#49 10-24 سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام
الحمد لله مكوّن الأكوان الموجود أزلا وأبدا بلا مكان نكمل إن شاء الله قصة سيدنا موسى وهارون عليهما السلام وما حصل معهم مع سحرة فرعون. ألقى سحرة فرعون حبالَهم وعِصِيَّهُم التي كانت معَهم وإذا بهذه الحبالِ والعِصِيّ يُخَيَّلُ للناسِ الحاضرين أنها حياتٌ وثَعابين تتحركُ وتَسعى، وأمامَ هذا الموقفِ الْمُثيرِ المستغرَبِ خافَ موسى على الناسِ أن يُفتَنوا بسحرِ السَحَرَةِ قبلَ أن يُلْقِيَ ما في يدِه، ولكنَّ الله تعالى ثبّتَهُ أمامَ هذا الجمعِ الزاخِرِ من السحرةِ وأوحى إليه أن لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى أيِ الغالبُ المنتصرُ عليهم. وأمرَه الله تعالى أن يُلقِيَ عصاهُ التي كانت في يَدِه، فلما ألقاها عليه السلام إذا هيَ تنقلِبُ إلى حيةٍ حقيقيةٍ عظيمةٍ ذاتِ قوائمَ وعُنُقٍ عظيمٍ وشَكلٍ هائلٍ مُزعج، بحيثُ إنَّ الناس الذين كانوا بالقُربِ منها انحازوا وهربوا سِراعًا وتأخّروا عن مكانِها، وأقبلَت هذهِ الحيةُ على ما ألقاهُ السَحرةُ من الحبالِ والعِصِيّ والتي خُيِّلَ للناسِ الحاضرين أنها حياتٌ تسعى فَجَعَلَتْ تَلْقَفُهُ وتبتَلِعُهُ واحدًا واحدًا وفي حركةٍ سريعةٍ والناسُ يَنظرونَ إليها مُتَعَجِبينَ لهولِ ما رأوْا وشاهدوا أمامَهم، وأما السَحَرةُ فإنهم رأوْا ما هالَهُم واطّلَعوا على أمرٍ لم يكن في بالِهم ولا يَدخُلُ تحتَ قُدرتِهم وتَحقَّقوا بما عندهم من العلم أنّ ما فعلَه موسى عليه السلام ليس بِسحرٍ ولا شَعوذةٍ وأنَّ ما يدعو إليه ليسَ زورًا ولا بُهتانًا، وكشَفَ الله تعالى عن قلوبِهم غِشاوةَ الغَفلةِ وخَلقَ في قلوبِهم الاهتِداءَ والإيمانَ فآمنوا وخرّوا له ساجدين وأقرّوا بوَحدانيةِ الله تعالى لأنهم أيقنوا أن ما جاءَ به موسى ليس من قَبيلِ السحرِ وإنما هو ءايةٌ من ءاياتِ الله تعالى الباهرةِ خلقَها الله تعالى وأظهرَها بقدرتِه على يدِ رسولِه موسى عليه السلام لتكونَ بُرهانًا ساطعًا على صِدقه فيما جاءَ به وبلَّغَهُ عن اللهِ تعالى، لذلك أعلنوا إسلامَهم وإيمانَهم جهرةً أمام الحاضرينَ وفيهم ملِكُهُم فرعون وأهلُ دولتِه غيرَ ءابهينَ بفرعونَ وسَطْوَتِه وقالوا: ءامنّا بربِّ العالمين ربِّ موسى وهارون، ولما رأى فرعونُ هؤلاءِ السحرةَ قد أعلنوا على الملإ إسلامَهم وإيمانَهم وأشهروا ذِكْرَ موسى وهارونَ عليهما السلام في الناسِ على هذه الصِفَةِ الجميلةِ أفزَعَهُ ذلكَ وبَهَرَهُ وأعمى بَصيرتَه، وكانَ فيه كيدٌ ومَكرٌ وخِداعٌ في الصَدِّ عن سبيلِ الله، فأرادَ فرعون أن يَسْتُرَ هزيمَتَهُ ويَستَعيدَ هَيْبتَه فقالَ مُخاطِبًا السحرة بمكرٍ وخِداعٍ وبحضرةِ الناس: {ءامَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن ءاذَنَ لَكُمْ} ومع ذلك ثَبتَ السحرةُ على الإيمانِ والإسلامِ ولم يُبالوا بوعيدِ فرعونَ وتهديداتِه بلْ واجهوهُ بكلِ جُرأةٍ رافضينَ تَسَلُطَهُ وهَيْمَنَتَهُ، وءاثروا الحقَ الذي جاءَ به موسى وهارون على فرعونَ وجَبروتِه، وءاثروا الآخِرةَ الباقيةَ ودارَ النعيمِ الدائمِ على الدنيا الفانيةِ الزائلةِ، ونفّذَ فرعونُ الطاغيةُ تهديدَه ووعيدَه فصَلبَ هؤلاء السحرةَ الذين ءامنوا وتابوا وقطّعَ أيديَهم وأرجلَهم وقتلَهم ليُروِيَ غليلَه الحاقِدَ دونَ أن يستطيعَ ثَنْيَهُم عن الإيمانِ والإسلام، فماتوا شهداءَ أبرارا قد نالوا الدرجاتِ العُلى رِضوانُ الله عليهم أجمعين، فقد كانوا أولَ الأمرِ سَحرةً فُجّارًا ثم صاروا بعدَ قتلِهِم ظُلْمًا شُهداءَ بَررة، والله تعالى يُعطي الفضلَ من يشاء، والله تعالى ذو الفضلِ العظيم. والله تعالى أعلم وأحكم، نتوقفُ هنا لنتابعَ في الحلقةِ القادمةِ بإذنِ الله بعضَ القضايا والقَصَصِ المهمةِ في نفسِ السياق فتابِعونا وإلى اللقاء.