الخميس نوفمبر 21, 2024

#58 المعاصي المتعلقة بالبدن 2-2

الحمدُ لله في كل الأحوال والصلاة والسلام على سيدنا محمّدٍ خيرِ الرجال وعلى ءاله وأصحابه إلى يوم المآل. أما بعد نتابع الكلام عن معاصي البدن إن شاء الله تعالى.

ليعلم أنّ من معاصى البدن سَفَرَ المرأةِ من غير نحو مَحْرَمٍ، لحديثِ أبى داودَ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تسافرَ المرأةُ بريدًا من غير محرمٍ يكون معها. والبريدُ مسيرةُ نصف يوم. وورد فى بعض الرواياتِ ذكر مسيرة يوم، وفى بعضِها غيرُ ذلك. فدلَّ على أنّ المقصودَ تحريمُ كلِّ ما يُسمى سفرًا على المرأةِ إذا كان بدونِ المحرم أو الزوج. وَذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ لا تَكُونَ ضَرُورَةٌ لِلسَّفَرِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ ضَرُورَةٌ بِأَنْ كَانَتْ مُهَاجِرَةً مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الإِسْلامِ أَوْ كَانَ سَفَرُهَا لِحَجِّ الْفَرْضِ أَوْ عُمْرَةِ الْفَرْضِ أَوْ لِتَعَلُّمِ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ إِذَا لَمْ تَجِدْ فِي بَلَدِهَا مَنْ يُعَلِّمُهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ.

ومن معاصى البدن الإعانةُ على المعصيةِ وذلك لقول الله تعالى: {ولا تعاوَنوا على الإثم والعدوان}. وليعلم أنّ الإعانةَ على المعصية معصية والإعانةَ على الكفر كفرٌ والعياذ بالله.

ومِنْ مَعَاصِي الْبَدَنِ تَرْوِيجُ الزَّائِفِ كَتَرْوِيجِ الْعُمْلَةِ الزَّائِفَةِ، أَوْ طَلْيُ النُّحَاسِ بِالذَّهَبِ لإِيهَامِ النَّاسِ أَنَّهُ ذَهَبٌ وَبَيْعِهِ عَلَى أَنَّهُ ذهب وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الْغَشِّ وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ.

ومن معاصى البدن استعمالُ أوانِى الذهب والفضةِ بالأكلِ أو الشربِ فى أوانيهِما أو نحوِ ذلك. وكذلك يحرُمُ اقتِنَاءُ أوانِيهِما بِلا استعمالٍ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنّ الذى يأكلُ ويشرَبُ فى ءانيةِ الذهبِ والفضةِ إنما يُجرجِرُ فى بطنه نار جهنم” إهـ.

ومن معاصى البدن تَرْكُ الفرض من صلاةٍ أو غيرها، وكذلك فعلُ الفرض صورةً مع الإخلال بركنٍ أو شرطٍ أو مع فعل مبطلٍ له، وكذلك تركُ الجمعةِ بلا عذرٍ فى حقّ من وجبت عليه وإن صلى الظهر بدَلَها.

ومن معاصى البدنِ تأخيرُ الفرضِ عن وقته بغير عذرٍ. فمن تهاون بالصلاةِ حتى أخرجها عن وقتها فقد وقع فى ذنبٍ عظيم والعياذ بالله تعالى.

ومن معاصى البدن تنجيسُ المسجدِ وتقذيرُه ولو بطاهرٍ. فيحرُمُ تنجيسُه ببولٍ أو دمٍ أو غيرِ ذلكَ من النجاسات. وكذلك يحرُمُ تقذيرُهُ بغير النجاسةِ كالبُزَاقِ والمخاطِ، لأنّ حِفظَ المسجد من ذلك داخلٌ فى تعظيم شعائر الله.

ومن معاصى البدن أيضًا تأخيرُ أداء الحج بعد حصول الاستطاعةِ إلى أن يموت الشخص قبل أن يَحُج. فوجوب الحج، وإن كان على التراخى عند الإمام الشافعى وءاخرين، إذا تساهل فيه الشخص المستطيعُ حتى ماتَ قبل أن يحُج فإنه يُحكَمُ عليه بالفسقِ.

ومن معاصى البدن دَفْعُ المالِ وبَذْلُهُ فى معصيةٍ من المعاصى كبيرةً كانت أو صغيرةً.

ومن معاصى البدن استعمالُ الْمُعارِ فى غيرِ المأذون له فيه. كأن يستعيرَ حصانًا للرُّكوبِ أى أذِن له مالكُهُ باستعمالِهِ فقط فى الركوبِ فاستعمَلَه فى نقل الحجارةِ، فإنّه لا يجوزُ. وكذلك يحرُمُ أن يزيدَ على المدةِ المأذون له فيها فإن قال الْمُعِيرُ: “استعملْ هذا الغرض لمدةِ شهرٍ” فيحرم على المستعير استعمالُهُ زيادةً على هذه المدة. وكذلك يحرُمُ عليه إعارَتُهُ لغيرِه بلا إذنٍ من المالِكِ.

ومن معاصى البدن منعُ الناسِ من الأشياءِ المباحةِ لهم على العموم والخصوص. كأن يمنعَ الناسَ عن أن يرعَوْا مواشيَهُم فى أرضٍ ليست مِلكًا لأحدٍ، أو أن يمنعَهُم من أخذِ الحطبِ من هذه الأرض، أو يمنعَهُم من الشربِ من الماء المباحِ الذى إذا أُخِذَ منه شىءٌ يخلُفُهُ غيرُه.

ومن معاصى البدن تركُ العدلِ بين الزوجات بأن يُرَجّـِحَ واحدةً أو أكثر من الزوجاتِ على غيرِها ظلمًا فى النفقةِ أو المبيتِ. ولا يجب عليه أن يُسَوِّىَ بين الزوجاتِ فى المحبةِ القلبيةِ والجماعِ. فإذا أدى الزوجُ النفقةَ الواجبةَ عليه للجميعِ وقَسَمَ المبيتَ بينهن بالعدل، فليس عليه أن يُسوّيَ بينهن فيما وراء ذلك.

ومن معاصى البدن أن يصوم الشخص يومين فأكثر من غيرِ تناول مطعومٍ عمدًا بلا عذر.

ومن معاصى البدن خروجُ المرأةِ من بيتِها لِتَفْتِنَ الرجالَ الأجانب متزينةً كانت أم لا ومتعطرةً أم لا. وأما إذا خرجت متزينةً أو متعطرةً مع ستر ما يجبُ عليها سترُهُ من بدنها من غير قصدِ الفتنةِ فلا يحرُمُ ذلك، وإن كان هذا الفعلُ مكروهًا كراهةً تنزيهية. وأما حديثُ “أيُّما امرأةٍ خرجت من بيتها متعطرةً فمرتْ بقوم ليجدوا ريحها فهى زانية”، فمعناهُ أنها إذا قصدت بخروجها فتنةَ الرجال الأجانب فإنها تكونُ شبيهةً بالزانيةِ لأنّ فعلها هذا مقدِّمةٌ للزنى. فإن لم تكن نيتُها ذلك فلا حُرمةَ فى خروجها متطيبةً، وإنما فعلُها مكروهٌ.

ومن معاصى البدن السحرُ بأنواعِهِ، فمنه ما هو كفرٌ ومنه ما لا يصلُ إلى حدِّ الكفرِ لكنه كبيرةٌ على كل حال. والله تبارك تعالى أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين.