الخميس نوفمبر 21, 2024

#49 3-5 المعاصي المتعلقة باللسان

الحمد لله مكوّن الأكوان الموجود أزلا وأبدًا بلا مكان، أما بعد نتابع الكلام في معاصي اللسان فنقول متوكلين على الله إنّ من معاصى اللسانِ شهادة الزور. والزورُ معناه الكذب وهو أكبر الكبائر أي شهادة الزور من أكبر الكبائر. بل إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شبّهَها بالشرك من عُظْمِهَا من غير أن تكون كفرًا.

ومن معاصي اللسان مطلُ الغَنِىِّ، أى تأخيرُ دفعِ الدّيْنِ مع غِناَهُ أى مقدِرَتِهِ وهو من جملةِ معاصِى اللّسان لأنّه يتضمّنُ الوعدَ بالقول بالوفاء أى يَعِدُهُ أنه يَفِى له ثم يُخْلِفُ. فمن هذه الحيثية له علاقة باللسان، فمَن فعلَ ذلك جازَ للحاكم أن يعاقبه حتى يفِىَ بالدّين وأن يُحَذَّرَ منه، وذلك لحديث أبى داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَىُّ الواجدِ مَطْلٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وعُقُوبَتَهُ”. والواجد يعنى الذى عنده ما يدفَعُ به الدَين، واللَّىُّ يعنى المطل والتأخير. يعنِى إذا كان يستطيع السَّدَاد وحان الأجل فَتَمَنَّعَ عن دفع الدَين جاز أن يُذَمّ للتحذير منه وحلَّ أن يُعاقَب أى بالحبسِ والضرب ونحو ذلك.

ومن معاصي اللسان شتمُ المسلم بغيرِ حق، وهو ذنبٌ كبيرٌ ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فُسُوق، كما روى ذلك مسلم. ومثل ذلك لعنُهُ من غير عذرٍ شرعىٍ، فإنّ رسول الله عليه الصلاة والسلام شبَّهَهُ من عُظْمِهِ بقتل المسلم بقوله صلى الله عليه وسلم: “لَعْنُ المسلمِ كَقَتْلِهِ” رواه مسلمٌ وغيره. وأما لعذر شرعى فهو جائز وذلك إذا كان فاسقًا للتحذير منه أو لزَجْرِهِ عن معصيتِه.

ومن مِنْ جُملةِ معاصِى اللسانِ الاستهزاءُ بالمسلمِ أى التحقيرُ له. وكذلك كلُّ كلامٍ مؤذٍ له أى بغيرِ حقٍ. ومثل الكلام المؤذى للمسلم الفعلُ والإشارةُ اللذان يتضمنانِ ذلك. فقد يُهينُ الشخصُ شخصًا ءاخرَ بمجرد الإشارة بيده أو برجله فيكسر قلبه بذلك، هذا مثل الكلام المؤذى حرام.

و من معاصى اللسان الكذِبُ على الله عزّ وجلّ وهو من كبائرِ الذنوب. ومثل ذلك فى كونِه كبيرةً الكذبُ على الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم هذا الكذب قد يَصل إلى درجةِ الكفر وقد لا يصل. وذلك مثلُ الذين كذَبُوا على الله فزَعَمُوا أنّ الملائكةَ بناتُ الله، هذا كذبٌ على اللهِ وهو كفرٌ. ومثلُ ذلك فى كونه كفرًا مَنْ يَضَعُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قولًا يعلمُ أنَّ فيه تكذيبٌ لشريعةِ الرسول. وقد جاء فى الزَّجْرِ عن الكذبِ على الرسول عليه الصلاة والسلام حديثٌ متواتِرٌ رواه البخارىُّ وغيرُه: “مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمّـِدًا فَليَتَبَوّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النار”. وهذا زجرٌ بَلِيغٌ عن الكذبِ على الرسول عليه السلام حتى لو كَذَبَ الإنسانُ لترغيبِ الناسِ فى فعلِ طاعة فهو كبيرةٌ من الكبائر، مثلُ أن يقولَ “قال رسولُ الله من صلَّى صلاة الوتر فله كذا وكذا من الثواب” هذا حرام، وهو يعرف أنّ الرسول ما قال هذا الكلام. فهذا من كبائر الذنوب والعياذ بالله .

ومن معاصى اللسانِ الطلاقُ البدعىّ. وهو أن يطلّـِقَ زوجتَهُ وهى فى الحيض أو فى النفاس، أو أن يُطَلّـِقَها فى طُهْرٍ جامعَهَا فيه أى أن يُطلّـِقها بعد أن جامعها فى طهر قبل مُضِىِّ ذلك الطُّهر. هذا هو الطلاقُ البِدعِىُ وهو حرامٌ لكنّه يقع. فالطلاقُ ثلاثةُ أنواع: سُنّـِى؛ وبِدْعِى؛ ولا ولا، يعنى لا سُنىٌّ ولا بدعىٌّ هذا معنى لا ولا.

* النوعُ الأول أى السنىّ ومعناه الذي لا معصية فيه هو أن يطلقَ زوجته فى طهرٍ لم يجامعها فيه.

* والنوعُ الثانى أى البدعى هو ما تقدّم شرحُهُ.

*والثالث هو لا ولا أى لا سُنّىّ ولا بدعِىّ وهو طلاقُ الصغيرة التى لم تحِض بعد أو الآيِس التى انقطع عنها دمُ الحيضِ أو الحامل. وقولنا “سُـنّى” لا يعنِى أنّ له ثوابًا فى الطلاق على الإطلاق، إنما المعنى أنه وافَقَ الحال التى أذِنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يوقَعَ الطلاق فيها.

والله أعلم وأحكم. نقف هنا الآن ونتابع إن شاء الله ما بدأنا به في حلقة مقبلة فتابعونا وإلى اللقاء.