الجمعة مارس 29, 2024

5بعض مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه

الحمد لله مكوّن الأكوان الموجود أزلا وأبدا بلا مكان والصلاة والسلام على خير إنسان محمد عليه الصلاة والسلام. أما بعد اشتُهر الفاروقُ رضي الله عنه بعدله واهتمامه بأمور المسلمين قبل أن يُبايَع له بالخلافة وبعدَ ذلك، وأخبار عدله أكثرُ من أن تجمع في حلقة واحدة. وأما أخبار زهده رضي الله عنه فكثيرة، منها أنه رضي الله عنه خطب الناس وهو خليفةٌ وعليه إزارٌ فيه اثنتا عشرة رُقعة، وقال أنس: كان بين كتفيه ثلاث رِقاع. وقد جاهد رضي الله عنه في الله حقّ جهاده، وجيّش الجيوش وفتح البلاد، وأعزّ المسلمين والإسلام وأذلّ الكفر وأجلى اليهود من بلاد الحجاز، كما أجلى نصارى نجران ويهودَها من جزيرة العرب. كثرت في أيامه الفتوحات وعمّر مسجدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، وفي سنةِ سبعةَ عشر توجه أميرُ المؤمنين معتمرا وأقام بمكة عشرين يومًا وفيها وَسّع المسجد الحرام. وفي هذه السنة تزوج أميرُ المؤمنين عمرُ بنُ الخطاب بأم كلثوم بنتِ علي بن أبي طالب رضي الله عنه.  وفي سنة ثمانِ عشرة حصل قحط شديد فسُميّ ذلك العام عامَ الرمادة فاستسقى عمرُ رضي الله عنه، وخطب وأخذ العباسَ بنَ عبدِ المُطّلب وتوسلَ به وجثا على ركبتيه وبكى يدعو إلى أن نزل المطرُ وأُغيثوا. ومن جملة مناقبه رضي الله عنه أنّه كان أولَ من أمر بالتأريخ اعتمادًا على الأشهر الهجرية، وأولَ من أمر بجمع الناس على صلاة التراويح بعد أن كانوا يصلّونها فرادى، وأولَ من عسَّ، أي طاف بالليل يحرسُ الناس ويكشِفُ أهلَ الريبة، وأولَ من حَمَلَ الدِّرّة أي العصا وأدّب بها، وأولَ من دوَّن الدواوين، وأولَ من لُقّبَ بأمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه. ووردت أحاديثُ كثيرةٌ في مدح سيدنا الفاروق رضي الله عنه وبيانِ فضائله وصفاته الحميدة، منها ما بيّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم إخلاصَه لله وصلابتَه وقُوّتَه في الدفاع عن دين الله والأمة الإسلامية وإقامةِ العدل بين المسلمين، فمن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمرَ رضي الله عنه: “والذي نفسي بيده ما لَقِيَكَ الشيطانُ سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا غيرَ فجِّك”. وروى الترمذيُ وابنُ ماجه والحاكمُ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أشدُّ أمتي في أمر الله عمر”. ولقد أُثِرَ عن سيدنا الفاروق رضي الله عنه الكثيرُ من المواعظِ والحكمِ البليغة، فمن ذلك قولُه رضي الله عنه “حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهونُ عليكم في الحساب غدًا أن تحاسِبوا نفوسَكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية. وفي كلامه هذا رضي الله عنه حثّ على محاسبةِ العبد نفسَه وكبحِ جِماحِها وكفِها عن هواها ليَسلمَ في دنياه وءاخرتِه. ومن كلامه رضي الله عنه مَن كَثُرَ ضَحِكُه قلّت هيبتُه، ومن كَثُرَ مَزحُه استُخِفَ به، ومن أكثرَ من شيء عُرِفَ به، ومن كثُر كلامُه كثُر سَقَطُه، ومن كثُر سقطُه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعُه، ومن قلّ ورعُه مات قلبُه. وهذا من عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه توجيهٌ وجيهٌ لما ينبغي أن يكونَ عليه المرءُ من الاتّزانِ والرزانة، فلا يُكثرُ من الضحك بدون سبب ولا يكثر من الْمِزاح كي لا تَقِلَّ هيبتُه في نفوس العباد وبالتالي يَقِلُ انتفاعُهم به وتأثُرهم بما يقولُ من إرشادات وتوجيهات، وكذا فإنّ كثرةَ الكلام في غير منفعة وغيرِ مصلحة لا خير فيه، ولذا ينبغي للعاقل أن يراقبَ نفسه فيما يقول وما يفعل. ومن كلامه رضي الله عنه “لا تَظُنَّ بكَلِمَةٍ خَرَجَت من امرِئ مسلمٍ شرًا وأنت تجدُ لها في الخير محمَلاً”. ومن جملة كلامه أيضًا قوله: ثلاثٌ يصفو بهن وُدُّ أخيك: تُسَلِّمُ عليه إذا لقيتَه وتفسحُ له في المجالس وتناديه بأحبِ الأسماء إليه، ذكر ذلك ابنُ الجوزي في مناقب عمر بلفظ ءاخر وحاصلُه يُفهِمُ أهميةَ أن تجتمعَ هذه الخصالُ الثلاثةُ في المرء المسلمِ مما يزيد في أواصِرِ التَماسُكِ والوَحدةِ ليقومَ المجتمعُ على أُسُسٍ سليمةٍ متينة. هذا وليعلم أنه ورد عن عمرَ أيضًا كلامٌ مفيد في الطِب فمن ذلك قولُه: “إياكم والبُطنة فإنها مكسلةٌ عن الصلاة مؤذيةٌ للجسم، وعليكم بالقصدِ في قوتكم فإنه أبعدُ من الأشَرِ أي البَطَرِ وأصحُ للبدن وأقوى على العبادة. وهكذا نصِل ُإلى نهاية حلقتنا هذه لنحدثَكم في الحلقةِ القادمةِ من سلسلةِ مختصر سيرة الخلفاء الراشدين عن توليه رضي الله عنه الخلافةَ فتابعونا وإلى اللقاء.