5 5-5 سيدنا ءادم عليه الصلاة والسلام
اختلفَ العلماءُ في مقدار مُقام ءادم عليه السلام في الجنة فروى الحاكم في مستدركه أنّ ءادم لم يمكث في الجنةِ إلا ما بين العصرِ إلى الغروب، والأقوى أنّه مكث مائةً وثلاثينَ سنةً في الجنةِ ثم أكملَ الألفَ في الأرض كما يُفهمُ ذلك من بعضِ الآثار. وقد وردَ أنّ اليومَ الذي أُخرجَ فيه ءادمُ عليه السلام من الجنةِ وهَبطَ فيه إلى الأرضِ كان يومَ الجمعة، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: “خيرُ يومٍ طلَعت فيه الشمسُ يومُ الجمُعة فيه خُلِق ءادم وفيه أُدخلَ الجنة وفيه أُخرج منها” رواه مسلم. وأمَرَ الله سيدَنا ءادمَ وحواءَ بالهبوطِ من الجنة إلى الأرض، وأمرَ إبليسَ بالهبوطِ إليها أيضًا، وأخبرَهما أنَّ العداوةَ بينهما وبين إبليسَ اللعين ستظلُ قائمةً وبالتالي ستكونُ بينَ إبليسَ وبني ءادم. ويروى أنّ ءادمَ عليه السلام نزلَ في أرضِ الهندِ في أرضٍ تُسمى سرنديب على أشهرِ الأقوال، ونزلت حواءُ عليها السلام في أرضٍ أُخرى قيل إنها جُدة، وأما إبليسُ اللعينُ فقيل إنه نزل بالأبُلَّةِ بأرضٍ في العراق. ثم أمر الله ءادم عليه السلام أن يبنيَ البيتَ الحرام فقدِم مكة وبنى البيتَ فلما فرغَ من بنائِه أرسلَ الله لهُ ملكًا علمَه المناسكَ، ثم بقيَ البيتُ كذلك حتى أَغرقَ الله قومَ نوحٍ عليه السلام فرُفِع البيتُ وقيل هُدِم وبقيَ أساسُه فجاءَ سيدُنا إبراهيمُ عليه السلام فبناه. ويَحسُنُ الآن أن نذكرَ لكم قصة َهابيل وقابيل التي ذُكرت في سورةِ المائدة وخُلاصةُ هذه القصةِ أنّ حواءَ عليها السلام وَلدت أربعينَ بطنًا وكانت تلِد في كلِ بطن ذكرًا وأنثى، وكان سيدُنا ءادم عليه السلام يُزوجُ ذكر كلِ بطنٍ بأنثى من بطنٍ ءاخر، ويقال إنّ هابيل الطيب أراد أن يتزوج بأخت قابيل التي كانت أجملَ من أخت هابيل لكنَّ قابيلَ أراد أن يستأثرَ بها، فأمره ءادمُ عليه السلام أن يزوجَهُ إياها فأبى، فأمرَهما أن يُقرّبا قربانًا وهو ما يُتقربُ به إلى الله تعالى ثم ذهبَ ءادمُ إلى مكةَ ليحُجَّ، وقرّبَ كلُ واحدٍ منهما قربانَه بعد ذهابِ أبيهم ءادمَ عليه السلام ، فقرَّبَ هابيلُ جَذَعَةً سمينةً وكان صاحبَ غنم، وأما قابيلُ فقرّبَ حُزمةً من زرعٍ رديءٍ وكان صاحبَ زرع، فنزلت نارٌ فأكلت قربانَ هابيل وتركت قربانَ قابيل، فغضِب قابيلُ غضبًا شديدًا وقالَ لأخيه هابيل لأقتُلنَّك حتى لا تنكِحَ أختي. وذات ليلة أبطأ هابيلُ في المرعى فبعثَ سيدنا ءادمُ عليه السلام – وكان قد رجعَ من الحج- أخاهُ قابيل لينظُر ما أبطأ به، فلما ذهب إذ هو به، فقال له: تُقُبِّل منك ولم يُتَقَبَلْ مني، فقال له هابيل: إنما يتقبلُ الله من المتقين، فغضِب عندئذ قابيل، ثم أتاه وهو نائمٌ فرفَع صخرةً فشَدَخَ بها رأسه، وقيل خنقَه خنقًا شديدًا. وليعلم أنّ ابنَ ءادمَ قابيل الذي قتلَ أخاه هابيل كان مسلمًا مؤمنًا ولم يكن كافرًا، وإنما ارتكب معصيةً كبيرةً بقتله أخاه هابيل ظلمًا وعُدوانًا. وروى أحمد في مسنده عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تُقتَلُ نفسٌ ظلمًا إلا كان على ابنِ ءادمَ الأولِ كِفلٌ من دمِها لأنّه أولُ من سنَّ القتل” أي ظلمًا، فعُلم من ذلك أنّ قابيلَ ما تابَ من قتلِه لهابيل. وبجبلِ قاسيونَ شمالي دمشقَ مغارةٌ يقال لها مغارةُ الدم، ذُكِر بأنها المكانُ الذي قتل قابيلُ أخاه هابيلَ عندها، والله أعلم بصحة ذلك. وعاش سيدُنا ءادمُ عليه السلامُ ألفَ سنة قيل: قضى منها مائةً وثلاثين سنةً في الجنةِ وبقيةَ الألف عاشها على هذه الأرضِ التي نزل إليها، ولما مات عليه السلام بقيت ذريتُه على دينِ الإسلامِ يعبدون الله تعالى وحدَه ولم يُشركوا به شيئًا، فعاش البشرُ ألفَ سنة أُخرى على دينِ الإسلام ولم يكن فيهم كفرٌ ولا شركٌ وإنما حصلَ الكفرُ والشركُ بعد نبيِ الله إدريسَ عليه الصلاة والسلام فكان سيدُنا نوحٌ عليه السلام أولَ نبيٍ بُعِثَ إلى الكفار. وقد ورد في الأثرِ أنّ ءادم عليه السلام دُفنَ في مكةَ أو في منى قربَ مسجدِ الخيفِ حيثُ دفن سبعون نبيًا، وقبورُهم مُخفاةٌ ولا يوجد علاماتٌ تدلُ عليها، وقيل دُفن ءادم عليه السلام عند الجبلِ الذي أُهبطَ عنده في الهند، وقيل بجبل أبي قبيس. والله تعالى أعلم وأحكم. ويروى أنّ حواء عليها السلام عاشت بعد سيدِنا ءادم عليه السلام سنةً ثم ماتت ويقال إنها دُفنت في جُدة. والله أعلم وأحكم وبهذا نكونُ انتهينا من حديثنا المختصرِ عن نبي الله ءادم عليه السلام وسيكونُ حديثُنا في الحلْقةِ الْمُقبلةِ إن شاء الله تعالى عن نبيِ الله شيث.