الأحد ديسمبر 22, 2024

#52  13-24 سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام

أمر الله تباركَ وتعالى موسى أن يَخرُجَ ببني إسرائيلَ من أرضِ مِصرَ ليلًا ويَذهَبَ بهم إلى أرضِ فِلسطين، وأمرَه أن يَحمِلَ معه تابوتَ يوسفَ بنِ يعقوبَ عليهما السلام ويَدفِنَهُ بالأرضِ المقدسة، فتَجَهزَ موسى عليه السلام ومَن معه مِنَ المؤمنين وكانوا يَزيدونَ على سِتِمِائةِ ألف، فخَرَجَ بهم في الليلِ سائرينَ في طريقِ البحرِ الأحمرِ على خليجِ السُوَيْس، وأخذوا يُجِدّونَ في السَيْرِ حَذرًا من فِرعونَ وظُلمِه وطُغيانِه، ولما استَيقظَ فرعونُ علِمَ بِخروجِ موسى عليه السلام ومن معَه من بني إسرائيلَ من مِصر، فجَهَّزَ جيشًا كبيرًا عَرَمْرَمًا حتى قيلَ كانَ فيه مائةُ ألفِ فارس وكانَ عددُ جنودِه يزيدُ على مِليون وسِتِمِائة ألفِ جُندي، وتَوجّهَ فرعونُ بهذا الجيشِ الكبيرِ طالبًا بني إسرائيلَ وموسى عليه السلام يَتتبَعُ ءاثارَهم يريدُ كَيدَهم والبَطشَ والفَتكَ بهم فأدرَكَهم في اليومِ التالي عندَ شروقِ الشمسِ، ولما تَراءى الجمعان وعايَنَ كلٌّ من الفَريقينِ صاحِبَه ولم يبقَ إلا المواجهةُ والمقاتَلة، شعرَ بنو إسرائيلَ بالخطرِ الْمُدْلَهِم فالبَحرُ أمامَهم والعَدوُ خَلفَهم وفِرعونُ وجنودُه يُريدونَ الفَتكَ بهم، فَضَجّوا بالعَويلِ والصِياحِ وقالوا لموسى عليه السلام وهُم خائِفون: إنا لَمُدرَكون. ولكنَّ نبيَ الله موسى عليه الصلاةُ والسلام كانَ يَعلَمُ أنّ الله سبحانَه وتعالى الذي أمرَهُ بالخروجِ بِبَني إسرائيلَ من مِصرَ سيَنصرُه فأخذَ يُسَكِّنُ روْعَهم، ولما تَفاقَمَ الأمرُ وضاقَ الحالُ واشتدَ الأمرُ واقتَربَ فرعونُ وجنودُه مِن بني إسرائيل وموسى عليه السلام، عندَ ذلكَ أوحى الله عزَّ وجلّ إلى موسى الكليمِ عليه السلام أن يَضرِبَ بعصاهُ البحرَ، فأخرجَ عليه السلام عصاهُ وضَربَ بها البحرَ فانفَلقَ البَحرُ بقُدرةِ الله تعالى اثني عشرَ فِرقًا وكانَ كلُ فِرقٍ كالجبلِ العَظيمِ وصارَ فيه اثنا عشَرَ طريقًا لِكُلِ سِبطٍ طريقٌ يَسيرونَ فيه، وأمرَ الله تعالى موسى عليه السلام أن يَجوزَهُ بِبَني إسرائيل فانحَدروا فيه مُسرعين مُبادِرينَ مُستَبشِرينَ بِنَصرِ الله بعد أن أصبحَ البحرُ يابسًا مُمَهّدًا بعد أن رأوْا بأمّ أعيُنهم هذهِ الآيةَ والمعجزةَ العُظمى التي تَحتارُ لها عُقولُ الناظرين، فلما جاوزَه موسى عليه السلام وجاوزَهُ بنو إسرائيل وخَرجَ ءاخِرُهم منهُ وانفَصلوا عنه، وكانَ ذلكَ عندَ قدومِ أولِ جيشِ فرعونَ إليه ووُصولِهم إليه، أرادَ موسى عليه السلام أن يَضرِبَ البَحرَ بعصاه ليَرجِعَ كما كان عليهِ حتى لا يَسْلُكَهُ فرعونُ وجنودُه، فأوحى الله تعالى إليهِ أن يَترُكَهُ على حالِهِ ساكِنًا على هيئتِهِ لأنه يُريدُ إغراقَهم فيه. وامتثَلَ موسى عليه السلام أمرَ الله وتَركَ البحرَ على هيئتِه وحالتِه، فلما وَصلَ فرعونُ إلى البحرِ وانتهى إليه رأى هذهِ المعجزةَ والآيةَ الباهِرةَ وعايَنَها، وهالَهُ هذا المنظرُ العَظيمُ حيثُ كانَ ماءُ البَحرِ قائمًا مثلَ الجبال، وتحقَقَ ما كانَ يَتَحقَقُهُ قبلَ ذلكَ مِن أنّ هذهِ الآيةَ العظيمة مِن فِعلِ وخَلقِ الله سبحانَه وتعالى، ولكنَه لم يُذعِنْ لِقيمةِ البُرهانِ العَقلي على صِدقِ موسى عليه السلام وأخَذَتهُ العزةُ بالإثمِ وأظهرَ أمامَ جنودِه التَجَلُّدَ والشجاعة، وأخذَ يُشَجِعُ جُندَهُ لاقتِحامِ البَحرِ أمامَه مِن أجلِ أن يَفوزَ هو بالنجاةِ ولكن لا رادّ لقضاءِ الله، فقد جاءَ ملَكٌ مِنَ السماءِ قيل: هو جِبريلُ عليه السلام فقادَ فَرسَ فرعونَ جهةَ البحر، فلما رءاهُ الجنودُ قد سلَكَ البحرَ اقتَحَموا وراءَه مُسرعين فلما أصبَحوا جميعُهم في البَحرِ، وقد همَّ أولُهم بالخروجِ منه، عندَ ذلكَ أمرَ الله تعالى نبيَه موسى عليه السلام أن يَضرِبَ بِعصاهُ البحرَ، فلمّا ضربَه موسى عليه السلام بعَصاهُ ارتَطَمَ البحرُ عليهم كما كانَ وعادَتْ أمواجُه هائِجةً كما كانت، فهلَكوا جميعُهم بالغَرقِ ولم ينجُ منهم أحد، والله تبارك وتعالى عزيزٌ ذو انتقام. ولِيُعلم أنّ هَلاكَ فِرعونَ وجُنودِهِ في البحرِ كان في يومِ عاشوراء والله تعالى أعلم وأحكم، ترقبوا قِصةَ كُفرِ بَعضِ جَهلةِ بني إسرائيلَ في الحلقةِ القادمةِ بإذنِ الله فتابِعونا وإلى اللقاء.