الخميس نوفمبر 21, 2024

#5 سيدنا محمد رسول الله ﷺ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد البشر وفخر ربيعة ومضر ومن انشق له القمر وسلّم عليه الحجر وسعى إلى خدمته الشجر وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين. أما بعد، اعلم رحمك الله أَنَّ السَّبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ النَّبِيِّ الْمُعْجِزَةُ. بِالْمُعْجِزَةِ يُعْرَفُ النَّبِيُّ فَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَكَانَتْ لَهُ مُعْجِزَةٌ، وَمَعْنَى الْمُعْجِزَةِ الْعَلامَةُ الشَّاهِدَةُ الَّتِي تَشْهَدُ أَنَّ هَذَا الإِنْسَانَ الَّذِي يَقُولُ عَنْ نَفْسِهِ إِنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَّهُ صَادِقٌ، وَقَدْ أُعْطِيَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى قِيلَ إِنَّ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي حَصَلَتْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بَيْنَ الأَلْفِ وَالثَّلاثَةِ ءَالافٍ عَدَدًا، وَأَعْظَمُ الْمُعْجِزَاتِ مُعْجِزَةُ الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أَعْطَى اللَّهُ نَبِيًّا مُعْجِزَةً إِلَّا وَأَعْطَى مُحَمَّدًا مِثْلَهَا أَوْ أَعْظَمَ مِنْهَا. فَمَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ شَيْئًا مِنْ مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ يَكُونُ مُقَصِّرًا تَقْصِيرًا كَبِيرًا. والمعجزة أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ أَيْ هِيَ أَمْرٌ مُخَالِفٌ وَمُنَاقِضٌ لِلْعَادَةِ. يَأْتِي عَلَى وَفْقِ دَعْوَى مَنِ ادَّعَوِا النُّبُوَّةَ أَيْ هَذَا الأَمْرُ الْخَارِقُ يُوَافِقُ دَعْوَى ذَلِكَ النَّبِيِّ، فَمَا لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لِلدَّعْوَى لا يُسَمَّى مُعْجِزَةً كَالَّذِي حَصَلَ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ مِنْ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى وَجْهِ رَجُلٍ أَعْوَرَ فَعَمِيَتِ الْعَيْنُ الأُخْرَى، فَإِنَّ هَذَا الَّذِي حَصَلَ مُنَاقِضٌ لِدَعْوَاهُ وَلَيْسَ مُوَافِقًا. سَالِمٌ مِنَ الْمُعَارَضَةِ بِالْمِثْل ُ أَيْ لا يَسْتَطِيعُ الْمُكَذِّبُونَ أَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَهُ، فَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَقَارَنَ دَعْوَاهُ خَارِقٌ ثُمَّ ادَّعَى ءَاخَرُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَيْسَ بِنَبِيٍّ وَأَظْهَرَ خَارِقًا مِثْلَهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الأَوَّلَ لَيْسَ بِنَبِيٍّ. والْمُعْجِزَةُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مَقْرُونَةً بِالتَّحَدِّي وَإِنَّمَا مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ صَالِحَةً لِلتَّحَدِّي. فَمَا كَانَ مِنَ الأُمُورِ عَجِيبًا وَلَمْ يَكُنْ خَارِقًا لِلْعَادَةِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزَةٍ. وَكَذَلِكَ مَا كَانَ خَارِقًا لَكِنَّهُ لَمْ يَقْتَرِنْ بِدَعْوَى النُّبُوَّةِ كَالْخَوَارِقِ الَّتِي تَظْهَرُ عَلَى أَيْدِي الأَوْلِيَاءِ أَتْبَاعِ الأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُعْجِزَةٍ بَلْ يُسَمَّى كَرَامَةً. الَّذِي يَتَّبِعُ النَّبِيَّ بِصِدْقٍ اتِّبَاعًا تَامًّا يُؤَدِّي الْوَاجِبَاتِ وَيَجْتَنِبُ الْمُحَرَّمَاتِ وَيُكْثِرُ مِنَ النَّوَافِلِ، الأَمْرُ الْخَارِقُ الَّذِي يَظْهَرُ عَلَى يَدِهِ يُقَالُ لَهُ كَرَامَةٌ وَلا يُقَالُ لَهُ مُعْجِزَةٌ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لا يَدَّعِي أَنَّهُ نَبِيٌّ وَإِلَّا لَمَا حَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ الْخَوَارِقُ، وَكُلُّ كَرَامَةٍ تَحْصُلُ لِهَذَا الْوَلِيِّ فَهِيَ مُعْجِزَةٌ لِلنَّبِيِّ الَّذِي يَتَّبِعُهُ. وَكَذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الْمُعْجِزَةِ مَا يُسْتَطَاعُ مُعَارَضَتُهُ بِالْمِثْلِ كَالسِّحْرِ فَإِنَّهُ يُعَارَضُ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ. يعني السِّحْرُ لا يُسَمَّى مُعْجِزَةً لِأَنَّ السِّحْرَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ سَاحِرٌ ءَاخَرُ مِثْلَهُ، أَمَّا الْمُعْجِزَةُ لا يَسْتَطِيعُ الْمُعَارِضُونَ أَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَهَا. والسِّحرُ مزاولةُ أفعالٍ وأقوالٍ خبيثةٍ. وهو حرامٌ من الكبائرِ. هو من السَّبْعِ المُوبِقاتِ التي ذَكَرَهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حديثه. وممَّا يحتالُ به السَّحَرَةُ لترويجِ عَمَلِ السِّحرِ أنهم يَخْلِطُونَ بعضَ الآيات القرءانيَّة بالسِّحر حتَّى يوهموا النَّاسَ أنَّ القرءانَ له دَخَلٌ بالسِّحر. والقرءانُ لا دَخَلَ له بالسِّحرِ، لكنْ أولئكَ السَّحَرَةُ يكتبونَ كَلامًا خبيثًا في الورقة ثمَّ يكتبونَ إلى جانبها بعضَ الآيات القرءانيَّة ليُوهموا الجُهَّالَ من البشَر أنَّ القرءانَ له دَخَلٌ في السِّحر. الشَّياطينُ بذلكَ تُضِلُّ النَّاسَ. لترويجِ السِّحرِ يُدخِلونَ بعضَ الآياتِ القرءانيَّة فيه. فمَنْ رأَى شيئًا من السِّحرِ في ورقةٍ وإلى جانبهِ ءاياتٌ قُرءانيَّةٌ فلْيَعْلَمْ أنَّ القرءانَ لا يساعدُ على عَمَلِ السِّحرِ وإنما الشَّياطينُ أدخلتْ هذا لِتُوهِمَ النَّاسَ أنَّ القرءانَ يساعدُ على عَمَلِ السِّحرِ فيَقَعُوا في الكُفْرِ. إنَّ الذي يَظُنُّ أنَّ القرءانَ يساعدُ على عَمَلِ السِّحرِ كافرٌ غيرُ مسلم. يجبُ عليه أنْ يتراجعَ عن هذا الاعتقادِ الفاسدِ ويَنْطِـقَ بالشَّهَادَتين. القرءانُ ضِدُّ السِّحرِ. بالقرءانِ يُفَكُّ السِّحرُ. القرءانُ يساعدُ على فَكِّ السِّحر. فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ الَّذِينَ يُقَالُ عَنْهُمْ فُلانٌ رُوحَانِيٌّ أَوْ مَعَهُ جِنٌّ رَحْمَانِيٌّ، احْذَرُوهُمْ وَحَذِّرُوا النَّاسَ مِنْهُمْ، أَغْلَبُ هَؤُلاءِ ضَالُّونَ مُفْسِدُونُ يُوقِعُونَ النَّاسَ فِي الضَّلالِ وَالْكُفْرِ لِأَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا اعْتَقَدَ السِّحْرَ حَلالًا وَأَنَّهُ شَيءٌ حَسَنٌ يَكْفُرُ، لِأَنَّ السِّحْرَ أَمْرٌ مُحَرَّمٌ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الْكَبَائِرِ وَاسْتِحْلالُهُ كُفْرٌ.  وَالسِّحْرُ مِنْهُ مَا يَكُونُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِالشَّيَاطِينِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَلا يَجُوزُ مُقَابَلَةُ السِّحْرِ بِالسِّحْرِ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ الْجُهَّالِ.    وَمِنْ أَعْمَالِ السَّحَرَةِ وَأَقْوَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ أَنَّهُمْ يَسْتَنْجِدُونَ بِالشَّيَاطِينِ وَيَتَكَلَّمُونَ بِكَلامٍ قَبِيحٍ فِيهِ تَعْظِيمٌ لِلشَّيْطَانِ لِيُعِينَهُمْ عَلَى إِيذَاءِ هَذَا الشَّخْصِ الَّذِي يُرِيدُونَ إِيذَاءَهُ.     وَمِنَ الأَفْعَالِ الْخَبِيثَةِ الَّتِي يُزَاوِلُونَهَا أَنَّهُمْ أَحْيَانًا يَأْخُذُونَ دَمَ الْحَيْضِ لِيَسْقُوهُ الشَّخْصَ الَّذِي يُرِيدُونَ ضَرَرَهُ وَأَحْيَانًا يَأْخُذُونَ ظُفْرَ الشَّخْصِ أَوْ بَعْضَ شَعَرِهِ لِيَكُونَ إِيذَاؤُهُ أَشَدَّ. وَأَحْيَانًا يَأْخُذُونَ مِنْ تُرَابِ الْقَبْرِ لِذَلِكَ. وَأَحْيَانًا يَسْتَعِينُونَ بِالأَرْوَاحِ الأَرْضِيَّةِ مِنَ الشَّيَاطِينِ، وَأَحْيَانًا يَسْتَنْجِدُونَ بِالْكَوَاكِبِ، لِأَنَّهَا عَلَى زَعْمِهِمْ لَهَا أَرْوَاحٌ تُسَاعِدُهُمْ وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ، ثُمَّ هُمْ أَحْيَانًا يَخْتَارُونَ وَقْتًا مُعَيَّنًا لِعَمَلِ السِّحْرِ لِأَنَّ هَذِهِ الأَوْقَاتَ اللَّهُ جَعَلَ لَهَا خَصَائِصَ لِعَمَلِ الْخَيْرِ وَلِعَمَلِ الشَّرِّ.    وَمِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ سِحْرُ التَّسْلِيطِ، يُسَلَّطُ عَلَى الشَّخْصِ جِنِّيٌّ يُمْرِضُهُ وَأَحْيَانًا هَذَا الْجِنِّيُّ يَقْتُلُهُ. .    وَأَمَّا هَارُوتُ وَمَارُوتُ فَهُمَا مَلَكَانِ مِنَ الْمَلائِكَةِ الَّذِينَ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ. وَمَا يُرْوَى عَنْهُمَا أَنَّهُمَا شَرِبَا الْخَمْرَ ثُمَّ قَتَلا الطِّفْلَ الَّذِي كَانَتْ تَحْمِلُهُ الْمَرْأَةُ وَوَقَعَا عَلَيْهَا فَغَيْرُ صَحِيحٍ.     لا أيضًا  مَا يُرْوَى أَنَّهُمَا رَأَيَا امْرَأَةً فَرُكِّبَتْ فِيهِمَا الشَّهْوَةُ فَأَرَادَا الْوُقُوعَ بِهَا فَقَالَتْ حَتَّى تُشْرِكَا فَرَفَضَا فَقَالَتِ اشْرَبَا الْخَمْرَ فَشَرِبَا فَسَكِرَا وَقَتَلا الصَّبِيَّ وَسَجَدَا لِلصَّنَمِ فَهَذَا كَذِبٌ هَذَا خُرَافَةٌ. وَمِمَّا يَنْفَعُ لِلتَّحَصُّنِ مِنَ السِّحْرِ أَنْ يُدَاوِمَ الشَّخْصُ كُلَّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ عَلَى قِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَاتِ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَسُورَةِ الإِخْلاصِ ثَلاثًا ثَلاثًا وَمِمَّا يَنْفَعُ لِلتَّحَصُّنِ مِنَ السِّحْرِ مَا رَوَاهُ الإِمَامُ مَالِكٌ فِي »الْمُوَطَّإِ« بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ كَعْبِ الأَحْبَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ »لَوْلا كَلِمَاتٌ أَقُولُهُنَّ لَجَعَلَتْنِي الْيَهُودُ حِمَارًا« فَقِيلَ لَهُ مَا هُنَّ قَالَ »أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَيْسَ شَىْءٌ أَعْظَمَ مِنْهُ وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلا فَاجِرٌ وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى كُلِّهَا مَا عَلِمْتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ« يَعْنِي كَعْبُ الأَحْبَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ هَذَا أَنَّ الْيَهُودَ مِنْ أَسْحَرِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ اسْتِعْمَالًا لِلسِّحْرِ فَلَوْلا أَنَّهُ يَقُولُ هَذَا الذِّكْرَ لَضَرُّوهُ كَثِيرًا. وَهُوَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَهُودِيًّا ثُمَّ أَسلم فِي خِلافَةِ سَيِّدِنَا عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ عِنْدَهُ كُتُبٌ مِنْ أَبِيهِ خَتَمَهَا إِلَّا وَاحِدًا مِنْهَا وَقَالَ لَهُ اقْرَأْ فِي هَذَا وَكَانَ وَالِدُهُ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، قَالَ وَأَخَذَ عَلَيَّ الْعَهْدَ بِحَقِّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ أَنْ لا أَفُضَّ وَاحِدًا مِنْهَا فَلَمَّا ظَهَرَ الإِسْلامُ فَتَحْتُهَا فَإِذَا فِيهَا نَعْتُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَتَبْشِيرُ الأَنْبِيَاءِ بِهِ، عِنْدَهَا أَسلم كَعْبٌ. فَهَذَا الذِّكْرُ يَنْفَعُ لِلتَّحَصُّنِ مِنَ السِّحْرِ وَلِفَكِّ السِّحْرِ حَتَّى لَوْ كُتِبَ فِي وَرَقَةٍ وَعُلِّقَ عَلَى الصَّدْرِ. وَمِمَّا يَنْفَعُ لِفَكِّ السِّحْرِ وَرَقُ السِّدْرِ يُؤْتَى بِسَبْعِ وَرَقَاتٍ خُضْرٍ صِحَاحٍ وَتُدَقُّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ دَقًّا جَيِّدًا ثُمَّ تُوضَعُ فِي مَاءٍ ثُمَّ يُقْرَأُ عَلَيْهِ ءَايَةُ الْكُرْسِيِّ وَالْمُعَوِّذَاتُ ثَلاثًا ثَلاثًا أَوْ مَرَّةً مَرَّةً أَوْ يُقْرَأُ عَلَى الْوَرَقِ بَعْدَ دَقِّهِ وَقَبْلَ وَضْعِهِ فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَشْرَبُ الْمُصَابُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ ثَلاثَ جَرَعَاتٍ وَيَغْتَسِلُ بِالْبَاقِي. وَمِمَّا يَنْفَعُ لِذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يُؤْتَى بِإِحْدَى وَأَرْبَعِينَ حَبَّةَ فُلْفُلٍ أَسْوَدَ وَيُقْرَأَ عَلَى كُلِّ حَبَّةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ سُورَةَ الإِخْلاصِ ثُمَّ يُبَخَّرُ الْمُصَابُ بِهَا. وَمِمَّا يَنْفَعُ لِفَكِّ السِّحْرِ بِإِذْنِ اللَّهِ قِرَاءَةُ الآيَةِ ﴿فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً، وَكَذَا الْفَاتِحَةُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَءَايَةُ الْكُرْسِيِّ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَسُورَةُ الإِخْلاصِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً، وَسُورَةُ الْفَلَقِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً، وَسُورَةُ النَّاسِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً تُقْرَأُ عَلَى مَاءٍ وَيَشْرَبُ مِنْهَا الْمَسْحُورُ. فإذن يا أحبابنا السحر لا يسمى معجزة فانتبهوا وفقكم الله. ولتمام الفائدة نذكر لكم بعضا من معجزات من كان قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء. ومن هذه المعجزات ما حصل مع سيدنا صالح الذي أرسله الله إلى قبيلة ثمود، فإنه توجَّه يومًا إلى قومه قائلًا :يا قوم، إنْ أحيَا اللهُ هذا الْمَيْتَ بدعائي أتؤمنونَ بي وبإلهي وتتركونَ أصنامَكم؟ قالوا: نعم. فجاء سَـيِّـدُنا صَالِحٌ إلى الْمَيْتِ ودعا رَبَّهُ ثمَّ نادَى الْمَيْتَ باسمهِ. فقام الْمَيْتُ بإذن الله وهو يقول: لَـبَّـيْـكَ يا نبيَّ الله. لا إله إلّا الله، صالحٌ رسولُ الله. آمَنَ به بعضُ الناسِ ولم يَزْدَدِ الباقونَ إلّا كفرًا. وفي يومٍ قال مَلِكُهُمْ لسيِّدنا صالح: أخرِج لنا من هذه الصخرةِ ناقةً لنؤمنَ بك. ثمَّ قالوا: نريدُها ناقةً ذاتَ لحمٍ ودمٍ. ونريد أن تكونَ شقراءَ ولها ضَرْعٌ كبيرٌ يفوقُ الجِرارَ الكبيرةَ ويَدُرُّ لبنًا أحلى من العسلِ، باردًا في الصيفِ حارًّا في الشتاء. ونريد أن يكونَ هذا اللَبَنُ لا يشربُه مريضٌ إلّا عُوفِيَ ولا فقيرٌ إلّا صارَ غنيًّا. وزيادةً على ذلك نريدُها حاملًا فتضعُ ابنَها ونحنُ ننظرُ إليها.. فقام سيِّدنا صالحٌ وصلّى رَكْعَتَيْنِ للهِ تعالى ودعا رَبَّهُ، عزَّ وجلَّ، طالبًا النصرةَ والتأييدَ. فاضطربتِ الصخرةُ وتفجَّر من أصولِها الماءُ والقومُ واقفون ينظرون. فسمعوا دَوِيًّا كَدَوِيِّ الرعد. ثمَّ تقدَّم صالحٌ، عليه السلام، إلى الصخرةِ وضَرَبَهَا بعصًا كانت بيده. فتَحَرَّكَتْ. ثمَّ خرجَ رأسُ الناقةِ منها ثمَّ وَثَبَتْ من جوفِها ووَقَفَتْ بين يدَي الْمَلِكِ وقومهِ وهي أحسنُ مِمَّا وَصَفُوا مناديةً: لا إله إلّا اللهُ صالحٌ رسولُ الله. ثمَّ أتى جبريلُ، عليه السلام، فأمَرَّ جَنَاحَهُ على بطنِها فخَرَجَ ابنُها أمامَهم على شكلِها ولونِها. فلَمَّا رأى الْمَلِكُ ذلك قبَّل رأسَ سَـيِّـدِنا صالحٍ وقال: يا معشَر قبائلِ ثمودَ، لا عَمًى بعد الهدَى. أنا أشهدُ أنْ لا إله إلّا اللهُ وأشهدُ أنَّ صالحًا رسولُ الله. وءامَنَ مَعَهُ في ذلك اليومِ خَلْقٌ كثير. ولكنَّ قِسْمًا من الكُفَّارِ أبَوْا وأصرُّوا على كفرِهم. وكانت هذه الناقةُ في المساءِ تدخلُ المدينةَ وتطوفُ على بيوتِ أهلِها وتنادي بلسانٍ عربيٍّ فصيحٍ :مَنْ أراد منكمُ اللَبَنَ فليخرُج. فكانوا يخرُجونَ بأوعيتِهم فيضعونها تحت ضَرْعِها فيملؤونها لبنًا بإذن الله. فإذا اكْتَفَوْا عادت إلى مسجد سَـيِّـدِنا صالحٍ تسبِّح اللهَ حتَّى يأتيَ الصباحُ ثمَّ تخرُج إلى المرعى. وهذا عَمَلُهَا كُلَّ يوم.  وكانَ للقومِ بئرٌ يشربونَ منها ولم يكن للقومِ سوى هذه البئرِ. فقال لهم سَـيِّـدُنا صالح: هذه ناقةٌ لها شِرْبُ يومٍ ولكم شِرْبُ يومٍ معلوم. وكانَ سَـيِّـدُنا صالحٌ قد نهاهم عن مَسِّ الناقةِ بسُوءٍ وأذًى إكرامًا لآيةِ الله. وكان من شأنِ هذه الناقةِ أنَّه إذا وَقَعَ الحَرُّ وَقَفَتْ بظَهْرِ الوادي فتهرُب الأغنامُ والأبقارُ والإبلُ منها إلى بطنِ الوادي حيث الحَرُّ الشديد. وإذا وَقَعَ البردُ تنزِل الناقةُ إلى بطنِ الوادي فتهرُب البهائمُ منها إلى أعلى الوادي حيث البردُ الشديد. فأَضَرَّ ذلك بمواشيهم. وقد ابتلاهمُ اللهُ بهذا الأمرِ ليُظْهِرَ للناسِ الطائعَ من المعترِض. فكَـبُـرَ ذلك على الكافرينَ وأجمعوا رأيَهم على قتلِ الناقةِ. وقعدوا ينتظِرون الناقة. فلمَّا أقبلَت حتَّى اقتربت من البئرِ شَـدَّ واحدٌ منهم قوسَه ورماها بسهمٍ فأصابَ رَقَبَتَهَا، ثمَّ أقبلوا عليها بالسيوفِ فطعنوها وقتلوها وقطَّعوها. وكان ابنُ الناقةِ يسيرُ خلفَها. فلمَّا أحَسَّتِ الناقةُ بالخَطَرِ أنْذَرَتْهُ. فهَرَبَ إلى رأسِ الجبلِ ونطَق ودعا على قومِ ثمودَ باللعنة.  ولمَّا بلَغ سَـيِّـدَنا صالحًا الخبرُ أتى مسرعًا. فلمَّا رءاها غارقةً في دمِها بكَى. فأوحَى اللهُ إليه أنَّه لن يؤمِن من قومِك إلّا مَنْ قد ءامَن. فدعا سَـيِّـدُنا صالحٌ على الكفَّار من قومهِ وقال: إلَهِي أسألُك أن تُـنْـزِلَ على ثَمُودَ عذابًا من عندِك. يقولُ الله تعالى في سورةِ هود:  ﴿فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاثَة  أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ وبات القومُ ليلتَهم وقالوا فيما بينَهم: زَعَمَ صالحٌ أنَّنا سنموتُ بعد ثلاثةِ أيَّام. ونحنُ سنقتلُه ونقتلُ أهلَه قبل هذه الأيامِ التي زَعَمَهَا .فخرجَت مجموعةٌ منهم إلى حيثُ مسجدُ سَـيِّـدِنا صالحٍ واختبأوا في مغارةٍ وقالوا: إذا جاء يصلِّي قتلناهُ ثمَّ رَجَعْنا إلى أهلهِ فقتلناهم. فبعثَ اللهُ صخرةً فأطْـبَـقَـتْ عليهم فَمَ المغارةِ فهلكوا. فلمَّا جاء صباحُ يومِ الخميسِ ظَهَرَتِ الصُّفْرَةُ على وجوهِ الكفَّار وأجسادِهم وامتلأتْ دماميلَ وقُرُوحًا. ولمَّا كان صباحُ يومِ الجُمُعَةِ احمرَّت وجوهُهم وكأنَّها صُبِغَتْ بالدمِ. وفي يومِ السَّبْتِ اسْوَدَّتْ وجوهُهم وكأنَّها طُـلِـيَـتْ بالزِّفْتِ الأسْوَد. ولمَّا رأى صالحٌ منهم هذا تركَهم مساءً وذهب مَعَ المؤمنينَ إلى خارجِ البلدِ ينتظِر وعدَ الله. وكانوا نحوَ أربعةِ ءالافِ مسلم. ولمَّا كان اليومُ الرابعُ، وهو صبيحةُ الأحدِ تفتَّقت تلك الدماميلُ في وجوهِهم. وأوحى اللهُ إلى الْمَلَكِ الْمُوَكَّلِ بالشمسِ أن يعذِّبهم بحرِّها. فأدناها الْمَلَكُ قليلًا من رؤوسِهم فاشْتَوَتْ أيديهم وتَدَلَّتْ ألسنتُهم على صدورِهم من العَطَشِ. ثمَّ أتاهم سَـيِّـدُنا جبريلُ، عليه السلام، فأخذ بأطرافِ الأرضِ فهزَّها فتَزَلْزَلَتْ. وصاحَ صيحةً قيلَ إنَّ فيها صوتَ كلِّ صاعقةٍ وصَوْتَ كلِّ شيءٍ له صَوْتٌ في الأرض. فتَقَطَّعَتْ قلوبُهم من الخوف. فماتوا وهلَكوا جميعًا وقُبِضَتْ أرواحُهم من أجسادِهم. ثمَّ أقبلَت سحابةٌ سوداءُ على ديارِهم فرَمَتْهُمْ بوهجِ الحريقِ سبعةَ أيَّامٍ حتَّى صاروا رمادًا. ومن المعجزات التي حصلت مع من كان قبل نبينا صلى الله عليه وسلم من الأنبياء رؤية إبراهيم لإحياء الطيور الأموات، وقبل ذكر هذه المعجزة أذكركم أن إبراهيم كان كغيرِه من الأنبياء منذُ صِغَرِه ونشأته مسلمًا مؤمنًا عارفًا بربه معتقدًا عقيدةَ التوحيدِ مُنَزّهًا ربَه عن مُشابهة المخلوقات، ومُدركًا أنّ هذه الأصنامَ التي يعبُدُها قومُه لا تُغني عنهم من الله شيئًا، وأنها لا تَضُرُ ولا تنفعُ لأنّ الضارَّ النافِعَ على الحقيقة هو الله تعالى وحدَه.يقولُ الله تعالى في حقِ إبراهيمَ: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا ولا نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وقال الله تعالى: وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ. ولقد كانَ نبيُ الله إبراهيمُ عليه السلام مُفعَمَ النفسِ بالإيمانِ بربِه وعارفًا به مُمتلئ الثقةِ بقدرةِ الله وأنّ الله تعالى قادرٌ على كل شيء لا يُعجزه شيء، وكان غيرَ شاكٍ ولا مُرتابٍ بوجودِ الله سبحانه، وكان مؤمنًا بما أوحي اليه مِن بعثِ الناسِ بعدَ موتِهم يومَ القيامة وحسابِهم في الحياةِ الأُخرى على أعمالِهم وما قدّموا في هذه الحياةِ الدنيا. وأما قولُ الله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.أي ليطمئنَ قلبي بإجابةِ طلبي، لأنه من الجائز أن يُعطيَ الله تعالى بعضَ الأنبياءِ جميعَ ما طلب أو أن يُعطيَهُ بعضَ ما طلب ولا يُعطيَه بعضًا، وإبراهيمُ عليه الصلاة والسلام ما كان جازمًا وقاطعًا في نفسِه بأنَّ الله يُعطيهِ ما سأل، لكنَّه كان مؤمنًا بأنّ الله تبارك وتعالى قادرٌ على ذلك، لكنْ كانَ عندَه احتِمالٌ أنّ الله يُريهِ كيف يُحيي الموتى واحتمالٌ أنّه لا يُريه، فأجابَ الله تبارك وتعالى سؤالَ إبراهيمَ عليه السلام. والذي حصل أن إبراهيم مر قرب البحر فَشَاهَدَ جِيفَةَ بَهِيمَةٍ مَطْرُوحَةً عَلَى الشَّاطِئِ، فَإِذَا هَاجَتِ الأَمْوَاجُ دَفَعَتْهَا إِلَى الْبَرِّ فَأَكَلَتْ مِنْهَا السِّبَاعُ، فَإِذَا ذَهَبَتِ السِّبَاعُ جَاءَتِ الطُّيُورُ فَأَكَلَتْ مِنْهَا ثُمَّ طَارَتْ، ثُمَّ إِذَا سَحَبَ الْمَوْجُ الْجِيفَةَ إِلَى الْبَحْرِ أَكَلَتْ مِنْهَا الأَسْمَاكُ وَالْحِيتَانُ، فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ رَبَّهُ وَقَالَ ما معناه: “رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تَجْمَعُ أَجْزَاءَ الْحَيَوَانِ فِي بُطُونِ السِّبَاعِ وَالطُّيُورِ وَحَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ لِيَزْدَادَ يَقِينِي”. وَعِنْدَهَا تَحْصُلُ مُعْجِزَةٌ كَبِيرَةٌ بَاهِرَةٌ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِ هَذَا النَّبِيِّ الْعَظِيمِ وَأَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، إِذِ اسْتَجَابَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِدُعَاءِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَعَلَّمَهُ كَيْفَ يَصْنَعُ أَوَّلًا ، فَأَمَرَهُ كَمَا قِيلَ بِأَنْ يَأْخُذَ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ، فَأَخَذَ دِيكًا أَحْمَرَ، وَحَمَامَةً بَيْضَاءَ، وَطَاوُوسًا أَخْضَرَ وَغُرَابًا أَسْوَدَ، ثُمَّ ذَبَحَهَا وَأَسَالَ دَمَهَا، وَبَعْدَ ذلَكِ قَطَّعَهَا قِطَعًا صَغِيرَةً، وَخَلَطَ لُحُومَهَا بِبَعْضِهَا مَعَ الدَّمِ وَالرِّيشِ حَتَّى يَكُونَ أَعْجَبَ، ثُمَّ وَزَّعَ أَجْزَاءَ هَذَا الْخَلِيطِ الْغَرِيبِ عَلَى سَبْعَةِ جِبَالٍ، وَوَقَفَ هُوَ بِحَيْثُ يَرَى تِلْكَ الأَجْزَاءَ، وَأَمْسَكَ رُءُوسَ تِلْكَ الطُّيُورِ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ: “تَعَالَيْنَ بِإِذْنِ اللَّهِ”. فَتَطَايَرَتْ تِلْكَ الأَجْزَاءُ، فَجَعَلَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ يَنْظُرُ إِلَى الرِّيشِ يَطِيرُ إِلَى الرِّيشِ، وَالدَّمِ إِلَى الدَّمِ، وَاللَّحْمِ إِلَى اللَّحْمِ، وَالأَجْزَاءِ مِنْ كُلِّ طَائِرٍ، يَتَّصِلُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ. وَعَادَتِ الأَشْلاءُ تَتَجَمَّعُ، حَتَّى قَامَ كُلُّ طَائِرٍ وَحْدَهُ وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ رَأْسٍ، لِيَكُونَ أَبْلَغَ لِسَيِّدِنَا إِبْرَاهيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الرُّؤْيَةِ الَّتِي سَأَلَهَا، وَعَادَتِ الرُّوحُ إِلَيْهَا وَسَعَتْ إِلَيْهِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ مُسْرِعَةً، وَصَارَ كُلُّ طَائِرٍ يَجِيءُ لِيَأْخُذَ رَأْسَهُ الَّذِي فِي يَدِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَإِذَا قَدَّمَ لَهُ رَأْسًا غَيْرَ رَأْسِهِ لا يَقْبَلُهُ، فَإِذَا قَدَّمَ إِلَيْهِ رَأْسَهُ تَرَكَّبَ مَعَ بَقِيَّةِ جَسَدِهِ بِقُدْرَةِ اللَّهِ، فَاللَّهُ عَزِيزٌ لا يَغْلِبُهُ شَىْءٌ، وَلا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يُرِيدُ.ثُمَّ طَارَتِ الطُّيُورُ كَمَا كَانَتْ مِنْ جَدِيدٍ بِإِذْنِ اللَّهِ، بَعْدَ أَنْ تَحَقَّقَتْ مُعْجِزَةٌ كَبِيرَةٌ لِنَبِيٍّ مِنْ أَعْظَمِ الأَنْبِيَاءِ قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. ومن معجزات إبراهيم أن النار لم تحرقه ولا ثيابه. الكفار أرادوا أن يحرقوه حيا لينتقموا منه فصاروا يَجْمَعُونَ الْحَطَبَ مِنْ جَمِيعِ مَا يُمْكِنُهُمْ مِنَ الأَمَاكِنِ، وَأَتَوْا بِهَذَا الْحَطَبِ الْكَثِيرِ وَرَمَوْهُ فِي حُفْرَةٍ عَظِيمَةٍ وَأَضْرَمُوا فِيهَا النَّارَ فَاضْطَرَمَتْ وَتَأَجَّجَتْ وَالْتَهَبَتْ وَعَلا لَهَا شَرَرٌ عَظِيمٌ وَصَوْتٌ مُخِيفٌ لَمْ يُرَ وَلَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ.     وَكَانَ مِنْ شِدَّةِ اشْتِعَالِهَا أَنَّهَا تُحْرِقُ الطَّائِرَ الَّذِي يَمُرُّ فَوْقَهَا وَكَانَ الْكُفَّارُ لا يَسْتَطِيعُونَ لِقُوَّةِ اللَّهَبِ أَنْ يَتَقَدَّمُوا مِنَ النَّارِ فَكَيْفَ سَيَرْمُونَ إِلَيْهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ؟ أَتَى إِبْلِيسُ اللَّعِينُ مُتَشَكِّلًا  وَعَلَّمَهُمْ صُنْعَ الْمِنْجَنِيقِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ يُعْرَفُ مِنْ قَبْلُ، وَقِيلَ إِنَّ رجلًا مِنْهُمْ اسْمُهُ “هِيزَنْ” كَانَ أَوَّلَ مَنْ صَنَعَهُ فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الأَرْضَ، ثُمَّ أَخَذَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ يُقَيِّدُونَهُ وَيُكَتِّفُونَهُ وَهُوَ يَقُولُ: “لا إِلَهَ إِلَّا  أَنْتَ سُبْحَانَكَ، لَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الْمُلْكُ لا شَرِيكَ لَكَ”، فَلَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ قَالَ بِلِسَانِ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ: “حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل”. وَأَعْطَى اللَّهُ نَبِيَّهُ الْكَرِيْمَ مُعْجِزَةً بَاهِرَةً فَلَمْ تُحْرِقْهُ النَّارُ وَلَمْ تُصِبْهُ بِأَذًى وَلا حَتَّى ثِيَابَهُ، وَإِنَّمَا أَحْرَقَتْ وِثَاقَهُ الَّذِي رَبَطُوهُ بِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْراهِيمَ﴾. وَكَانَ النَّاسُ يَقِفُونَ عَلَى مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، يَنْظُرُونَ هَذَا الْمَنْظَرَ الْهَائِلَ الْمُخِيفَ.مَكَثَ نُمْرُودُ أَيَّامًا لا يَشُكُّ أَنَّ النَّارَ قَدْ أَكَلَتْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَرَأَى إِبْرَاهِيمَ جَالِسًا وَإِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ مِثْلُهُ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لَقَدْ رَأَيْتُ كَأَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَيٌّ، وَلَقَدْ شُبِّهَ عَلَيَّ، ابْنُوا لِي مِنَصَّةً عَالِيَةً لأِرَى مَا الأَمْرُ، فَبَنَوْا لَهُ مِنَصَّةً وَأَشْرَفَ مِنْهَا فَرَأَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ جَالِسًا وَإِلَى جَنْبِهِ رَجُلٌ فِي صُورَتِهِ، فَنَادَى نُمْرُودُ سائلًا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: “هَلْ تَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ؟”. فَأَجَابَهُ: “نَعَمْ”، ثُمَّ سَأَلَهُ: “أَتَخْشَى إِنْ أَقَمْتَ فِيهَا أَنْ تَضُرَّكَ؟”. قَالَ: “لا” وَلَمَّا خَرَجَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَنَجَّاهُ اللَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ مَعَهُ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَلَكُ الظِّلِّ أَرْسَلَهُ اللَّهُ لِيُؤْنِسَهُ.     وَمَعَ كُلِّ هَذِهِ الْعَجَائِبِ فَإِنَّ نُمْرُودَ وَقَوْمَهُ ظَلُّوا عَلَى كُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ وَلَمْ يُؤْمِنْ إِلا الْقَلِيلُ لَكِنَّهُمْ أَخْفَوْا إِسْلامَهُمْ خَوْفًا مِنْ مَلِكِهِمُ الْكَافِرِ الَّذِي سَيَلْقَى جَزَاءَهُ الْعَادِلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وفي الختام نذكركم بقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: مَا أَعْطَى اللَّهُ نَبِيًّا مُعْجِزَةً إِلَّا وَأَعْطَى مُحَمَّدًا مِثْلَهَا أَوْ أَعْظَمَ مِنْهَا. والله أعلم وأحكم والحمد لله رب العالمين.