّبَاتِ مَا لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ قَطُّ، فَقَالُوا لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ: “لَقَدْ كَانَ الَّذِي خِفْنَا مِنْهُ خَيْرًا لَنَا لَكِنَّنَا لَمْ نَشْعُرْ، فَلا وَاللَّهِ لا نُؤْمِنُ بِكَ، فَنَكَثُوا الْعَهْدَ.بَعْدَ نَكْثِهِمْ لِلْعَهْدِ، بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ الْجَرَادَ بِالآلافِ، حَتَّى صَارَتْ عِنْدَ طَيَرَانِهَا تُغَطِّي الشَّمْسَ، فَأَكَلَتْ عَامَّةَ زُرُوعِ الْقِبْطِ وَثِمَارِهِمْ حَتَّى إِنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الثِّيَابَ وَالأَثَاثَ وَالسُّقُوفَ وَالأَبْوَابَ فَتَهْدِمَ دِيَارَهُمْ، وَلَمْ يَدْخُلْ دُورَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْهَا شَىْءٌ فَضَاقَ عَلَى الْقِبْطِ الْحَالُ وَوَعَدُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يُؤْمِنُوا وَيَتُوبُوا لَوْ كُشِفَ عَنْهُمُ الْجَرَادُ، فَخَرَجَ مُوسَى إِلَى الْفَضَاءِ وَأَشَارَ بِعَصَاهُ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَرَجَعَتِ الْجَرَادُ إِلَى النَّوَاحِي الَّتِي جِئْنَ مِنْهَا وَكُشِفَ عَنْهُمُ الضِّيق.    وَكَانَ قَدْ بَقِيَ مِنْ زُرُوعِ الْقِبْطِ شَىْءٌ، فَقَالُوا مِنْ خُبْثِهِمْ: “يَكْفِينَا مَا بَقِيَ مِنَ الزَّرْعِ” وَلَمْ يُؤْمِنُوا، فَأَقَامُوا شَهْرًا عَلَى رَخَائِهِمْ، وَكَانَ فِي مَحَلَّةٍ فِي مِصْرَ اسْمُهَا “عَيْنُ شَمْسٍ” تَلَّةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ رَمْلٍ فَضَرَبَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ بِعَصَاهُ فَصَارَتْ قُمَّلًا  أَيْ حَشَرَاتٍ صَغِيرَةً تُشْبِهُ السُّوسَ الَّذِي فِي الطَّحِينِ عِنْدَمَا يَفْسُدُ، وَطَارَ هَذَا الْقُمَّلُ فَأَكَلَ دَوَابَّ الْقِبْطِ وَزُرُوعَهُمُ الَّتِي بَقِيَتْ وَلَمْ يَبْقَ عُودٌ أَخْضَرُ إِلاَّ أَكَلَتْهُ. وَالْتَصَقَتْ بِجُلُودِهِمْ كَأَنَّهَا الْجُدَرِيُّ عَلَيْهِمْ، وَمَنَعَهُمُ النَّوْمَ وَالْقَرَارَ، وَانْتَشَرَ فِي مِصْرَ كُلِّهَا فَأَكَلَ مَا أَبْقَاهُ الْجَرَادُ وَلَحَسَ الأَرْضَ، وَكَانَ يَدْخُلُ بَيْنَ جِلْدِ الْقِبْطِيِّ وَقَمِيصِهِ فَيُؤْلِمُهُ، وَيَدْخُلُ إِلَى الطَّعَامِ فَيَمْلأُ الأَوْعِيَةَ وَالأَوَانِي ليلًا ، وَيَسْعَى فِي بَشَرَاتِهِمْ وَشُعُورِهِمْ وَحَوَاجِبِهِمْ وَأَهْدَابِ عُيُونِهِمْ، فَضَجُّوا وَبَكَوْا وَقَصَدُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، وَوَعَدُوهُ أَنَّهُ إِذَا دَعَا رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِيَكْشِفَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ سَيُؤْمِنُونَ وَيَتُوبُونَ، فَدَعَا مُوسَى فَرُفِعَ عَنْهُمْ وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَى الْقُمَّلِ رِيْحًا حَارَّةً أَحْرَقَتْهُمْ وَحَمَلَتْهُمُ الرِّيَاحُ وَأَلْقَتْهُمْ فِي الْبَحْرِ. لَكِنَّ الْوَقْتَ مَا طَالَ حَتَّى قَالَ الْقِبْطُ “قَدْ تَحَقَقْنَا يَا مُوسَى أَنَّكَ سَاحِرٌ، وَعِزَّةِ فِرْعَوْنَ لا نُصَدِّقُكَ أَبَدًا، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الضَّفَادِعَ فَمَلأَتْ فُرَشَهُمْ وَأَوْعِيَتَهُمْ وَطَعَامَهُمْ وَشَرَابَهُمْ، وَرَمَتْ بِأَنْفُسِهِمْ فِي الْقُدُورِ وَهِيَ تَغْلِي، وَإِذَا تَكَلَّمَ الْقِبْطِيُّ وَثَبَتْ وَدَخَلَتْ إِلَى فَمِهِ، فَشَكَوْا إِلَى مُوسَى وَقَالُوا: “نَتُوبُ تَوْبَةً صَادِقَةً وَلا نَعُودُ”، فَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمَوَاثِيقَ وَالْوُعُودَ وَالْعُهُودَ، ثُمَّ كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمْ ذَلِكَ، وَأَمَاتَ الضَّفَادِعَ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمُ الْمَطَرَ وَحَمَلَهَا إِلَى الْبَحْرِ.ثُمَّ عَادَ الْقِبْطُ إِلَى كُفْرِهِمْ كَعَادَتِهِمْ وَنَقَضُوا الْعَهْدَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الدَّمَ وَجَعَلَ النِّيلَ يَسِيلُ عَلَيْهِمْ دَمًا، وَكَانَ الشَّخْصُ المسلم مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى يَرْفَعُ مِنَ النِّيلِ الْمَاءَ، وَأَمَّا الْقِبْطِيُّ فَيَرْفَعُهُ دَمًا، ثُمَّ يَأْتِي المسلم فَيَصُبُّ الْمَاءَ فِي فَمِ الْقِبْطِيِّ فَيَصِيرُ دَمًا، وَيَأْتِي الْقِبْطِيُّ” وَيَصُبُّ الدَّمَ فِي فَمِ المسلم فَيَصِيرُ مَاءً زُلالًا  لَذِيذًا.     وَعَطِشَ فِرْعَوْنُ حَتَّى شَارَفَ عَلَى الْهَلاكِ فَكَانَ يَمُصُّ الأَشْجَارَ الرَّطْبَةَ فَإِذَا مَضَغَهَا صَارَ مَاؤُهَا الطَّيِّبُ مَالِحًا بَشِعَ الطَّعْمِ.     وَكَانَ بَيْنَ الآيَةِ وَالآيَةِ أُسْبُوعًا مِنَ الزَّمَنِ فَكَانَتْ تَمْكُثُ مِنَ السَّبْتِ إِلَى السَّبْتِ ثُمَّ يَبْقَوْنَ بَعْدَ رَفْعِهَا شَهْرًا فِي عَافِيَةٍ ثُمَّ تَأْتِي الآيَةُ الأُخْرَى.وَكَانَتِ الْحِكْمَةُ فِي تَفْصِيلِ تِلْكَ الآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ بِالزَّمَانِ أَنَّهُ تُظْهِرُ لِلْجَمِيعِ أَحْوَالَهُمْ، هَلْ يَفُونَ بِمَا عَاهَدُوا أَمْ يَنْكُثُونَ، فَتَقُومُ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهِمُ “الرِّجْزُ” وَهُوَ طَاعُونٌ نَزَلَ بِهِمْ حَتَّى مَاتَ مِنْهُمْ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ قِبْطِيٍّ. ومن المعجزات ما حصل مع سيدنا موسى عليه السلام وبقرة بني إسرائيل. قصةُ بقرةِ بني إسرائيل تَتلخصُ في أنّ رجلًا من بني إسرائيلَ كانَ كثيرَ المالِ وكانَ شيخًا كبيرًا ولهُ بنو أخٍ يَتَمَنَوْنَ موتَه ليرِثوه، فعمَدَ أحدُهم فقتَلَهُ في الليلِ وطَرحَهُ في مَجْمَعِ الطُرُقِ وقيلَ على بابِ رجُلٍ منهم، فلمّا أصبحَ الناسُ اختَصموا فيه، وجاءَ ابنُ أخيهِ فجَعلَ يَصرُخُ ويتَظلّمُ فقالوا: ما لكم تَختَصِمونَ ولا تأتونَ نبيَ الله؟ فجاءَ ابنُ أخيه هذا وشكا أمرَ عَمِهِ إلى رسولِ الله موسى عليه السلام،   فقالَ موسى عليه السلام لما سَمِعَ الخبرَ: أُنشِدُ الله رجُلًا عندَه عِلمٌ من أمرِ هذا القتيلِ إلا أعلمَنا به، فلم يكُن عندَ أحدٍ منهم عِلمٌ منه، ثم طلبوا منه أن يسألَ في هذهِ القَضيةِ ربَّه عزّ وجلّ، فسألَ موسى عليه السلام في هذهِ القَضيةِ ربَّه عزّ وجلّ فأمرَهُ الله تعالى أن يأمُرَهم بذَبحِ بقرةٍ، فقالوا له: نَحنُ نسألُكَ عن أمرِ هذا القتيل وأنت تقولُ لنا هذا؟ {قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} أي أعوذُ بالله أن أقولَ غيرَ ما أوحيَ إليّ،   ولو أنهم عمَدوا إلى أيِّ بَقرةٍ فذَبَحوها لحصلَ المقصودُ منها، ولكنهم شَدّدوا فشَدَّدَ الله عليهم،   فقد سألوا عن صِفتِها ثم عن لونِها ثم عن سِنّها فأُجيبوا بِما عَزَّ وجودُه فيهم.   والمقصودُ أنهم أُمروا بِذَبحِ بَقَرةٍ عَوانٍ وهي الوَسَطُ النِصفُ بين الفارِضِ وهي الكبيرة والبِكرِ وهي الصغيرة، ثم شَدّدوا وضَيّقوا على أنفُسِهم فسألوا عن لونِها، فأُمِروا بصَفراءَ فاقعٍ لونُها أي مُشرَبٌ بِحُمرةٍ تُسِرُّ الناظرين، وهذا اللونُ عزيزٌ يَصعُبُ وجودُه، ثم شدَّدوا على أنفُسِهم أيضًا مدّعين أنّ البقر تشابه عليهم وطلبوا من موسى أن يدعوَ ربه ليبين لهم ما هي، فأجابَهم موسى عليه السلام بِما أوحي له فقال لهم: إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا،  وهذهِ الصِفاتُ أَضيَقُ مما تَقدَّم، حيثُ أُمِروا بِذَبحِ بَقَرةٍ ليسَت بالذَلولِ وهيَ الْمُذَلَّلَةُ بالحِراثةِ وسَقيِ الأرضِ بالساقِية، مُسَلّمةٌ وهي الصَحيحةُ التي لا عَيبَ فيها، وقيلَ معنى لا شِيَةَ فِيهَا أي ليسَ فيها لونٌ يُخالِفُ لَونَها، بل هي مُسَلَّمَةٌ منَ العُيوبِ ومِن مُخالَطةِ سائرِ الألوانِ غيرِ لونِها ويقالُ: إنهم لم يَجِدوا هذهِ البقرةَ بهذهِ الصِفةِ إلا عندَ رجُلٍ منهم كانَ بارًا بأمِه فطَلبوها منهُ فأبى عليهم فأرغبوهُ في ثَمَنِها حتى أَعطَوْهُ بوزنِها ذهبًا فأبى عليهم، ولم يَقبَلْ حتى أعطَوْهُ بِوزنِها عشرَ مرات فبَاعَها لهم،    فأتَوا إلى موسى عليه السلام فأمرَهم بِذَبْحِها فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ، أي وهُم يَتردَدونَ في أمرِها، ثم أمرَهم موسى عليه السلام أن يَضرِبوا ذلكَ القَتيلَ بِبَعضِ هذه البَقرةِ التي ذبَحوها قيل بِلَحمِ فَخِذِها، وقيلَ بالعَظمِ الذي يَلي الغُضروف، وقيلَ بغيرِ ذلك، فلما ضَربوا القتيلَ ببَعضِ هذهِ البقرةِ كما أمرَهم نبيُهم عليه السلام أحياهُ الله تعالى فسألَهُ نبيُ الله موسى: مَن قتلَك؟ فقال: قتَلني ابنُ أخي، وعرَّفَه ثم عادَ ميتًا كما كان. ومن معجزات الأنبياء مائدة سيدنا عيسى، كَانَ سَيِّدُنَا عِيسَى قَدْ أَمَرَ الْحَوَارِيِّينَ وَهُمْ خِيرَةُ مَنْ ءَامَنُوا بِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، بِصِيَامِ ثَلاثِينَ يَوْمًا، فَلَمَّا أَتَمُّوهَا سَأَلَ الْحَوَارِيُّونَ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ إِنْزَالَ مَائِدَةٍ مِنَ السَّمَاءِ عَلَيْهِمْ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ تَقَبَّلَ صِيَامَهُمْ، وَتَكُونَ لَهُمْ عِيدًا يُفْطِرُونَ عَلَيْهَا يَوْمَ فِطْرِهِمْ، وَطَلَبُوا أَنْ تَكُونَ كَافِيَةً لأِوَّلِهِمْ وَءَاخِرِهِمْ وَلِغَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ، وَلَكِنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى وَعَظَهُمْ فِي ذَلِكَ وَخَافَ ألا يَقُومُوا بِشُكْرِ اللَّهِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهَا، وَهُمْ قَدْ رَأَوِا الْكَثِيرَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ، فَلِمَاذَا يَطْلُبُونَ الْمَزِيدَ؟ وَكَانَ الْجَوَابُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الأَكْلَ مِنْهَا لِلتَّبَرُّكِ. وَلَمَّا أَلَحُّوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ قَامَ إِلَى حَيْثُ كَانَ يُصَلِّي وَلَبِسَ ثِيَابًا مِنْ شَعَرٍ وَأَطْرَقَ رَأْسَهُ وَبَكَى خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَخَذَ يَتَضَرَّعُ وَيَدْعُو بِأَنْ يُجَابُوا إِلَى مَا طَلَبُوا، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دُعَاءَهُ، وَنَزَلَتِ الْمَائِدَةُ مِنَ السَّمَاءِ بَيْنَ غَمَامَتَيْنِ، غَمَامَةٌ فَوْقَهَا وَأُخْرَى تَحْتَهَا، وَحَوْلَهَا الْمَلائِكَةُ، وَصَارَتْ تَدْنُو شَيْئًا فَشَيْئًا، وَكُلَّمَا اقْتَرَبَتْ مِنْهُمْ سَأَلَ عِيسَى الْمَسِيحُ رَبَّهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهَا رَحْمَةً لا نِقْمَةً وَأَنْ يَجْعَلَهَا سَلامًا وَبَرَكَةً، فَلَمْ تَزَلْ تَدْنُو حَتَّى اسْتَقَرَّتْ بَيْنَ يَدَيْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وَهِيَ مُغَطَّاةٌ بِمِنْدِيلٍ، فَقَامَ يَكْشِفُ عَنْهَا وَهُوَ يَقُولُ: “بِسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الرَّازِقِينَ” وَإِذَا عَلَيْهَا مِنَ الطَّعَامِ سَبْعُ أَسْمَاكٍ كَبِيرَةٍ وَسَبْعَةُ أَرْغِفَةٍ وَخَلٌّ وَمِلْحٌ وَرُمَّانٌ وَعَسَلٌ وَثِمَارٌ وَهُمْ يَجِدُونَ لَهَا رَائِحَةً طَيِّبَةً جِدًّا لَمْ يَكُونُوا يَجِدُونَ مِثْلَهَا قَبْلَ ذَلِكَ.    بَلَغَ الْخَبَرُ الْيَهُودَ فَجَاءُوا غَمًّا وَكَمَدًا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَرَأَوْا عَجَبًا، ثُمَّ أَمَرَ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ الْحَوَارِيِّينَ بِالأَكْلِ مِنْهَا، فَقَالُوا لَهُ: لا نَأْكُلُ حَتَّى تَأْكُلَ، فَقَالَ عِيسَى: إِنَّمَا يَأْكُلُ مِنْهَا مَنْ طَلَبَهَا وَسَأَلَهَا، فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَبْدَأُوا بِالأَكْلِ مِنْهَا أَمَرَ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمَرْضَى وَأَصْحَابَ الْعَاهَاتِ وَالْمُقْعَدِينَ وَالْعُمْيَان وَكَانُوا قَرِيبًا مِنَ الأَلْفِ وَثَلاثِمَائَةٍ أَنْ يَأْكُلُوا فَأَطَاعُوا، فَأَكَلُوا مِنْهَا وَحَصَلَتْ بَرَكَاتُ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ الْعَظِيمَةِ إِذْ شُفِيَ كُلُّ مَنْ بِهِ عَاهَةٌ أَوْ ءَافَةٌ أَوْ مَرَضٌ مُزْمِنٌ، وَصَارَ الْفُقَرَاءُ أَغْنِيَاءَ، فَنَدِمَ النَّاسُ الَّذِينَ لَمْ يَأْكُلُوا مِنْهَا لِمَا رَأَوْا مِنْ إِصْلاحِ حَالِ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَكَلُوا، وَلَمَّا تَزَاحَمَ النَّاسُ عَلَى الْمَائِدَةِ جَعَلَ سَيِّدُنَا عِيسَى دَوْرًا لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَكَانَ يَأْكُلُ ءَاخِرُهُمْ كَمَا يَأْكُلُ أَوَّلُهُمْ، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ يَوْمٍ سَبْعَةُ ءَالافِ شَخْصٍ. وَلَمَّا تَمَّ أَرْبَعُونَ يَوْمًا أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ: يَا عِيسَى اجْعَلْ مَائِدَتِي هَذِهِ لِلْفُقَرَاءِ دُونَ الأَغْنِيَاءِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِأَنْ لا يَخُونُوا فَيَأْكُلُ مِنْهَا غَنِيٌّ وَأَنْ لا يَدَّخِرُوا وَلا يَرْفَعُوا مِنْ طَعَامِهَا وَيُخَبِئُوهُ لِغَدٍ، فَخَانَ مَنْ خَانَ وَادَّخَرَ مَنِ ادَّخَرَ، فَرُفِعَتِ الْمَائِدَةُ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَتَكَلَّمَ مُنَافِقُوهُمْ فِي ذَلِكَ وَشَكَّكُوا النَّاسَ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، وأوحى الله لعيسى أنه سيعذب من كفر، فَلَمَّا قَامَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ نَوْمِهِمْ فِي الْيَوْمِ التَّالِي وَكَانُوا ثَلاثَةً وَثَلاثِينَ شَخْصًا، تَحَوَّلُوا إِلَى خَنَازِيرَ بَشِعَةٍ، وَصَارُوا يَأْكُلُونَ الأَوْسَاخَ مِنْ حُفَرِ الأَقْذَارِ، بَعْدَمَا كَانُوا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ الطَّيِّبَ وَيَنَامُونَ عَلَى الْفِرَاشِ اللَّيِّنِ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ اجْتَمَعُوا إِلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ يَبْكُونَ، وَجَاءَ هَؤُلاءِ الْخَنَازِيرُ فَطَأْطَئُوا رُءُوسَهُمْ وَصَارُوا يَبْكُونَ وَتَجْرِي دُمُوعُهُمْ، فَعَرَفَهُمْ سَيِّدُنَا عِيسَى وَصَارَ يَقُولُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ: “أَلَسْتَ فُلانًا؟” فَيُومِئُ بِرَأْسِهِ وَلا يَسْتَطِيعُ الْكَلامَ، وَبَقوا كَذَلِكَ عِدَّةَ أَيَّامٍ ثُمَّ دَعَا سَيِّدُنَا عِيسَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَقْبِضَ أَرْوَاحَهُمْ، فَأَصْبَحُوا لا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبُوا، هَلِ الأَرْضُ ابْتَلَعَتْهُمْ، أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ؟ وَتَحَدَّثَ النَّاسُ عَنْ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ الْعَظِيمَةِ، فَآمَنَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَازْدَادَ الْمُؤْمِنُونَ يَقِينًا وَثَبَاتًا فِي إِيْمَانِهِمْ. وَكَانَ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ كَانَ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ الَّذِي يُولَدُ أَعْمَى، وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ، حَتَّى قِيلَ إِنَّهُ أَحْيَا أَرْبَعَةً مِنَ الْخَلْقِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، وَكَانَ سَيِّدُنَا حِزْقِيلُ قَبْلَ سَيِّدِنَا عِيسَى أَحْيَا ثَمَانِيَةً وَهُوَ نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا أَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمِنَ الَّذِينَ أَحْيَاهُمْ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ بِإِذْنِ اللَّهِ أَحَدُ أَصْدِقَائِهِ وَاسْمُهُ عَازَرُ، إِذْ لَمَّا مَرِضَ أَرْسَلَتْ أُخْتُهُ إِلَى سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّ عَازَرَ يَمُوتُ فَسَارَ إِلَيْهِ وَبَيْنَهُمَا ثَلاثَةُ أَيَّامٍ فَوَصَلَ إِلَيْهِ فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ، فَأَتَى قَبْرَهُ فَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ فَقَامَ عَازَرُ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَاشَ وَوُلِدَ لَهُ، وَمِنَ الَّذِينَ أُحْيُوا بِإِذْنِ اللَّهِ عَلَى يَدَيْ سَيِّدِنَا عِيسَى الْمَسِيحِ ابْنُ الْعَجُوزِ فَإِنَّهُ مُرَّ بِهِ محمولًا عَلَى سَرِيرِهِ فَدَعَا لَهُ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَقُومَ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَقَامَ وَنَزَلَ عَنْ أَكْتَافِ الرِّجَالِ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ ثُمَّ حَمَلَ سَرِيرَهُ وَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ.  وَكَذَلِكَ فَعَلَ مَعَ أَحَدِ الْمُلُوكِ إِذْ كَانَ محمولًا وَجَرَى مَعَهُ مَا جَرَى مَعَ ابْنِ الْعَجُوزِ. لَكِنَّ الْيَهُودَ الْحَسَدَةَ لَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا تَعَنُّتًا: “إِنَّكَ تُحْيِي مَنْ كَانَ مَوْتُهُ قَرِيبًا، فَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَمُوتُوا بَلْ أُصِيبُوا بِإِغْمَاءٍ أَوْ سَكْتَةٍ”، فَأَحْيِي لَنَا سَامَ بنَ نُوحٍ، وَكَانَ لِسَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ أَرْبَعَةُ أَبْنَاء، ثَلاثَةٌ أَسلموا وَنَجَوْا مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ سَامٌ وَحَامٌ وَيَافِثُ أَمَّا الاِبْنُ الرَّابِعُ كَنْعَانُ فَقَدْ أَبَى أَنْ يُؤْمِنَ وَلَمْ يَصْعَدِ السَّفِينَةَ مَعَ وَالِدِهِ وَإِخْوَتِهِ فَمَاتَ غَرَقًا.    فَقَالَ سَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ: “دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ”، فَخَرَجَ سَيِّدُنَا عِيسَى وَخَرَجَ الْقَوْمُ مَعَهُ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى قَبْرِهِ، فَدَعَا اللَّهَ فَخَرَجَ سَامٌ، وَقَدْ كَانَ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ ءَالافِ سَنَةٍ، فَالْتَفَتَ سَامٌ وَقَالَ لِلنَّاسِ مُشِيرًا إِلَى سَيِّدِنَا عِيسَى الْمَسِيحِ: “صَدِّقُوهُ، فَإِنَّهُ نَبِيٌّ” ثُمَّ عَادَ إِلَى حَالِهِ، فَآمَنَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَكَذَّبَهُ الْبَعْضُ الآخَرُ وَقَالُوا: هَذَا سِحْرٌ. وَرُوِيَ أَنَّ سَيِّدَنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فِي إِحْيَائِهِ لِلْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ كَانَ يَضْرِبُ بِعَصَاهُ الْمَيِّتَ أَوِ الْقَبْرَ أَوِ الْجُمْجُمَةَ فَيَحْيَا الإِنْسَانُ وَيُكَلِّمُهُ وَيَعِيشُ. وفي الختام نذكركم بقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: مَا أَعْطَى اللَّهُ نَبِيًّا مُعْجِزَةً إِلَّا وَأَعْطَى مُحَمَّدًا مِثْلَهَا أَوْ أَعْظَمَ مِنْهَا. والله أعلم وأحكم  والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.