(6) تَكَلَّمْ عَنْ فَائِدَةِ تَقْلِيلِ الْكَلامِ.
اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ الإِنْسَانُ إِنْ كَانَ فِى حَالِ الْجِدِّ أَوِ الْهَزْلِ أَوْ فِى حَالِ الرِّضَى أَوِ الْغَضَبِ يُسَجِّلُهُ الْمَلَكَانِ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ ق ﴿مَّا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ فَهَلْ يَسُرُّ الْعَاقِلَ أَنْ يَرَى فِى كِتَابِهِ الَّذِى يَتَنَاوَلُهُ مِنْ أَيْدِى الْمَلائِكَةِ حِينَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ فِى الْقِيَامَةِ الْكَلِمَاتِ الَّتِى تَكَلَّمَ بِهَا فِى الدُّنْيَا مِنْ كُفْرٍ أَوْ مَعَاصٍ بَلْ يَسُوؤُهُ ذَلِكَ وَيُحْزِنُهُ حِينَ لا يَنْفَعُ النَّدَمُ فَإِنَّ مَنِ اسْتَعْمَلَ لِسَانَهُ فِيمَا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَشْكُرْ رَبَّهُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِىُّ عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَإِنَّا مُؤَاخَذُونَ بِمَا نَنْطِقُ بِهِ فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ. فَاللِّسَانُ إِذَا لَمْ يَحْفَظْهُ صَاحِبُهُ يُوقِعُهُ فِى الْمَهَالِكِ إِمَّا فِى الْكُفْرِ وَإِمَّا فِى الْمَعْصِيَةِ أَوْ فِى الْكَلامِ الَّذِى لا فَائِدَةَ فِيهِ لِذَلِكَ الرَّسُولُ أَمَرَنَا بِطُولِ الصَّمْتِ فَقَدْ قَالَ ﷺ لِأَبِى ذَرٍّ الْغِفَارِىِّ عَلَيْكَ بِطُولِ الصَّمْتِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّهُ مَطْرَدَةٌ لِلشَّيْطَانِ عَنْكَ وَعَوْنٌ لَكَ عَلَى أَمْرِ دِينِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ ﷺ مَنْ صَمَتَ نَجَا رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ. وَطُولُ الصَّمْتِ مَعْنَاهُ تَقْلِيلُ الْكَلامِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ كَذِكْرِ ِاللَّهِ أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ أَوْ تَعْلِيمِ النَّاسِ دِينَ اللَّهِ أَوْ بِمَا يَنْفَعُهُ فِى مَعِيشَتِهِ. فَطُولُ الصَّمْتِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ مَطْلُوبٌ لِأَنَّهُ يُعِينُ الشَّخْصَ عَلَى أَمْرِ الدِّينِ وَيُنْجِى صَاحِبَهُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمَهَالِكِ فَأَكْثَرُ الْكُفْرِ يَكُونُ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْكَلامِ. الشَّيْطَانُ إِذَا رَأَى الْمُسْلِمَ قَلِيلَ الْكَلامِ يَتْرُكُهُ أَمَّا إِذَا رَءَاهُ كَثِيرَ الْكَلامِ يَشْتَغِلُ بِهِ حَتَّى يُوقِعَهُ فِى كُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ فَمَنْ أَرَادَ النَّجَاةَ فَلا يَتَكَلَّمُ إِلَّا بِخَيْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّكَ مَا تَزَالُ سَالِمًا مَا سَكَتَّ فَإِذَا تَكَلَّمْتَ كُتِبَ عَلَيْكَ أَوْ لَكَ رَوَاهُ ابْنُ أَبِى الدُّنْيَا فِى كِتَابِ الصَّمْتِ وَمَعْنَاهُ مَا دَامَ الإِنْسَانُ سَاكِتًا عَنِ الْكَلامِ فَهُوَ سَالِمٌ فَإِذَا تَكَلَّمَ بِخَيْرٍ كُتِبَ لَهُ وَإِذَا تَكَلَّمَ بِشَرٍّ كُتِبَ عَلَيْهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَصْلَتَانِ مَا إِنْ تَجَمَّلَ الْخَلائِقُ بِمِثْلِهِمَا حُسْنُ الْخُلُقِ وَطُولُ الصَّمْتِ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بنُ مُحَمَّدٍ أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِى الدُّنْيَا الْقُرَشِىُّ فِى كِتَابِ الصَّمْتِ فَيَنْبَغِى لِلإِنْسَانِ أَنْ يَتَحَلَّى بِهَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ وَهِىَ حُسْنُ الْخُلُقِ وَطُولُ الصَّمْتِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ مَعْنَاهُ الإِحْسَانُ إِلَى النَّاسِ وَكَفُّ الأَذَى عَنِ النَّاسِ وَتَحَمُّلُ أَذَى الْغَيْرِ.