#53 1-2 المعاصي المتعلقة باليد
الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد النبي السيد الهمام وإمام كل إمام وعلى ءاله الأخيار وصحبه الأطهار ما توالى الليل والنهار أما بعد درسنا الآن إن شاء الله تعالى في بيان معاصى اليدين. من معاصى اليدين التطفيف فى الكيل والوزن والذرع. بعض الناس لما يشترى بضاعة من غيره يستوفى الكيل أو الوزن أو العد أو القياس بالأذرع. فيأخذ ما جرى عليه العقد كاملا، لكن لما يبيع يوهم المشترى أنه أعطاه كل ما يستحق وفى الحقيقة يكون أنقص من ذلك، فهذا هو التطفيف. ولفعله طرق عديدة من الاحتيال لكن كلها من كبائر الذنوب. قال ربنا عز وجل: {ويل للمطففين}، يعنى أن المطففين يستحقون العذاب الأليم. والويل هو شدة الهلاك.
ومن معاصي اليدين السرقة وهي ذنب مجمع على تحريمه، حرمته معلومة من الدين بالضرورة. وأصل معناها أخذ مال الغير خفية، ليس اعتمادا على القوة. فحد السرقة إذا سرق الشخص ما يساوى ربع دينار ذهبا من حرزه، أى من المكان الذى يحفظ فيه مثل هذا الشىء، أن تقطع يده اليمنى، ثم إن عاد إلى السرقة بعد ذلك تقطع رجله اليسرى، ثم إن عاد فيده اليسرى، ثم إن عاد فرجله اليمنى، ثم إن عاد يعزر ولا قطع عليه. وأما إن سرق أقل من ربع دينار فإنه يعزر ولا يقطع. وكذلك لو سرق مالا من غير حرزه أى من غير المكان الذى يحفظ فيه ذلك المال عادة، فإن السارق لا يقطع بذلك وإنما يعزر. كأن يسرق كيسا فيه خمسمائة دولاد وضعه صاحبه على ظهر سيارته في الشارع العام ففي هذه الحالة يعزر السارق ولا يقطع لأنه ما سرق من حرز المثل فإن حرز مثل الخمسمائة دولار صندوق مقفل في البيت مثلا.
ومن معاصى اليد أخذ المال بطريقة حرمها الشرع، سواء كانت هذه الطريقة أخذ مال الغير بغير حق اعتمادا على الهرب، أو كان ذلك اعتمادا على القوة، أو كان ذلك بالمكس الذى يؤخذ من التجار بغير وجه حق على بضائعهم، أو كان ذلك بأخذ ما لا يحل للشخص من مال الغنيمة، كأن يأخذ الشخص من مال الغنيمة شيئا لنفسه قبل أن تقسم الغنائم القسمة الشرعية. وهذا الأخير يقال له الغلول وهو من الكبائر، ولو كان الشىء الذى غله الشخص قيمته قليلة.
ومن معاصى اليدين قتل مسلم عمدا بغير حق. وهذا أكبر الذنوب بعد الكفر بالله عز وجل. فإن قتله لإسلامه أى قتله لأنه مسلم فهو كافر. فإن لم يرجع إلى الإسلام ومات على ذلك خلد فى نار جهنم. وهذا معنى قول الله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمـدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها} يعنى إذا تعمد قتله لإيمانه أى قتله لأنه مسلم. وأما قتل المسلم لأجل الدنيا فهو ذنب كبير لكن لا يصل إلى حد الكفر. ثم من الأحكام بالنسبة للقتل أن من قتل على الإطلاق عمدا أو خطئا أو شبه خطإ يجب عليه الكفارة، وهى عتق رقبة مؤمنة سليمة من العيوب المضرة بالعمل، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين، ولا إطعام هنا. ثم إن القتل ثلاثة أنواع: إما عمد وإما خطأ وإما شبه العمد، ويسمى الأخير أيضا شبه الخطإ لأنه من ناحية يشبه العمد ومن ناحية يشبه الخطأ.
* فالأول أى العمد مثل أن يعمد إلى ضربه بما يقتل فى الغالب قاصدا قتله، فهذا قتل عمد. كأن يضربه بالسيف على أم رأسه قاصدا قتله فيقتله، فهذا قتل عمد.
* والثانى أن يريد غيره، كأن يريد اصطياد بهيمة فيصيب السلاح مسلما خطئا فيقتله، فهذا يقال له القتل الخطأ.
* والثالث شبه العمد أى أن يضربه عمدا أى أن يقصده بالضرب لكن بما لا يقتل غالبا فيموت، كأن يغرز إبرة فى فخذه فيموت بسبب ذلك.
ففى الحال الأولى أى القتل العمد عقوبته القصاص أى أن يقتل، إلا إن عفا عنه أهل القتيل إما على دية أو مجانا فلا يقتل عند ذلك. فإن لم يعفوا عنه يمكـن الحاكم ورثة القتيل من قتله، فيكون الأمر تحت إشراف الحاكم حتى لا يؤدى إلى ثارات وسفك دماء بغير حق. وأما فى غير حال القتل العمد فلا قصاص وإنما الدية. والدية مائة من الإبل فى الرجل الحر المسلم، ونصفها فى الأنثى.
وتختلف صفات الدية بحسب صفات القتل. ففى القتل العمد تكون حالـة فى مال القاتل مثلثة، يعنى أن الإبل تكون ثلاثة أنواع ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين حوامل فى بطونها أولادها.
أما فى حال شبه العمد فالدية مثلثة كذلك، لكنها مؤجلة.
وأما دية الخطأ فهى مخمسة: عشرون بنت لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون ابن لبون. تكون مخمسة على العاقلة ليس فى مال القاتل، ومؤجلة فى ثلاث سنين.
ومن معاصى اليد ضرب المسلم بغير حق. وقد روى أبو داود وغيره فى الحديث الصحيح: “إن الله يعذب الذين يعذبـون الناس فى الدنيا”، يعنى الذين يعذبون الناس بغير حق فى الدنيا يستحقون فى الآخرة عذاب الله عز وجل. ومثل الضرب ترويع المسلم والإشارة إليه بنحو سلاح ففي الصحيح «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه وإن كان أخاه لأبيه وأمه» رواه ابن حبان [في صحيحه]. هذا إن قصد ترويعه أما إن لم يقصد ترويعه وكان الآخر لا يتروع فرفع عليه نحو حديدة فلا إثم عليه والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.