#55 16-24 سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام
ذهبَ نبيُّ الله موسى عليه السلام إلى جبلِ الطورِ ليسمع كلام الله تعالى وبقي في ذَلِكَ الْمَكَانِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ، وفي أثناءِ ذلك عمَدَ رجلٌ من بني إسرائيلَ يقالُ له موسى السامري مُنتهِزًا غِيابَ موسى عليه السلام حيثُ أخذَ موسى السامري ما كان معهم من ذهب ءالِ فرعونَ وأتباعِه، فصاغَ منه شكلَ عِجلٍ ثم ألقى فيه قَبضةً من الترابِ كان أخذَها من أثرِ فرسِ جبريلَ عليه السلام حيثُ رءاه يومَ أغْرقَ الله عزّ وجلّ فرعونَ وجنودَه في البحر، فلمّا ألقاها في فمِ هذا العِجلِ الذي صاغَهُ من الذهب صارَ يَخُورُ كما يَخورُ العِجلُ الحقيقيُّ بِقُدرةِ الله تعالى ومشيئتِه ابتِلاءً منهُ تعالى واختِبارًا، ثم قالَ السامريُ ومن وافقَهُ من الذين افتُتِنوا بهذا العِجلِ: إنَّ هذا العِجلَ الذي خَارَ هو إلهُكُم وإلهُ موسى والعياذ بالله من كفرهم. ولما رجَعَ نبيُّ الله موسى عليه السلام إلى بني إسرائيلَ وفيهِم هؤلاءِ الذينَ عبَدوا هذا العِجلَ، ورأى عليه السلام ما هُم عليه، غَضِب غَضَبًا شديدًا وأقبلَ على هؤلاءِ الذين عبَدوا العِجلَ يُعنِّفُهم ويُوبِّخُهم على كفرهم. ثم أقبلَ عليه السلامُ على أخيهِ هارونَ الذي كانَ قدِ استَخْلَفهُ عليهم في أثناءِ غَيبتِه وأخذَ برأسِهِ ولِحيتِه ليُدنِيَه إليه ويَتَفَحَّصَ الواقعةَ والأخبارَ منهُ من غَيْرِ أن يَقصِد موسى عليه السلام أن يُهينَهُ ويَستَخِفَّ به، وصارَ عليه السلام يسألُه عمّا منعَه أن يتبَعَه ليُخبِرَهُ بما فعلَه هؤلاء من عبادةِ العجلِ، فبيّنَ هارونُ لأخيهِ موسى أنهُ خشي إن تركَهم وجاءَه ليُخبِرَهُ بأمرِهم أن يقولَ له موسى عليه السلام: “تركتَهم وجئتني” وهو قدِ استخلَفَهُ عليهِم في فَترةِ غِيابِه، عند ذلكَ دعا موسى عليه السلام ربَّه وكانَ قد هَدَأَ غَضَبُه: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} وقد كانَ نبيُّ الله هارونُ عليه السلام نهى هؤلاءِ الذينَ عبَدوا العِجلَ عن عبادتِهِ أشدَّ النهي وزَجرَهم عنه زَجرًا شديدًا، ولكنهم أخبروه أنهم مصرين على عبادته حتى يرجع إليهم موسى عليه السلام. وبعدَ أن سَمِعَ موسى عليه السلام مقالَةَ أخيهِ هارونَ عليه السلام تَركَهُ وأقبلَ غاضبًا على السامِريِ ووبّخَهُ وعنَّفَهُ بِشِدةٍ على عِبادتِه لغيرِ الله تعالى، ثمَّ دعا عليهِ أن لا يمَسَّ أحدًا وأن لا يَمَسَّه أحدٌ ما دامَ في حياتِه، فقد عاقبَه الله تعالى في دُنياهُ بذلك وألهمَه أن يقولَ “لا مَساس لا مَساس” فكانَ السامِريُّ إذا لقيَ أحدًا يقولُ: “لا مَساس” أي لا تَقرَبني ولا تَمسَّني، وصارَ يَهِيمُ في البَرِّية معَ الوحوشِ والسباعِ لا يَمَسُّ أحدًا ولا يَمَسُّه أحدٌ، وكان نبيُّ الله موسى عليه السلام قد توعَّدَه على كفرِهِ بالعذابِ الأليمِ في الآخرَة. وقد عمدَ نبي الله موسى عليه السلام إلى العجلِ الذي عبدَه بعضُ بني إسرائيلَ بإشارَةٍ وطلَبٍ من السامريِّ فأحرقَهُ بالنارِ ورمى رمادَه في البحر، ثم توجَّه نَحوَ بني إسرائيلَ وأخبرَهم أنَّ الله تبارك وتعالى هو الإلهُ الذي يَستَحِقُّ العِبادةَ وحدَه ولا إله غيرُهُ، ولم يقبلِ اللهُ تعالى توبَةَ عابدي العجلِ إلا بالقتل، فدَخلوا في الإسلام ونَدِموا على ما فَعلوا وصاروا يَقتلُونَ أنفسَهم. ولما ذَهبَ ما كانَ في موسى عليه السلامُ من غَضَبٍ أخذَ الألواحَ التي كُتِبَ عليها التوراةَ وأمرَهُم بقَبولِها والأخذِ بها بقوةٍ وعزْمٍ، فقالوا له: انشُرها علينا فإن كانت أوامِرُها ونَواهِيها سَهلةً قبِلناها، فعندئِذٍ قال لهم: اِقبَلوها بِما فيها، فلما راجَعُوه مِرارًا أمرَ الله تعالى الملائكَةَ فقلعوا جَبلَ الطّورِ وصارَ فوقَ رؤوسِهم يُظِلُّهم، خافوا أن يَهلِكوا ورأَوا أن لا مَهرَبَ لهم فقَبِلوا ذلك وسجَدوا على شِقِّ وُجوههم وجَعلوا يلاحِظونَ الجبلَ وهم سُجودٌ فصارت عادةً في اليهودِ أنهم يَسجدونَ على جانِبِ وجوهِهم وقالوا: سمعنا وأطعنا سمعنا وأطعنا. والله أعلم وأحكم، وبهذا نصل إلى نهاية حلقة اليوم، وكلامنا في الحلقةِ القابلةِ بإذنِ الله يكون عن قصةِ بقرةِ بني إسرائيل فتابعونا وإلى اللقاء.