الخميس نوفمبر 21, 2024

#52 المعاصي المتعلقة بالأذن

الحمد لله مكوّر الليل على النهار والصلاة والسلام على رسول الله المختار وعلى ءال بيته الأبرار وأصحابه الأطهار. أما بعد درسنا الآن إن شاء الله تعالى في بيانِ معاصى الأذن. ومنها الاستماعُ إلى كلامِ قومٍ أَخْفَوْهُ عنه. فمن استمع إلى كلامِ قومٍ أَخْفَوْهُ عنه بغير عذرٍ شرعىٍّ فهو ءاثم لأنّ هذا نوعٌ من التجسُّسِ المحرَّم، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنِ استَمَعَ إلى حديثِ قومٍ وهم له كارهون صُبَّ فى أُذُنيهِ الآنُكُ يوم القيامة”. والآنُك يعنى الرصاص الْمُذَاب، والحديث رواه البخارى.

و من معاصى الأذنِ أن يتعمَّدَ الشخصُ الاستماعَ إلى ءالات اللّهوِ المحرمة كالعود والمزمار وما شابه ذلك. والمقصودُ بذلك كلُّ ءالةٍ تُطْرِبُ بمفردِها أى تُحدث خِفَّةً فى الشخص، فلا يدخل فى ذلك الدُّفُ والطّبلُ والصُّنجُ وما شابَهَها. وأمّا لو دخل السَّماعُ قهرًا على الشخص ولم يتعمد هو الإصغاءَ فليس عليه ذنب. ويُفهمُ مما سبق أنّ الدُّف ولو كان فيه جلاجل لا يحرُمُ استعمالُهُ كما ذكر ذلك الإمامُ النووىُّ وقبلَه إمامُ الحرمين الجوينِىُّ وغيرُهُمَا، خِلافًا لما قالَه بعضُ الناس، فإن الدُّفَّ والطبلَ وما شابَهَهُمَا يحركان القلب ولا يَنْشَأُ عنهما فى النفسِ طربٌ. وقد ضُرِبَ الدُّفُّ بحضرة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فلم يُنْكِر. وما قاله بعضُ الناس بأنّ استعمالَه خاصٌّ بالنساء فليس للرجلِ أن يستعملَهُ لأنّه عندئذٍ يكون فيه تَشَبُّهٌ بهنَّ قولٌ غيرُ صحيح. فإنّ من جال فى بلاد المسلمين عَرَفَ كم وكم من الرجالِ يستعملونَ الدُّفَّ. ولم يأتِ فى الحديث ما يُخَصّصُهُ بالنساء. روى ابن مَاجَهْ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ فى بعضِ طُرق المدينة فسمع صوتَ جوارٍ من بنى النجار من الأنصار ينشدن ويقلن: نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمدٌ من جار.        فقال عليه الصلاة والسلام: “واللهِ إِنّـِى لأُحِبُّكُن”. ففى هذا الحديثِ دليلٌ على أنّ استعمال الدف جائز وعلى أنّ صوت المرأة ليس بعورة. وما قاله بعضُ الناس من أنّ المقصودَ بالجوارى البنات الصغار غيرُ البالغات هو جهلٌ باللغة، لأنّ الجاريةَ فى لغةِ العرب معناها المرأةُ بالغةً كانت أو غيرَ بالغة.

ومن معاصي الأذن الاستماعُ إلى الغيبة والنميمة ونحوِهما، بخلاف ما إذا دخل عليه السماعُ قهرًا وكرهه. ولزمه الإنكارُ إن قدر. معناه أنّ الشخصَ إذا استمع إلى الغيبة والنميمة فهو ءاثم مثلَ الذى يَغْتَابُ أو يَنُمُّ، وسبيل الخلاص أن يُنْكِرَ على فاعلِ ذلك إن استطاع، فإن لم يستطع كره بقلبِهِ وفارق ذلك المجلس. ويجب عليه مع ذلك أن يكرَه هذا الأمرَ بقلبه، وهذا أقلّ ما يلزَمُهُ عند العجز. والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين .