الأحد ديسمبر 22, 2024

#57 18-24 سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام

الحمد لله مكوّن الأكوان الموجود أزلا وأبدا بلا مكان والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ سيدِ ولدِ عدنان أما بعدُ نتكلَّمُ اليومَ عن قِصةِ سيدِنا موسى عليهِ السلام معَ الخضِر عليهِ السلام. لَمَّا نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُمْ، قَامَ سَيِّدُنَا مُوسَى خَطِيبًا فِي الْمُسْلِمِينَ يَعِظُهُمْ وَيُذَكِّرُهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَتْرُكْ نِعْمَةً أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِهَا إِلَّا وَعَرَّفَهُمْ إِيَّاهَا. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ: “يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ فِي الأَرْضِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ؟” فَقَالَ مُوسَى: “لا، فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ: اللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَوْحَى إِلَيْهِ قَائِلًا: “وَمَا يُدْرِيكَ أَيْنَ أَضَعُ عِلْمِي، بَلَى إِنَّ لِي عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ رَجُلًا وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ هُوَ عَبْدُنَا الْخَضِرُ، أَيْ يُوجَدُ مَنْ هُوَ مُطَّلِعٌ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْعِلْمِ لَمْ تَتَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَنْتَ. وَكَانَ عِلْمُ الْخَضِرِ عِلْمَ مَعْرِفَةِ بَوَاطِنِ أُمُورٍ قَدْ أُوحِيَتْ إِلَيْهِ، وَكَانَ عِلْمُ مُوسَى عِلْمَ الأَحْكَامِ وَالْفُتْيَا بِظَاهِرِ أَقْوَالِ النَّاسِ وَأَفْعَالِهِمْ، فَيَكُونُ الْخَضِرُ عليه السلام أَعْلَمَ مِنْ مُوسَى بِأَحْكَامِ وَقَائِعَ مُفَصَّلَةٍ مُعَيَّنَةٍ، لا مُطْلَقًا، فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى هَذَا اشْتَاقَتْ نَفْسُهُ الْفَاضِلَةُ، وَهِمَّتُهُ الْعَالِيَةُ، لِتَحْصِيلِ عِلْمِ مَا لَمْ يَعْلَمْ وَلِلِقَاءِ مَنْ قَالَ اللَّهُ فِيهِ إِنَّهُ أَعْلَمُ مِنْكَ، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ إِلَى أَنَّ الْعَالِمَ يَرْحَلُ فِي طَلَبِ الاِزْدِيَادِ مِنَ الْعِلْمِ، وَاغْتِنَامِ لِقَاءِ الْفُضَلاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَإِنْ بَعُدَتْ أَقْطَارُهُمْ، وَذَلِكَ دَأْبُ الصَّالِحِ، فَسَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ إِيَّاهُ، فَأَوْحَى الله إِلَيْهِ: أن يأخذَ معه حوتًا أي سمكةً ويلْزَمَ شَاطِئَ الْبَحْرِ، فحيثما فَقَدَ الحوت، هناك يجدُ الْعَبْدَ الصَّالِحَ الَّذِي يطْلُبُ عِنْدَ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، فَأَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى حَالَ الْخَضِرِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ مَوْضِعَهُ بِعَيْنِهِ مِمَّا زَادَ تَشَوُّقَ مُوسَى إِلَيْهِ فَقَالَ: “لا أَزَالُ أَمْضِي إِلَى مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أُمْضِي زَمَنًا طَوِيلًا حَتَّى أَجِدَ هَذَا الْعَالِمَ”، وَهَذَا إِخْبَارٌ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ الدَّاعِي إِلَى الْحَقِّ وَالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ الْعَالِيَةِ بِأَنَّهُ هَيَّأَ نَفْسَهُ لِتَحَمُّلِ التَّعَبِ الشَّدِيدِ وَالْعَنَاءِ الْعَظِيمِ فِي السَّفَرِ لأِجْلِ طَلَبِ الْعِلْمِ وَذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَلِّمَ لَوْ سَافَرَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ لِطَلَبِ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ لَحُقَّ لَهُ ذَلِكَ. وسبحان الله والحمد لله والله أعلم وأحكم نقف هنا الآن لنكمل القصة في الحلقة القادمة من قصص الأنبياء فتابعونا وإلى اللقاء.