الخميس نوفمبر 21, 2024

#59 التوبة الصحيحة

الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام وأكرمنا بالإيمان ورحمنا ببعثة محمد عليه الصلاة والسلام أما بعد ليُعلم أنَّ التوبةَ واجبةٌ من الذنب الكبير فورًا وكذلك من الذنب الصغير على الفور لأنّ الله تعالى قال: {توبوا إلى الله}. وللتوبة أركانٌ منها الندم أسفًا على عدم رعاية حقّ الله، أما إذا نَدِمَ لأجل الفضيحة بين الناس مثلا أو نحوِ ذلك، فهذا ليس الندمَ الذى هو ركنُ التوبة، ولا يكونُ ذلك توبةً معتبرة صحيحة فى حكم الشرع. فالندم هو الركن الأعظم فى التوبة ولذلك قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: “الندم توبة”، معناه الركن الأعظم للتوبة هو الندم.

الركن الثانى للتوبة هو الإقلاع عن الذنب فى الحال أى ترك الذنب الذى يتوب منه فى الحال. فإذا إنسانٌ ندم فى قلبه على ارتكابه الذنب لكن ما تركه إنما هو بَعْدُ منغمسٌ فيه لا يكون ندمُه هذا توبة.

والركن الثالث للتوبة هو العزم فى قلبه على أن لا يعود إلى هذا الذنب بعد ذلك أبدًا، أى أن ينوى جزمًا أن لا يفعله بعد ذلك. أما إذا قال فى قلبه الآن أندم وأترك الذنب ثم بعد شهر أو بعد سنة أو بعد عشرِ سنين أرجع إلى هذا الذنب فهذه توبةٌ غيرُ صحيحة. فلا بدّ من اجتماع هذه الأركان الثلاثة لصحة التوبة. فإذا تاب الإنسانُ توبة مجزئة غُفِرَ ذنبُهُ كما صح فى حديث ابن ماجه: “التائب من الذنب كمن لا ذنب له”.إهـ. ثم إن رجع إلى ذلك الذنب بعد أن تاب توبة مجزئة لا يُكتب عليه الذنب الأول من جديد، إنما يكتب عليه الذنب الجديد فقط. ثم لو كانت المعصية تركَ فرض لا بد من أن يقضيه، كأن كان الذنب ترك فرض الصلاة فإن توبته لا تصح حتى يقضىَ هذا الفرض. وإن كان الذنب ترك زكاةٍ أو كفارة أو نذر فيجب عليه الدفع فورًا إن كان مستطيعًا فإن لم يكن مستطيعًا ينوى بقلبه جزمًا دفعَ ذلك عندما يستطيع. وإن كان الذنبُ تَبِعَةً لآدمى يقضى له هذه التبعة أو يستسمحُه. فإن غصب له مالَه مثلًا يرد عينَ المال إن كان باقيًا فى يده وإلا يرد بدلَه للمالك أو لنائب المالك أو للورثة إن كان مات، إلا إن سامحه صاحبُ الحق. وإن كان الحق الذى عليه يتضمن قِصاصًا كأن كان قد قتل مسلمًا ظلمًا، هنا صار من جملة ما عليه لتصح توبتُه أن يُمَكّـِنَ أهلَ القتيل من نفسه أى يذهبْ إلى ولىّ القتيل ويقول له ها أنا ذا أمكنُك من نفسى إن شئت أن أُقْتَلَ قِصاصًا لا أهربُ وإن شئتَ فَاعْفُ فإن لم يفعل ذلك بل هرب من القِصاص لم تصح توبتُه.  والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم. وفي الختام نسأل الله تبارك وتعالى أن يفقهنا في أمر ديننا. اللهم إنّا نسألك أن لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته ولا ميتًا مسلمًا إلا رحمته ولا مريضًا إلا شفيته ولا عيبًا إلا سترته ولا همًا إلا فرّجته ولا دَيْنًا إلا قضيته برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعطِ كلَّ واحدٍ منّا سؤله من الخير اللهم وبارك له فيه والحمد لله رب العالمين أوَّلًا وآخرًا وأبدًا.