#51 5-5 المعاصي المتعلقة باللسان
الحمد لله ذي العز المجيد والصلاة والسلام على سيدنا محمد ذي النهج الرشيد وعلى آله وصحبه إلى يوم الحساب الأكيد. أما بعد نتابع الكلام في معاصي اللسان فنقول متوكلين على الله إن من معاصى اللسان تعليم الشخص لغيره كل علم مضر شرعا كالسحر وما شابه ذلك، كعلم التنجيم الذى فيه الحكم على الأمور التى تحصل مستقبلا بناء على النظر فى النجوم، فإنه أيضا حرام.
و من معاصى اللسان أن يحكم الحاكم بحكم مخالف لشرع الله تعالى وهو من كبائر الذنوب. ولا يصل إلى حد الكفر إلا إذا زعم فاعله إن هذا الحكم أفضل من حكم الله أو مساو له. ومن هنا يعلم أن ما قاله سيد قطب من تكفيره الحكام فى بلاد المسلمين لأنهم يحكمون بغير الشرع ومن تكفير الرعية لأنهم لا يثورون على هؤلاء الحكام هو باطل مخالف لدين الله تعالى. ولم يوافق سيد قطب فى هذا الكلام أحدا من أئمة أهل السنة، إنما سلفه طائفة من طوائف الخوارج يقال لها البيهسية، وكفى بالمرء خسرانا أن يكون ذنبا للخوارج والعياذ بالله.
ومن معاصى اللسان الندب. والندب معناه ذكر محاسن الميت برفع الصوت مع الصراخ مثل واكهفاه (يعنى يا ملجئى) وما شابه ذلك. خطاب الميت بهذه الطريقة التى فيها رفع الصوت مع ذكر محاسنه هو الندب وهو حرام. والنياحة هى الصياح على صورة الجزع أى فقدان الصبر لأجل مصيبة الموت هذا هو النياحة. فإذا زيد على ذلك نشر الشعر وتمزيق الثياب كان زيادة فى الإثم أى إن كان عن اختيار لا عن غلبة.
ومن معاصي اللسان كل قول يحث على محرم أو يفتـر عن واجب، وكل كلام يقدح فى الدين أو فى أحد من الأنبياء أو فى العلماء أو القرءان أو فى شىء من شعائر الله.
ومن معاصى الفم التزمير أى الضرب بالمزمار بكافة أنواعه، ما يستعمل فى الحروب وما يستعمل فى البوادى وما يستعمل فى الأعراس وغير ذلك، قال القرطبى:لم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله أنه يبيح المزمار إهـ. فما قاله بعض الشافعية وبعض الحنفية فى حل ذلك هو قول شاذ لا يلتفت إليه.
ومن معاصى اللسان السكوت عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بلا عذر شرعى. يعنى أن يسكت عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهو ءامن على نفسه ونحو ماله مع قدرته على الأمر أو الإنكار. فإذا تعـين الأمر والنهى عليه ثم لم يأمر ولم ينه فهو ءاثم. فإن كان فرض كفاية وقام به غيره بحيث سدت الكفاية فلا إثم عليه. وهنا ينبغى الانتباه إلى أمر مهم وهو أنه ينكر المجمع على كونه منكرا. وأما المختلف بين أهل الاجتهاد فى كونه منكرا فلا ينكر على من يعتقد حله، إنما يجوز أن يقال له “خير لك أن لا تفعل هذا الأمر”، لكن لا يقال له “أنت ءاثم بما تفعل” لأن الأمر مختلف فيه فيجوز له أن يقلد هذا المجتهد كما يجوز له أن يقلد ذاك المجتهد. إنما ينكر المنكر المختلف فيه على من يفعله وهو يعتقد حرمته. وترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كبيرة من الكبائر.
ومن معاصى اللسان أن تعرف طالبا يطلب منك أن تدرسه الفرض العينى من علم الدين ثم مع ذلك تهمل هذا الأمر، لا تطلب من غيرك أن يدرسه ولا أنت تدرسه. هذا ذنب من معاصى اللسان.
ومن معاصى الفم الضحك على مسلم إذا أخرج الريح، أى إذا لم يكن الضاحك مغلوبا أى إذا لم يخرج منه الضحك بغير إرادته. لأن الضحك على المسلم لأجل أنه أخرج الريح يكسر قلبه فهو حرام. ومثله أى ضحك فيه إيذاء للمسلم، كما لو ضحك استحقارا له.
وليعلم أن من جملة معاصى اللسان كتم الشهادة الواجبة التي فيها إحقاق حق أو إبطال باطل. وذلك فيما إذا طلبه القاضى للشهادة، فأما إن لم يطلبه القاضى للشهادة فليس له أن يبادر ليشهد، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذم الذين يشهدون قبل أن يستشهدوا كما روى الترمذى وغيره. وهذا فى غير شهادة الحسـبة، مثلما إذا عرف شخص أن رجلا ءاخر طلق زوجته طلاقا بائنا بالثلاث بحيث لا تحل له بعد ذلك وهو مع ذلك ما زال يعاشرها. فى هذه الحال لو لم يرفع عند القاضى دعوى يجوز له أن يذهب إلى القاضى فيشهد و يقول له الحال كذا وكذا أنا أشهد على ذلك. هذا يقال له شهادة الحسبة. أما فى غير نحو ذلك فلا يفعل إلا إذا طلبه أحد الخصمين فيشهد عند ذلك.
ومن معاصى اللسان ترك رد السلام الواجب عليك عينـيا رده، وذلك بأن يصدر ابتداء السلام من مسلم مكلف على مسلم بعينه، ففى هذه الحال لا بد من رد السلام عليه. وبقولنا مسلم أخرجنا الكافر فلا يجب رد السلام عليه بل يحرم. فإذا قال الكافر السلام عليكم يحرم أن يقال له: وعليكم السلام. وبقولنا المكلف أخرجنا غير المكلف فلا يجب رد السلام على المجنون مثلا، ولا يجب رد السلام على الطفل الذى لم يبلغ بعد. أما لو صدر السلام من مسلم على جماعة مكلفين فرده فرض كفاية فلو رد البعض منهم سقط الحرج عن الباقين. ولو سلمت شابة على أجنبى لم يجب الرد عند ذلك، وإن كان جائزا ليس حراما. وما ذكره بعض المتأخرين من إطلاق تحريم ابتداء الرجل المرأة بالسلام أو بالعكس فليس بجيد أى أن إطلاقهم هذا الأمر ليس بجيد. وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم على بعض النسوة، كما روى ذلك أبو داود وغيره. وفي الختام نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى والحمد لله رب العالمين.