الأربعاء ديسمبر 4, 2024

#5 الله موصوف بكل كمال يليق به

اعلم رحمك الله أَنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ اللائقةِ بِهِ سُبْحَانَهُ. وَإِنَّمَا قُلْنَا “اللائقةِ بِهِ” لأَنَّ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ مَا يَلِيقُ بِالْمَخْلُوقِ ولا يَلِيقُ بِالْخَالِقِ، وَذَلِكَ كَشِدَّةِ الذَّكَاءِ، وَقُوَّةِ العَقْلِ، وَقُوَّةِ البَدَنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَهَذِهِ صِفَاتٌ هِىَ فِى حَقِّ الْمَخْلُوقِ صِفَاتُ كَمَالٍ ولا يَلِيقُ أَنْ يُوصَفَ الْخَالِقُ بِهَا. فلذلك يا أحبابنا الكرام علماء أهل السنة لا يقولون الله موصوف بكل كمال ويسكتون، إنما يقيدون العبارة فيقولون الله موصوف بكل كمال يليق به. وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ فِى حَقّـِهِ، وَهُوَ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، كَالْجِسْمِ وَاللوْنِ وَالشَّكْلِ وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَسَائِرِ صِفَاتِ المخلوقات. لِذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الإسلام بِأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالى مَوْجُودٌ بلا مَكَانٍ، لأَنَّ الْمَوْجُودَ فِى مَكَانٍ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَدٌّ، وَكُلُّ مَا لَهُ حَدٌّ أي حجمٌ مُحْتَاجٌ إِلى مَنْ خَصَّهُ بِذَلِكَ الحجم، وَكُلُّ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ لا يَكُونُ إِلَــهًا، فَلِذَلِكَ الله مُنَزَّهٌ عَنِ الْمَكَانِ وَعَنِ الْجِهَاتِ، فَلا نَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَوْجُودٌ فِى السَّمَاءِ ساكنٌ فيها، وَلا نَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ساكنٌ فِى جِهَةِ فَوْق، وَلاَ نَقُولُ الله تعالى ساكنٌ فِى كُلِّ مَكَانٍ، إِنَّمَا نَقُولُ الله مَوْجُودٌ لا يُشْبِهُ الْمَوْجُودَاتِ، مَوْجُودٌ بِلا مَكَانٍ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ}. مَعْنَاهُ لا شَىْءَ يُشْبِهُ الله بِأَىِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ. كَمَا قَالَ ذُو النُّونِ المِصْرِىُّ: مَهْمَا تَصَوَّرْتَ بِبَالِكَ فالله بِخِلافِ ذَلِكَ إهـ أي لا يُشبه ذلك. فالله مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَةِ كُلِّ مَا فِى الأَرْضِ وَكُلِّ مَا فِى السَّمَاءِ، كُلِّ الأَجْسَامِ اللطِيفَةِ أي التي لا تضبط باليد كالهواء وَكُلِّ الأَجْسَامِ الْكَثِيفَةِ أي التي تضبط باليد كالإنسان، الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَتِهَا بِأَىِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ. وَذُو النُّونِ الْمِصْرِىُّ هُوَ ثَوْبَانُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، شُهِرَ بِذِى النُّونِ. وَهُوَ أصلًا نُوبِىٌّ، عَاشَ فِى مِصْرَ مُنْذُ نَحْوِ أَلْفٍ وَمِائَتَىْ سَنَةٍ. كَانَ مِنْ جِلَّةِ الْعُلَمَاءِ وَمِنْ مَشَاهِيرِ أَهْلِ التَّقْوَى. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتوفانا على كامل الإيمان والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وأبدا .