(56) مَا مَعْنَى الْخَالِقِ.
مَعْنَى الْخَالِقِ الَّذِى أَبْرَزَ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ أَىْ صَارَتْ مَوْجُودَةً بِإِيجَادِ اللَّهِ لَهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ. فَيَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ بِمَعْنَى الإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ بِقُدْرَتِهِ الأَزَلِيَّةِ بِلا جَارِحَةٍ وَلا حَرَكَةٍ وَلا ءَالَةٍ وَلا مُبَاشَرَةٍ وَلا مُمَاسَّةٍ لِشَىْءٍ فَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْعَالَمَ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لَيْسَ مِثْلَ الْعِبَادِ الْعِبَادُ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَعْمَلُوا شَيْئًا يُمْسِكُونَ الشَّىْءَ بِأَيْدِيهِمْ أَوْ يُمْسِكُونَ الآلَةَ ثُمَّ الآلَةُ تَتَّصِلُ بِذَلِكَ الشَّىْءِ الَّذِى يَعْمَلُونَهُ أَمَّا اللَّهُ تَعَالَى فَلَيْسَ هَكَذَا. فَالْعِبَادُ حَرَكَاتُهُمْ وَسَكَنَاتُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ وَنَوَايَاهُمْ وَعُلُومُهُمْ وَخَوَاطِرُهُمُ الَّتِى تَطْرَأُ عَلَيْهِمْ بِدُونِ إِرَادَتِهِمْ وَنَظَرُهُمْ إِلَى شَىْءٍ هِىَ بِخَلْقِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الرَّعْدِ ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ﴾ وَقَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ فَاطِرٍ ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ أَىْ لا خَالِقَ إِلَّا اللَّهُ. وَخَالَفَ فِى ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ كَحِزْبِ التَّحْرِيرِ فَقَالُوا إِنَّ الْعَبْدَ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ الِاخْتِيَارِيَّةَ أَىْ يُحْدِثُهَا مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ وَكَلامُهُمْ هَذَا تَكْذِيبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ فَاطِرٍ ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الصَّافَّاتِ ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ وَقَوْلِهِ ﷺ إِنَّ اللَّهَ صَانِعُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ، أَىْ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ عَامِلٍ وَعَمَلِهِ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِى الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِىُّ فِى شُعَبِ الإِيمَانِ.