(5) تَكَلَّمْ عَنْ مَسَاوِئِ الْغَضَبِ وَعِلاجِهِ.
اعْلَمْ أَنَّ الْغَضَبَ هَلاكٌ كَبِيرٌ يُفْسِدُ عَلَى الشَّخْصِ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ يُخْرِجُ الإِنْسَانَ مِنْ دِينِهِ أَحْيَانًا، وَأَحْيَانًا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَمْرَ مَعِيشَتِهِ. كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَكْفُرُونَ عِنْدَ الْغَضَبِ يَسُبُّونَ خَالِقَهُمْ أَوْ يَسُبُّونَ شَعَائِرَ الإِسْلامِ كَالصَّلاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَدْ يُوصِلُ الْغَضَبُ إِلَى الْقَتْلِ ظُلْمًا أَوْ إِلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُشَاجَرَاتِ بَيْنَ الأَهْلِ وَبَيْنَ الأَصْدِقَاءِ تَحْصُلُ فِى حَالِ الْغَضَبِ. مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ عِنْدَ الِاسْتِشْعَارِ بِالْغَضَبِ سَلِمَ وَنَجَا مِنَ الْهَلاكِ سَلِمَ مِنْ مَهَالِكِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ أَمَّا مَنِ اتَّبَعَ الْغَضَبَ لا بُدَّ أَنْ يَهْلِكَ وَالشَّدِيدُ هُوَ الَّذِى يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيْسَ الشَّدِيدُ مَنْ غَلَبَ النَّاسَ وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَقَالَ مُوصِيًا مَنِ اسْتَوْصَاهُ لا تَغْضَبْ ثَلاثًا. فَلا يَنْبَغِى لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَنْسَاقَ وَرَاءَ الْغَضَبِ بَلْ يُعَوِّدُ نَفْسَهُ عَلَى تَرْكِ الْغَضَبِ فَيَنْبَغِى أَنْ يَكُونَ بَطِىءَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الرِّضَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ. وَتَرْكُ الْغَضَبِ يَحْتَاجُ إِلَى مُخَالَفَةِ النَّفْسِ لِأَنَّ النَّفْسَ تُحِبُّ أَنْ تَعْلُوَ عَلَى الْغَيْرِ بِحَيْثُ إِذَا إِنْسَانٌ سَبَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْتَقِمَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَبَّهُ أَوْ بَدَلَ السَّبِّ يَضْرِبُهُ أَوْ يَقْتُلُهُ. الإِنْسَانُ فِى حَالِ الْغَضَبِ لِيَشْفِىَ غَيْظَهُ قَدْ يَتَكَلَّمُ بِمَا يَضُرُّهُ فِى دِينِهِ وَدُنْيَاهُ أَوْ فِى دِينِهِ فَقَطْ. فَضَبْطُ النَّفْسِ عِنْدَ الْغَضَبِ مِنْ أَكْبَرِ الْوَسَائِلِ لِلنَّجَاةِ، فِيهِ حِفْظُ الدِّينِ وَحِفْظُ الْبَدَنِ. لَوْ كُنَّا نَعْمَلُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لا تَغْضَبْ كُنَّا سَلِمْنَا مِنْ مَهَالِكَ كَثِيرَةٍ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّ الْغَضَبَ لَيْسَ عُذْرًا. إِذَا وَاحِدٌ غَضْبَانُ سَبَّ لَهُ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ هَلْ يَقُولُ هَذَا مَعْذُورٌ، أَكْثَرُ النَّاسِ كَيْفَ يَضْرِبُ بَعْضُهُمْ ظُلْمًا وَيَقْتُلُ بَعْضُهُمْ ظُلْمًا أَلَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ هَلْ يَكُونُ عُذْرًا. وَعِلاجُ الْغَضَبِ كَمَا بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَوْلِهِ إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَرَوَى ابْنُ السُّنِّىِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ النَّبِىُّ ﷺ وَأَنَا غَضْبَى ثُمَّ قَالَ يَا عُوَيْشُ قُولِى اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى ذَنْبِى وَأَذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِى وَأَجِرْنِى مِنَ الشَّيْطَانِ. وَرَوَى الْبُخَارِىُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ صُرَدٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِىِّ ﷺ وَرَجُلانِ يَسْتَبَّانِ فَأَحَدُهُمَا احْمَرَّ وَجْهُهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ فَقَالَ النَّبِىُّ ﷺ إِنِّى لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ.