الأحد ديسمبر 22, 2024

#54  15-24 سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام

كان نبيُ الله موسى عليه السلام قد وَعدَ بِني إسرائيلَ الذين ءامنوا بهِ واتّبَعوهُ أن يأتِيَهم بكتابٍ فيه تبيانُ معالِم الشريعةِ وما يأتونَ وما يَتركون، فلمّا أهلَكَ الله تبارك وتعالى فِرعونَ مصر ومَن اتَّبَعَهُ مِن جنودِه في البحرِ وأنجى بني إسرائيل، قالوا لنَبيهِم موسى عليه السلام: ائتِنا بالكتابِ الذي وعَدتنا، فصامَ موسى عليه السلامُ أربعينَ يومًا استَكمَلَ فيها الميقاتَ الذي وعدَه فيه الله تبارك وتعالى، ولما عزمَ على الذهابِ لميقاتِ الله تعالى استَخلَفَ في غِيابِه أخاهُ هارونَ عليه السلام على بَني إسرائيلَ فَوَصّاهُ وأمرَه أن يَخلِفَهُ في بني إسرائيلَ في غِيابِه معَ أنَ هارونَ كانَ معَه نبيًا ورسولًا في ذَلكَ الوقت، ولما جاءَ موسى عليهِ السلام في الوقتِ الذي أمرَهُ تعالى بالمجيءِ فيهِ، وطلبَ موسى من ربِه عزَّ وجلّ أن يراهُ فعلَّقَ الله تعالى رؤيةَ موسى لهُ بثباتِ الجبلِ عندَ رؤيتِه تعالى، فلما تَجلّى الله تعالى للجَبلِ بعدَ أن خَلقَ فيه الإدراكَ والرؤيةَ، اندَكّ الجبلُ دَكًّا وموسى عليه السلامُ ينظرُ إليه حتى خرَّ عليه السلام مَغشيًا عليه من هَوْلِ ما رأى من اندِكاكِ الجبل، فلما أفاقَ عليه السلامُ من غَشيَتِه قالَ: سُبحانَك تُبْتُ إليك وأنا أوَّلُ المؤمنين، أي وأنا أولُ المؤمنينَ بأنكَ لا تُرى بالعينِ في الدنيا وذلكَ لأنّ الله لم يوحِ إلى موسى وإلى مَن قبلَهُ من الأنبياءِ أنه لا يُرى بالعينِ في الدنيا.  واعلم رحمك الله أنّ اللهَ تعالى أنزل على نبيِه موسى عليه السلام التوراة وكانت مكتوبةً على ألواح، وكان فيها تَشريعاتٌ ومَواعظُ وتفصيلٌ لِكُلِ ما يَحتاجُ إليه بنو إسرائيلَ من أمورِ الحلالِ والحرام، وقد أمرَهُ الله تعالى أن يأخُذَ ألواحَ التَوراةِ بِعَزمٍ ونِيةٍ صادقةٍ قَويةٍ، ويأمُرَ قومَهُ من بني إسرائيل بالعملِ بها على الوجهِ الأكملِ مُحَذِّرًا إياهُم من مُخالفةِ أوامرِ الله سبحانه وتعالى. وهنا فائدةٌ جليلة: ليُعلَم أنَ الله سبحانَه وتعالى لا يُرى بالعينِ الفانيةِ في الدنيا لقولِه الله تبارك وتعالى لكليمِه موسى عندما سألَه الرؤيةَ: {لَن تَرَانِي}، وإنما يُرى الله سبحانه وتعالى في الآخرةِ بالعينِ الباقيةِ، يَراهُ المؤمنون الذينَ ءامنوا بالله تعالى ورُسلِه وهم في الجنةِ لا يُشبِهُ شيئًا من الأشياءِ، موجود بلا مكانٍ ولا جهةٍ ولا مُقابلةٍ ولا ثُبوتِ مَسافةٍ ولا اتِصالِ شُعاعٍ بينَ الرائي وبينَ الله عزّ وجلّ، يقولُ الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}. والله أعلم وأحكم. نقف هنا ونستكمِلُ ما حصلَ معَ بني إسرائيلَ وقصةِ موسى السامريّ في الحلقةِ المقبلةِ بإذنِ الله تعالى فتابِعونا وإلى اللقاء.