الخميس نوفمبر 21, 2024

#55 المعاصي المتعلقة بالفرج

الحمد لله البرِّ التوّاب والصلاة والسلام على محمد الذي بهر العقولَ والألباب وعلى آله وأصحابِه إلى يومِ الحساب. أما بعد كلامنا الآن إن شاء الله تعالى في بيان معاصي الفرج التي منها الزنى وهو عند الإطلاق إدخالُ الحشفة فى الفرج. فهذا هو الزنى الذى يُعد من أكبر الكبائر ويجب فيه الحد. وكذلك من معاصى الفرج اللواط وهو إدخالُ الحشفة فى الدبر. وهذا أيضًا من الكبائر وفيه الحد، إلا فى تلوّط الرجل بامرأته فهو وإن كان حرامًا لكن لا حدَّ فيه.

وَيُحَدُّ الحرُّ المحصَنُ ذكرًا أو أنثى بالرجم بالحجارة المعتدلة حتى يموت، وغيرُهُ بمائةِ جلدةٍ وتغريبِ سنةٍ للحر. وَيُنَصَّفُ ذلك للرقيق. شرحُ ذلك أنّ الخليفة أو من يقوم مقامه إذا ثبت عنده شرعًا أنّ شخصًا زنى أو لاط يجب عليه إقامة الحد على هذا الشخص. والحد يختلف بين المحصن وبين غير المحصن. والمحصن هو من جامع فى نكاح صحيح، فإذا زنى يكون حدّه الرجمَ بالحجارة المعتدلة حتى يموت، ومعنى أن تكون الحجارةُ معتدلةً أى أن تكون مِلْءَ الكف، ويَحْرُمُ أن يُضْرَبَ المرجُومُ بالحجارَةِ الْمُذَفّـِفَة أى التى يقتل واحِدُها بمفرده عادة.

وأما غير المحْصَن وهو الذى لم يطأ فى نكاحٍ صحيح فإنّه إذا زنى لا يُرْجَم، إنما حدُّه أن يُجْلَدَ مائةً وأن يُغَرَّبَ سَنَةً، أى يُبْعَد عن البلد إلى مسافة القصر على الأقل. والمراد بالسَّـنَةِ السَـنَةُ القمرية. وأمّا اللواطُ فحدُّ فاعله حدُّ الزانى، وحدُّ المفعول به جلدُ مائةٍ وتغريبُ عام، وهذا هو المعتمد. وما ذُكِرَ هو الحد فى الزنا واللواط للحر المكلف ذكرًا كان أم أنثى، وأما العبد فحدّه على النصف من حدّ الحر، أى أنّ حدَّهُ خمسون جلدة وتغريبُ نصف عام حتى لو كان محصنًا لأنّ الرجمَ لا يُنَصّف. والأفضل لمن ابتُلى بمثل هذا الذنب أن يسترَ على نفسه كما فى باقى الذنوب. لكن إن اعترف للحاكم وثبت على اعترافه وجبَ على الحاكم أن يقيم عليه الحد. ولا بدّ فى الإقرار أى إذا أقرّ على نفسه بالزنا وفى الشهادةِ على ذلك، من أن يكون كلٌّ منهما مُفَصّلًا، فلا يكتفى الحاكم بأن يقولَ شخصٌ أنا زنيت حتى يقيمَ عليه الحد لأنّ بعض الناس لا يعرفون ما هو الزنى، فيظنون ما دون الزنى من التقبيل أو المعانقة ونحوِ ذلك أنه زنى، وهو وإن كان حرامًا لكنه ليس الزنى الذى يقام فيه الحدّ، لذلك لا يكتفى الحاكم بمجرد قول الشخص عن نفسه أنا زنيت بل يطلب إقرارًا مفصّلًا. وكذلك فى الشهادة، يعنى أنّ الحاكمَ يطلب على الزنا شهادةً مفصلة.

ومن معاصي الفرج إتيانُ البهائم ولو ملكَه، والاستمناءُ بيدِ غير الحليلة الزوجةِ، وَأَمَتِهِ التى تحل له مثلُها. شرح ذلك أنّ كِلا
هذين الأمرين حرام لأنهما داخلان تحت قول الله تبارك وتعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما مَلَكَت أَيْمَانُهُم فإنهم غيرُ مَلُومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العَادُون}. والمعنى أنّ الذين يحفظون فروجَهم إلا على أزواجهم أو ما ملكت أَيْمَانُهُم أى الإماء اللواتى يملِكونَهُنَّ، فلا لومَ عليهم. أما الذى يبتغى غيرَ ذلك أى لا يحفظُ فرجَهُ عمّا سوى الزوجةِ والأمةِ فأولئك هم العادون الواقعون فى الإثم. فدخل فى ذلك جماعُ البهائم، ودخلَ فى ذلك الاستمناء بيد غير الحليلة وما شابه.

ومن محرمات الفرج أن يطأ الرجل زوجته أى أن يجامعها فى الحيض أو فى النفاس. وقد نص ربّنا عزّ وجلّ فى القرءان على حرمة الجماع للحائض بقوله تعالى: {فاعتزلوا النساء فى المحيض}.

وكما يَحْرُمُ الجماعُ فى الحيض والنفاس يحرم الجماعُ بعد انتهاء الحيض والنفاس قبلَ الغسل الصحيح. فإذا لم ترفع الزوجة الحدث بغُسلٍ صحيح كأن اغتسلت بلا نية فكأنها لم تغتسل، وكذا لو اغتسلت مع فَقْدِ شرط من شروط الغسل.

ومن جملة المعاصِى التغوطُ على قبرِ المسلم، لأنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: “لأن يَجْلِسَ أحدُكُم على جمرةٍ فتُحرِقَ ثيابَهُ وتخلُصَ إلى جلده خيرٌ له من أن يجلِسَ على قبر”. والمراد بالجلوس على القبر فى هذا الحديث الجلوسُ للتغوط وقضاء الحاجة وليس مجرد القعود على القبر، والحديث رواه مسلمٌ.

ومن معاصي الفرج أيضا البولُ فى مسجدٍ ولو فى إناء لأنّ من جملةِ تعظيم المسجد صون المسجد عن أن يُـبَالَ فيه. فمن بَال فى المسجد سواءٌ بَالَ على أرضه أو فى إناءٍ ضمن المسجد فهو ءاثم.

ومن محرمات الفرجِ فى مذهب الإمام الشافعى رضى الله عنه تركُ الختان للبالغ سواءٌ كان ذلك البالغُ ذكرًا أو أنثى. يعنِى أنّ الشخص إذا لم يُختن قبلَ البلوغ وبلغ وهو غير مختون، حرامٌ عليه أن يُهمل ذلك الأمرَ بعدَ البلوغ. والمرادُ بذلك قطعُ مكانٍ مخصوصٍ معلومٍ من فرج الذكر ومعلومٍ من فرج الأنثى. وقال مالكٌ رضى الله عنه الختان سُـنَّـةٌ ليس واجبًا إهـ. وقاله غيره من الأئمة. فمَن ترك الختان أخذًا بمذهب مالك فلا إثم عليه. والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين.